"لا اصدق ان هذا الخبول قد جاء مرة اخرى ،يبدوا ان هذا اليوم سيصبح اسوء مما عليه"
فور أن رأى راين شعار العربة علم من أتى و علم أيضا أن المشاكل تكون مرافقة لمن كان يجلس داخل العربة.
"انه حقا من سوء حظنا، و لكن لا يجب عليك قول ذلك يا راين فقد يسمعك هذا الشخص و يسبب لك مشاكل لا لزوم لها"
"نعم هذا صحيح، و مع ذلك يسعني الا ان اخرج قليل من الغضب المتراكم"
تنهد راين بقلة حيلة، لقد علم أنه اليوم لم يكن يتصرف على سجيته.
' هذا اليوم حتما ليس أفضل أيامي... و لكن إن قلت هذا فماذا سيقوله رودل'
نظر راين إلى صديقه الذي كان يومه حتما أسوء بكثير من يوم راين.
"لا عليك يا راين، ليس و كأنني لا أشعر بما تشعبر به الأن، فقط تأكد ألا يسمعك احد لكي لا يجلبو لك المشاكل"
حتى ان رودل لطيف الطباع نظر الى العربة ببرود، غير مستبشر بما هو قادم.
اومئ راين برأسه و هو يحاول ان يتحكم في غضبه و ان يختار كلماته بحكمة امام هذا الزائر سيئ السمعة. و بالطبع كان من الجلي أن العربة القادمة إتجاههم هي عربة المخنث.
و بما أن الإثنين كانا يرجوان أن لا تصل هذه العربة أبدا، أو على الأقل أن تتأخر في الوصول فسرعان ما وصلت العربة امام باب القصر، وعندها اخرج المخنث رأسه من نافدة باب الخاصة بالعربة من جهة رودل، وضع يده على فمه ثم ضحك بصوت مشبوه.
"هوهو هوهو هوهو، أليس هذا الحارس الغبي الذي يعرف فقط كيف يتعرق؟"
"مرحبا بالسيد الشاب دودريان"، اجاب رودل بأدب متفاديا لأي مشاكل، مما جعل المخنث يغضب لعدم استجابة الحارس لستفزازه.
"على الاقل عقلك المتخلف يعلم كيف يرد على اسياده"
"شكرا على مديحك ايها السيد الشاب"
ازداد غضب المخنت لما رأى ان استفزازاته بائت بالفشل و احس انه هو الاحمق بدلا من رودل، و لكن لم يرد ان يبدوا بمظهر المهزوم لذلك كتم غضبه. "لا اريد ان اكثر الحديث معك كي لا يروني الناس، و يظنوا اني اصبحت أتبادل أطراف الحديث مع الحمقى... و لكن بما أنه دورك في الحراسة فهذا يعني ان عزيزي راين هنا أيضا"
بعد قوله ذلك اخرج يده من نافدة العربة و بدأ يلوح بيده في الهواء و هو يصيح.
"عزيزي راين هلا اتيت من هذه الجهة حتى أراك، حبيبك دودو قد وصل، لابد و انك اشتق إلي"
لطلما كان راين من الاشخاص الذين يعرفون جيدا كيف يتحكمون في تعابير وجههم سوى أنه في هذه اللحظة بدأت تعابيره تتشوه و لكن سرعان ما عادت الى طبيعتها، و هذا ليس معناه أنه اصبح هادئا، بل كل ما في الامر انه جيدا في إخفاء غضبه.
"..........."، قرر راين الا يجيب على المخنت، على الاقل ليس بسرعة.
و بينما دودريان لازال يلوح بيده سقط صوار ذهبي و المرصع بالالماس منه بالقرب من باب العربة.
"لا!! لقد سقط هذا الصوار من يدي، إن حِميتي التي اتبعها لكي ابقى جسدي رشيقا بدأت تُأتي ثمارها"
ضحك دودريان بفخر و هو يغطي فمه بكفه، ثم نظر إلى رودل بإزدراء.
"يا رأس العضلات هلا كنت مفيداو ناولتي هذا الصوار من الارض"
"نعم سيد الشاب دودريان"، و امتثالا لطلبات المخنث تقدم رودل ليلتقط السوار ثم إنحنى حتى يحمل القطعة الثمينة، و عندها ظهرت ابتسامة المكر على وجه دودريان.
