في مشفى حكومي في غرفة رقم 54، على أحد أسرّة تلك الغرفة كان شاب هزيل يرقد هناك وقد بدت عليه علامات المرض الشديد، وبالرغم من أن عمره 15 سنة فقط، إلا أنه كان لا يبدو عليه أي علامات الفتوة والشباب، وهذا راجع لسوء التغذية والفترة الطويلة التي قضاها على سرير المشفى وأهم من ذلك كله هي صعوبة المرحلة التي يمر بها الآن، لقد كان مصابًا بمرض عضال وحالته لا تبشر بالخير بتاتًا.

حتى عائلته التي تزوره كل يوم كانت تعلم أنه لم يبقَ له الكثير من الوقت، وهو بالمثل قد علم هذا الأمر ليس فقط من الآلام التي كانت تزداد يوماً بعد يوم، ولكن أيضًا من نظرة عائلته الحزينة، فلا بد أن الطبيب قد أخبرهم بشيء وهم لم يردوا إخباره به.

وبغض النظر عن أنهم يحاولون إخفاء تلك النظرة الحزينة وراء ابتسامة صادقة قدر المستطاع، إلا أن ملامح الحزن غلبت عليها، ولكن على عكس المتوقع، نظرة الشاب لم تكن كئيبة أو حزينة لتلك الدرجة، فقد كان هناك أمل متبقي في عينيه.

"كيف حالك يا بني ميمون؟ هل ما زال الألم يُرقك؟." لقد كان هذا سؤال الأم القلقة على ابنها.

"لا بأس يا أمي، في الحقيقة أنا أشعر بتحسن عن اليوم السابق" أجاب الابن بابتسامة واسعة.

سمعت الأم إجابة ابنها لكنها لم تفرح ولو قليلا بمدى إيجابية رده، لقد كانت تعلم أن ابنها يقول ذلك فقط لتلطيف الجو وعدم زيادة الكآبة إلى هذا المكان الذي أصبح بالفعل كئيبًا بما فيه الكفاية.

"لذلك لا داعي للقلق يا أمي"

حتى هو بالمثل كان يعلم أن أمه لن تصدق قوله، لكن كان سيقول هذا مثل الكلام على أي حال، لأنه يعلم جداً أنه سيزيد الضغط على أمه إن كان يجاوب بشكل سلبي على سؤالها.

ولد هذا الشاب في أسرة كبيرة تتكون من 7 أفراد، 5 أولاد وزوج وزوجة، ولقد كان هو الابن الأصغر، لذلك من الواضح أنه إذا كان عمر ابنهم الأصغر 15 سنة فإن الأم ليست بذلك العمر الذي يتميز بالقوة والتحمل للشدائد، كما أن أسرته تنتمي إلى الطبقة المتوسطة القريبة من الفقر، حياة مثل هذه الأسرة صعبة من دون إحتساب حالة إبنهم حتى.

"ن..نعم أنا أرى ذلك"

الذهاب كل يوم إلى المستشفى له أمر متعب ومكلف بالنسبة لهذه الأسرة التي لا تملك حتى سيارة لتسهيل هذه الزيارة اليومية لمستشفى بعيد عن المنزل.

أما عن مسألة تكاليف العلاج فهي مجانية، ولكن يخدعك جمال وعذوبة نغمة كلمة "مجانية"، فالخدمة في هذا المشفى وجودة هذا المكان أفضل ما يقال عنها أنها رديئة، ولم يكن سبب اختيار هذه العائلة لهذا المكان لعلاج إبنهم هو استهزاء منهم بحالته الصحية، كل ما في الأمر أن حالته يائسة بشكل لا يمكن حتى للمال شفاءه، ومن أجل ذلك تفعل الأسرة جل وسعها لترفيه عن الشاب متجاهلين الصعوبات المترتبة عن ذلك.

"... يالا هذا الجو الكئيب السائد في هذا المكان"

"لم يتبقَ إلا قليل من الوقت قبل أن تبدأ المباراة المنتظرة"

سرعان ما لاحظ الأب ثقل الجو الذي جلبه سؤال الأم، وحاول أن يقوم بتلطيف الجو بفتح موضوع آخر مع ابنه عسى يذهب هذا الجو الكئيب، وبالمثل رأت أخوته ذلك حاولوا كذلك مساعدة أبيهم في مسعاه.

