"ساعدني، ساعدني، ساعدني... اقتلني!!!"
"هاف!"
فتح سول عينيه فجأة وجلس منتفضًا من الفراش.
"سيدي، هل استيقظت؟" نهض صبي بسرعة عن الأرض واقترب من سول بلهفة.
"جورج؟" تعرّف سول فورًا على الفتى الجالس إلى يمينه؛ جورج، الصبي الوحيد الذي أبدى وُدًّا نحوه في المتجر الكبير الذي أقاموا فيه سابقًا.
كان جورج هو من نقل له بعضًا من أسرار برج السحرة في الخفاء، حين كان سول حديث العهد في هذا العالم، لا يحمل من ذكريات الجسد الأصلي سوى شذرات ضبابية. ورغم لطفه، لم يكن جورج يجرؤ على محادثة سول علنًا، خوفًا من تنمّر بقية الفتية.
والآن، ها هو جورج يبتسم بتملق، ممسكًا بوعاء حساء دافئ.
"سيدي، هل أنت جائع؟ هل أُقدّمه لك؟"
لكن سول دفع الوعاء جانبًا بلطف.
"لا، لست جائعًا. كم الساعة الآن؟ وكم بقيت فاقدًا للوعي؟"
أجابه جورج، وقد نظر إلى ساعة الرمل الزرقاء المعلقة على الحائط: "سيدي، لقد فقدت الوعي لنحو ساعة. الآن الساعة الثامنة صباحًا... أو قليلاً بعد ذلك."
نظر سول حيث أشار جورج، ليرى نفسه في غرفة نوم فردية: سرير خشبي بعرض متر ونصف، مكتبان طويلان، كرسيان بظهر مرتفع، ورفّ كتبٍ خالٍ يحتلّ جدارًا بأكمله.
أثاث متواضع، لكنه يحمل نكهة الترف مقارنةً بماضيه كخادم. وساعة الرمل الزرقاء فوق الحائط تشير بدقة إلى مرور الوقت.
"هل هذه... غرفة أحد تلاميذ السحر؟ هل اجتزت الاختبار؟" شعر سول بدفء داخلي يتصاعد من أعماقه، ينساب في عروقه ويشعل في قلبه رجفة فرح. نجا! نعم، نجا من مقصلة الموت، وخرج منها تلميذًا في برج السحرة.
ابتسم ابتسامة حمقاء، بلا وعي منه. "Hehehe..." ضحك جورج بدوره فرحًا له: "مبروك يا سيدي!"
أدرك سول حماقته، فاستعاد هيبته بسرعة وسعل سعلتين ليضبط ملامحه.
"جورج، لماذا أنت هنا؟"
جثا جورج على ركبتيه فورًا، ورفع رأسه قائلاً: "أرسلني كبير الخدم للعناية بك يا سيدي."
أوضح له جورج أن كبير الخدم قد أمر بنقله إلى غرفة فارغة في الطابق السادس بعد فقدانه للوعي، وتم تكليف جورج بالعناية به حتى يستفيق.
سكن سول في تفكير عميق.
"بما أنني نُقلت إلى غرفة تلاميذ السحر، فهذا يعني أنني قُبلت رسميًا. لكن... إن كانت موهبتي السحرية منخفضة، فقد أبقى في مرتبة المتدرّب للأبد ما لم أجد وسيلة لرفعها."
فهو لم يخضع لاختبار الموهبة السحرية بسبب إغمائه، ولم يعرف مستواه الحقيقي بعد. سيحتاج أن يُجري الاختبار سرًا لاحقًا.
تضاربت مشاعر الفرح والقلق في قلبه؛ الفرح لأنه نجا، والقلق من الطريق الطويل أمامه. وقطع أفكاره صوت خافت يناديه.
جورج لا يزال راكعًا، ينظر إليه برجاء.
"آه... جورج، انهض."
قال جورج بحماس: "سيدي! أرجوك اسمح لي بأن أكون خادمك الخاص!"
"خادم خاص؟" لم يتذكّر سول شيئًا عن هذا التقليد.
لاحظ جورج نظرة التردد في عينيه، فأضاف هامسًا وقد اقترب من السرير:
"سيدي، يمكنني أن أكون عينك التي ترصد برون."