"إن لم تأتي الي يا عزيز راين، فسآتي اليك إذا"، مستغلا قرب ردول من باب العربة المثين، قرر دودريان الخروج من العربة، فقام بدفع الباب بأقصى ما يستطيع من القوة، ليصطدم باب العربة برأس رودل الذي كان بالفعل مواجِها لذلك الباب.
إصطدم باب العربة برأس رودل بقوة لدرجة أنها جعلت الشاب ذو الجسم القوي يتراجع إلى الخلف بضع خطوات، حتى أنه كاد أن يقع على الأرض من هذه الضربة المفاجئة.
"عجبا! يبدوا ان شيئ لا فائدة منه يقف في طريقي؟ همم هذا انت يا رأس العضلات؟ لا عجب اذا"
وقف رودل و يمسك رأسه بيد و يد اخرى تمسك السوار ،لقد وقف هنا دون قول اي شيئ، نظر الى السوار، و مع ان الضربة قد آلمته كثيرا إلا انه يخرج فمه اي تأوه.
"يبدوا انه على الاقل انك جيد في الالتقاط الأشياء، و الان ناولني السوار، انه غالي جدا على أمثالك فلا ثلوته لي" "غالي جدا؟"، سأل رودل و لكن لم يكن السؤال موجها لدودريان بل كان يتحدث مع نفسه.
" إما أنك أحمق أو أعمى حتى لا تستطيع معرفة ذلك، نعم هذا السوار غالي جدا، لدرجة أنه حتى لو بعت نفسك و ممتلاكاتك و عائلتك عديمة الفائدة لن تسطيع شراء و لو جوهرة واحدة من سواري"
"عائلتي عديمة الفائدة؟"، خاطب رودل نفسه مرة اخرى و تعبيره بدأ يطرب و كأن شيئ يقلقه و يشعره بالالم.
"هوهو هوهو، يبدوا انني قد افسدة اخر شظية من دماغك العاقل و اصبحت الان رسميا عديم الفائدة"
ضحك دودريان بسعادة و هو يرى هذا الشخص الذي يزعج عيناه يتصرف بغرابة و كأن البلاهة قد أصابته حقا، و و لزيد من شعوره بالرضى رفع يده و بدأ يصفع وجه رودل صفعات خفيفة و كأنه يحاول ايقاضه.
"يا هذا، يا هذااا، ارجع لي سواري اللعين و دعني امضي في طريقي، هل تسمعني ايها الاحمق؟"
لازال راين واقفا في مكانه دون ان يعلم ماذا يحدث مع صديقة، ذلك ان العربة كانت واقفة كحاجز بينه و بين المكان الذي وقع فيه السوار.
"هذا الصراخ!! لا تقل لي..."، و لكن ما ان سمع صراخ المخنث الذي عادة ما يحافظ على صوته منخفضا لكي يبدوا الصوت ناعما، حينها فقط علم راين ان شيئ غير جيد قد حدث، و عندها تحرك من مكانه برغم من انه لم يرد ان يرى المدعوا دودريان الى انه علم ان شيئا سيئ على وشك حدوث.
"تبا"، و فور أن رأى ما حدث؛ رودل ممسك برأس و بيده اخرى ممسك سوار ذهبي، أما المخنث فهو واقف يصرخ في وجه صديقه بينما هو يصفعه، علم بشكل تقريبي ما الذي حدث وقت غفلته بالرغم من انه لم يرى أي شيء أثناء وقوع الحادثة.
'غير جيد بتاتا، رودل قد مر بيوم سيء، إضافة الى ضغوطاته في اشهر السابقة، انه الأن في وضع غير مستقر، إن تركت هذا المخنت يتابع تنمره... فقد يحدث ذلك مرة اخرى'
سارع راين في تدارك الموقف قبل أن يخرج عن السيطرة و يحدث مالا يحمد عقباه.
'لازل بإمكاني فعلها، يجب ألا اسمح بحدوث ذلك مرة اخرى'
.
..
...
لما احس رودل بصفعات تنزل على خده بدأ غضبه يتصاعد، كل الحزن و خيبات الامل و العمل الطويل من دون مردود، كل مشاعره السلبة كانت تتحرر مع كل صفعة من الصفعات الغير مؤلمة و لكن المهينة. و بدأ تفكير الشاب البسيط و المتفائل يتغير، و بدلا منه بدأ يفكر بشكل ملتوي و سوداوي، هذا التحول بدأ لما أنكر الواقع الذي وصل إليه.
