نظر رودل بوجه مشوه من الغضب الى المخنث الذي كان يتراجع ببطئ كي لا يلفت الانتباه إليه، حتى أن سواد في بياض عينيه ازداد حتى ملئ نصف مقلتيه.
"كيف تجرأ ايها الشاد اللعين على تهديدي صديقي"
'اللعنة ما الذي أوقت نفسه به'
اصاب دودريان رعب شديد و احس انه العرق يغزوا كامل جسمه، لقد توقف في مكانه و كأن رجليه قد فقدتا قوتهما و حتى بعد ان اعطى أوامره لهما رفضتا التحرك، و كيف أن لا يحدث له ذلك و تلك النظرة المشؤومة التي كان يرمقه بها رودل بعيونه نصف السوداء و تلك الهالة البنفسجية المسودة التي بدأت تتسرب من جسمه ظاهرة للعيان؟
"م..ما الذي تنظر إ..إليه يا هذا!! هل ج..جننت؟ أ..ألا تعلم م..من أنا!!"
لقد كان دودريان في حالة لم يعشها من قبل، لقد كان الفتى المدلل الذي طالما اراد شيئا حصل عليه من دون أن يتعب أي خلية من دماغه او اي عضلة في جسمه، فلقد تكفلا والداه بكل شيئ، و في حقيقة لقد كانت تلك احدى الاسباب التي ادت الى انحرافه دودريان عن فطرته، و لما علم والديه اين وصل به تدليلهما المبالغ فيه، كان الاوان قد فات و لم يعد الفتى قابلا لتغيير طباعه، على الاقل ليس بطريقة السهلة.
"أ..ألا تعلم م..من هو والدي؟"
و هنا قد قاما بنفس الخطئ الاول، و هو الخوف المبالغ فيه على ولدهما، و بسبب ذلك الخوف المبالغ فيه، قد جعلاه منذ صغر يحصل على اي شيئ يريده دون ان يجعلاه يشعر بمدى صعوبة التي قد يشعربه المرء اثناء سعيه للحصول على ما مبتغاه.
"ت..تراجع الأن و ل..لن أخبر و..والدي عن خطأك"
و هذا ايضا ما جعله يشعر بالملل سريعا، ففي الخير الاشياء سهلة الحصول لن تكون لها اي متعة طويلة المدى على عكس اشياء صعبة الحصول عليها و التي تعتز بها المرء. و نفس شيئ عندما رأيا الانحراف الذي حدث له كان يمكن ان يرجعاه بطريقة الصعبة و لكن مرة اخرى خوفها الشديد جعلهما يتوقفان.
'سحقا ما الذي جلبته الى نفسي من كان يظن ان مثل هذا الحارس الغبي سيكون مثل هذا الوحش؟ لو علمت ذلك لما القيت حتى نظرة خاطفة عليه، فما بالك بتصعيب الامور عليه'
لقد ندم دودريان حقا على امضاء كل تانية في التنمر على رودل، خاصة لما رأى رودل الذي يشبه الوحش لا يبدوا أنه متأثر بالتخويف.
'هذا الملعون انه حقا زلق، لا يمكن ان جعله يختفي بسهولة يجب عليا ان اجد حلا سريعا، و إلا سحدث ذلك مرة اخرى و عندها لا أظن أننا سنكون محظوظين حتى تنتهي الأمور بخير كسابق'
لعن راين لما رأى انه سرعان ما ازداد السواد و علم ان الامور على وشك ان تزداد سوءً إن لم يصرف سريعا.
'لكن ماذا يجب علي ان افعل لأجل رودل حتى يقتنع بكلامي؟ فكر في حل سريع يا راين، الأمور تكاد أن تتأزم و أنت واقف تشاهد؟'، حاول راين بأقصى ما يمكنه أن يعتصر قدرات دماغه لعله يتوصل إلى حل.
'لكن ماذا يجب علي ان افعل لأجل رودل يقتنع بكلامي ،بالرغم من انه يثق بي إلا أنه لم يستطع التركيز الى كلامي، لذلك ان اردت حل هذا الامر فيجب ان اجد شيئا يجعله حتى ينسى تفكير'
بينما كان راين يفكر في حل لهذه المعضلة، كان رودل قد تحرك اخيرا من مكانه، اما عن الوجهة فكانت بالطبع الى دودريان، في كل خطوة بطيئة كان يتقدم بها رودل كان دودريان يشعر بأن جزءً من رباطة جأشه قد اختفت.