"نعم حتماً سيتأهل فريقنا إلى تصفيات كأس العالم"

و ليجيبه الأخير بوجه جدي لم يظهره مثله حتى لما علم بحالته الميؤوس منها الأول مرة. كان ثقته في فريق بلده كبيرة سوى أن أخاه الأول والمسمى زين لم يكن له نفس الرأي.

"لا ترفع أمالًا كثيرًا، إن الفريق الخصم لن يكون هينًا بتاتًا"

"صحيح، مثلما لاعبونا أشداء ويحملون آمال المشجعين معهم فنفس الأمر ينطبق على لاعبي الخصم، ولا ننسى أنهم أكثر خبرة من فريقنا في مثل هذه المواجهات" وافقه أخوه الثاني والذي كان يُدعى سمير.

لم يرضَ ميمون ولا الأب بكلام زين وسمير وشعروا أن آراءهم جد سلبية.

"هل أنتما معنا أم ضدنا؟" لم يسع ميمون والأب إلا النظر إلى الإثنين بأعين حادة.

"لا تفهمونا بشكل خاطئ، بالطبع نحن معكم، ولكن من أجل أن لا نصدم بالواقع يجب علينا أن نكون واقعيين"

"لا، أنا واقعي تمامًا، فمثل هذه المواجهات يكون عامل المفاجأة هو العنصر الحاسم، وأنتما تعلمون أن فريقنا هو الأول من هذه الجهة"

"لقد قلتها بلسانك، نحن نعتمد على عنصر المفاجأة" ابتسم أخاه زين وكأنه انتصر في الجدال.

"وما المشكلة في قولي؟ لما تجعلها تبدو وكأنها حجة علي وليست لي؟"

"المشكلة أن عنصر المفاجأة هو عنصر لا يعرفه أحد إن كان موجودًا أو لا، فقط مدرب الفريق ولاعبيه سيعلمون عنه"

"و؟"

"كيف لك إذاً أن تكون متأكدًا بأن فريقنا يحمل بطاقة خفية؟"

فهم الأخ الثالث منطق أخيه زين ثم قرر أن يتابع عنه، ما جعل الأخير ينظر إليه بظلم، هو سرق منه الجزء الذي يبدي فيه ذكاؤه.

"فلو إفترضنا أنك تنبهت لذلك، ألا يعني هذا أن الفريق الخصم قد تنبه لذلك قبلك حتى؟ كونهم مختصين في هذا المجال، ثم ألن يقوموا بإجراء مضاد يحبط البطاقة الخفية؟" ثم تابع زين سريعًا وكأنه خائف أن يكمل أخاه سمير ما تبقى من حجته.

"إنه دوري، إنه دوري... ليس هذا فقط، إن اعتمادك على الظن فقط فإن للظن وجهان، فكما تظن أن فريقنا يحمل مفاجأة لخصمه فيمكننا القول أن الخصم أيضا قد يحمل مفاجأة لفريقنا."

بالرغم من أن كلام سمير كان موجها إلى ميمون وأبيه، إلا أن ذلك لم يمنعه من النظر إلى أخيه الأكبر زين، كما ينظر المرء إلى منافسه.

صمت ميمون في عجز ثم نظر إلى أبيه طالبا للمساعدة، وللأسف لقد رد عليه بنظرة اعتذارية، فهو أيضا لم يجد ما يرد، لم يبق له إلا أن ينظر إلى أخيه الآخر الذي لا يشاهد حتى كرة القدم.... هل هناك حتى شخص لا يشاهد الكرة القدم!؟؟

"يا رفاق، أنتم تجعلون رأسي يدوي من مثل هذه النقاشات."

هو كان كذلك حقا، على الأقل كان شخصا ذا منطق، لعل ذلك سيساعده على الرد على حجة الأخ الكبير والأخ الثاني، وبذلك أرسل كل من الأب وميمون نظرات استغاثة تجاه عقيل الذي استقبلها الأخير بعناها الصحيح، ولكن....

"ما الذي تتجادلون عليه حتى يا رفاق؟ هذا يجعلني أتساءل هل هي مهمة بالنسبة لكم لهذه الدرجة؟ أما أنا فلا أعتبرها إلا وسيلة تستعملها سلطات الدول الغير متطورة أكثر من الدول المتطورة من أجل إلهاء شعبها عن وضع المزري الذي وضعتهم فيه."

