أحمر، أحمر،. أحمر، أحمر، أحمر، أحمر...
هذا اللون يطغى على بصري، الأرض لا تختلف في شكلها عن السابق، تصميم شطرنجيّ و لكن هذه المربعات سوداء و حمراء، ليس هذا فقط، الرؤية... الرؤية صعبة هنا، هناك ضباب، ضباب أحمر اللون، ماذا أيضاً؟ سقف... نعم سقف، هناك سقف هنا
نظرت من حولي، يوجد أعمدة ضخمة ترفع هذا السقف في وسطها شعلات نارية، و كأن المكان لا تنقصه مزيد من الحمرة بالفعل
يبدوا أنني داخل قاعة دائرية الشكل بسقف مرتفع، الجدران كانت حمراء اللون كما هو متوقع و من دون أي فتحات فيها، لا يوجد أبواب أو نوافذ، هذا المكان قاعة مغلقة حرفياً

و بالطبع لم أكن الوحيد هناك، ليليا كانت على بعد بضعة أمتار ترفع مطرقتها هائلة الحجم و تلوح بها في الهواء، يبدوا أنها تقاتل شيئاً ما

هيئة بشرية... ضخم جداً... أحمر... درع أحمر ثقيل... عباءة حمراء... سيف عريض أبيض

يشبه كثيراً حامل الرمح ذاك، فلا شيء يظهر من جسده لأنه مغطى بالكامل بخوذة و درع شديدي الصلابة

هذا المدرع الأحمر، و بالرغم من منظره المخيف لم يبدوا قوياً، حسناً لا، هو قوي جداً لدرجة أن كل ضربة من سيفه تجعل جسدي، أنا الذي يشاهد من بعيد، يرتعش
الأمر لا يتعلق به بل بالشخص الذي يقاتله، بالمقارنة مع ليليا ضرباته تبدوا و كأنها لا شيء
في حين يستعمل المدرع الأحمر كل جسده و مستفيداً من تفوقه في الحجم لتوجيه أقوى ضربة ممكنة فالفتاة أمامه تتصدى لسيفه بمطرقتها دون أن تحرك جفناً حتى
الطريقة التي تجعل بها ليليا القتال مع هذا الشيء المرعب تبدو في غاية السهولة تجعلني أرغب في الضحك

ربما كنت سأضحك بالفعل لكن بدل ذلك وجدت نفسي أتدحرج على الأرض، كنت أعلم أن تلك العباءة التي كانت تغطي جسمي ستعيقني لذا تخليت عنها
عندما التفت للخلف كانت ممزقة، لا بل هي مدفونة في الأرض تحت نصل سيف يشبه تماماً سيف المدرع الذي تقاتله ليليا الآن
انتظر ، هناك فرق واحد فقط، هذا النصل ليس أبيض بل أخضر اللون إنه يذكرني بحربة ذاك الرمح، حامل هذا السيف لا يختلف في شكله أو حجمه أو حتى لباسه عن المدرع الأحمر لكن لونه بالكامل أسود بدل الأحمر إنه نفس لون حامل الرمح الذي قاتلته ليليا سابقاً

لكن قبل كل شيء ما كان هذا؟ لقد ظهر خلفي فجأة، لا أعلم كيف لكن أنا شعرت بحركة سيفه في الهواء بطريقة ما، لذا كل ما أعلمه أنني ارتميت على الأرض بشكل غريزي - لا حتى بالغريزة ما كنت لأستطيع تفاديه
ربما من المفترض أن أستغرب من شيء آخر الآن، أنا متأكد من أن هذا المكان مغلق بالكامل إضافة إلى أن عدد من كانوا هنا هم 3 بمن فيهم أنا، إذن من أين أتى هذا الشيء؟ كيف دخل إلى هنا؟

هو يقف أمامي الآن، لازلت شبه راكع على الأرض لذا هذا ليس طولي الحقيقي لكن إن وقفت بجانبه فأنا متأكد من أنني لن أصل لمستوى صدره حتى
حجمه، شكل درعه و لونه الأسود، عباءته و سيفه أخضرا اللون، كل شيء فيه متماثل بشكل يجعله يبدوا في مظهر فائق الروعة
هذا ليس الوقت المناسب للإعجاب بمن يحاول قتلي، سيفه الآن مرفوع أعلى رأسه، هو يستعد لإسقاطه عليّ، ليست مشكلة، يمكنني تفاديه، علي فقط أن أنتظر اللحظة التي يتحرك فيها السيف، فقط أقل حركة و عندها سأرمي بنفسي ثانيةً
أنا أركز الآن بالكامل على السيف و ذراعي حامله، يمكنني سماع أنفاسي و دقات قلبي بوضوح، إن نظرت إلى نفسي بطريقة ما فأنا متأكد من أنني سأرى إنعكاس نصله الأخضر على خلفية السقف المرتفع الحمراء في عينيّ