برون؟ ذلك الفتى المتنمّر!
قال جورج بنبرة حذرة: "سيدي، منذ أن استيقظت بعد إصابتك، أصبح برون أكثر تعجرفًا. أمر الباقين بأن يتناوبوا على تنظيف الممرات في الفجر، لكنه يترك الأمر لك وحدك."
اتسعت عينا سول، وظهر توتر خفيف في قبضته التي خبأها تحت كمّه. "هل كان كل هذا بتحريض من أحد؟"
استشعر جورج ردّ فعله، فأكمل بنبرة حماسية:
"سيدي، يمكنني أن أكتشف لك من يقف وراء برون!"
لكن سول لم يتردّد في هزّ رأسه بحزم.
"لا. لا تقُم بأي شيء متهور. راقب فقط. وإذا استقرت الأمور، سأسأل كبير الخدم عن أمر الخدم الخاصين."
بدت خيبة خفيفة على وجه جورج، لكنه سرعان ما انتصب وقال بولاء مصطنع:
"حاضر، يا سيدي! أنا في خدمتك دومًا، ولو كلّفني ذلك حياتي!"
لكن سول لم ينخدع بتلك العبارات المنمّقة. لوّح له بيده أن ينهض، ثم سأله:
"هل تعرف ما الذي علينا فعله بعد أن نصبح تلاميذ سحر؟"
هز جورج رأسه بلا فهم. وهذا كان طبيعيًا؛ فقد أُحضر إلى هنا لاحقًا.
لم يشأ سول أن يتورط جورج أكثر، فأرسله إلى الخارج، وبدأ يتجول بنفسه في الغرفة بحثًا عن معلومات قد تكون فاته أثناء إغمائه.
كانت الغرفة بسيطة، بلا زخرفة، ولا تُقارن بغرفة كونغشا.
لكنّه عثر على دفتر أبيض وقلم حبر تحت الطاولة.
"دفتر؟ هذا يعني أن بإمكاني التعلم..." ضمّ الدفتر والقلم إلى صدره، وابتسم مرة أخرى.
"حياة الخدم المذلّة انتهت." لم يعد يعيش قلق الموت كل يوم. بات يملك غرفة، ودفترًا، واسمه في قوائم السحرة. مستقبل مشرق... في متناول يده.
"حتى وإن بقيت في الدرجة الأولى إلى أن أموت... لا بأس. سأقبل."
"دونغ، دونغ!" طرقٌ على الباب.
أسرع سول لتعديل ملامحه، ثم فتح الباب.
كانت فتاة ذات نمش، وجديلتين، ترتدي فستانًا أزرق بسيطًا وتحمل حقيبة كتف من قماش متين.
عرفها سول. كانت إحدى الفتاتين اللتين اجتازتا الاختبار قبله.
قالت بوجه خالٍ من التعابير:
"رأيت خادمك يغادر، فظننت أنك استيقظت. جئت لأسلّم عليك. اسمي كيلي، وأقيم في الغرفة 603 بجوارك."
تحية باردة، بنبرة لا تحمل دفئًا رغم كونها مبادرة طيبة.
"أهلاً، اسمي سول."
نظرت كيلي إلى الدفتر والقلم في يده، وأومأت باهتمام.
"جئت إليك لسببين: أولاً، لأنك موهوب في القوى الذهنية، وأنا موهوبة في القوى السحرية. المتفوقون يجب أن يتعاونوا."
رفع سول حاجبيه قليلاً.
"والسبب الثاني، لأنك الناجي الوحيد من بين من خضعوا للاختبار."
هنا، غاص قلبه في الظلام. إذن كل أولئك الخدم... ماتوا.
"رأيت أن ملابسك تشبه ملابس خدم البرج، فاستنتجت أنك كنت خادمًا. ولكونك تحولت من خادم إلى تلميذ، فلا بد أنك تملك إرادة قوية."
رغم أن كلماتها حملت مدحًا، إلا أن سول لم يشعر بأي فخر.
"هذا هو سبب مجيئي لأتعرّف عليك."
كاد أن يسألها: "ولماذا يجب أن أكون صديقك؟"
لكنه تمالك نفسه.