سرعان ما ذهب ميمون إلى النافذة، الغرفة التي كانت في الحقيقة بابًا يؤدي إلى شرفة تطل على الخارج، ففتحها ليصادفه ضوء الشمس الضعيف الوافد من وراء الغيوم الكثيفة، والريح الشديدة التي جلبت معها البرد منعشًا. بسبب أن عينيه اعتادت على ظلمة الغرفة، فإن ميمون لم يستطع فتح عينيه بالكامل، لذلك لم يرَ المكان جيدًا في الخارج، لكنه شعر جيدًا بنخفاض درجة الحرارة عما اعتاده في ردهة القصر أو في غرفته.

"حقًا إن الجو البارد في الخارج، لا أصدق أن تلك المرأة كانت ستجبر تلك الحسناء الصغيرة على العمل في مثل هذا الجو. ما مدى الحقد الذي تكنه تجاهها حتى تملي عليها مثل هذا الأمر؟"

لم يسع ميمون إلى يسأل نفسه بصوت منخفض وهو مغمض العينين ريثما تعتاد مع وسطها الجديد، وبعد بضع ثوانٍ وعندما تكيفت نظرته، استطاع أخيرًا أن يفتح عينيه بشكل عادي. الآن كان بإمكانه الحصول على نظرة واضحة لما هو موجود في الخارج، ثم فاجأه بعد أن دخل ذلك المشهد إلى عينيه.

"مذهل، يا له من مكان جميل!... لم أرَ في حياتي منظرًا خلابًا كهذا، بالرغم من أن الجو غائم، وعلى ما يدون لم يمضِ وقت طويل منذ توقف هطول المطر ولكن... هذا العالم حقًا شيء آخر."

سحر ميمون بالمنظر الذي رأاه من على الشرفة العالية؛ مكان شديد الاخضرار بأشجاره المورقة العالية والأرض العشبية، ولقد أضافت عليها قطرات المطر الساقطة من أوراق الأشجار والمشعة بضوء الشمس الوافد بين الغيوم سحرًا إلى جمال المكان، وجوًا غائمًا مع هواء نقي ومنعش من دون الانبعاثات الغازية التي تعكر المنظر أو الجو.

ولن يكتمل هذا المنظر الجميل إلا بصوت جميل يوافقه، وهذا الدور كان للطيور المختلفة الأشكال والألوان. هي التي كانت المسؤولة عنه بتغريداتها التي كانت مثل آلات عزف طبيعية. لطالما كان ميمون من كارهي أجواء المدينة ومن محبي الطبيعة الخام والأرياف، لذا مثل هذا المشهد كان محببًا إليه بشدة.

"إنه حقًا مكان رائع، لكن هل يستحق كل هذه المخاطرة؟"

أغمض ميمون عينيه واستنشق دفعة كبيرة من الهواء النقي. لقد حاول أن يستجمع كل أفكاره وأن يكون صافي الذهن ما إن رأى هذا المنظر وهذا الجو. لم يكن الوقت مناسبًا للاستعجال في اتخاذ القرارات، فقد كانت هناك أمور مهمة يجب مراجعتها.

مع شهيق وزفير طويلين، وقف ميمون هناك لمدة لم يتحرك. ترك ذلك الهواء البارد النقي يدخل رئتيه ويداعب بشرته، بالرغم من أنه أحس بالبرد إلا أن ذلك جعله أكثر يقظة ونشاطًا في تفكيره. لم يتسرع في الخروج من تلك الحالة بل أخذ وقته في تجميع شتات أفكاره، وعندما فتح عينيه التي أصبحت الآن هادئة، استطاع أخيرًا أن يحلل أي

طريق يختاره.

"إن كنت أريد أن أبقى في هذا الحلم، أول شيء يجب فعله هو حل مشكلة النساء. مما لاحظته حتى الآن، هو أن هذا العالم لا يعاني من أي نقص من النساء الجميلات. وليس أي جميلات، بل كن من النوع الطبيعي والنادر وليس المصطنع المعتاد."

