7 - ضحايا الحرب(1) : مشهد #1

مرة في زمن مجهول، كان هناك طفلة صغيرة، الطفلة لم تكن كغيرها من الأطفال، هي كانت مختلفة، كانت تفهم هذا جيداً، لماذا؟ هي لا تعلم، لكن الأطفال الآخرون كانوا دائماً يبتعدون عنها، يتركونها في الخلف و يهربون عندما تأتي للعب معهم
الكبار في الميتم كانوا يقولون لها أشياء كـ” إنهم خجلون منكِ فقط، سيصبحون أصدقائك في النهاية“ أو” هم يريدون اللعب فقط“ أو” بإمكانكم أن تصبحوا مقربين“

لكن الفتاة الصغيرة كانت مختلفة، هي لم تظن أن هذا ما في الأمر، الأطفال الآخرون كانوا يضربونها بالحجارة أحياناً أو يسخرون منها بينما يهربون مبتعدين عنها
ماذا كانوا يقولون؟ الفتاة الصغيرة لم تفهم معنى تلك الكلمات التي نعتوها بها، لكن عندما سألت الكبار هم غضبوا كثيراً و منذ ذلك الوقت لم يعد الأطفال يضربونها لكنهم لم يتوقفوا عن الهروب منها، لذا تلك الطفلة كانت دائماً وحيدة

ربما لم تكن الوحدة سيئة، ربما هذا الأفضل للجميع، هذا ما كانت تقوله الطفلة لنفسها، بعد كل شيء هي مختلفة

و لأنها فتاة وحيدة فهي تقضي أوقات اللعب دائماً في أماكن بعيدة عن الأطفال الآخرين، لأنها طفلة مختلفة، لأن لا أحد يريد اللعب معها

ذات مساء، طلب من الأطفال الخروج و اللعب في حديقة الميتم، لذا الفتاة الصغيرة ذهبت لمكان بعيد... بعيد؟ ربما لو ذهبت لمكان بعيد، مكان لا أحد فيه فسيمكن للأطفال اللعب دون خوف، سيمكنهم الأكل دون النظر لفتاة وحيدة في طاولة منعزلة، سيمكنهم استعمال الحمام في أي وقت و ليس فقط الأوقات التي لا تستعمل فيها تلك الفتاة الحمام، سيمكنهم التركيز في حصص التعلم، لن يكون هناك أطفال يبكون لأنهم أجبروا على العمل مع تلك الفتاة في مجموعة، سيكون المكان أكثر سعادة، نعم، لو اختفت تلك الفتاة، الجميع سيكونون سعداء، حتى الكبار لن يضطروا لإزعاج أنفسهم لأن تلك الفتاة كانت تجلب لهم المتاعب، ألم يكن هذا ما قاله مدير الميتم عندما مرت بجانب مكتبه في الليل لتقضي حاجتها؟

الفتاة الصغيرة لم تعصي أي أوامر من قبل، لم ترتكب أي خطأ، لكن هذه مرتها الأولى، هي قفزت من سور الميتم و ركضت بكل ما لديها، ذهبت إلى أبعد مكان يمكن لقدميها الصغيرتين أن تصلا، عندما أصيبت بالتعب، توقفت لتجد نفسها وسط حقل للذرة
النباتات كانت مكتملة النمو لذا الفتاة كانت أقصر منها طولاً

الفتاة الصغيرة مشت بين النباتات لفترة قصيرة إلى أن جثمت للأسفل تتأمل إحدى نباتات الذرة
كانت هناك خنفساء تحاول تسلق نبتة الذرة، كانت تتسلق ببطئ لكن بثبات، الفتاة الصغيرة نظرت عن قرب، لم يكن هناك سبب منطقي لكن هي أرادت رؤيتها
فجأة الخنفساء سقطت على الأرض لتقع على ظهرها
الفتاة مدت يدها الصغيرة و قلبت الخنفساء، هذه الأخيرة عاودت المحاولة و التسلق ثانيةً لكنها وقعت مجدداً
الفتاة مدت يدها لتساعدها على الإتزان
لكن الخنفساء لم تفعل شيئاً سوى تسلق بضع سنتيمترات ثم وقعت للمرة الثالثة
كل مرة الخنفساء تتسلق مسافة أقل من السابقة و تعاود السقوط

الفتاة الصغيرة ظنت بأن الخنفساء أصيبت بالتعب، تماماً مثلها هي، لذا رفعتها و وضعتها في مكان مرتفع من ساق النبتة
من المفترض أن تتمسك الخنفساء و أن لا تسقط، هذا ما ظنته الفتاة ،لكن هذا لم يحدث
الفتاة رفعت الخنفساء التي وقعت للمرة الرابعة و وضعتها هذه المرة على إحدى الأوراق، لكن الخنفساء لم تتحرك، بل وقعت مجدداً
الفتاة رفعت الخنفساء ، مرة تلو الأخرى، الخنفساء إستمرت في الوقوع

كم مضى من الوقت حتى أدركت الفتاة الأمر ؟

الخنفساء توقفت عن الحركة تماماً، هي ميتة الآن، عندما حملتها الفتاة بين كفي يديها الصغيرين و قربتها من وجهها، جسد الخنفساء تفتت و تحول لرماد تطاير مع النسيم

لكن الخنفساء لم تكن وحدها، نبتة الذرة كانت تسود شيئاً فشيئاً، كانت بقع سوداء تظهر من العدم في أماكن مختلفة من الساق و الأوراق، لونها الأخضر بدأ يختفي تدريجياً

عندما نظرت الفتاة الصغيرة من حولها ، النباتات الأخرى بدأت تذبل ببطئ، بعضها كانت تظهر عليها البقع السوداء نفسها

مالذي كان يحدث؟ الفتاة لم تفهم ، بل هي تفهم، تفهم جيداً، لكنها تتظاهر بعكس ذلك

فجأة شعرت الفتاة بيد كبيرة تمسك ذراعها الضعيفة بقوة، كانت إحدى المربيات في الميتم، ربما لم تبتعد الفتاة بما يكفي

الفتاة كانت تعلم ما سيحدث، المربية ستعيدها للميتم ، سيتم توبيخها ، ستعاقب و من ثم تعود لأيام الوحدة المعتادة، هذا ما كان ينتظرها هناك، ماذا يمكن أن يحدث غير ذلك؟

الفتاة سارت ــ لا بل كان يتم جرها من قبل المربية، خطواتها الصغيرة لا يمكن أن تجاري هرولة إمرأة بالغة تسحبها خلفها بعنف

الفتاة الصغيرة نظرت خلفها بينما يتم جرها بعيداً، عندما نظرت لنباتات الذرة الذابلة و المرقطة، شعرت بأنها نسيت شيئاً، شيئاً حدث منذ زمن، هي لم تستطع تذكره و لم ترغب في ذلك، لكنه شيء سيطاردها لبقية حياتها

2019/07/23 · 433 مشاهدة · 725 كلمة
Ring55
نادي الروايات - 2024