"ما الذي تقولينه يا ستيلا! ألم تفهمي ما قلته لك؟" أحست سينا ببعض الأنزعاج من الرفض الغير متوقع.

"نعم لقد فهمت ما كنتي تقولينه لي، و لكنني أظنك مخطأة فيما تعتقديه عن أن علاقتي بفايت مآلها إلى الفشل... لا، أنا أؤمن أن ما قولته خاطئ"

"أنا مخطئة؟ ما الذي تعرفيه عن العلاقات بين الأناس ومشاعرهم و أنت في هذا العمر و بهذه التجارب الضئيلة التي عشتها؟"

إزداد غضب سينا تأججا لما علمت أن الفتاة الصغير متحجرة الرأس، لقد كانت عتقدتها أنها تلك النوع من الفتيات المطيعات اللاتي تسمعن إلى الكلام و ينفدنه من دون شكوة أو إعتراض.

"عمر؟ تجارب ضئيلة؟ أ ولست تكبرينني بسنتين فقط؟ هل لك الحق في قول مثل هذا الكلام أنت لا تختلفين عني كثيرا؟" نظرت ستيلا إلى عيني سينا بجدية غير معتادة منها، لما وصل الأمر إلى هذا المكان فلن تستسلم الفتاة اللطيفة بسهولة.

".......نعم صحيح، أنني أكبر منك بقليل فقط، لكن يجب عليكِ أن تعلمي أن تجاربي مع الحياة لم تكن قليلة أبدا، المرء ينضج بتجاربه و ليس عمره، و لذلك إستمعي لي ستيلا و إتبعيني"، عرضت سينا كفها لستيلا حتى تمسكه و داعية إياها لإتباعها.

"...صحيح، تجارب الحياة لا تقاس بالعمر فقط، هذا ما أخبرني به أبي أيضا..."، أنزلت ستيلا رأسها بحزن متذكرة أيام الماضي الجميل بهدوئه و دفأ أناسه.

"و أخيرا، أنت الأن تفهمين لما يجب عليكِ الأخد بكلامي، دعنا لا نضع الوقت يا ستيلا" حثتها سينا مرة أخرة معتقدة أن ستيلا قد إستسلمت لها.

"و قد يكون ما تقولينه صحيح، و لذلك هل تقولين مثل هذا الكلام معتقدة أنني عشت كالزهرة في البيت الزجاجي؟ أم انت تدعين أنكِ تعلمين عني كل شيء؟"

رفعت ستيلا رأسها ناظرة إلى سينا بعينيها البنفسجيتين اللتان كانتا تلمعان بأثر من الدموع.

"هل تقولين أنك رأيت كل تجارب الحياة التي عشتها؟ هل هذا ما تحاولين قوله لي؟"

"!!...أنا..... أنا....." لم تجد سينا ما تقوله ردا على كلام الفتاة الصغيرة، لم اعتقد أبدا أن هذه الفتاة ستكون بمثل هذه الشراسة و سيكون لها مثل هذا الحجج المنطقية.

"لكنك أنت التي قلت بلسانكِ أنكِ لا تعلمين ما هي المشاعر التي تكنينها للسيد الشاب، كيف يعقل أن لا تعلمين ما هي طبيعة شعورد تجاه خطيبكِ؟"، سرعان ما وجدت سينا حجة أخرى لتخضع الفتاة، فسينا لن تتراجع بسهولة هي الأخرى.

"أنا لازلت لا أعلم مشاعري جيدا نحو خطيبي، أنا لا أنكر ذلك و لكني حتما لا أكره، فهذه المشاعر موجودة في صدري و أنا أدرى الناس بها، لذا لا يحق لأي أحد أن يقرر في مكاني عن طبيعة المشاعر التي أشعر بها تجاه الغير، أنا وحدي من أقرر ذلك"

لقد كانت اللولي تحاج في سينا بكل شغف، حتى أن نفسها قد إنقطع ما جعلها تتوقف قليلا لتسترجع بعضا من أنفاسها و تكمل قائلتا.

"قد لا أعلم جيدا نوع المشاعر التي أكنها لخطيبي، و لكنني عندما يتحدث ومعي و ينظر إلي، أشعر بالفرحة و عندما أرى أن شيء سيء حدث له أشعر بالألم في صدري، وعندما أراه مخطئا أحاول جاهدتا لمساعدته على تصحيح خطئه، إن كانت هذه حقا مشاعر كراهية فلا أدري إذا كيف ستكون مشاعر الحب إذا؟"، مع كل كلمة قالتها إزداد صوت ستيلا قوة و ثقة، و علا ذلك الصوت في الأخير حتى أن آخر كلماتها كانت أشبه بالصراخ.