"أ.. ألا تعلم من انا حتى تنظر الي بمثل تلك النظرة؟ أ..أنا دردريا ديلافيغا، هل تعلم حتى ما حجم للقوى التي تقف ورائي؟"
صوة خطوات.
"لا تقترب مني انا صديق سيدك الحميم لذلك ان لمست شعرة مني فسوف تعاقب عقابا شديدا"
صوت خطوات.
"انا اسف لكل ما فعلته لك سابقا، لقد تعديت الحدود هل يمكنك ان تصفح عني هذه المرة"
صوت خطوات.
كاد الخوف ان يجعل المخنث يفقد ضبطه لفسه ليعود مثل طفل حديث الولادة، كاد ليجعل ملابسه الحريرية مبللة من أسفل منه، قد يبدوا ذلك مبالغا فيه لكن الظروف التي عاش فيها جعلته حقا هذا النوع من الناس.
"م..ماذا تريده مني حتى تتركني و شأني؟ فقط قل ذلك و سيكون لك"
'أ..أنا خافئة'، ليس فقط دودريان من كان الرعب يغزوه بل حتى سائقة العربة التي لم تكن بعيدة جدا عن الإثنين ما جعلها تشعر بمدى رعب الهالة التي تتسرب من رودل قبل حتى أن تخاف من لون عينيه المشبوهتان.
'ل..لكن لا أريد الهروب'، لقد كانت السائقة عربة دودريان احد ضحاياه، فتاة شابة في خامسة عشر من عمرها عندما وقعت بين يديه، و بالرغم من أنه لم تمر سنين كثيرة منذ أن أصبحت خادمة فإن شكلها الجميل قد حدث له تغير جدري، بخلاف جمالها الذي إختفى حتى علامات شبابها لم تعد بادية على جسدها و كانت تلبس قلنسوة لتخفي مظهرها.
'أتمنى لو حتى أن يتجرع القليل مما جعلني أعيشه خلال هذه السنين'، إن كان هناك احد تكره هذه السائقة الى النخاع فسيكون هذا من دون شك دودريان الذي فعل بها كل شيئ، لذلك ما إن رأته يتنمر على الحاس القوى لم يسعها الى ان تشعر بشفقة عليه، ثم لما رأت تغير الأوضاع بين الإثنين أحست بالنشوة و كأنها هي التي كان يخاف منها دودريان.
'أتمنا لو كنت أنا في مكانه'، احست برابطة بينها و بين الحارس.
"تبا لما لم أحضر معي بعضا من الحراس؟ من كان يعلم انني سأجد مثل هذا الوحش في هذه الفترة القصيرة؟ ايتها السائقة الغبية قومي يفعل شيئ ما و إلا لن اتساهل معك لما نعود الى القصر"
الشابة التي كانت خائفة من رودل و لكن منتشية أكثر بمأزق دودريان، خاصة لمرى رأت وجه سيدها المطرب و الخائف بدل من وجهه المعتاد المخيف مع نساء و المغازل مع ذكور الوسيمين، لقد جعلها ذلك حقا ممتنة لهذا الحارس، ولكن يجب عليها ان تقف مع المخنث و لو شكليا فقط و إلا اذا حدث له مكروه ستكون اول من من يعاقب، مع ان كلمة عقاب هي كلمة لا تصف جيدا ما سيحدث لها اذا حقا اصابه اذى.
"م..من فضلك تراجع للخلف، ل..لقد اخطئ السيد الشاب بحقك، لذلك تعدك عائلة ديلافيغا ان ت..تنظر في هذه المسئلة"
في أجنح خيالاتها لم تعتقد الشابة أن رودل كان ينوي قتل دودريان، لقد ظنت أنه سيخوفه على الأقل و على الأكثر إن جن الحارس فسيعتدي عليه جسديا، و لكن قتله؟؟ ربما لو علمت نيته الحقيقة لما حاولت إقناع رودل عن التوقف.
"ار..رجو أن نتفق على حل الامور بطريقة سلمية و لا نلجئ الى الع..عنف"
عندما رأى دودريان ان السائقة المرتعشة وقفت امامه حاجزتا رودل عن وصول له، استعادة قليلا من رباطة جأشه.
