استيقظ ميمون أخيرًا بعد صراع شديد مع الألم الذي أصابه، والذي ظنَّ أنه سيؤدي به إلى وفاته من شدَّته. كانت علامات الفزع مرسومة على وجهه بوضوح. في النهاية، تجربة الشعور بالموت ليست بالأمر السهل على الإطلاق، وحتمًا لم تكن ممتعة.

"يبدو أنه قدر لي أن أنجو هذه المرة وسأعيش ليوم آخر... ولكن أليس يعني ذلك أنني سأشعر بهذه التجربة مرة أخرى؟ والأعظم من ذلك أنني سأشعر بتجربة أسوأ منها، بما أن ذلك الشعور لم يكن شعور الموت الحقيقي!"

وبينما كان ميمون يتملكه شعور بالفزع من أفكار كانت تغزو عقله، فإنه لم يلاحظ أن محيط المستشفى الذي اعتاد عليه قد تغير. هذه البيئة الجديدة كانت مختلفة تمامًا عن سابقتها، وهذا الرعب قد شغله حتى عن ملاحظة أنه كان الآن جالسًا على فراشه بدلاً من أن يكون مطروحًا عليه، مع وجوده كشخص مريض لا يستطيع الحراك.

"إذا كانت تجربة شبيهة بالموت مخيفة لهذه الدرجة، فما شعور الموت الحقيقي إذا؟!"

لطالما كان الخوف من أقوى المشاعر التي تؤثر على الإنسان عقليًا ونفسيًا وحتى جسديًا. فكم من خائف ذهب تفكيره المنطقي، وكم من متوقف مات بالخوف، وكم من خائف تجمَّد في مكانه ولم يستطع الحراك. حتى الطفل الصغير فور أن يولد من بطن أمه، لا يعرف شيئًا من هذه الحياة إلا ثلاث مخاوف غريزية: الخوف من الصوت العالي والخوف من السقوط وأشدهم الخوف من الخالق.

إن الخوف متأصل في البشر من مهدهم إلى لحدهم، ولطالما نظر إليه كشيء غير مرغوب فيه، ولكن حتى وإن كان الأمر كذلك، فلا ينفي أن ننظر إلى فوائده، ففي النهاية الخوف لم يوضع في المخلوقات دون سبب. فسواء اعترف المرء أم لم يعترف، فهو أداة وُضعت في المرء كوسيلة للبقاء لأطول مدة ولاختيار المسار الأكثر أمانًا، ومن دونه لما حسب الناس لنتائج المترتبة عن أعمالهم ولتصرف مباشرة من دون أدنى تفكير، وبذلك فنتيجة ذلك أنه حتمًا سيؤدي في إحدى المرات إلى وفاته مبكرًا.

"ما الذي تفعلينه هنا؟"

وبينما كان ميمون مشغولًا في أفكاره ومخاوفه الخاصة، إذا به يسمع صراخًا في الردهة، لينتبه أخيرًا إلى محيطه.

"أين أنا؟"

لقد كان كل شيء مختلفًا عما كان عليه من قبل؛ سرير واسع وناعم ودافئ بدل السرير الضيق والجاف، والغرفة الضخمة والدافئة المزينة بأثاث فاخر بدل الغرفة الصغيرة التي تحتوي على سرير ومنضدة صغيرة كأثاث بالمجمل.

"ما هذا؟ أهو نوع من البرامج الغيبية العديمة الفائدة والمسخرة للكاميرا المخفية؟ هل يتم إحضار شخص مريض على فراش الموت إلى هذا النوع من السخافات؟"

تملك ميمون الغضب من الافتراض الوحيد الذي أتى في خياله لما رأى

بيئة التي هو حاضر فيها. التفت يمينًا ويسارًا باحثًا عن أي أثر للكاميرا، ضغط على راحة يده بقوة من دون أن يشعر، ليلاحظ أنه بالرغم من القوة لم يكن يعاني منذ عدة أشهر بسبب مرضه.