عدل الأخ المثقف شعره بثقة، وباقي عائلته ينظرون إليه كأنه كائن فضائي، على أي حال لم ينتبه إلى تلك النظرات الموجهة إليه وأكمل كلامه بثقة.

"استفيقوا من هذه الخدعة ولا تكونوا كشعب الذي حكمه قيصر الرومان نيرو...."

"اصمت."

حتى الأفراد الأربعة الذين كانوا يتجادلون فيما بينهم اتفقوا على طرد هذا الغبي المستنير، وصرخوا كلهم عليه في وقت واحد حتى يسكتوه، لقد شعروا بأن هذا المثقف الغبي قد بدأ بإفراغ حقائق قرأها من أحد كتبه أو أحدى مقالات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي.

"يا لكم من حمقى مغسولي الدماغ، وأنا الذي أردت أن أنبهكم لخداع المطبق عليكم."

تراجع المسكين دون أن يجادلهم، علم أنه من المستحيل أن يهزم أربعتهم في الجدال حتى ولو كان على حق في كلامه.

"ما لم يكونوا على استعداد لتقبل الحقائق فلن تكون للحقيقة أي تأثير عليهم." وبمثل هذه الفكرة في رأسه تراجع حاملا راية الاستسلام.

"تعال يا بني، خذ كل هذه."

ناظرة إلى فتاها الحزين قامت الأم بتقديم إلى ولدها قطعة من التفاح الذي كانت في صدد تقشيره كعزاء ودعم له بعد اجتماع أبيه وأخوته عليه.

"أمي!!...... هل تعلمين أن التفاح يملك نسبة من الكافيين أكثر حتى القهوى؟"

شعر الشاب ببعض العزاء من دعم أمه له، ولذلك قرر أن يرد عليها بمعلومة قرأها بالصدفة.

"........."

"هل تريدين يا أمي أن أخبرك عن الخواص الذرية للمغنطيس؟"

"هل تريد أن أقص عل

يك ما جرى من محادثة بيني وبين خالتك في حفل زفاف ابن عمي؟"

بدلًا من الاستجابة لطلب ابنها، طرحت هي الأخرى طلبًا مما جعل الفتى المسكين يشعر بالخيانة، لقد فهم المعزى من كلامها، الأم أرادت أن توصل له رسالة مفادها؛ إن تجرأت على البدء في كلامك الغريب فسأرد عليك بقوة.

كان لعقيل مقاومة مكتسبة ضد الأمور المملة بعد أن قرأ بعض الكتب التي آخر شيء يمكن وصفه بها أنها مشوقة، ومع ذلك فهو لا يعلم بعد إن كانت تلك المقاومة قوية بشكل كافٍ لإجتياز مثل هذا الاختبار المخيف.

"ف..في الحقيقة... أنا...."

'أنت لها يا عقيل، يمكنك فعلها.' استجمع عقيل شجاعته لقول نعم لأمه ولكن....

"شكرا لك يا أمي، ربما في وقت آخر."

جعلت نظرة أخوته وأبيه الخطيرة التي كانت مزيجًا بين الرعب والتهديد يتراجع عن الخوض في هذه المخاطرة، لقد وجهوا له رسالة مفادها؛ 'أياك أن تتجرأ على ذلك أو أنت ميت.'

"حقا!! ما الذي حدث في ذلك الحفل، لقد تغيبت عنه للأسف ونسيت أن أسألكِ عنه، والآن بما أنك قمت بذكره فلتخبريني بأتفه التفاصيل يا أمي."

كان الأربعة على وشك إكمال محادثتهم بأريحية ولكن أختهم مايا التي كانت مشغولة بهاتفها قد انجذبت إلى كلام أمها، ودون علمها فتحت صندوق باندورا.

"أنا تذكرت أن لدي فواتير يجب علي دفعها، سأعود سريعًا لما... لما يمر ساعة أو ساعتين."

"أنا تذكرت أن صديقي لي في هذا المستشفى، سأذهب لأطمئن عليه وسأعود لما... لما ينتهي هذا الحديث الشيق."

"أنا تذكرت... بأنني مريض ولا أستطيع ترك الفراش!!؟ يا رفاق أنقدونييي، عمري ضئيل بما فيه الكفاية، أرجووووكم."