".................." وقفت سينا هناك غير مصدقة أن ستيلا قد كانت تخفي مثل هذا الجانب منها، جانب صلب و متين مثل مقاتل عزم على النصر أو الموت، قد رأتها حتى و هي تلتقط أنفاسها قبل أن تتابع قائلة و بهدوء يحمل في طياته حزنا عميقا.

"..... هل تعلمين حتى كيف هو الشعور الذي أحس به لما أرى أن خطيبي يعامليني ببرود، و يتجاهلني؟ هل تعلمين كم يضيق صدري بسماع تلك الكلمات الجارحة منه؟ هل تعلمين كم أريده أن يعتز بي، أن يعاملني بلطف؟"

"أنا أريد كل ذلك من خطيبي و لكن فالتعلمب و حتى لو لم يحدث ذلك، أنا لن أتخلى عنه... هو عائلتي"

بدلا من أن تقنعها، لقد كانت سينا هي من إقتنعت، الأن و أخيرا تأكدت سينا أن الفتاة الصغيرة الواقفة أمامها لم تكن تلك الفتاة التي لازالت تظن نفسها أميرة محبوسة في قصر، منتظرة أميرها الوسيم أن يأتيها و بحلته الفضية اللامعة و البراقة فوق جواده الأبيض الأصيل لينقدها و يعيشان في هناء و سعادة مدى الحياة.

ستيلا علمت جيدا منذ عمر صغير أن الحياة لن تقف معها دائما، لذلك إما أن تستسلم لواقع مر أو تحارب الصعاب إن لم يكن بالقوة فبالإيمان.

"... هو عائلتي"

لم تستطع الفتاة الصغيرة حجز دموعها بعد الأن و تدفقت تلك اللآلؤ الشفافة من عينيها البنفسجيتين الجميلة إلى وجنتيها البيضاء المحمرة، لقد تذكرت والديها المحبين الذين كانا الأن تحت التراب، لقد تذكرت تلك الأيام الجميلة الدافئة المملوءة بالمودة و الحب، تلك أيام تركت فيها بصمة في قلبها و تلك البصمة تعود إليها كلما أحست بإنغلاق الأبواب عليها، فتتدفئ بتلك الذكريات و تجدد عزمها حين إذٍ.

"أنا لن أتخلى عن عائلتي"

و كيف لا تفعل ذلك و هي تتذكر جيدا كيف أن والدها كان دائما يساند أمها و يكون الجدار المنيع الذي يقف أمام كل المشاكل التي تمتد إلى زوجته محاولة مسها بسوء، و بسبب أن أمها كانت لديها ظروف خاصة جعلتها تصبح في موضع تنبذ فيه من القبل الناس و صديقاتها و حتى عائلتها، بمعنى آخر لم يتقبلها المجتمع و مما سبب لها الأذى النفسي، بل إن حتى الأمر تعدا إلى محاولات إغتيالها في منزلها، و هذا جعل أمها تعيش كابوسا في واقعها قبل منامها.

لكن و لحسن حظها كان زوجها معها و لم ينبذها كما فعلت عائلتها بل حاول أن يعوض عنها الحب التي تحتاجه من عائلتها، و بالطبع لم يستطع الأخير وحيدا أن يعوض كل هذا النقص، أقصى إستطاعة له أن يكون زوجا و صديق، أما عن كونه أب أو أخ فلم يستطع ذلك، على أي حال فإن الزوجة قد رأت جيدا ما يفعله زوجها من أجلها، و هذا كان بالنسبة لها سببا كافيا من أجل عدم الإستسلام لليأس و تجديد صبرها.

و لكن لم تكن لتجري الأمور بسلاسة بشكل دائم، فليس كل مرة تسلم الجرة.

في إحدى المرات و في إحدى محاولات إغتيال الزوجة ولما وجدة القاتل الفرصة المناسبة لقتلها إذ أن زوجها الذي كان دائما يدافع عنها غير موجود، حينها القاتل إستغل الفرصة و تخد حركته تجاهاها، و لسوء حظ القاتل و حسن حظها أن المعلومات التي أتته لم تكن دقيقة، فالزوج كان ليس ببعيد عنها حتى ينفد القاتل خطته بيسر، و لو تدخل الزوج لكانت قد قتلت أمام إبنتها الصغيرة بينما كانت تلعب معها.

و كان ثمن فسل القاتل في مهمته أنه قد فقد حياته ضد الزوج، بالطبع مع خروج الخطة عن مسارها سارع القاتل في الهروب و لكن خصمه الغاضب لم يسمح بذلك و بحكم فارق القوة بينهما فقد منعه حقا من الهروب، و يا ليته ما فعل.