"مهلا، ألم أكن سابقًا لا أستطيع حتى الجلوس على فراشي؟ وليس هذا فقط بل أشعر أن كل آلامي قد ذهبت وسأبدلها بصحة لم أشعر بها منذ زمن"

ثم ليلاحظ مرة أخرى أنه كان جالسًا على الفراش الناعم دون أدنى مشقة. ابتسم واسعًا بدلاً من الخوف الذي كان يشغره من قبل.

"أخيرًا سأخرج من هذا المستشفى البائس، وسأعود إلى عائلتي ومنزلي الصغير الدافئ وأصدقائي الأغبياء، وستقل المصاريف التي تنفق علي..."

مرة أخرى نسي ميمون غرابة المكان الذي استعاد وعيه فيه مشغولًا بأفكاره الخاصة، ولكن هذه المرة أفكارًا إيجابية.

"أيتها الغبية، ألم أقل لكِ أن تنظفي ساحة القصر؟"

"ما هذا الصراخ؟ ما الذي يحدث الآن خارج هذه الغرفة؟ حسنًا يجب أن أخرج لأرى ما الأمر، إضافة إلى أنه يجب أن أعلم أين أنا الآن، علي أن أعود إلى المنزل في أسرع وقت"

نهض ميمون بعد ذلك من الفراش ثم نظر إلى الأسفل ورأى قدميه الثابتتين التي تبدوان أكثر ضخامة، ثم لاحظ أيضًا ملابس النوم الفاخرة. على الرغم من أنه كان حافي القدمين، إلا أنه لم يشعر بأي برد يلامس جلد قدميه بسبب تلك السجادة الحمراء الفاخرة. ابتسم لنفسه.

"الآن تأكدت من اعتقادي بأنني شُفيت تمامًا، لكن ما خطب هذه الملابس المبهرجة؟ وهذه الغرفة الفاخرة؟ ... ألسني أنا يبدون أكثر سمكًا؟! على أي حال، سأعرف المزيد عندما أخرج من هذه الغرفة"

وما أن خرج من الغرفة حتى وجد نفسه في رواق واسع مزين بالدروع المعدنية، ومن الحائط المقابل له دخل ضوء الشمس من خلال زجاج النوافذ السميكة. نظر رأسه إلى الأسفل ورأى الأرض الملساء النظيفة، ليزداد دهشته.

"ما قصة هذا المكان!! هل هو قصر من العصور الوسطى؟"

"لكن أنا بالجو خارج القصر"

"لا يهمني قلت أن تنظفي ساحة القصر يعني نظفي ساحة القصر"

بعد أن سمع ميمون هذا الصوت مرة أخرى، خرج من ذهوله وتذكر سبب خروجه من الغرفة، ليتجه نحو الصوت ويستمر في التعجب. كان هناك إمرأتان تقفان في رواق الواسع بعيدتين عنه قليلاً، إحداهما كانت ترتدي ملابس خادمة فاخرة، ذات جسد ناضج ووقفة مهيبة. كان جسدها ذو نسب نسائية ذهبية، شكل ساعة الرمل كان متجسدًا أمام عينيه بمثالية، لم يرَ وجهها، لكن هذا المشهد أخبره بأن هذه المرأة حتمًا ستكون جميلة.

و لكن ليس هذا ما جعله يذهل و يفقد الكلام لبعض الوقت، بدلاً من ذلك كانت هناك تلك الفتاة الصغيرة الواقفة أمامه، تبدوا أنها في عمر 12 إلى 13 فقط، بجسد غير ناضج و قامة صغيرة، لا يظهر جسدها الصغير أي أثر لسحر المرأة البالغة عكس المرأة ذات الجسد الحسي.

"م..ما الذي أراه!!"

