رحب الأب، الذي كان غافلًا عما كان يتعامل معه، بالشاب إلى منزله. بينما كان يأمر ابنته بتحضير شراب للضيف، دعاه للدخول إلى غرفة الاستقبال حيث كان ابنه نائمًا. وبما أن المنزل لم يكن كبيرًا جدًا ولم يكن به إلا غرفة نوم الأبوين وغرفة نوم الابنة وغرفة الضيوف التي أصبحت تبعًا لذلك غرفة نوم الابن.

كان العامل يتبادل أطراف الحديث مع دودريان حتى سمع صوت ابنته تنادي عليه، وأخبرته أن أمها تطلبه في أمر. عندها، طلب المعذرة من الضيف وذهب ليرى ما الأمر. أما بالنسبة للشابة، فلم تطل الحديث مع دودريان، وقالت له بأدب أن ينتظر قليلًا حتى يحضر الشراب وخرجت سريعًا.

وعندها، بقي دودريان وحده في الغرفة مع الفتى المريض النائم. في الأول، لم يلاحظ الفتى بما أنه كان مشغولًا بالعامل، ولكن ما إن أصبح لديه الوقت ألقى نظرة على الفتى، فكان رد فعله التالي أن لعق شفتيه. لقد كان فتى وسيمًا جدًا، حتى أكثر وسامة من أبيه. في الحقيقة، لقد كان النسخة المذكرة من أخته.

لم يسع دودريان إلا أن يغير هدفه من الرجل الكهل المتزوج صعب المنال إلى الفتى الصبي قليل الخبرة. ببساطة، كان مثاليًا من كل النواحي ليكون لقمة سهلة سائغة تلبي انحرافات دودريان.

أحس فجأة أن قراره في الرضوخ لأمر أبيه لم يكن سيئًا بتاتًا، ليس بعد أن وجد دودريان مثل هذا الفتى المثالي لرغباته. أصبح خيال دودريان جامحًا لدرجة أن لعابه كان يفرز بكثرة، حتى أن بعضه تسرب من زاوية شفته، وسرعان ما تستر على ذلك التسرب بمسحه بيده.

أطال دودريان في تمعن ملامح الفتى، حتى المرض لم يستطع أن يخفي وسامة الفتى. ومع مرور كل ثانية، زادت الرغبة في نفس دودريان، والفتى الغائب عن الوعي لم يعلم ما كان يحدث.

لما رأى دودريان أن العامل قد أطال عليه ولم يأتِ إليه بعد، قرر ألا يكتفي بالنظر. مثل هذه الفرصة لن تتكرر للمس مثل هذا الفتى اللطيف.

نهض دودريان من مكانه وكان يتقدم إلى الفتى النائم ببطء وبأقل صوت ممكن. ومع كل خطوة يخطوها، كانت الأفكار الشاذة تزيد تطرفًا، وهذا ما كان واضحًا من ملامح وجهه التي تشوهت بمزيج من الشهوة والمكر. وما هي إلا خطوات قليلة حتى يصل إلى الفتى، فإذا بصوت صدر من خارج الغرفة، جعل دودريان يستيقظ من أحلامه الوردية الخبيثة، وقرر التراجع إلى مكانه وهو يتمتم بين شفتيه بكلمات غير مفهومة.

وما هو إلا وقت قليل حتى عاد العامل إلى الغرفة معتذرًا عن الإطالة، ولقد كان رد دودريان عليه بنبل وهدوء لا يناسب عمره مما أسعد الرجل.

لم يطل حديثهما قبل أن يصلا إلى بيت القصيد، ألا وهو ما هو الرهن. وهذه المرة لم يجعل دودريان الأمر سهلًا على العامل بتاتًا، حيث إنه لم يجد أي شيء ذا قيمة يمكن أن يراها كفيلة بمقابلة كمية المال المقترضة.

استغرب الرجل لقول الفتى، "قد يكون من الطبقة العاملة ولا يملك الكثير من المال أو الأشياء القيمة، إلا أنه لا يزال يملك سقفًا يأوي إليه للهروب من حر الصيف وصقيع الشتاء. بالرغم من أن منزله ليس بذلك الكبر، إلا أنه لا يزال يظن أنه سيجلب إليه الكثير من المال." وهذا ما حاج به العامل دودريان وحاول إقناعه به.

في الحقيقة، لم يرد العامل أن يصل إلى هذه الدرجة، أن يحاول إقناع الشاب بأخذ منزله كرهن. لقد ظن أن الأمور ستسير بسلاسة، وكان يتوقع من الشاب النبيل أن يأخذ شيئًا رمزيًا فقط كرهن، خاصة لما رأى أنه ذو خلق نبيل ويبدو عليه علامات التواضع والصلاح. ولكن يبدو أن سقف توقعاته كان عاليًا جدًا، بل حتى يمكن أن يعتبر مثل هذا التوقع هو جشع منه.

