بعد تلك الحادثة و لأول مرة عرفن النساء أن خطتهن قد فشلت فشلا دريعا فقررن أن يتراجع عنها، و كيف لا تراجعن و سبب الأول في قيامهن بذلك و المتمثل في ردع دودريان عن أفعاله لم بحقق، بل و تعدى الأمر أن يتم وصفه بمجرد الفشل التام ففي الأخير كانت النتائج عكسية.
بفعلتهن حفزنه على التطرف أكثر في أفعاله، و ذلك ما بدا جليا الفتاة المسكينة التي وقعت في يده.
هذه الحادثة بدأت لما إحتاج أب من الطبقة العاملة التي تقف بين طبقة الفقراء و طبقة النبلاء و التي تتميز بدخل متوسط إلى المال لعلاج إبنه المريض، هو في الحقيقة قد إمتلك بعض المال غير أنه لم يكن كافيا لعلاج إبنه، و بالرغم من أنه كان بستطاعته أن يشتري الدواء الذي يخفف أعراض مرضه إلا أن العلاج الذي يخفي حالة إبنه كان أغلا من أن يشتريه أبوه.
و لذلك لم يكن أمامه إلا أن يفترض المال الضروري لشفاء و وقع إختياره على عائلة ديلافيغا.
فذهب إلى العائلة و طلب لقاء سيد الأسرة و لحسن حظه كان لديه بعض المعارف الذين يعملون في القصر و الذين سرعوا له العملية لقائه، و كان ذلك سببه في إختياره الذهاب لهذه الأسرة بعد عدم إحتساب سببه الرئيسي المتمثل قي كون سيد الأسرة قد مرة بتجربة مماثلة له.
'لا يوجد شخص يمكن أن يفهمني و له الدافع مساعدتي مثل شخص عاش حالتي'، هذا ما ظنه الأب و لم يعلم أنه ذهب إلى مستنقع الأفاعي بمحض إرادته.
سار الأمر دون أي ممغصات وصل الاب للقاء سيد الأسرة، على عكس ما كان يعتقده لم يعامله السيد بأي سوء، حتى طريقة الكلام معه لم تكن مهذبة بشكل مبالغ فتخفض من مقامه النبيل، و لا متعجرفة فيستصغر السائل، لقد قدر الأب مثل هذا الفعل بالرغم من أنه بسيط إلا أن تأثيرا عليه كبير.
و حتى و هو يشعر بالتقدير لهذا الأمر البسيط، إلا أنه لم يستغرب من ذلك كثيرا، أن يصدر من هذا نبيل بالأخص أمام هذا العامل البسيط لقد كانت مفهومة بحكم مرورهما بالنفس التجربة، و مع ذلك لم يسعه إلا أن يكون شاكرا لمثل هذا الامر.
ففي الأخير حتى و إن مر شخصين بنفس التجربة هذا لا يعني أنهم سيكنان على وفاق، بل العكس قد يحصل، بدل أن يعطف أحدهما على الآخر سيتسحقره لعدة ضروف، وهذا ما جعل العامل يشعر بالإمتنان لعدم وقوعه في مثل هذه الحالة.
تحققت غاية العامل و وافق النبيل على إقراضه المال، ما جعله الأب المحتاج ينظر إلى غد مشرق ينهض فيه فتاه من الفراش و يلعب مع أقرانه في الحي، و مثل هذه الفرصة لم تأتي إلى من تحت يد أخر شخص ظن أنه سيمد له يد العون، كل الفضل يرجع إلى خطيبته السابقة و التي يصل معها إلى مرحلة الزواج.
و يبدوا أنها لما لم ينجح معها هذا الزواج أوصلها الحال إلى العمل كخادمة في قصر عائلة هذا النبيل، لقد ظن أن علاقته معها قد قطعت، سوى أن الحياة بمجرياتها غريبة و الغير متوقعة قد كان لها رأي آخر، لقد إلتقته خطيبته السابقة بالصدفة و قالت له عن هذه العائلة التي يمكن أن تساعده، بل حتى رتبت له أن يلتقي مع سيد العائلة.