لكن تلك الفتاة و بشعرها الأبيض الذي يبدو و كأن كل خصلة فيه و كأنها فضة تنزل ببريق أخاد، و بالرغم أنه لا يبدو مصففًا أو تم الإعتناء به إلا أنه كان طويلا و متدفق و بدا ذا ملمس حريري، ثم هناك ذاك الوجه الصغير ذا البشرة الحليبية البيضاء و ملامح ملائكية، لم يرى ميمون أي ملامح مثلها في حياته، لقد كانت ملامح غير واقعية بالنسبة إلى ما إعتاد عليه، مزين بشفاه صغيرة وردية محمرة، و عينين واسعتين ذات لون بنفسجي أخاد كأنهما حجران جمشت كريمان.

"شعر أبيض! عينين بنفسجيتين! هذه الملامح وجه، هل هي حقيقية حتى!!! كيف....كيف يمكن لإنسان أن يكون بهذه الملامح و بهذا الجمال!!؟"

وقف ميمون مذهولا من جمال الفتاة الصغيرة لتلاحظ ذهوله و ترد مرعوبة.

"فاي.......سيدي الشاب!!"

'سيدي الشاب! من هذا السيد الشاب؟'

تفاجئ ميمون و ستدار خلفه ليرى إن كان هناك شخصا يقف وراءه.

'هل تقصديني أنا لما ذكرت السيد الشاب!!؟'. لم يسع الي أن يتساءل لأن لا أحد كان خلفه.

لتستدير المرأة الناضجة إلى ميمون بوجه غاضب، تلك النظرة قد جعلت الشاب يشعر بالخطر، لكن سرعان ما تحولت ملامحها إلى عديمة التعبير و هي تنحني إلى ميمون بحترام.

"سيدي الشاب أنا آسفة إن كنا أيقظناك من نومك بأصواتنا المرتفعة"

'سيدي الشاب مرة أخرى... ما قصة هذه الملابس و ما قصة هذا المكان؟ و ما خطب هؤلاء الناس؟ أهي نوع من المسرحيات؟ هل هي حقا نوع من تلك البرامج التافهة؟'

سرعان ما نفى ميمون ذلك، لم يكنوا ليفنقوا مثل هذه الميزانية الكبيرة لإستعارة هذا المكان الفخم من أجل برنامج مثل تلك البرامج أليس كذلك؟ هذا ما حاول ميمون إقناع نفسه به.

'يجب علي ان أجمع المعلومات أولا لأعرف في أي وضع أنا فيه الآن، ثم سأتصرف على ما يوافقه، و لذلك سأمثل أنني سيدهم الشاب المزعوم و سأرى كيف ستجري الأمور... و لكن كيف يتصرف السيد الشاب؟؟؟ على أي حال سأتصرف مثل الذين قرأت عنهم في الروايات'

صمت ميمون قليلا ليستجمع أفكاره قبل أن يرد.

"لا عليك، على أي حال ما الذي يحدث هنا؟"

تفاجئتا الاثنتان من رد ميمون عليهن ولقد لاحظ هذا الأخير ذلك التغيير في تعبيرهما.

'ماذا!! هل قلت شيئا غريبا؟'

"لا تشغل بالك يا سيدي الشاب هذه المسألة الصغيرة الخاصة بالخادمات، لما لا تعود إلى غرفتك و تنتظر حتى يتم تحضير الفطور و أ

جلبه لك إلى الغرفة كالعادة"

أحس ميمون بلهجة الأمر في كلام هذه المرأة.

'أوليست هي خادمة و أنا السيد هنا؟'

"لا، قلت لك ماذا يحدث هنا، أجيبيني سريعا عندما أسئلك"

و رداً على ذلك تكلم ميمون بلهجة السيد الذي يوبخ أتباعه، لتتفاجئ المرأة و الفتاة مرة أخرى.

"حس..حسنا سيدي الشاب..... هذه الخادمة الكسولة أعطيتها مهمة لتقوم بها، و لكنها في الأخير رفضت ذلك"

"لكن يا فاي.....لكن يا سيدي الشاب......"

'فاي؟؟ هذه المرة الثانية التي كانت ستقول شيئا ثم تصمت في وسط الكلام'. قال ميمون في نفسه

"اصمتي ايتها الوقحة كيف تجرئين على الكلام في حضرت السيد الشاب"

قاطعت المرأة الفتاة الصغيرة و لم تدعها تدافع عن نفسها حتى.

