"أنت يا سينا عكس تلك الفتاة عديمة الفائدة، هي تريد فقط التشبت بي و بعائلتي مثل العلقة بعد سقوط عائلتها، بل حتى و تجرأت على ان تخبرني بما يجب علي أن أفعل، ماذا تظن نفسها؟"
"...نعم السيد الشاب حكيم و لا يحتاج نصيحة من اي احد." اكملت سينا في تخديره بالمديح لكي يسقط لها.
"همف، كما متوقع من الخادمة التي اعطيتها شرف خدمتي، تعلم جيدا قدرات سيدها الشاب."
"اما هذه العلقة فقد طِقتُ درعا منها، لم يقبى إلا القليل على التخلص منها و بيعها كعبدة"
"هل يقصد السيد الشاب بقوله التخلص منها و بيعها كعبدة، أنها....... !!"، لم تستطع سينا منع نفسها من رفع صوتها لسؤال فايت متفاجئة من هول هذا الخبر.
"نعم، إن الأمر كما يجول في بالك، إنها تلك الخطيبة المزعومة المسمات ستيلا، سأتخلص منها غدا و لن ارى وجها البشع مرة أخرى"
ضحك فايت طويلا و كأنه سمع اطرف نكتة و هو يتخل وجه خطيبته لما تعلم انها قد بيعت كعبدة وضيعة من قبل خطيبها، و لمن؟ لسيئ السمعة زميله الاكبر في اكادمية الملكية، دودريان.
.
..
...
و لما لازالت الشابة البشوشة تصرح في افكارها حتى جاءها الصوت البارد يقطع هذه الاعادة العرض لذكرايات.
"قلتي ان الحظ ابتسم لك اخيرا؟"
قالت الخادمة الناضجة ذلك بدون أي تعبير واضح، و لكن اذا نظر اي احد عن قرب بشكل كافي سيجد ان تعبيرها لم يكن بدون مشاعر كما يبدوا للوهلة الاولى، لقد كانت هناك مشاعر متضاربة تسربت من تعبيرها اللامبالي، لقد كان حزنا مخفي جيدا على وجه البوكر خاصتها.
"نعم، لكل انسان يومه الميمون، و يبدوا ان هذا هو اليوم الخاص بي" اجابت الخادمة البشوشة بسعادة.
"لا تعتمدي كثيرا على الحظ، إن الحظ شيئ غير ثابت و لا يمكن التحكم فيه، من يدري متى سيأتي و في أي وقت سيختفي، و حتى ان اتى من يظمن لك انه سيأتي في الوقت المناسب، فلو انتظر اي شخص يومه المحظوظ لكي يقوم بخطوته لربما فاتته الفرصة و لأصبح كل الناس كسالى متحججين" تكلم الخادمة بتركيز و عيناها تظهران نوعا من الخبرة أثناء قولها ذلك.
"تنهد، يجب على الانسان ان يصنع فرصته و لا ينتظرها، لطالما كان الحظ شيئا متغيرا اما الاجتهاد ثمرة جهد ثابت"
'م..ما هذا!! السيدة بايا تتنهد و تتكلم بجمل طويلة!!!'. لم يسع سينا إلا ان تتفاجئ لما رأت رئيسة الخدم و على غير العادة تكثر من الكلام.
'ألا يفترض ان هذه المرأة هي البخيلة من تظن ان النطق بالكلمة يستلزم المال، لطالما كانت من الناس الذين اذا تكلمت معهم لنصف اليوم سيكون ردهم بجملة او جملتين، إذا ما خطبها اليوم؟ هذا حقا يوم غير عادي'
لم تلاحظ بايا انها كانت تتكلم كثيرا، لقد كان كل ما قالته يفترض ان يدور في دهنها فقط و لا يخرج للعلن و لكن تلك الذكرايات قد أنستها الواقع، و فقط حينما لاحظت نظرة سينا المتفاجئت تجاهها، مما جعلها تتنهد و تعاود النظر اليها بوجه خال من المشاعر.
"لا تتكاسلي في عملك على اي حال"
"......حاضر سيدتي" اجابت الشابة و ملامح الإستغراب لم تمحا من وجهها.
'ما قصت هذه المرأة؟ لماذا اصبحت تتحدث كثيرا فجئتا لما اخبرتها عن يومي المحظوظ؟ لابد ان وراء ذلك حكاية؟... على أي حال من يهتم، انه يومي الموعود لذلك يجب ان اركز عليه و ليس لأي أمر غريب آخر'
و بعد ذهاب بايا تركت سينا لشغلها و سرعان ما إنتهت منه من دون اي مشتتات، لقد كانت خادمة ممتازة لذلك كان أمر سهلا عليها.
