لم يسعَ الأبُ إلا أن يتنهد لما آل إليه ابنه، بعد أن ربّاه بكثير من الاهتمام. هو حتى لم يجد صعوبة في تقبّل أن يكون ابنه كسولًا، بل وحتى تقبّل أن ابنه شخصٌ ساديّ بصعوبة بالغة. لقد كانت صفة ذميمة، ولكن مع بعض المراقبة من أبيه لكي لا يتركه يتعمق فيها، لن تكون هناك أي مشكلة.

أما ما لم يستطع تقبّله والاقتناع به هو، ولا زوجته، أن يشاهدا ابنهما ينمو ليكون بتوجهات غير معقولة قد تؤدي إلى اختفاء عائلة ديلافيغا.

لم يعلم سيّد الأسرة أي طريقة سهلة للتخلص من تلك الصفة، وبدلًا من ذلك، فإنه كان يعلم كثيرًا من الطرق للتخلص من انحراف ابنه، لكنها كلها شديدة الصعوبة على الشاب ناعم البشرة. وبحكم اهتمامه الزائد عن اللزوم تجاه ابنه، وخوفه السلبي عليه، امتنع عن استعمالها.

على أي حال، هو قد وجد الفرصة ليجعل ابنه يقدّر الوضع المادي الذي هو فيه ويعتزّ به، ومن يدري، لعلّها تكون أول خطوة لإرجاع ابنه إلى الطريق الصحيح.

وأخيرًا، رضخ الفتى إلى طلب أبيه، بعد بعض المفاوضات والتهديدات التي لن يراها أحدٌ غيره كتهديد. وتبعًا لهذا الرضوخ، كان يجب عليه أن يلتقي مع هذا العامل الذي يريد أن يقترض المال من أبيه.

وبما أنه لم يكن يستطيع أن يُظهر غضبه على أبيه كي لا يُنفّذ تهديداته، لم يبقَ إلا خيار العامل المسكين ليفرغ دودريان عليه جام غضبه.

لقد قرر بالفعل أن يجد أي سبب كي يرفض إقراض هذا الرجل، وبالطبع، ذلك بعد أن يعطيه أملًا زائفًا، ثم يصعّب الأمر عليه، فيزيده همًّا إلى همّه، ثم لينهيها ببعض الكلمات الختامية لمسرحية السادية الخاصة به. هذا هو المخطط الذي اعتزم على تنفيذه، أو على الأقل ظنّ أنه سينفذه.

أما الأب، فلم يغب عليه أن ولده سيحاول أن ينتقم من العامل لجعله يترك كسله العزيز من أجل طفلٍ غبيٍّ مريض، لم يحتج أن يسمعها مباشرة من فم ابنه أو يرى دلالات على ذلك، فقط بخبرة سنين من الأبوّة كانت كافية لمعرفة خفايا ابنه.

وبعلمه بذلك، من المفترض أن يقوم بشيء يمنع حدوث مخطط ابنه حتى يسير مخططه هو على أكمل وجه، لكنه في الواقع لم يكن ينوي أن يقوم بأي إجراء تجاه خطط ابنه، لأنه ببساطة علم أيضًا أنه على الأرجح لن ينجح مخططه.

وعندها دخل العامل عليهم بعدما ناداه الأب لكي يلتقي مع ابنه الذي سيعتني بعملية الإقراض. راقب الأب ابنه، الذي كان في مزاج سيئ ويشعر بالانزعاج من هذا العمل الزائد، ولاحظ ذلك التغيّر الجذري في هالة ابنه المشحونة بالرفض والكسل. لم يعلم إن كان عليه أن يضحك أو يبكي؛ فجأة، الوجه الذي كانت تشوّهه علامات الغضب بدأ يهدأ تدريجيًّا، إلى أن استُبدل بسعادة، سرعان ما حاول دودريان أن يخفيها أمام أبيه.

إن العامل، أو الأب المحتاج، هو رجل كهل مكتمل النمو، ذا بنية رجوليّة ووسيم، جمع بين سحر الوسامة والنضج. وبهذا علم سيّد الأسرة أن مثل هذا النوع من الأشخاص هو نوع من الرجال الذي يستطيع سحر كثيرٍ من النساء... وقلةٍ قليلةٍ من الرجال... وللأسف، كان ابنه واحدًا من هؤلاء القلة.