"نعم لقد اخطئت في حقك و لذلك عندما شأرجع الى القصر سأحرص على اخبار والداي كي يمنحوك تعويضا، و من يدري ربما لن تحتاج العمل بعدهُ هذا اليوم"
بالرغم من انه بدى عليه أنه إعترف بخطئه، الا ان ما كان يضمره لرودل في قلبه قد كان العكس من ذلك تماما، لم يشعر بمثل هذه الاهانة من قبل على الاقل ليس من شاب قريب من عمره و لا من شخص عامي.
'أنا لن أنسى هذه الإهانة أبدا'
لذلك كان الغل الذي يحمله لرودل قد وصل الى اقصاه، وتعهد حقا انه فور وصوله الى منزله سيأمر أباه لإرسال بعض من فرسانه لجعله رجلا مشلولا و بذلك لن يحتاج حقا الى العمل بعد ذلك ابدا، فهذا هو الشيء الوحيد الذي كان دودريان صادقا فيه.
لم يستمع رودل الى اي من منهما و تابع سيره بهدوء الى دودريان، مما جعل الإثنان يعبسان و يزداد إرتعاش أجسادهما، اما عن راين فقد كان يعلم مسبقا ان مثل هذا الكلام لن يكون له اي تأثير على رودل لما يكون في مثل هذه الحالة.
"أر..جوك يا سيدي..."
لقد علمت السائقة انها لن تستطيع فعل اي شيئ امام حارس عادي فما بالك بمثل هذا الشخص الذي يملك مثل هذه الهالة، طوالة حياتها لم تسمع الى قليلا عن مدى قوة الاشخاص الذي يملكون الهالة و رأت مرة من رئيس الاسرة، اب دودريان يستعملها، و لقد أصبح انسان خارقا القوة، كان عرضا مبهرا لقوة تستطيع تغيير الملامح الجغرافية للمكان.
لقد شاهدت ذلك العرض من بعيد لذلك لم تعلم ما هو شعور الذي يشعر به المرأ لما يرى الهالة امام عينيه أو تتلامس مباشرة معه، و إن كان لكل امرأ هالة تعطي شعور مختلف خاص به، لم تعلم كل ذلك كلما علمته ان هذه الهالة البنفسجية المسودة التي امامها كانت تعطي احاسيس مختلفة و كلها سيئة، لقد احست بشعور الشؤم و الوحدة و الخوف و الغضب، و لذلك حدث لها ما حدث لدودريان تسمرت في مكانها مرتعشة غير قادرة على التحرك.
و لما كاد رودل يتجاوزها حاولت رفع يديها على الرغم من احساسها بالالم، كان كل جسدها يرتعش من الخوف و قمع الهالة القوية، و عندما كان رودل واقفا امامها احس بجزء من بمعانتها، و لذلك لم يستطع الى ينظر اليها بحزن و وضع يده على خدها بلطف من دون ان يرفع قلنسوتها، لأنه علم سبب وضعها لتلك القنسوة.
"كل هذا الالم تحملته فتاة شابة في مثل عمرك و مع ذلك لم تستلم و أكملت سيرها في هذه الحياة، حتى انك وقفت امام سيدك الذي فعلم بك كل هذا!!"
قالها و هو يحرك كفه على خدها بلطف و عناية غير عابئ بخشونة البشرة المشوهة.
"أنت حقا فتاة جيدة، أنت لا يستحق ان تخدم مثل هذا الوغد، تستحقين معيشة أفضل بكثير"
و ما إن سمعت الفتاة كلمات رودل و أحست بلمسات ناعمة نسيتها منذ سنين مضت حتى إختفى كل ذلك الخوف و واجب حماية سيدها، لم تستطع إلى أن تتخيل مدى جمال أن تكون فتاة عادية مثل بقيت الفتيات، توقف ارتعاشها و نزلت الدموع من عيناها، متذكرتا أن هذا مجرد تخل لا غير, هي لن تستطيع ان تكون فتاة عادية بعد الان.
"لا تحزني من يدري قد يكون الفرج قريب..... أقرب مما تعتقدين"
كان أمر الأمر غريبا أن دموعها إزدادت غزارة بالرغم من أنها كان يتم وعدها بمستقبل المشرق.