في قلب المدينة الميّتة......كان هناك صمت مؤقّت .
ليس لأنّ الخطر إختفى ، بل لأنّ الكارثة تتنفس، تتهيأ و تنتظر .
داخل مبنى نصفه محترق ، و نصفه الآخر مغطّى بدماء قديمة ، جلس الثلاثة في غرفة صغيرة محصّنة بألواح حديديًّة .
فيليكس يجلس قرب النافذة المهشّمة ، يكتب في دفتره كأنّ العالم لا يعنيه .
مايلوك يصلح مِفْصَلًا في ذراعه المعدنية ، عينه الباردة تراقب التفاصيل.
زين يلفُّ سجارة ممزّقة من أوراق كتب ، يحاول أن يبقي ذهنه مشغولا .
و بعد قليل ،
زين : " تعتقد أن الموت أسوء شيء؟ جرب أن تبقى حيّا و أنت تتمنى الموت كل لحظة ."
ينظر إليه مايلوك دون إنفعال : " تسمّي هذا شعورًا ؟ الإنسان يفتخر بألمه كما يفتخر بالحياة . كلاهما قابل للبرمجة. "
فيليكس يردّ بهدوء دون أن يرفع نظره : " و هل أنت مبرمج يا مايلوك؟ "
_ " أنا نتيجة قرارات بشريّة....و هفوات بشريّة. هل هذا يجعلني أقلّ بشرًا ؟"
زين يتنهّد : " كلكم تتحدثون و كأنّكم تعرفون لماذا أنتم هنا . أنا ....كنت فقط أحاول الهروب من نفسي ."
يصمت الثلاثة.
ثم يهمس فيليكس وهو يطوي دفتره : " أنا ذاهب إلى فرنسا. هذا كل ما أعرفه ."
_ "فرنسا؟! في هذا الجحيم ؟"
_ "حتى الجحيم.....له أبواب خلفية. "
و يخرج الثلاثة من مخبئهم ، باحثين عن مكان آمن .
المدينة الميّتة بالإسم ، حية بالكوابيس.
يمرّون بجثث متفحّمة .
أطفال متجمّدين في أوضاعهم الأخيرة .
تماثيل من بشر تحوّلوا إلى حجر وهم يصرخون .
يختبئون من زومبي متّصلين بسلاسل لحميّة بجدران الأبنية ، و كأنّهم أوردة حيّة للمدينة .
وحوش لها أرجل من العظام ، و أذرع من صراخ بشري .
يمرّ وحش مكوّن من رؤوس يصرخ بإستمرار.......
كلما نظرت إليه صرخت إحدى الرؤوس بإسمك .
زين يصرخ : "هذا المكان صنع من كوابيسنا. "
مايلوك يردّ : " أو ربّما.....نحن فقط نرى حقيقتنا أخيرا ."
من أعلى برج متهالك ، يظهر ستيفان.
جسده مغطّى بعظام ميّتة ، سلاسل تجرُّ خلفه أجسادا حيّة مقلوبة على وجوهها.
في يده خنجر مصنوع من فك بشري مغطّى بالدماء.
يتحدّث بصوت هادئ لكن كل من في المدينة الميؤؤس منها يسمعونه :
" هل تشعرون بذلك ؟ الأرض تنكمش كما تنكمش أرواحكم . هذا ليس غزوا ..... بل ولادة جديدة لتصبحوا مثلنا ."
" أينما تهربون ، ستجدون ظلّي قبلكم ، لأن الموت لا يسير ..... بل يسبق ."
يمسك بجثة أحد الأسرى و يفتح جمجمته بأصابعه و يستخرج الدماغ ثم يهمس له : " حتى هذه لم تفكر قط....مجرد وهم كهربائي. كلكم هكذا ."
يأكل جزءًا من الدماغ وهو يبتسم :
" أنا الذراع اليسرى لملك الزومبي .....لكنّي لست مجرد تابع.......أنا صوته حين يصمت ، و غضبه حين يضحك ."
و في الجهة المقابلة ، يصل الثلاثة إلى محطة قطار قديمة مهجورة ، بها ممرّ ضيّق يؤدي إلى الأنفاق السفلى .
فيليكس ينظر إلى الظلام دون خوف .
مايلوك يجهّز ذراعه للإحتمالات الأسوأ .
زين يشعل آخر سجارة معه .
يقول فيليكس : " هناك سنرتّب خطواتنا.....و بعدها نتابع لكن لا تنسوا هذه ليست مجرد نجاة .
هذه بداية الحرب ، و صوتها يأتي .....من الداخل أوّلاً ."
يتبع............