بعد مثل هذا المساعدة الكبيرة رفعت مكانة خطيبته السابقة في قلبه كثيرا، و وعد نفسه أن يرد لها هذا الدين الكبير، و لكن ذاك سيكون في وقت لاحق فهو الأن مركز على الشرط الءي تم وضعه من أجل منح المساعدة.
الشرط كان أن يتولى هذا الأمر إبنه دودريان، رحب العامل بمثل هذا الشرط و لقد رآه في منفعته بدل أن يضره، لقد عتقد بأنه إن كان هناك شخص يسهل تعامله معه و إقناعه فسيكون شخصا أصغر منه في عمر، من هو تجربته ضئيلة و خبرته أقل، و من يعلم قد يبني علاقة طيبة مع هذا السيد الشاب، و بذلك يكون شفى إبنه و ضمن له مستقبلا متفائلا لإبنه كتابع تحت جناح الوريث الشاب.
لقد إبتسم له الحظ، او هذا ما عتقده على الأقل، في ذلك الوقت لم يعلم الأب المحتاج من هو مقبل على تعامل معه، و لأن في تلك الفترة لم يكتسب دودريان شهرته في وسط العامة من شعب، و منخدعا بجهله إستبشر الاب بمثل هذا الشرط.
و سرعان ما نادى رب الأسرة على أحد خدام القصر و أمره بأن ينادي إبنه، و الذي بدوره لم يمكن مسرعا بتاتا، لقد كان يقضي وقته مع هواياته الخاصة و ما إن سمع أن أباه يبحث عنه تعكر مزاجه و الذي ظهر جليا على الفتاة المسكينة التي كانت دورها في خدمة رغباته المنحرفة السادية، لقد جعل هذا العمل من دودريان سيد الأسرة يشعر بالحرج أمام ضيفه.
لم يكن له من الحيلة إلا أن يلوم نفسه على تدليل إبنه أكثر من اللازم، النتيجة أن يري إبنه الجانب اللين فقط هو أن يرى الإبن أباه على أنه كخادم لحاجاته بدل أن يقدره.
ففي الأخير عندما تستمر الأشياء الجيدة بالحدوث للمرء يظن أنها أمرا عادي.
هذا الأمر علمه رب الأسرة جيدا و لكن لم يكن ليتراجع عما يقوم بفعله حتى و إن عنى ذلك أن إبنه لن يقدر الجهد الذي يبدله من أجله، لقد كان خائفا من فقدان إبنه الوحيد.
في الحقيقة كان هدف رب الأسرة من إدخال إبنه في هذا الأمر ليس فقط لشعوره بما يمر به العامل من ألم لرأية فلدة كبده تموت يبطئ أمام عينيه، و لكن أيضا ليشعر إبنه بالنعمة التي يعيشها و التي غفل عن تقديرها، عند رأيته لفتى قريب من عمره يعيش في بيئة تكاد أن تكون مزرية و يمر بما مر به من قبل.
تلك غايته من ترك الأمر في يد إبنه، تلك نيته الحسنة من وراء هذا القرار....
بعد فترة معينة وصل الإبن أخيرا إلى أبيه الذي كان يحاول أن يغطي عن تأخر إبنه بقليل المواضيع التي وجد أنها لا يستطيع مناقشتها مع شخص من عامة الشعب مما زاد من شعوره بالإحراجه، و ما إن وصل إبنه طلب من العامل أن يتركه و إبنه أحدهما لبعض الوقت.
