"ما الذي تقومين بفعله يا سينا؟ إتركيني انا ليس لدي الوقت لذهاب معك، انا لدي أعمالي التي يجب أن أقوم بها"
".........."
لم ترد سينا على ستيلا و أكملت جرها معها إلى وجهتها المجهولة، و لكن سرعان ما أحست بقوة معاكسة لها صادرت من اللولي و التي جعلت يدها الصغيرة تتحرر من كف سينا.
"ما قصتك اليوم يا سينا؟ أنا لا أفهم لما تفعلين هذا؟ هذه ليست أفعالا تكون صادرة منك...ِ او على الأقل ليست معي" قليلا جدا ما أظهرت ستيلا تعابير الغضب على وجهها و لكنها الأن فعلت.
"انت عادة ما تتجنبينني و لا تلقي لي بالا، و بالرغم من أنك صديقة مقربة لكل خادمة في القصر، و الأن و فجأة تحاولين ان تجبريني على ترك عملي و أذهب معك؟ ما الذي تريدينه مني؟"
شعرت ستيلا بالحزن لرؤية ان الفتاة التي كانت دائما بشوشة و لطيفة مع الجميع تعاملها بهذه الطريقة الغير عادلة، لطالما أرادت أن تكون صداقة مع مثل هذه الفتاة، لقد كانت فتاة جميلة و دائمة الإبتسام، مرحة و نشيطة، لقد كانت تلك النوع من الفتيات اللاتي يجلبن معهن الجو المرح و المنعش أينما حلت، و لذلك كانت ستيلا في حالتها الحالية في أمس الحاجة إلى صديقة مثلها لتخفف عليها وطأة ظروفها القاهرة.
"فقط أخبيريني يا سينا ما الذي تريدينه مني؟"
تلك الرغبة في جعلها صديقتهة قد ترجمتها إلى أفعال من خلال محاولات التقرب منها كفتح بعض المحادثات العشوائية معها او العمل بالقرب منها او الغداء معها إلا أنها لوقيت بالرفض و التجاهل، لذلك قررت ستيلا التخلي عن فكرة محاولة تكوين صداقات جديدة، و عدم إزعاج سينا بمحاولاتها المتكررة.
"هل حقا أنا غير مرغوبة في هذا القصر لهذه الدرجة؟"
لقد إعتادت على كونها و حيدة في قصر خطيبها الكبير المملوء بالناس، لم يكن لها الا ان تصبر حتى تأتي صديقتها الوحيدة صوفي، و حتى و لو أن زياراتها متقطعة و غير الثابتة الا ان تلك الزيارات كانت العزاء الوحيد و الخيط الرفيع الذي حافظ على سلامة عقل الفتاة الصغيرة من الأفكار السوداوية.
'تنهد، لما يجب أن يكون الوضع معقدا هكذا؟'
لاحظت سينا حزن ستيلا و المشاعر المترتبة عن هذا الكلام و توقعت قليلا ما كان يجول في بال هذه الفتاة الصغيرة، لقد كانت هذه الفتاة الواقفة أمامها فتاة محببة للعين و لطيفة و صغيرة لقد كانت مثل الدمية التي تريد رعايتها و إعتناء بها، لولا أنها كانت منافستا لها على الزوج المحتمل، لذلك إما أن تكون هي سعيدة و تظمن لأخيها و صديقه مستقبلا مشرقا و يكون مستقبل الأخرى مجهولا، و إما أن تكون اللولي سعيدة و يكون مستقبل سينا و أخوها و صديقه على الأرجح تعيسا.
'علي فعل ما يجب علي فعله'
لذلك بالنسبة لها لم يلزمها الكثير من التفكير لإختيار إحدى الخيارين، عائلتها و مستقبلها المشرق هما أهم شيء بالنسبة لها، و مع ذلك و بالرغم من قرارها أمسكت سينا بيد ستيلا مرة أخرى و أكملت سحبها معها.
"حتى أنا لا أعلم ما الذي أفعل الأن، لأصدقكِ القول أن أترككي و شأنك هو أفضل خيار لي.... و لكن نحن نساء، و أحيانا النساء يتركن مجالا لعواطفهن كي تقرر"
لم يسع سينا إلى أن تتذكر ما حدث معها و أخوها في صغرهما، عندما وجدا قطة صغيرة مرمية على جانب الطريق بينما هما عائدان إلى المنزل، و قد بدا على القطة ملامح التعب و الجوع و المرض واضحة على جسدها الهزيل، مما حرك غرائز الأمومة للفتاة الصغيرة آن ذاك و أخبرت أخوها الكبير أنها قررت الإعتناء بها.