ولم يلم الرجل الشاب أبدًا لعدم تلبيته توقعاته الأولية، ففي الأخير لقد كان الأخير مكلفًا بعمل من أبيه. لذلك لم يستغرب العامل التشديد في مثل هذه المواقف، وإلا كان ليستغرب كيفية وصول مثل هذه العائلة إلى مثل هذا العلو والحفاظ على تلك المكانة.

في الحقيقة، لقد زاد مثل هذا التصرف الصادر من دودريان ثقة العامل في هذا الفتى وعزمه على إنشاء علاقة معه. ولم يدرِ هذا الأخير أنه مرة أخرى قد أساء التقدير، فبينما كان العامل يقدر مدى جدية دودريان في عمله، كان الآخر يسبح في خططه الخبيثة.

ومع كثير من الأخذ والعطاء، قرر الشاب أن يتراجع خطوة إلى الوراء ويقبل بأخذ منزل العامل كرهن، الذي لم يرَ له أي قيمة في عينه، وحتى وهو يعلم أن المنزل كان كافيًا وزيادة لاقتراض المال. إلا أن دودريان حتمًا لم يكن هدفه المال من كل هذا وجع الدماغ، إن كان هدفه المال أو مساعدة المحتاج لما حرك إصبعه.

أما عن المال، فلم يكن ليشعر بقيمة المال الذي يقرضه ولا حتى المنزل الذي كان مأوى لعائلة كاملة، ذلك لأنه عاش في بيئة لم يتعلم منها أي قيمة للمال. كلما أراد شيئًا، لم يكن عليه إلا أن يطلب من أبيه، ولدقة أكثر أن يأمر أباه. وفجأة، مثل السحر، ما كان يريده أصبح أمامه من دون أي مشقة، وهذا ما جعل نظرته للمال نظرة ليست واقعية.

أما عن مساعدة المحتاج... ما هذا الهراء؟ ولماذا قد يساعد أي أحد لا يعرف عنه شيئًا؟ وحتى إن كان من معارفه، هل كان ذلك سيغير من الأمر شيئًا؟

ولذلك، كان الهدف من قبول هذا الأمر لم يكن لخير يصيبه من أجل نفسه ولا لفائدة مادية، ولكن كان لمكر كان يحيكه لغيره. كان يريد أن يخفض دفاع العامل ويقرأه السلام ثم يجعله يتحرك حسب رغبته ويقتنع لأي كلام يصدر منه، وهذه الغاية من تصرفه بلباقة ونبل، ففي الأخير لم تكن شخصيته الحقيقية قريبة حتى من تصرفاته الحالية.

رأى دودريان أنه قد حان الوقت ليصل إلى بيت القصيد لقبول مثل هذه المهزلة. لقد اعتقد أن أفعاله كافية ليجعل العامل يستجيب لكلامه، لذلك لم يعد يحتمل مثل هذا المكان وهذا الجو وهذه الرائحة، وأكثر من ذلك، لقد شعر باشمئزاز من أفعاله المصطنعة. أراد حقًا أن يخرج من هذا المكان في أسرع وقت، ولكن ليس قبل أن يصل إلى غايته. لم يكن ليدع مثل التضحية التي قام بفعلها تذهب سدًا.

ومن أجل كسب مزيد من الثقة، بدأ يتحدث بمزيد من الهراء حول البيئة الحالية، كيف أنها ليست مناسبة للمرضى بسبب الرائحة والرطوبة وغيرها من العوامل التي لن تكون مناسبة لشفاء ابنه، واقترح أن ينقله لبيئة مغايرة.

اقتنع العامل لجهل منه بمثل هذه المواضيع وشعر بالعجز لأنه لم يكن يعلم أي مكان مناسب يمكن أن يذهب بابنه إليه، وهنا جاء دور دودريان لإقحام نفسه مرة أخرى ويتصرف بنبل بقوله أنه يمكنه أن يتطوع وأن يترك الفتى يقيم في قصره ريثما يصبح معافى.

لم يصدق العامل مدى كرم هذا السيد الشاب وإقدامه على فعل الخير، ولكن لم يستطع إلا أن يسأل إن كان أبوه سيسمح له بفعل ذلك، أن يدخل الغرباء إلى القصر. لكن دودريان طمأنه بأن أباه لن يمانع لمثل هذه الأعمال التي تكون في صالح المحتاج.