لما كان العامل على وشك الخروج إلتقى أخيرا مع سيد الشاب و وريث هذه العائلة، أراد العامل أن يترك إنطباع أولي جيد في ذهن الشاب لكي يسهل على نفسه تعاملاته القادمة معه، و لكن ما إن رأى نظرة الغضب على محيى الشاب حتى قرر التراجع و تأجيل خططه لما يكون مزاج الشاب أفضل.
لقد علم أنه لا يوجد شيء أشد صعوبة في تعامل معه، أكثر من شاب في مزاج سيء.
و عندما إختلى الأب بإبنه و أخبره بالأمر الذي حدث مع العامل و إبنه و قراره في تركه عملية الأيقراض لهو إنتظر رأي إبنه في ذلك، و بطبيعة الحال و كما هو متوقع ففور سمع دودريان اقتراح أبيه رفض تماما أن يدخل في مثل هذا العمل المتعب، و بالطبع كان الاب متوقعا مثل هذا الرد من إبنه بل و حتى لم يرى مشكلة في ذلك.
لو علم الناس بتقبل الأب لأفعاله إبنه الكسول و العاصي لظنوا أن هناك خطبا ليس فقط في الأبن بل حتى في الأب، ومع ذلك كان للأب منطقه الخاص في تقبل أفعال إبنه.
و بحكم تجربته الطويلة علم أنه أي إنسان في العالم سواء كان هذا الإنسان ذكرا أو أنثى، خيرا او شريرا، ذكيا او غبيا، قويا أو ضعيف، سيكون في حالته الكسولة ما لم يحركه معتقد او هدف او غاية دافعة إياه لترك خموله، و إلا لم قد يتعب نفسه للقيام لأتفه مجهود.
و لقد شاهد أمثلة كثير من دون إحتساب نفسه، فكم من رجل شغوف بعمله أصبح عاشقا للنوم بعد فقدان شغفه، و كم من كسول تحرك بشغف لما رأى أن هنام أشخاص يهددون منطقة إستقراره.
لذلك كان له كل الثقة في أن يقول أن عمل إبنه كان عملا مفهوما، و ليس بغريب عن طبع البشر، على الأقل كان بأمكانه قول ذلك على صفة الكسل فيه و ليس باقي صفاته المذمومة.
و هذا ما كان يحدث مع إبنه، لقد كان في منطقته المريحة المستقرة و جل رغباته محققة، و لذلك هو الأن في وضعه الأصلي، وضع الكسل، و إذا لم يأته أمره قد يهدد كسله أو لم يستفيد هو من أي شيء بالتخلي عن كسله، فكشخص عادي لن يقوم لفعل أي شيء.
و إذا ألا يعتبر من يقوم بفعل الإجتهاد من دون سبب هو الشخص الغريب و الغير منطقي، على حسب فلسفة سيد العائلة؟
و بمعرفته لذلك فقد كان الأب على علم بكيفية جعل إبنه بترك كسله و هو مقتنع او مجبر على ذلك إذا إقتضى الأمر، إن كان ينقصه إيجاد سبب ليتحرك، إذا سيقوم أباه الشغوف بالبحث في مكان إبنه عن سبب و يجلبه له.
و هنا جاء دور طريقة جزرة و عصى، ما كان على الأب إلا أن يغري إبنه ببعض الفوائد التي سيحوزها إن قام بفعل ما يأمره به و هذا يكون إختصاص الجزرة، أما العصى فقد تمثلت في تخويف إبنه بقطع بعض الإمتيازات التي يتمتع بها، مثل أن يقطع مصروفه اليومي لمدة أسبوعين كاملين، او أن يُمنع عنه الأكل وحيدا، و يجبره على الأكل معه و مع أمه، و هاذين التهديدين قد جعلا دودريان يتردد قليلا.
و لكن ما جعله يستسلم لأمر أبيه هو تهديده الثالث.... أن يقوم بإلغاء إشتراكه في ناديه المفضل "كل ما يحتاجه الرجل الحقيقي هو رجل آخر".... على أي حال ذلك كان إسم النادي.