"دعها تتكلم لأرى ما تريد قوله دفاعا عن نفسها"

".........حاضر سيدي الشاب"

نظر ميمون إلى الفتاة الصغيرة و هو يحاول بأقصى إستطاعته أن ينظر إليها بجدية بدل تعبيره المندهش، على أي حال كان تعبير وجهه الآن غريباً حقاً، أومأ برأسه ليأذن لها بالكلام.

"....شكرا لك يا...... سيدي الشاب، أما عن سبب عدم ذهاب الى الخارج لتنظيف هو أن الجو بارد في هذا الوقت و الأمطار في الخارج عزيرة، لذلك ليس هناك جدوى في تنظيف أثناء هذا الطقس"

بعد سماع قولها لاحظ حقاً أن الجو تغير الى بارد عن الغرفة التي كان فيها و لاحظ أن الضوء الوافد من النافذة كان خافتاً مما يعني أن الجو في خارج ملبد بالغيوم.

"و لكن هل هي حقا تمطر خارج؟". إلتفت إلى المرأة و سألها، و قبل أن تجيب المرأة رأى ابتسامة خافتة على وجهها.

"إحذري من الكذب علي، أنت تعلمين عواقب كذبكِ علي أليس كذلك؟"

أنزلت المرأة رأسها دون أن تظهر أي من تعابيرها الحالية لميمون، و لكن الفتاة التي وقفت بالقرب منها رأت أي نوع التعبير كان على وجه المرأة الآن و هذا ما جعل الفتاة مرعوبة، أما ميمون فقد لاحظه خوف الفتاة مما جعله يخمن نوع التعبير الذي وجه الخادمة الناضجة.

"نعم سيدي الشاب الجو ممطر"

"إذا قضي الأمر لن تذهب الفتاة الى الخارج لتنظيف"

لم تتوقع المرأة مثل هذا التفاعل من هذا الشخص بالضبط، لطالما كان شخصا كسولا لا يعبئ إلا بأوقات الطعام فكيف يحشر أنفه في هذا الأمر و في هذا الوقت؟ و ليس هذا فقط بل حتى أن هذا الأمر يتعلق بأكثر فتاة يكرهها في القصر.

'هل يعقل أنه في النهاية بدأ يحس بمسؤوليته نحو هذه الفتاة؟'. هذا التوقع ليس جيدًا بنسبة لها إن كان صحيحًا.

حتى الفتاة التي وقفت معها ميمون داعمًا لها لم يسعها أن تنظر إلى هذا التفاعل بأعين غير مصدقة، كانت تعلم جيدًا أنه يكرهها بسبب العبء الذي وضعته عليه منذ قدومها هنا، ولطالما تجنبها، ولكن الآن جاء إليها وحدها وساعدها؟ وحتى لو لم يناديها باسمها فعلى الأقل هو لم يناديها بالحمقاء والعديمة الفائدة أو العلقة كما يفعل في غالب الأحيان، لذلك شعرت بدفء لأول مرة منذ مدة طويلة.

"شكرًا لك سيدي الشاب، ولكن سيدتي بايا على الحق، أنا ذاهبة الآن للقيام بواجبي".

للأسف، لم تستطع الفتاة الاستمتاع بمثل هذه المعاملة اللطيفة من ميمون ليس بعد أن رأت تلك النظرة على وجه بايا.

"بما أنك علمت خطأكِ فلا بأس، ولكن لا تعيديه مرة أخرى". قالت المرأة بوجه خالي من تعبير.

"نعم سيدتي".

استدارت الفتاة والدموع في عينيها، لمدة طويلة كانت ترجو أن تتلقى مثل هذه المعاملة من فايت، وأخيرًا عندما حدث ذلك لم تستطع تقبل مثل هذه المعاملة منه، أخبرها حدسها أن ترفض هذه المساعدة من أجل مصلحتها.

'لابد أنه لن يلقي لي بالًا بعد الآن، ولكن هذا أفضل من أن يتأذى'.