وهذا ما جعل سيّد الأسرة متيقنًا أنه لا داعي لوجود تدخل منه، حتى يعلم أن خطة ابنه مآلها الفشل.

رأى الأب كيف سارت المحادثة بين ابنه والعامل بسلاسة، بالرغم من أن العامل كان متوترًا في البداية بحكم أنه ظن أنه سيخاطب شابًا في مزاج سيء، لكنه تفاجأ بالتغير المفاجئ في المزاج، كما أنه رحّب بمثل هذه المفاجآت التي تأتي في صالحه.

لم يطل الحديث كثيرًا قبل أن يتوصلا إلى اتفاق على كيفية سير عملية الإقراض، وتضمّن ذلك كمّ المال الذي سيُقرض ومتى موعد التسليم. ما عدا الرهن الذي سيأخذه المقرض كضمان، فقد تأجل الاتفاق عليه إلى أن يزور دودريان منزل العامل ويرى إن كان هناك شيء يستحق أن يكون رهنا من أجل إتمام العملية.

أمر دودريان أحد خدم القصر بأن يُحضِر له العربة لكي يذهب إلى منزل العامل، وسعد العامل بمثل هذا الحماس الذي أظهره الشاب، ولذلك استأذن بأن يذهب إلى منزله قبل أن ينطلق دودريان، كي يستطيع الوصول قبله ويستقبله في منزله المتواضع. ليفاجأ بأن هذا الفتى يملك من التواضع والكرم ما يجعله يطلب من العامل أن يذهب معه في العربة. هذه فرصة نادرة بالنسبة له، والتي حتمًا لم يكن ليفوتها، وبذلك وافق دون تردد، ولكن بعد أن أغرق الشاب بكلمات المديح.

راقب الأب من نافذة الغرفة المطلة على مدخل القصر عربة الأسرة تخرج من القصر حاملةً دودريان والعامل، الذي كان يحمل على وجهه ابتسامة مشرقة بعد أن دخل هذا المكان حزينًا. وتلك البسمة التي أظهرت فيها جلّ أسنانه، هل كانت لتظهر على وجهه أيضًا لو علم السبب الخفي وراء معاملة دودريان له بشكل جيد؟ لم يسع ربّ الأسرة إلا أن يتنهد، وهو يتمنى أن يكون قراره في ترك هذه المسألة في يد ابنه قرارًا صائبًا.

لقد كانت له حساباته الخاصة، والتي أخذ فيها عدة اعتبارات تتوافق حقًا مع الواقع، والتي أرادها في النهاية لصالح ابنه، ومن بعده العامل. لكن لم يكن يعلم إن كانت النتائج ستكون كما تمنى.

في الغالب سيكون له ما أراد، إلا أنه يعلم أنه حتى مع خبرته لا يمكنه الجزم بتحقيق مراده، ففي النهاية الحياة مليئة بالأمور غير المتوقعة التي تعكس حسابات المرء.

لم تكن الرحلة في العربة من القصر إلى منزل العامل طويلة جدًا، لكنها كانت كافية لأن يفتح الشاب مع الكهل بعض المواضيع، والتي رحب العامل بالمشاركة فيها. لكن سرعان ما لاحظ أن هناك خطبًا في كلام الفتى، جعله يشعر بالغرابة وشعور آخر غير مريح لم يعلم ما هو. لقد ظن أن هذا الشعور كان بسبب كثرة كلام دودريان، الذي لم يصمت أبدًا.

لم يكن يعلم أن دودريان شخص ليس كباقي الذكور الذين يعرفهم، وبالرغم من ذلك الشعور، فلم يكن يعلم أين يكمن الخلل، ذلك أن دودريان كان يتحكم بكلماته وطريقة كلامه كي لا يَجذب إليه الشبهات.

لم يكن دودريان يعترف بخطأٍ في طريقة كلامه، بل كان يدرك ببساطة أن الرجل الذي يُحادثه متزوج وله أولاد، ومن الواضح أنه لا يشاطره نفس الميول. لذا، إن أراد بناء علاقة ناجحة معه، فعليه أولًا أن يُشبهه ظاهريًا، وألّا يُظهر أيًّا من توجهاته، وإلا فسيشعر ذلك الرجل بالنفور منه.

لو كان يُحادث شخصًا من نفس طينته، لما كلّف نفسه عناء اختيار كلماته، ولا ضبط حركات يده؛ بل لتكلم بطبيعته كما يفعل مع أصدقائه في نادٍ "كفايت".