أصابعه... أصابعه تحركت، هو سيفعلها الآن، يمكنني فعلها، أستطيع تفاديه، السيف يتحرك، ينزل ببطئ، أنا أراه بوضوح، إلى اليمين، سأقفز إلى اليـــ... اليمين؟! السيف! اتجاه السيف تغير في آخر لحظة، لحسن الحظ استطعت إيقاف نفسي، في الوقت نفسه سيفه توقف أيضاً
هل كان يعلم بأنني سأتحرك لليمين؟ لا ، هو لم يكن يعلم بل أنا من أخبره، ظننت بأنني أنا الذي كان ينتظره و لكن هو الذي كان ينتظرني، أنا تسرعت في الحركة، بمجرد أن قام بأبسط تغيير في وضعيته ظننت أنه سينزل سيفه عليّ ثم قمت برد فعل متسرع جداً، بمعنى آخر أنا من قام بأول حركة و ليس هو
على الأرجح هو احتسب المسافة التي سأقطعها إلى اليمين خلال المدة التي سيستغرقها سيفه في الوصول إليّ، لذا كانت ضربته منحازة إلى الجهة اليمنى بشكل كبير
في اللحظة التي توقفت فيها علم بأنه فشل، لذا توقف في المنتصف، لكن مازالت لديه فرصة إن غير من اتجاه ضربته، المشكلة أنه في وضعيته هذه أقصى ما يمكن لسيفه الإنحراف إليه هو الوسط، إن قفزت لليسار فيستحيل أن يصيبني، و هذا ما فعلت
لكنه فاجأني مجدداً، هو لم يستمر بل أوقف ضربته بالكامل و وجّه مقدمة سيفه إلى جانبه الأيمن و الذي يوازي الجهة التي قفزت إليها
ظننت أنه يحاول القيام بحركة ماكرة أخرى لكني كنت مخطئاً
هو لم يكن يستهدفني، بالأحرى إيقافه لضربته في منتصف طريقها سابقاً لم يكن بسبب ردة فعلي، هو تخلى عني تماماً منذ تلك اللحظة، حركته تلك لم تكن هجوميّة بل دفاعية، كان يحمي نفسه

من ماذا؟

مقدمة سيفه كانت موجهة ليمينه أي يساري أنا، و في اللحظة التي استقر فيها بصري على سيفه، جسم ما قام باختراقه، أعني أن الجسم من ارتمى على السيف و جعله يخترقه و ليس العكس
لقد كان المدرع الأحمر، لم يرتمي على سيف المدرع الأسود بل تم رميه عليه، السيف الأخضر الآن يخترق جسد المدرع الأحمر بالكامل

ليليا كانت بالجهة المقابلة، يبدو أنها قذفت بالمدرع الأحمر بضربة قوية من مطرقتها

عندما نظرت إليها أعيننا تقابلت، نظرتها مليئة بالسخط، هي صرخت عليّ قائلةً ” تحرك ! “
بالطبع كنت أفهم قصدها، المدرع الأسود كان ينزع الجثة العالقة في سيفه لذا استفدت من ذلك و اقتربت منها مبتعداً عن الخطر
ليليا تكلمت بينما كنت أمر بجانبها
” كانت هذه أسرع عملية عد لمائة رأيتها في حياتي“ هل كانت هذه دعابة؟ لا أظن
” أنت غاضبة؟ “
” اوه بالطبع نعم ، أنظر ماذا فعلت، من المفترض أننا في الطابق التالي الآن “
”... هاه ؟ “

لست متأكداً لكن هل هي تضحك بسخرية الآن؟

” أنت لم تضف وحشاً آخر فحسب بل هو وحش كارثة أيضاً، و فوق هذا إنها مرتك الثانية اليوم، لا أعلم من أنت لكن حظك مشكلة كبيرة “

