العالم لا ينتهي بإنفجار بل بصمت غريب ... و شيء يتنفّس في العتمة. كان اليوم يبدأ كأيّ يوم عادي أو على الأقل هكذا إعتاد الناس أن يعتقدوا . سماء رماديّة ، شوارع مليئة بالأنفاس المتسارعة ، أبواق السيّارات ، همسات البشر في عجلة من أمرهم ....
لكن في تمام الساعة 08:42 صباحًا ، توقّف كل شيء .
السيارات تجمّدت في منتصف الطريق ، الشاشات إنطفأت ، الطيور سقطت ميّتةً من السماء لكن الأشدّ رعبا ؟ أنّ البشر بقوا واقفين ، أنفاسهم مستمرة لكن عيونهم إنطفأت كأنّ الروح غادرت فجأة .
ثواني معدودة كانت كفيلة بأن تعيد تعريف مفهوم الصمت .
في وسط هذا الفراغ البارد .... كان فيليكس جالسا على سطح مبنى قديم ، مدينته تدعى نيروسي و تقع في جنوب ميرافيليا وهو بلد غارق في التقدّم الزائف و الابتسامات الصناعية.
فيليكس ذو 18 سنة كان ينظر إلى الأفق بخير تام .
ليس لأنّه لم يرى شيئا ..... بل لأنّه رأى نفس الشيء كلّ يوم منذ أعوام : النّأس تسير و تنجح و تضحك .... وهو يبقى عالقا .
مرّ اليوم كالمعتاد ... إلى أن بدأ الهواء يتنفّس .
كان صوتا لا يسمع بالأذن بل يُشعر داخل الجسد .... كأن المدينة كلها بدأت تشهق ببطء ، إستعدادًا لزفيرٍ كارثي .
و في لحظة بدأ الناس يسقطون على الأرض ... ثمّ يتحوّلون .
التحول لم يكن جسديا فقط .
لا دماء ، لا طفرات بل شيء أعمق .
إمرأة تنهض من الرّصيف بعينان سوداويتان تماما .
طفل يتوقّف عن البكاء و يبتسم إبتسامة باردة ثمّ يمشي نحو حائط و يبدأ بالهمس له.
رجل يشقّ صدره بيده كأّن شيئا بداخله يريد الخروج .
فيليكس لم يتحرك و لم يكن خائفا و كان هناك شيء بداخله يقول :" لقد تأخروا كثيرا .... لقد إنتظرت هذا منذ سنين".
لكن في لحظة يصرخ صراخا لا يشبهه .
صوت لا يصدر منه بل بل يخرج من داخله مباشرة ... من شيء نسي أن يملكه .... من ظلّه .
بدأ الناس يلتفتون نحوه ، أعينهم الميّتة تضيء كأنّهم تعرّفوا عليه .
واحد منهم همس : "أنت هو ...... الفتحة ، أنت من كسر الباب الأول "
فيليكس لم يفهم أو ربّما فهم لكنه رفض .
هرب إلى الداخل هاربا من نظراتهم و صوت أمه يرنّ في رأسه ، رغم أنها ميّتة منذ عامين :
" لا يوجد مكان تخفي فيه نفسك من نفسك يا فيليكس " .....
في الخارج بدأت الكائنات تتشكل .
أول من ظهر كان جسده مكوّنا من وجوه بشريّة ، كل وجه يصرخ بطريقة مختلفة .
تبعه مخلوق ضخم ذو أجنحة حجرية و عين ثالثة تنظر مباشرةً نحو قلوب الناس ثمّ كائن بل فم ..... لكنّه يتحدث داخل العقول .
العالم إنتهى ..... لكن لم يمت أحد .
فيليكس جمع حقيبته ، لا طعام و لا أسلحة. فقط دفتر قديم فيه أسماء و أرقام.....
و ورقة واحدة كتِبَ فيها منذ عامين : فرنسا = الخلاص .
خرج من الباب وهو يسمع صوتا داخليا يقول :
"إذا ذهبت إلى فرنسا ستجد النور .... بل ستجد نفسك ."
في لحظة قبل أن يغادر ، يرى في المرآة على الجدار إنعكاسا لا يشبهه .
كان هناك ولد صغير بعينان داميتان يحمل سكينا وهو يقول :
" أنت قتلتني منذ زمن يا فيليكس و الآن جاء دوري لأعيدك إليّ .
فجأة ظهر صوت قوي يعم المدينة .
" البوابة فتحت .... و البشر سيفهمون الآن ماذا يعني أن يولدوا على انقاض خطيئة ."
يتبع ..............