أحست بأن صدرها يضيق عليها، وبصرها أصبح مشوشًا من الدموع، جسدها أصبح فجأة أكثر برودة، هذه كانت فرصتها الوحيدة لإصلاح العلاقة بينها وبينه وإن تخلت عن هذه الفرصة فستفقد آخر فرد من عائلتها، وحينها ستصبح حقًا وحيدة.

أرادت الفتاة الهروب قبل أن تفقد رباطة جأشها أمام ميمون وتفسد الأمر، ولكن يدًا كبيرة ودافئة تمسك يدها الباردة الصغيرة لتلتفت وهي تكاد تجهش بالبكاء.

"قلت لك لن تذهبي إلى الخارج يعني لن تذهبي". قال ميمون بصرامة.

"ولكن... ولكن..."

وقبل حتى أن تكمل قولها لاحظت التعبير الشرير للمرأة والموجه إلى ميمون، الذي إذا كان واقفًا أمام الفتاة ممسكًا بيدها والمرأة واقفة وراءه لذلك هو لم يلاحظ ذلك.

بدأت دموعها تسقط من عينيها وهي ترجف.

"لا عليك يا سيدي الشاب، بعد التفكير في الأمر جيدًا لاحظت أن الطقس ليس بهذا السوء".

شعر ميمون بألم في قلبه، كيف لفتاة صغيرة أن تكون بهذا الجسد الهزيل وهاتين اليدين الباردتين.

'بدلاً من أن تخاف على نفسها فهي تخاف على أنا من هذه المرأة التي تقف خلفي؟ لا يكفي أن تكون بهذه الجمال ولكن أيضًا أن تكون بهذه الطيبة والنقاوة!! هذه الفتاة... هذه الفتاة أريد أن أحميها'.

"نعم سيدي الشاب يجب تركها تذهب".

وما إن سمعت الفتاة صوت المرأة حتى زاد ارتعاشها، من ال

واضح أنها تخاف من هذه المرأة كثيرًا، هذا ما لاحظه ميمون فقد كان ممسكًا بها لذلك هو أحس جيدًا بارتعاش يديها فور سماع كلام الخادمة.

"يبدو أن هذه الخادمة قد نسيت مكانها أمام سيدها".

التفت ميمون إلى المرأة بغضب عارم يتصاعد منه، بالرغم من أن هذه المرأة لم تكن بجمال الفتاة الصغيرة إلا أنها كانت جميلة جدًا وبالإضافة إلى جسدها الناضج المثير، كانت لتكون في أحلام أي رجل، سوى أن كل هذا السحر الأنثوي قد ذهب في مهب الرياح مع شخصيتها المشكوك فيها.

"أنا آسفة يا سيدي الشاب... أعذرني على وقاحتي".

سرعان ما لاحظت غلطتها في عدم تحكم في نبرة حديثها مع من يعلوها شأنًا.

"أعذرك على وقاحتك؟ لو كانت المرة الأولى لما كانت مشكلة، ولكنها الثانية بالفعل، ففي الأولى أمرتني أن أعود إلى غرفتي ولا أسأل ما يحدث هنا فلم أقل شيئًا وسامحتك عليها، ولكن الآن..."

"...........". لم تقل المرأة كلمة واحدة وطأطأت الرأس، عيناها مركزتان على الأرض كأنها أحست بذنب شديد من خطأها، لكن الجو الذي كان يحوم حولها كان يخبر غريزة ميمون أن العكس تمامًا هو الصحيح.

'هذه المرأة كيف تجرأ؟'

ما إن شعر ميمون بالتهديد بدلًا من أن يخاف إزداد غضبه هو الآخر، كيف يسمي نفسه رجلاً إذا خاف من امرأة وأمامه الفتاة التي قرر أن يحميها، فخره منعه أن يكون في موقف الضعيف، كان سيرد على التهديد الذي أحس به بالهجوم بدلاً من الدفاع وهذا ما نبهت له الفتاة وما جعلها تخاف على ميمون أكثر من نفسها.