"و الان بعد ان إنتهيت من عملي و وقت الغداء قد إقترب لا بد اخي يشعر بجوع شديد، بالرغم من أنني قد أعطيت رودل طعام يكفيه و يكفي أخي إلا أنني متأكدة أنه أنهاه كله قبل يتناصف طريقه" و بقولها ذلك تذكرت سينا أن رودل قد أتى إلى القصر سائلا عن حال القصر إن كان هناك أي مشكلة.
'أتسائل ما دفعل السيد الشاب إلى الخروج من القصر بمثل تلك الحال، بل و حتى أنه سألني عن مخرج القصر... هذا حقا يوم غير عادي'
"لا، إنه ليس وقت التفكير في هذا سينا، أخي يتطور جوعا في الخارج ذلك حان الوقت لسرقة الجدة مرة أخرى" بعد أن قالت سينا هذه الجملة إنتبهت إلى خطإها.
"هل قلت ما يجول في خاطري بصوت مسموع مرة أخرى؟ يالني من فتاة حمقاء، لقد أردت أن أقول سأقون بزيارة الجدة في المطبخ... لمستعدتها في شؤون عملها؟"
.
..
...
بينما كانت سينا تقضي يومها السعيد على أكمل وجه، كانت هناك فتاة اخرى تشعر بالضيق في صدرها، هالة حزن شديد قد أحاط بجسدها الصغير و الهش، لقد كانت خطيبة فايت اللولي الجميلة ستيلا، لقد كانت تقوم بعملها بدون تركيز، مشغولة البال، حزينة الملامح.
" تنهد، بالرغم من أنني ظننت أن الأمور ستصير للأفضل"
و بينما كانت تحمل ملابس النظيفة لتذهب بهم تنشر في خارج كانت تفكر في الشيء الذي أحزنها.
'هل حقا ما قالته لي سينا منذ بعض الوقت صحيح؟ هل يعقل حقا ان فايت سيتخلى عني حقا؟'
ارعبتها فكرة ان اخر فرد كانت تعتبره عائلتها سيقطع علاقته معها، و ليس هذا فقط بل انه حتى سيبيعها كعبدة!! لم يسها الى ان تتفكر كم كان يكره ان تكون بصحبته أو ختى أن تكون بجواره، كلما حاولت التقرب منه لوقيت بالرفض شديد، ففي كل مرة كانت تحاول ان تكون هي التي تقوم برعاية شؤونه كخادمة شخصية له كإقاضه من النوم او احضار الطعام له أو استجابة لنداءه كان دائما يغضب و يبدء بصراخ عليها.
حتى انه في احدى المرات لما لم يرد ان يراها ابدا قررت ان تكتب له رسالة اعتذار بغض النظر عن انها لم تعلم حتى من ماذا كانت تعتذر، الى انها ارادت ان تصلح علاقتها مع زوجها المستقبلي، وحين أنتهت من كتابتها حاولت أن تجد أفضل مكان لوضع الرسالة حتى تتأكد من أن فايت سيتلقاها.
'ما هو المكان الذي يضع فايت إنتباهه عليه أكثر من أي مكان آخر؟' سألت ستيلا نفسها هذا السؤال خطوة لازمة لتنفيد خطتها في إصلاح علاقتها مع خطيبها.
'أمام السيوف في ساحة التدريب؟ بالطبع لا، أمام طاولة الطعام في غرفته؟ نعم يمكن أن ينجح ذلك، و لكن أعلم مكان أفضل منهم جميعا، إنه فراش نومه'
و بطبع قد نجحت فكرتها و لما قرأ فايت تلك الرسالة نادى عليها لكي يتكلم معها، رأت ستيلا ذلك على انه علامة إيجابة تدل عن غايتها ستحقق و تركت جميع أشغال في يديها و ءهبت للقائه غير عابئة بأنها ستعاقب على ذلك.
'حان وقت التصالح مع خطيبي'، من أجل هذا الهدف لم تبالي بأن بتم معاقبتها.
و ما إن دخلت الغرفة مستبشرة بلقائها معه حتى امرها ألا تتكلم و ان تسمع فقط، و لكن المفارقة انه هو الاخر لم يتكلم بأي كلمة فقط رفع رسالتها امام عينيها ثم مزقها الى اشلاء ثم تكلم أخيرا قائلا لها ان تخرج من غرفته، اصابها حزن و يأس كبيرين بعد هذه الحادثة، و لكن مازلت متشبتة انه في يوما ما سيعتز بها خطيبها.