رفع ميمون يده إلى السماء مغمضًا عيناه في حزن ومستسلمًا لواقع مر على وشك السقوط عليه، أبوه وكل أخوته قد هربوا بجلدهم ونسوا أمره تمامًا.

"لااااا."

وحين ظن أنه لا مهرب له، أحس بقبضة تمسك يده المرفوعة لطلب النجدة، وحين فتح عيناه ليرى من هذا الشخص وجده أنه أخوه الذي تم نبذه سابقًا.

"...عقيل!!... أخيّي." شعر ميمون بأن الدموع تتجمع في عينيه، تحت الخطر الوشيك تخلّى الجميع عن ميمون إلا عقيل الذي لازال لم ينسى أخاه الصغير المسكين.

"من الآن فصاعدًا، مهما المضوع الذي يتحدث به، فأعد نفسي..." كان ميمون على وشك أخذ نذرٍ على نفسه بمعاملة أخيه عقيل بشكلٍ أفضل، لكنه تراجع عن ذلك في منتصف الطريق لأن:

"لا تخف، يا أخي الصغير، بعد كل عسر يسر، مهما كانت الصعاب فسوف نواجهها معًا."

"أ..أنت تمزح أليس كذلك؟ ألم تأتِ لتنقذني؟"

"أنقذك؟! ولماذا قد أفعل ذلك؟ أليس من الأفضل أن أجعلك تكتسب مقاومةً بدلاً من إنقادك؟ فكما يقول زعيم الفنون القتالية إدريس علي: لا تطلب من الله أن يعطيك حياة سهلة، بل أطلب منه أن يعطيك القوة لمواجهة صعوباتها. فلنصبح أقوياء معًا، يا ميمون."

"يا لها من حياة مؤلمة." نزلت دمعة الاستسلام من عين ميمون اليسرى.

.

..

...

وهكذا قضى الشاب الوقت مع عائلته في تبادل أطراف الحديث، ولقد كان مستمتعًا بهذه المحادثة الصغيرة، بالرغم من حالتهم الميسورة إلى حد ما، إذ إن هذا الأمر جعل العائلة أقرب من بعضها البعض بشكلٍ يمكنهم فيه المزاح من بعضهم دون أي مشاعر سلبية، ولهذا جعل زيارة العائلة لهذا المريض يشعر بدفء في هذا المكان البارد، وبما أنه كان مستمتعًا بهذا الجو، فإن الوقت قد مر بسرعة كبيرة.

"إنه وقت الرحيل، يا بني. سنزورك غدًا إن شاء الله." قال الأب لابنه.

"حسنًا يا أبي، أنا متشوق للقائكم غدًا." رد الابن، بالرغم من أنه كان حزينًا من ذهاب عائلته عنه، فهو يعلم جيدًا أن للعائلة اشتغالاتها ولا يريد أن يثقل عليهم، ففي النهاية، إنهم يضحون بوقتهم بما فيه الكفاية لزيارته كل يوم، ولذلك حاول أن يخفي عدم رغبته بابتسامة، وبعد توديعهم أصبح مرة أخرى وحيدًا. ما أن ذهبوا حتى أصابته الكآبة سريعًا.

"لقد كنت إنسانًا عاديًا قبل بضعة أشهر، أتمتع بصحة جيدة وأداء أكاديمي جيد، وحتى شعبية بين أقراني سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا. لقد كان لدي كثير من الأصدق

اء، كانت الحياة بجمالها تتفتح عليّ ولكن..."

"ولد الإنسان ضعيفًا وسيموت ضعيفًا مرة أخرى؛ عند الكبر وحتى في منتصف العمر، لا يدري الإنسان إلى متى يبقى معافًا وحالتي خير مثال على هذا، فذلك يجب علي أن أعتز بوقتي، أن أصنع فيه خيرًا."

"عندما أرى ساعاتٍ من الأوقات الجميلة تمر كأنها ثوانٍ معدودة، ثم عندما ألاحظ أن ثواني قليلة من الأوقات الصعبة تمر كأنها ساعات، حينها أعلم أن هذه الدنيا لم تخلق للاستقرار والتمتع... ولكن ما بعدها."