"أرجوك يا فاي... فايت أن لا تتابع الأمر".

سحر ميمون بأعين الجمشت المتوسلة، لقد كانت جميلة لدرجة أنه لم يلاحظ أنها كانت تدعوه بغير اسمه.

'اللعنة، هذه الفتاة تبدو كقطة صغيرة ترتعش في ليلة مثلجة، لا يمكنني أن أرفض لها طلبًا إذا تحدثت معي بمثل هذه النظرة'.

"...حسنا سأسامحكِ على خطأكِ للمرة الثانية، لكن صديقتي ستندمين إن كان هناك الثالثة"

كان ميمون يهدد المرأة بالقول فقط، لم يكن يعلم حتى أين هو الآن وماذا حدث عندما كان غائبًا عن الوعي. إن كان حقاً على استطاعته أن يعاقبها ويؤدبها، فيجب عليه أولاً الحصول على المعلومات ومعرفة وضعه الحالي، وهذا ما أعطاه سببًا آخر لتوقف عند هذا الحد.

"شكراً لك سيدي الشاب، سأتأكد من الا اخطئ في تجاوز مكانتي كخادمة متواضعة أمام سيدها مرة أخرى"

إنحنت المرأة بحترام متراجعة خطوة إلى الوراء، هي الأخرى لم ترد أن يتأزم الوضع أكثر مما هو عليه الآن، لن يجلب لها أي منفعة، بل وسيؤثر على خططها الكبيرة.

"والآن عن إذنك يا سيدي الشاب لدي أشغال لأعتني بها، عندما يجهز الفطور سأرسل خادمة لتجلبه لك"

"حسناً، وأيضاً حضري ملابساً جديدة لهذه الفتاة وجعليها نظيفة ودافئة"

لم يعجب المرأة الاهتمام المفاجئ لميمون تجاه الفتاة، لكن لم يكن أمامها إلا أن توافق على الأوامر وتتبعها في الوقت الحالي.

"كما يأمر سيدي الشاب، سأحضر لها ملابساً في أسرع وقت ممكن" ثم ذهبت الخادمة سريعاً قبل أن يفتعل معها مشكلة أخرى.

ملأت السعادة قلب الفتاة الصغيرة، وأخيراً أصبح السيد الشاب يهتم بها، لقد أخذت العزم على أن لا تخيب أمله مرة أخرى.

"عن إذنك يا سيدي الشاب، يجب علي أنا أيضاً أن أقوم بعملي". قالتها وابتسامة واثقة تغمر وجهها، تلك الابتسامة الجميلة بشفاه الوردية المحمرة قد أظهرت أسناناً بيضاء كاللؤلؤ جعلت ميمون يتساءل مرة أخرى كيف يمكن لبشر أن يكونوا بهذا الجمال؟ هل هي من الحور العين؟

"هل... هل هناك خطأ ما يا سيدي الشاب؟"

لاحظت الفتاة مرة أخرى كيف أن ميمون كان ينظر إليها بدهشة.

"احم... احم، لا، ليس هناك أي مشكلة... على أي حال لا تذهبي الآن، أنا بحاجتكِ لفترة وجيزة من الوقت، لذا تعالي معي إلى غرفتي"

عرف ميمون من الحديث السابق مع المرأة أن المكان الذي كان فيه سابقاً قد كان غرفته المزعومة.

"حقا!! الم تقل لي دائماً الاقتراب من غرفتك؟"

كانت الفتاة مترتبكة من تغيير المفاجئ للشاب، ليس فقط في أفعاله ولكن في أقواله أيضاً، ولكن هذا الارتباك جعلها سعيدة بدلاً من أن يؤثر عليها بالسلب.

'؟؟ متى قلت لها هذا؟ إنها أول مرة أرى هذه الفتاة، فما بالك بالتحدث معها، على أي حال سأسألها عن ذلك'

2024/04/22 · 76 مشاهدة · 2556 كلمة
sehman lamba
نادي الروايات - 2025