على أي حال، بينما كان الاثنان يتبادلان أطراف الحديث، لم يشعر دودريان بمرور الوقت حتى توقفت العربة.

ترجل الاثنان، متجهين نحو منزلٍ خشبي متوسط الحجم، وما إن طرقا الباب حتى فُتح ليستقبلهما مشهد فاتن: فتاة شابة تقف أمام الباب، كأنها وردة في طور تفتّحها. كانت جميلة، تشع من ملامحها بشارة لمستقبل مشرق، وقد رحّبت بأبيها وبالضيف غير المتوقع بابتسامة دافئة.

انبسط وجه الرجل برؤية ابنته، وبدأ يمدحها أمام دودريان بوابلٍ من الكلمات التي جمعها من قلبه ولسانه معًا، حتى بدت الفتاة متفاجئة من هذا المدح الكثيف. لم يكن والدها بخيلاً في المديح من قبل، ولكن بهذه الحماسة؟ كان الأمر جديدًا. رغم ذلك، لم تنكر الفتاة تلك الكلمات، فهي أنثى، والمَدحُ لَها طَبعٌ محبوب، لا سيما إن أتى من أبيها الحبيب.

لقد كانت تلك إحدى خطط العامل لبناء علاقة مع الشاب. ما سعى إليه ليس بالأمر السهل، لكنه لم يكن ليخسر شيئًا بمحاولة. فقد كان يريد الخير لابنه ليُشفى، ولم يكن ليفوّت فرصة تأمين مستقبل كريم لابنته، إن استطاع أن يجعلها زوجة لهذا النبيل الشاب صاحب الخلق المتواضع والمقام الرفيع.

لكن المسكين لم يكن يعلم أنه يحاول ملء كأسٍ مثقوب. كلمات المديح التي انهمرت على مسامع دودريان دخلت من أذن وخرجت من الأخرى. رفعت الفتاة وجهها، الذي أوشك من شدة الخجل أن يغرس في الأرض، لتنظر إلى ذلك الضيف، فإذا به شاب يبدو في مثل عمرها، ومن مظهره وملابسه اتضح فورًا أنه من طبقة النبلاء.

لطالما سعت النساء إلى الجمال، ولهذا فقد أنعمت الطبيعة عليهن بقدرة فطرية على ملاحظة أدق التفاصيل، قدرة لا تُضاهى عند الرجال الذين قلّما يهتمون بالمظاهر.

ولم تستغرق الابنة وقتًا طويلًا لتدرك أن هذا الفتى الواقف أمامها لم يكن عاديًا. فالهالة التي تحيط به، طريقته في الحديث مع والدها، تلك النظرات التي يرسلها نحوه، وتجاهله شبه الكامل لها — كل ذلك كان غير مألوف.

لم تكن مغرورة، لكنها تعلم جيدًا أثر جمالها على الرجال. في البداية ظنته خجولًا، لكن أسلوبه في الحديث لا يشبه الخجولين أبدًا. ومع هذه الملاحظات المتلاحقة، تذكرت إشاعات سمعتها من صديقاتها مؤخرًا عن "نوع جديد" من الرجال، لا ينجذبون للجنس الآخر. ومع أن ذلك بدا غريبًا في البداية، إلا أن ما رأته الآن أكّد لها الأمر.

تسلل إلى قلبها شعور خفي من الاشمئزاز، لم تستطع إنكاره. ومع أنها كتمته ولم تُظهره، كانت شبه واثقة من صحة شكوكها. ورغم أنها تمنت أن تكون مخطئة، إلا أن الحقيقة لم تكن بيدها. فهي تعلم جيدًا أن بعض الحقائق وإن ثبتت، لا تُسر.

"همم… هذه هالة الموت! ربما ستفنى عائلته جميعها ولن يبقى إلا هو حياً… أتمنى ذلك." فكر دودريان في نفسه، وهو يُلقي نظرة خاطفة عليها، كما لو كان يدرك تمامًا ما يدور في ذهنها.

... وبعد قليل من التفكير، ربما هناك من الفتيات من يقبلن بأمثاله... لكن، هذه الفتاة؟ لا، هي بالتأكيد ليست واحدة منهن.

2025/06/08 · 4 مشاهدة · 1407 كلمة
sehman lamba
نادي الروايات - 2025