ارتسمت ابتسامةٌ مشرقةٌ على ملامح الشاب وذهب عنه الحزن، إن كان هناك شيءٌ يفرحه أكثر من زيارة عائلته فهو الإيمان الذي في قلبه بما بعد هذه الدنيا.

"ما معنى المال؟ ما معنى السلطة؟ ما معنى الشهرة؟ ما معنى النساء؟ ما معنى الصحة في مقابلها؟ في مقابل مقصد كل عاقلٍ ذو بصيرةٍ منذ بداية الزمان وإلى النهاية، ومن غيرها صعبة المنال، قاتلة الموت والحزن، مكان الخلود... من غيرها الجنة."

وبينما كان الشاب يسرح بعيدًا بخياله، إذا بالألم يرجع إليه مرةً أخرى ليقطع حبلَ أفكاره، ومن شدة الألم أغمض عينيه بشدة وضغط على أسنانه وأحكم على قبضته.

انتظر الشاب أن يذهب الألم عنه بسرعةٍ كالعادة ليكمل ما يفكر به أو يذهب إلى النوم الذي كان وسيلته الثالثة في تصبير نفسه في هذا المكان، لكن لم تجرِ الأمور كما توقعها حيث أن عادةً ما يكون الألم شديدًا ولكن مدته قصيرة، وهذا ما لم يحدث هذه المرة، حيث إنه لم يذهب سريعًا كما جاء.

"اغغغغ... هااااه."

بل تصاعد هذا الألم عن سابقاته في الشدة ولم يظهر عليه أي علامة على زواله أو انخفاضه، مما جعل الأخير يصر على أسنانه أكثر وضغط على راحته لدرجة أن أظافره الطويلة نسبيًا بدأت تغرس في راحة يده لتسيل دمًا منها، ولتخفيف هذا الألم قليلاً بدأ الرجل يتأوه من الألم الشديد.

"هل حان وقت ذهابي من هذه الدنيا؟ هل الزاد الذي أعددته يكفي لأن يتلقاني ربي برحمته؟ هل سأدخلها أخيرًا؟ على الأقل سأحاول جاهدًا أن أخذ بالأسباب وأن لا أموت مستسلمًا."

كان يبدو أن الشاب قد استسلم للأمر الواقع ولم يعد له أي أفكار تعارض هذه الحقيقة، ولكن في أعماقه، كانت هناك مثل هذه الأفكار.

'ما زلت صغيرًا على الموت، مستقبلي ما زال في أوله، لدي الكثير لأقدمه، أنا لم أرَ إلى قليل من هذا العالم، حتمًا كنت لأقدم المزيد في هذه الدنيا، فقط لو لازل لي مزيد من الوقت، كنت لأستغل هذا الوقت لتحسين فرصي في الوصول إليها، كنت لأملها خيرًا.'

كان في رأسه يدور الكثير من الأفكار التي لم يرد يقولها تمامًا، وبالرغم من أنها كانت تلك أفكاره الشخصية إلا أنه لم يكن ليستمع إليها أو يطلق العنان لها، ففي النهاية، ليس كل ما يدور في رأسه هو الصحيح، والعاقل هو من يميز الصالح فيظهره ويميز الخبيث فيكتمه عن الظهور.

"على الأقل سأحاول أن أجلس وأن لا أموت وأنا ممدود على الفراش."

لم يرَ أي فعل قد يظهر عزمه في تقبل ما هو حاضر إليه ومحاربة رغبته المظلمة.

"اشتد يا أزمة تفرجي"، هذا الكلام الذي وجهه الشاب إلى نفسه ليجعلها تصبر، وكذلك ليأمل الفرج القريب.

ومع زدياد الألم إلى درجة كبيرة وصل إلى درجة لم يستطع جسده التحمل بعدها، فدخل في حالة اغماء. لقد حاول أن يصبح في وضعية الجلوس لكنه لم يستطع وكل محاولاته باءت بالفشل.

الجسد الذي كان يهتز بشدة كالقدر المغلي أصبح الآن ساكنًا، وتلك التآوهات التي كانت تصدر منه والتي زادت هذا المكان كآبة إلى كئابته أصبحت صمتًا مخيفًا، لقد استقر جسده وكأن روحه قد فارقته ليصبح وعاءً فارغًا.

2024/04/18 · 144 مشاهدة · 2311 كلمة
sehman lamba
نادي الروايات - 2025