الظّلام لا يعني غياب النّور ، بل سيطرة شيء آخر .

شيءٌ لا يهمّه معنى الحياة ، لا يملك أخلاقا ، و لا يخضع للقوانين.

الظلام الحقيقي.....هو حيث وُلدت المدينة الميّتة.

الصّبح لا يشرق ، السماء رمادية و الضباب يشبه الدّخان .....لكنّه أبطأ ، أسمَكْ و كأنّه يتنفّس.

الشارع مغطّى بالجثث ، لا أحد يدفن أحدا لأنّ الجميع يحاول ألاّ يُدفنْ .

وسط ذلك.....يقف ستيفان .

عيناه زجاجيّتان لا رمش فيهما .

يحمل جمجمة بشريّة بين أصابعه و يطحنها ببطء .

يده تقطِّر دمًا ، لكن وجهه لا يتحرّك .

و يتحدّث إلى العالم كله :

" أنتم مخلوقات تدّعي أنّها تشعر لكنّكم تخونون بعضكم من أجل قطعة خبز .

تتكاثرون بلا هدف .....تُحبّون بلا إخلاص ..... و تحلمون و كأنّكم خالدون .

و الآن ....جاء وقت الحساب ."

ثم يرفع الجمجمة إلى السماء و يكمل كلامه :

" هكذا تبدو النهاية.....لا نيران .....فقط صمت و زحف بطيء نحو النسيان ."

يضغط على أصابعه ، و الجمجمة تتحول إلى مسحوق .....يسقطه على وجهه كرماد مقدّس :

"أنا تذكير .....بأنّكم لستم ضروريين ."

و في مكان قريب داخل مبنى منهار ، فيليكس، زين و مايلوك يجلسون حول نارٍ خافتة .

زين يلفُّ ذراعه بضماد ممزّق .

مايلوك يعيد برمجة ذراعه الميكانيكية بصمت أما فيليكس فهو يأكل قطعة خبزٍ جافّة و كأنّ ما حوله طبيعي .

زين يحدّق فيه : "أنت طبيعي أكثر من الازم. "

فيليكس يبتسم ، دون أن ينظر إليه :

" الطبيعي.....هو أن نتحوّل مع الكارثة ، لا أن نموت معها ."

مايلوك : " أنت لا تشبه من يحاول النجاة....بل من يراقب التّجربة ."

فيليكس بصوت بارد : " أنا لا أحاول النجاة.....بل أحاول الوصول ."

_ " إلى ماذا ؟"

_ فرنسا .

_ "حقًّا ؟! "

_ " هناك .... كلّ شيء يبدأ. "

فجأة يهتزّ المبنى .

زئير لا يشبه زئير الزومبي .....بل شيء آخر .

وحوش تخرج من الضباب ....أشكال لا منطق لها :

وحش بلا رأس ، يمشي على خمسة أيادي .

سحليّة بحجم سيّارة ، لها فكّان على كل جانب .

مخلوق مغطّى بالعيون .

كائن حجري ينبض قلبه خارج جسده .

زين يرتجف : " ما هذا ...... ؟! إنّهم ليسوا زومبي !"

مايلوك : " هؤلاء .... من المدينة الميّتة " .

في الخارج ، ستيفان يرفع يده .....و الوحوش تتوقف .

ثم يقول :

" أنتم أحياء لأننا لم نبدأ بعد .

هذه مجرّد همسات من الجحيم .

عندما يأتي دايمن .....ستتحوّل الأرض إلى ذاكرة، و السماء إلى قبر ."

يمشي وسط الوحوش كأنّها كلابه ثمّ يتّجه نحو الكاميرات المحطمة، نحو الشوارع الخالية ، نحو العيون التي قد تراه يومًا ، و يكمل خطابه للبشرية من خلال الدمار :

" من اليوم ، لا يوجد أب ، لا أم ، لا منزل .

كلكم يتامى في كتاب الموت .

إحفظوا هذا جيدا .....

الإنسان ليس تاج الخليقة ، بل خطأها الأخير ."

فيليكس يراقب الوحوش بصمت .

عيناه لا تملآن رعبا ، بل هدوءًا ....و شيئا آخر : ترقّب .

مايلوك يلاحظ ذلك .

زين يهمس : " فيليكس هل أنت خائف ؟"

فيليكس يرد وهو يغلق دفتره : " لا .

أنا فقط ....... أرى الأمور أخيرا بوضوح ."

يتبع .............

2025/05/29 · 2 مشاهدة · 514 كلمة
دابي
نادي الروايات - 2025