و لكن الأخير لم يوافق على ذلك متحججا بعدة حجج منها؛ ان القطة صغيرة جدا على الإعتناء بها من طرف إنسان و فقط أمها القادرة على ذلك بغريزتها و حليبها، و أن والديهما لن يدعان مثل هذا المخلوق يطأ منزلهما ليكون حملا و إزعاجا جديدا عليهما، و أخيرا قال بأن القطة على وشك الموت و أنها لن تستطيع إنقاذها، هي بالفعل تلفظ آخر أنفاسها و ستشعر بالحزن فقط لرأيتها تموت أمام عينيها إذا أخدتها معها.
بالطبع و بحكم أنها مدللة أخيها لم تستمع إليه و توسلت إلى أخيها بعيون دامعة أن يتركها تاخد القطة و كذلك يساعدها في عنايت بها، أمام أعينها الياقوتية البريئة لم يستطع الأخ إلا أن يرجع خطوة إلى الوراء و يلبي مطلب أخته.
و ماهي إلا أيام معدودة حتى تحقق توقع الأخ و ماتت القطة، لم يكن السبب واضحا عن سبب موتها، هل ماتت بسبب عدم إطعامها جيدا أو بسبب عدم توفر الدفئ الكافي في المكان الذي صنعوه الأخوين لها بالقرب من المنزل، أو بسبب المرض الذي كانت به القطة.
بغض النظر عن السبب لازال الموت موتا آخدا روح القطة معه، و جالبا الحزن و الأسى إلى الأخوين و خاصة سينا التي لم تستطع التوقف عن البكاء و لوم نفسها على موت القطة، و بالرغم من أن سينا لم تعرف هذه القطة حتى لأسبوع كامل إلا أن مشهد قطة صغيرة و لطيفة تموت أمام عينيها ببطأ و ألم لم يكن مشهدا إستطاعت فتاة صغيرة تحمله، هذا بالضبط ما حاول الأخ تجنبه و هذا سببه في نصحها بترك القطة لشئنها فيما سبق.
هو قول لا يصدر إلا من قلب متحجر لا ينطق إلى بكلام قاس، إلا أنها كانت الحقيقة المرة و لتجنب هذا الموقف الشبه محتوم، و الذي تحقق في الاخير بالفعل.
لما رأى الأخ الحال الذي وصلوا إليه و هذه الأحداث المتتالية، لم يسعه إلا أن يتنهد في حزن و يصل إلى حقيقة موجودة منذ القدم
'بغض النظر عن أن ما يقرره القلب النقي هو دائما قرار جميل و لكن للأسف ليس دائما صحيح..... على الأقل ليس في هذا العالم'
هذا ماكان يجول في باله بينما هو يحظن أخته إلى صدره مربتا على شعرها برفق و هي تبكي بحرقة.
.
..
...
'ما مضى قض مضى... أتمنى ألا يكون قلبي مخطئا مرة أخرى'. قالت سينا محدثتا نفسها، غير خائفة من الخاطرة مرة أخرى بتحكيم مشاعرها بدلا من عقلها.
"هل تحبينه يا ستيلا؟" دون سابق إنذار سألت سينا مثل هذا السؤال الشخصي.
"م..من تقصدين؟"
"هل تحبين السيد الشاب؟"
"و لما...و لما هذا السؤال فجأة؟". تفاجئت اللولي من السؤال المفاجئ و لم يسمعها إلا تستفسر متلعتمة عن الغاية من هذا السؤال.
"فقط أجيبيني، ألا تريدين أن تعلمي لماذا هذا التصرف المفاجئ الصادر مني؟ أجيبيني على سؤالي و سأجيبكِ على إستفسارك"
فكرة ستيلا قليلا بعد أن سمعت كلام سينا.
"في الحقيقة لا أدري ما إن كنت أحبه ام لا، لكنني لن أقول أنني أكرهه ففي الأخير لقد كان رفيق لي من قبل سنين، لذلك أنا أحمل إتجاهه مشاعر طيبة... أنا لا أدري إن كانت هذه المشاعر هي نفس المشاعر التي تحملها الحبيبة لحبيبها"
لم يسع لسينا أن تصمت قليلا مستوعبتا ما المعنى الخفي وراء كلمات ستيلا المترددة، لقد إستغربت حقا كيف يمكن لهذه الفتاة أن تقول أنها تحمل مشاعر طيبة تجاه فايت بعد كل الأفعال التي أضرها بها.