'لماذا بالرغم من انني اجتهدت كثيرا لكي ابلغ غايتي لم اصل أبدا؟'، سأل رودل في قرارة نفسه سؤالا طالما أراد الصراخ به كلما رأى تعبه يذهب سدى، سأل غير متوقع لأي إجابة و لكن على غير المتوقع الرد أتاه من نفسه و كأن هناك شخص اخر معه.
'ما الداعي من هذا السؤال؟ أليس الجواب واضحا؟ لذلك أرجوك لا تسأل عن سؤال أنت بالفعل على علم بإجاباته'
'أ.. أنا أعلم الإجابة؟ حقا؟ ماسبب فشلي إذا؟'
'تنهد، لأنك سادج، إن الأمر بهذه البساطة... جِديا، هل تعتقد حقا ان كل عمل جيد و بنية مخلصة ستكافئ عليه؟'، قال الصوت الخفي مظهرا خيبة أمله.
'بالطبع سآكفئ عليه، مهما عملت من عمل فلن يذهب سدى'
'حقا؟'، رد عليه ذلك الصوت الخفي بنبرة مليئة لالشك.
'إذا إسمح لي أن أعيد لك نفس سؤالك لماذا لا تلقى ما كنت ترجوه من تعبك و إجتهادك؟....'
'في الحقيقة... لا بد أنها الظروف لم تكن في صالحي؟ أليس كذلك؟'، لم يجد رودل بما يرد على الصوت الخفي.
'الظروف؟؟ تنهد، أنت حتى لا تقول ذلك بثقة، و لكن ما الذي أتوقعه منك؟ بالطبع أنت لا تملك الإجابة، دعني أساعدك، إن هذا الامر راجع لك أن تختار النتيجة، أنت من ستختار الفشل او النجاح و بغض النظر عن الظرف الذي أنت فيه'
' أنا من يختار النتيجة!!؟... مستحيل هذا كلام مليء بالغرور و بعيد عن الواقع، لطالما قال لي راين أن الإنسان يملك القدرة على التحكم في أفعاله و ليس التحكم في نتائجها'
'راين قال هذا، راين قال ذاك، ألا تملك أي قدرة تفكير حتى تسمع إلى ما يعتقده الغير بشكل أعمى؟ ألا تستمع إلى أفكارك أبدا؟ أم لا تملكها أصلا؟ أنت تعلم أن صديقنا راين ليس على صواب دائما،حتى هو يخطأ أحيانا، أنت تعلم هذا أليس كذلك؟ إعتمد على نفسك قليلا'
غير راض عن كلام رودل قال الصوت الخفي معاتبا إياه.
'... صحيح، هذا صحيح، اذا ماذا يجب علي ان افعل لكي اصبح ناجحا؟'
'بسيطة غير طريقتك فقط ،لاتعمل بجهد مثل ثور الذي يُحرث على ظهره حتى يموت دون أن تقدر جهوده، أنت لا تريد أن تموت هكذا أليس كذلك؟'
'....... أنا لا أمانع التضحيه بنفسي من أجل من يستحقها، هناك أشخاص كثيرون يستحقون ذلك، أمي، صديقي رودل، أخته...'
'.........أنت!!'
' و لكن أنا حتما لا أريد أن أموت دون أدنى تقدير لجهودي، إذا كيف يجب علي أن أتصرف؟'
'جيد، هذا ما أردت سماعه، من اليوم فصاعدا عليك أن تعتمد على نفسك أكثر، لا تثقل كاهل صديقنا راين'
' أنا أتفق معك في ذلك، لراين مشاكله الخاصة'، لم يرى رودل أي مشكلة في هذه الفكرة و لكن...
'عليك أيضا أن تكون مثل طائر الوقواق الذي يضع بيضه في عش طيور اخرين كي يعتنوا بفراخه و يطعمونهم مثل فراخهم الحقيقة دون أن يتعب هو، أو كضبع الذي لا يتعب نفسه بإصطياد فريسته و لكن يسرق فريسة جاهزة تعب عليها مفترس اخر'
قالها الصوت الخفي و كأنه يقول أمرا عاديا، أمرا لا يختلف فيه إثنين.
'لا تعمل بجهد، و لكن إعمل بمكر'
ليس فقط أن مضمون الكلام ككن خبيثً بل حتى لهجة الصوت الخفي كانت لها صدى الشر النقي.