لم أفهم شيئاً مما قالته و لا أظن أنني في حاجة لذلك الآن و في هذا الوضع

ما قالته تالياً استثناء

” تراجع إلى حافة القاعة نحو الجدار، لا تتحرك من هناك... إلا إذا مت أنا “

إذا تم قتلك فأشك بأنني سأتحرك بعدها و للأبد
لم أجد ما أفعله عدى تنفيذ كلامها، لست أفهم الأمر لكن حسب كلامها فأنا أشكل عبئاً عليها، قدومي هنا بسرعة كان خطئًا، لكن لماذا؟ سأسألها لاحقاً

اقتربت من الجدار الدائري الذي يحيط بهذا المكان، القاعة كانت واسعة ناهيك عن الأعمدة السميكة و العالية هنا و هناك لذا أنا بمأمن هنا، طبعاً طالما ليليا تقاتل هناك

نظرة واحدة تكفي لتمييز الأمر، هذا المدرع الأسود أو ما يبدو و كأنه وحش حسب كلامها مختلف بالكامل عن الوحش الأحمر الذي كانت تقاتله قبل قليل
كل ظربة، كل حركة، يبدوا حذراً و مستعداً لأي هجوم مرتد من تلك المطرقة المرعبة، ضرباته لا تختلف في قوتها عن ضربات الوحش السابق لكنها أسرع بكثير، ليليا بدت أكثر جدية في قتالها هذا
مع ذلك هي تجبر على التراجع للخلف، ضربات خصمها كانت سريعة و حادة، لم يكن يحاول الاستعراض أو تأدية حركات مبالغ فيها، هو يكتفي بضربات بسيطة و لكن فعالة، السرعة كانت تمنع ليليا من رد الهجوم و أي فرصة لالتقاط أنفاسها

لا، هذا ليس كل شيء، سرعة خصمها لم تكن العامل الوحيد
في وسط هذه القاعة المساحة مفتوحة و لا يوجد أي أجسام صلبة في المكان، لكن إن اقتربت من الأطراف فستكون هناك تلك الأعمدة الخاصة بالسقف، و هذه الأعمدة تزداد كثافة كلما اقتربت من الأطراف و ابتعدت عن الوسط، عندما تقارن حجم المطرقة التي تحملها ليليا بسيف ذاك الوحش المدرع الأسود فلا تحتاج لأي تفسير، حجم مطرقتها يتعارض مع المحيط الذي تقاتل فيه، هذه الأعمدة تمنعها من التحرك بحرية، في الجهة المقابلة السيف العريض الأخضر و بالرغم من حجمه إلا أنه ليس بضخامة مطرقة ليليا، لذا للمدرع الأسود أفضلية ساحقة ليس في الحجم الجسدي فقط بل و حتى في الإستفادة من المحيط

ليليا بدت و كأنها في وضع أشد سوءاً مع كل خطوة تتراجع فيها

” إن تراجعتي أكثر لن تستطيعي حتى التصدي له، حاولي الخروج من هناك بطريقة ما ! “

كنت أحاول نصحها عن بعد، ربما جزء مني كان يتوقع أن يتخلى الوحش المدرع عنها و يلاحقني و لكن هو ليس بهذا الغباء على ما يبدوا

ربما أستطيع القيام بشيء ما، يمكنني أن أشد انتباهه على الأقل، لكن كيف؟
ذلك الوحش يبدوا ذكياً، هو يعلم جيداً أنني لا أشكل أي تهديد عليه بما أنني غير مسلح، لذا هو يركز على الإطاحة بالقوي بيننا، أنا أشبه بحشرة تم تركها للنهاية
حتى لو اقتربت منه فلن يعيرني أي اهتمام، لماذا؟ لأنني لا أستطيع القتال، لا أستطيع مهاجمته ، لا أملك سلاحاً حتى... سلاح... سلاح؟ لا مهلاً، هناك واحد، هناك سلاح هنا، سيف المدرع الأحمر ، لكن هل أستطيع حمله أصلاً؟
لا يهم علي أن أجرب، هذا أفضل من البقاء هنا و مشاهدتها تموت

حدث هذا في اللحظة التي خطوت فيها أول خطوة نحو السيف الذي مات صاحبه قبل قليل

ليليا أطلقت ضحكة قصيرة ثم وثبت للخلف مسافة متر و نصف، مطرقتها كانت موجهة إلى الخلف، كانت تمسكها بكلتا يديها من المقبض ثم قامت بأرجحتها إلى الجانب بكل قوتها