'...هل تمزح معي!!.. بعد كل ما فعله معها!!؟ و ماذا تقصد بمشاعر طيبة تجاه جنس آخر؟ لقد كان آحد الأمرين لا ثالث لهما إما أن تكون مشاعر حب عائلية تجاه عائلتها كالأب و الأخ و هو أمر مستبعد لعدم تواجد رابطة الدم أو العيش مع بعضهم البعض على أساس أنهم أخ و أخت'
سينا لم تكن سادجة بشكل كافي حتى تفسر تلك المشاعر الغير مفهومة بالنسبة لستيلا على أنها مشاعر حب أفلطوني.
'أو أنها مشاعر حب تجاه شريكها المستقبلي، أما عن مشاعر الصيديقة تجاه صديقها فلم يكن هناك مشاعر صداقة إلا لشخصين من نفس الجنس، و لأن تلك الفرقات الجسدية تمنع أن تترك العلاقة بين رجل أو إمرأة أن تبقى على مستوى الصداقة'
'إما حب و إما كراهية'. و لقد علمت سينا ذلك جيدا.
لقد كانت فتاة طيبة حقا و سادجة لم تعلم حتى حقيقة مشاعرها، و مثل هذه الفتيات إما أن تتأثر سلبا و تذهب برائتها يإنفتاح عينيها على الحقيقة او تتأذى كثيرا تحت جناح مثل هذا الشخص إن حافظت على نفس سداجتها و أصبحت زوجته، و في كلتا الحالتين هذه نهاية غير جيدة لها، كما أن سينا لم تكن لتتراجع عن هدفها الأول و رأت نفسها حقا مناسبة لهذا النوع من الرجال مع كل تجاربها التي عاشتها.
".......إذا انت لا تحبينه"
قالت سينا ذلك بالرغم من أنها إعتقدت ما يجول في قلب الفتاة هو العكس من ذلك تماما، لقد قررت أن تحول تلك المشاعر الغير المفهومة لستيلا من مشاعر حب إلى كراهية ،لمصحتها و مصلحة ستيلا.
"لا، أنا لم أقل أنني لا أحبه"
"انت لا تفهمين يا ستيلا لأنك لازلت صغيرة، و لكن إعلمي أن مشاعر الحب ليس هناك فيها غموض إن كنت تحبين شخص فأنت تحبينه، و إن كنت لا تعلمين إذن انت لا تحبينه، إن الأمر بهذه البساطة" أكملت سينا محاولتها في قلب الحقائق دون يرف لها جفن.
"............لكن........."، عبست ستيلا و حاولت أن تجد بما ترد به، شيء ما بداخلها أكد لها أن كلام سينا بعيد عن الحقيقة و مع ذلك لم تستطع أن تترجم ذلك الشعور إلى كلمات.
"فقط تقبليها يا ستيلا، هذه مشاكرك الداخلية و يجب عليكِ أن تتفهميها"
كرهت سينا الكذب و لكن عند الحاجة سوف تكذب، و هي معتادة على ذلك.
رأت سينا أن ستيلا لم تجد بما ترد عليها و لقد إستطاعت حقا أن تجعلها تشك في مشاعرها الغير مفهومة تجاه فايت، هذا الامر ساعدها على المضي قدما في محاولتها لخداع ستيلا و في نفس الوقت هذا الفعل قد أشعرها بشعور الذنب أن تخدع مثل هذه الفتات البريئة و تحول الأبيض إلى أسود بكذبها، لكنها لم تكن لتتراجع عما قالته، عزمها قد شحد ولم تكن هذه المشاعر اللوامة لتثنيه.
"ما كانت هذه الخطوبة لتنجح مع خطيب لا يهتم لخطيبته و مخطوبة لا تحب خطيبها، من الأفضل أن تلغى، خير لكما"
"......لا....." كانت هذه الكلمة صادرة من ستيلا بصوت ضعيف لا يكاد أن يسمع.
"ما الذي قلتيه يا ستيلا؟"
"لقد قلت لا" أعادت كلمات بصوت أوضح من الأول.
بينما شحدت سينا عزمها، لم تتخلف ستيلا عن القطار فهي الأخرى عقدت عزمها على ما تريد فعله، لذلك لم ترد متابعة السير مع سينا و توقفت في مكانها.
"لا، لا أريد ذلك أن يحدث، أنا أريد لهذه الخطوبة أن تكون فاشلة"