فالقاتل الذي كان المحاصر و الغير قادر عن حفظ حياته قد أصبح شخصا إنتحاريا همه الوحيد أن لا يجعل الأمر سهلا على الذي أجبره على هذا الموقف اليائس، و بصفته محترف في مجاله كان يكفيه أن يتسبب في جرح صغير لعدوه و سيكون ذلك العدوا في حالة حرجة و هذا حدث بالفعل لأبيها.

و لما رأت الزوجة الحال التي آل إليها زوجها بسببها شعرت بأنها هي من قتلته، زوجها هو رجل وسيما لديه السلطة و القوة، غني و شاب، لقد كان من السهل عليه أن يطلقها و يتخلص منها ثم يستبدلها بغيرها من النساء من هن بمثل جمالها، لقد أحست بالذنب و الغضب و المهانة، و لم تعد تعلم حتى لما يضحي الزوج من أجلها، فما كان منها إلا أن تبكي بكاءا شديدا و هي تسأل بكلمات تكاد أن لا تفهم من شدة النحيب 'لماذا تفعل هذا من أجلي'

فما كان جواب زوجها إلا أن قام بوضع يده على خد زوجته بلطف و هو يحرك أصابعه على و وجنتيها بحرص و بطئ، و هو على فراش الموت أجابها من دون أي تردد أو ندم.

"لأنك عائلتي"

.

..

...

....

"لأنه عائلتي"

لم تكن مجردة جملة عادية، لقد كانت مثاق غليظ، مثاقا يصعب فسخه، هذه الجملة قد فهمتها ستيلا جيدا و ليس بعقلها فقط بل أنها حتى عاشتها بحواسها، بقلبها و روحها، هي لم تكن مجرد فتاة صغيرة تكرر على لسانها ما سمعته من غيرها.

"أنا حتما لن أتخلى عن عائلتي"

أمام هذا العزم و هذه الكلمات الثقيلة الراسخة لم تستطع سينا إلا أن تطأطئ رأسها في إستسلام، كيف لا، و قد رأت ما رأت و أحست بما أحست و من فتاة أصغر منها، لم يطاوعها قلبها بعد الأن في أن تزيد كلمة واحدة قد تنقص من عزم هذه الفتاة الواقفة أمامها.

'و لكن هل سيصل هذا العزم و هذه الكلمات إلى خطيبها؟ هل حتى ستراه مرة أخرى؟ لقد قرر بيعها لذلك المخبول، حتى أنه لا يريد أن يراها و هي تأخد من القصر كسلعة رخيسة'

تنهدت سينا في حزن، فمِما تعرفه عن سيدها الشاب و الأحداث الواقعة حديثا فإن ستيلا لن تراه حتى فما بالك بتحدث معه و إيصال ما في قلبها له.

لقد علمت ذلك بعد ذهابها إلى المطبخ لأخد بعض الطعام لأخيها و صديقه و عندما ذهب لأخد ذلك الطعام لهما رأت الحادثة التي حدثت هناك بين رودل و دودريان، و رأت كذلك مدى وقاحة ذلك المخنث المدعو دودريان، لقد كانت يستفز رودل حتى أنه كاد أن يتأزم الأمر إلى نقطة اللاعودة لولا تدخل أخيها.

هي علمت جيدا لو أن راين لم يتدخل ماذا كان سيحدث.

'حتى أنه تحرش بأخي، ذلك الوغد المخنث'، صرت سينا على أسنانها هي تتذكر الطريقة التي تحدث بها دودريان تجاه أخيها، مما جعلها أشعر بالمرض و الغضب.

في ءلك الوقت سينا قد سألت نفسها إن كان سبب قدومه إلى هنا هو الأخوها، و سرعان ما ضحدت تلك الفكرة لما سمعت الكلام الصادر من دودريان و بربطه مع ما قاله لها سيده الشاب علمت سبب قدومه الى القصر.

'يالا حظ ستيلا السيء!! من بين كل الناس لِما قرر تركها في يد هذا الشخص؟ ألم يجد إلا هذا الشخص ليبيعها له؟ أيُ كره يكن لها حتى يفعل بها هذا!!؟'

كان سينا مطلعة على حقيقة أن سمعة رودل ليست فقط مستمدة من كونه مخنث يتغزل بالرجال فقط، إن يملك صفة ذميمة أخرى، هي بالنسبة لأغلب الناس أسوء حتى من الأولى؛ دودريان كان مشهورا بكونه ساديا يحب تعذيب النساء و بالأخص الشابات و الجميلات مهن.

2025/01/01 · 15 مشاهدة · 1609 كلمة
sehman lamba
نادي الروايات - 2025