وافق العامل على مثل هذا الاقتراح بسرعة خشية أن يبدل دودريان رأيه. لم يرد أن يدع له الوقت الكافي لكي يفكر ويغير رأيه. أما دودريان فما كان ليفعل ذلك بتاتًا، ليس بعد أن كان هذا هو هدفه الخفي. حاول دودريان بأقصى استطاعته أن يكبت تلك الابتسامة الشريرة من التسرب إلى ملامح وجهه وهو على وشك أن يبلغ مسعاه.

وقبل أن يتصافحا ليعلنان عن اتفاقهما، دخلت ابنة العامل فجأة وطلبت من أبيها أن يأتي معها. من الطريقة التي دخلت بها والطريقة التي كانت تتكلم بها، علم العامل أن الأمر لا يحتمل التأجيل، لذلك اعتذر من دودريان وذهب سريعًا.

كان الآن العامل مع ابنته في غرفة أخرى يستفسر منها عن سبب هذا التصرف الصادر منها، ولقد قابلت الشابة تلك الأسئلة بصمت متردد. لقد كانت تتذكر بخوف ما كان سيحدث لأخيها عندما كان وحده مع دودريان لو لم تتدخل هي وتقوم بإصدار صوت لكي توقف الأخير عما كان يجول في باله.

بحكم الشك الذي كان يرعب خواطرها، قامت بخطوة لنفي أو تأكيد مخاوفها. لذلك هي قررت أن تخفي الشاي من المطبخ ثم تخبر أمها أنه لا يوجد شيء يقدم للضيف، وتبعا لذلك ستستدعي الأم زوجها ليذهب لشراء الشاي.

وعندها سيختلي الضيف بأخيها، أو على الأقل هذا ما سيظنه الضيف. لقد كانت تشاهد كل تفصيلة صغيرة قام بها دودريان في هذه المرحلة، وما إن للحظة أن الأمور بدأت تخرج عن مجراها قررت أن توقف هذا الاختبار.

لم تعد بحاجة لأي اختبار بعد الآن، لقد قطعت الشك باليقين، وللأسف كان شكها في محله. والآن هي في موقف محرج، محتارة ماذا تختار: هل تدع أخاها يذهب مع هذا المنحرف دون أن تعلم ماذا سيفعل به في فترة شفائه، أو تخبر أباها بالحقيقة وتقطع مخطط دودريان في مهده.

لقد كان أخوها الصغير محبوبًا جدًا إلى قلبها، كانت تتألم مثل أبويها لرؤيته في مثل هذه الحالة، ولذلك أرادت له الشفاء العاجل. ولكن هل يستحق هذا الثمن أن ترمي به إلى عرين الأسود وتبيع شرفه من أجل صحته؟ فجأة أحست الأخت بثقل كبير على كاهلها، إن مستقبل أخيها الصغير يقع الآن بين يديها.

لم يسعها إلا أن تنظر إلى أبيها بحزن وعدم يقين، وكذلك بامتنان. لقد أحست لأول مرة حجم الثقل الذي كان والداها يرفعانه عنها وعن أخيها بتحمل مسؤولية أولادهم كل هذه السنوات. لقد جربتها لمدة لا تزيد عن ساعة، وبدأت أفكار اللامبالاة لأمور أخيها وأفكار الهروب من المسؤولية تملأ رأسها.

لكن هل كانت ستدع هذه الأفكار تخرج من رأسها إلى واقعها؟ بالطبع ما كانت لتفعل ذلك بأخيها الصغير. فماذا إن فكرت في ذلك؟ كل ما عليها ألا تستجيب لمثل هذه الأفكار وأن ترميها وراء ظهرها، وليس فقط ستكون الأمور على ما يرام، بل ستكسب لنفسها مناعة من تلك الأفكار السيئة.

لقد قررت أن تترك أخاها يذهب إلى القصر ليقضي فترة شفائه هناك، وفي نفس الوقت لن تدعه وحده لمصيره الأسود الذي ينتظره هناك. لقد قررت الذهاب معه والاعتناء به وحماية رجوليته في مكان العدو.

لما سمع العامل اقتراح ابنته لم يصدق أن الحظ لا يزال يبتسم له من دون أدنى تخطيط أو تعب منه. كان كل شيء يسير كما كان يرضى، فبالإضافة لرغبته في شفاء ابنه كان هدفه أن يجعل ابنته ترتبط بهذا السيد الشاب النبيل، ولم يدرِ كيف يبدأ هذا الموضوع معها.

وها هي تقترح ذلك بنفسها من دون أي دراما أو وجع رأس بقصص مثل "الحب الحقيقي لا يأتي من المال والمكانة". لقد أدمن على هذا الشعور، ولم يدرِ أن كارثة أسرته أتت من وراء هذا الحظ المزعوم.

2025/06/08 · 2 مشاهدة · 1585 كلمة
sehman lamba
نادي الروايات - 2025