إنتظر لحظة، هي تمزح صحيح؟

المكان ضيق، أحد الأعمدة ستعترض المطرقة، هي تعلم ذلك جيداً إذن مالذي تفعله؟
لا، ربما هي تحاول خلق مساحة لنفسها، صحيح إن حطمت الأعمدة من حولها ستحصل على مساحة كافية للتحرك بحرية، لكن هل حقاً بامكانها فعل ذلك، هذه الأعمدة سميكة جداً، هذا لا يبدوا سهلاً

أساعدها؟ هي في مأزق؟ مساحة؟ أعمدة؟... هذا هراء، بالنسبة لليليا هي لم تكن تستهدف العمود بل المدرع الأسود، من الواضح أن أي شخص يشاهد عن بعد سيتساءل إن كانت قادرة على اختراق العائق الذي يقف في طريق ضربتها أولاً، و حتى إن فعلت فضربتها لن تصل بـ 100% من قوتها
لكن كل هذا هراء
هي لم تكترث للأعمدة أو أي شيء، بل حتى إن مطرقتها اخترقت العمود كما تخترق الهواء، لا يوجد فرق، أنا جاد، تحريك مطرقتها خلال الهواء أو ذلك العمود الصلب، لا يوجد فرق بينهما
المطرقة مرت من خلال العمود و اتجهت مباشرةً نحو جسد خصمها، هو لم يكن يتوقع ذلك أبداً لذا انتهى به الأمر متلقياً الضربة في الجانب الأيسر من جسمه

الضربة لحقها مباشرةً انفجار كبير مصدره الجزء الذي أصاب المدرع الأسود من المطرقة، كان هذا مختلفاً عن الانفجارات السابقة، كان أقوى بكثير حتى أن الشظايا التي نتجت من تحطيم المطرقة للعمود تطايرت في كل اتجاه، لو لم أختبئ خلف أحد الأعمدة قربي لتعرضت لجروح خطيرة بلا شك

عندما بدأ دخان الإنفجار الهائل ينقشع، ظهر ظل ليليا و هي تحمل مطرقتها على كتفها
الوحش المدرع كان... هو لم يكن هناك
لا مهلاً لحظة، هناك شيء غريب
ربما لم ألاحظ في البداية بسبب الدخان و لكن بعد برهة ظهر المشهد بوضوح أكبر

كان من المثير للإعجاب كيف أمكنها تحطيم عمود سميك بمطرقتها لكن أن تحطم ما يقارب 7 أعمدة بالشيء الذي ضربته بمطرقتها فهذا أمر مختلف

المدرع الأسود قد تم قذفه بقوة من شدة الضربة ليخترق بجسده، ليس بضعة أعمدة فقط، بل إن جسده الآن مدفون في الجدار
لكن ما يثير الدهشة أكثر، هو أنه و بعد هذا الإصطدام العنيف، المدرع الأسود ما زال قادراً على الحركة، كيف؟ لا أعلم، لم أعد أستغرب من شيء بعد الآن
بالرغم من أنه يتحرك هو لم يستطع مبارحة مكانه
هل هو عالق في الجدار؟
يبدوا أن ظهره التصق بالجدار بطريقة ما
المدرع الأسود توقف عن الحركة ما إن وقفت ليليا أمامه، كانت تقف على السيف الأخضر، يبدوا أنه أسقطه من يده عندما تم قذفه إلى الجدار
المشهد بدى مألوفًا لي، ليليا رفعت السيف الأخضر بيد واحدة ثم قطعت به رأس مالكه
الرأس سقط على الأرض كأنه كرة بولينغ

الرأس الذي كان يتدحرج ببطء على الأرضية بعد وقوعه استقر أخيراً، ما إن حدث ذلك حتى انفجر... أو ربما تمزق ليظهر منه باب عادي أحمر اللون و بمربعات سوداء

ــــــ

كتبت قصة الرواية في كل وقت أشعر فيه بالملل و الآن فكرت بكتابتها بشكل مفصل الآن

لدي بالفعل جميع الأفكار و أعلم اتجاه و نهاية القصة مسبقاً لكن أفضل الإستفادة من آرائكم و انتقاداتكم لتعديلها

و شكراً على القراءة

2019/07/22 · 472 مشاهدة · 1955 كلمة
Ring55
نادي الروايات - 2024