لقد ارادت ان تعلم لماذا هو غاضب منها لعلها تستطيع ان تتصالح معه، لم تعلم حتى متى اصبح يكرها الى هذه الدرجة.
"لا، لا يمكن أن يكون هذا صحيحا، انه اخيرا اصبح يعتز بي، و الا ما وقف معي ضد السيدة بايا، كما انه أعلن لي عن رغبته في التعرف علي بشكل صحيح، اذ كان حقا انه ينوي ان يتخل عني لما كلف نفسه عناء ان يكون لطيفا معي؟"
اصبح اللولي اكثر تفائلا لما فكرة فيما حدث معها و مع خطيبها اليوم.
"نعم هذا صحيح، لن يتخل عنى فايت لقد وعدني انه سيتحدث معي بعد انتهائه من اموره، لذلك يبدوا ان الخبر الذي احضرته لي سينا خاطئ"
ابتسمت اللولي بسعادة و لكن لو كان هناك اي احد يعرفها جيدا لعلم ان هذه الابتسامة لم تكن من القلب، هي إبتسامة فرضتها على نفسها لعلها تصبح حقيقية إن حاولت بجد تزييفها.
"أنا الأن جد متفائلة بالقادم"
لطالما سمعت ان المرء هو من يصنع فرحته بيده، و لطالما أيضا ظنت ان هذا الكلام خاطئ ففي الأخير الإنسان كائن إجتماعي، و هذا يعني أن أغلب تلك السعادة تعطى للمرء من الغير و لا يتم الحصول عليها من نفيه، و لذلك إرضاء الأناس أمر يكاد ان يكون إلزاميا في الوسط الذي يعيش فيه الفرد حتى يبقى سعيدا، و من أجل أن يكون فردا متقبلا من مجتمعه.
فلو يتمعن المرء في الناس من حوله لوجد أكثر الناس كئابة هم الأفراد الغير إجتماعيين، على أي حال فإن ستيلا حاولت جلب تلك السعادة بأي طريقة كانت.
"أنا أشعر بنشاط كبير يملأني"
لقد وصل بها الأمر الى ان تحاول تخلق بصيصا من الأمل، و إن لم تستطع فستوهم نفسها به.
و بينما كانت ستيلا تحمل سلة الملابس النظيفة لم ترى ان شخصا كان واقفا في طريقها، ذلك أن رأتها كانت محجوبة بسبب كثرة الملابس المتراكمة في السلة، و إن لم يبتعد أحدهما عن طريق الأخر فإن ما سيحدث كان واضحا.
"ااااااه!! ما هذا الذي وقف في طريقي؟ .......لا لاااا الملابس!"
لم ترى اللولي الشخص الذي كان في طريقها لذلك لم تغير طريقها، بينما الطرف الثاني هو الآخر لم يغير طريقه.
"لا، لا ستقتلني السيدة بايا إن علمت بالأمر ماذا يجب علي ان افعل الأن!!؟"
لقد كانت ستيلا مرعوبة من هذا الحادث الذي وقع معها، و بدأت تفكر في طريقة لخروج من هذا المأزق أو على الاقل ان تخفيه دون أن تعرف كبيرة الخدم عن ذلك، و عندها قاطع صوت أنثوي تعرفه جيد مخاوفها و خططها التي كانت تدور في رأسها.
"...هاه هاه...... دعكِ من الملابس.... هاه.... و تعالي معي سريعا"
".....سينا ما الذي تفعلين هنا؟"
كانت سينا تتصبب عرقا و هي تلهث من التعب فاتحة فمها حتى تلتقط أكبر قدر من الهواء، لم تستطع حتى إنهاء جملة واحدة دون أن تتوقف في وسط الكلام لاسترجاع أنفاسها، و بالكاد كان كلامها مفهوما و هي في هذه الحالة.
"هاه..... ليس هناك وقت..... هاه..... لشرح فقط تركي ما بيدكِ و تعالي معي سريعا"
"و لكن......."
و قبل ان تكمل ستيلا جملتها أشارت سينا بيدها موقفة ستيلا عن الكلام ريثما تلتقط أنفاسها و هي راكعة مسندة كفيها على ركبتيها.
"هاه..هاه... أمهليني لحظة حتى ألتقط أنفاسي". و ما إن إسترجاع نفسها الطبيعي عدلت وضعتها و وقفت بشكل مستقيم ثم أمسكت يد ستيلا و بدأت تجرها معها.