كانت قضية النساء الجميلات هي أول مشكلة ليست فقط طرأت في عقله بل إنها قابلته في أول لحظاته في هذا العالم.

مما لاحظه ميمون خلال هذه التجربة القصيرة أن نساء هذا العالم لم يحتجن إلى مساحيق تجميل وعناية كبيرة بأنفسهن حتى يسحرن نظر الجنس المختلف، وبدلاً من أن يكون هذا الأمر رائعًا سيكون سيئًا جداً في حالته الحالية.

"فقط بالتفكير في أن أول فتاتين أقابلهما سيكنون بهذا الجمال، وهما خادمتان في القصر مهمتهم أنهن يعتنين بنظافة القصر فقط."

تنهد ميمون للوضع الذي هو فيه الآن وتشعب الطرق التي أجبرته على اتخاذ القرار. الاختيار بين ترك حلمه الذي طالما أخفاه في قعر نفسه بسبب استحالة تحقيقه في دنياه، وبين البقاء والمخاطرة بختبار ضبط نفسه. إن لم يتحكم في نفسه وانحرف فسيكون خاسرًا حتى ولو تحقق حلمه أفضل ألف مرة مما تخيله في بادئ الأمر.

"بنسبة إلى شاب حافظ على عذريته لمدة 15 سنة ولم يلمس أي امرأة في حياته، ليرى كل هذا الجمال فهذه مهمة شبه مستحيلة. ولتزداد الأمور سوءًا بسبب ملابسي والقصر الذي أعيش فيه وطريقة مخاطبة الخادمات لي. فلابد أنني الآن أمتاز بوضع نبيل. لذا لن يكون من الصعب علي أن أجلب النساء إلى سريري وأنغمس في الملذات المسكرة، وهذه ستكون النهاية البائسة."

لم يكن الوضع يسمح لميمون بالكذب على نفسه وإدعاء أنه سيكون مثل الرجل الحصور، الرجل الذي لن يقع في مصيدة المرأة ولو كان أمامه مجموعة من نساء لم يرى لجمالهن مثيل. وضع ميمون يديه على حافة الشرفة ونظر إلى الطبيعة الخلابة محاولًا أن يجد الإجابة الصحيحة، أو على الأقل الإجابة التي يظنها صحيحة.

"ما هذا؟"

ليلاحظ شيئًا جعله يضحك. على أحد الأشجار الكثيرة التي كانت على مدار نظره، كان هناك طائرًا ذا ألوان جميلة ومتناسقة. الطائر هو الذي جعل ميمون يضحك، لكن ما جعله يضحك ليس لشكل الطائر، ففي النهاية كان الطائر ألوانه وأشكاله ممتعة للعينين. لكن ما جعل ميمون يضحك هو حركات الطائر الغريبة.

لقد كان يحرك جناحيه بتتابع مضحك. أحد الجناحين يرفعه إلى السماء والآخر يضمه إلى صدره، بينما رؤوسه تديرها في الاتجاه المعاكس للجناح الذي رفعه إلى السماء، ثم يعكس الأمر برفع الجناح الذي كان أمام صدره إلى السماء ويعيد الجناح الآخر أمام صدره. وهكذا بقي يكرر هذا الأمر مرارًا وتكرارًا.

"ما الذي

يفعله هذا الطائر؟ هل يقوم بمثل هذه الحركات الغريبة؟"

شعر ميمون بالفضول تجاه هذا الطائر، وقرر أن يراقبه لبعض الوقت. استمر فيها هذا الطائر في فعل هذه الرقصة الغريبة وبنفس الوتيرة حتى أتى طائر آخر وحط على غصن قريب من الطائر الأول.

كان حجم هذا الطائر الجديد قريبًا من حجم الطائر ذي الرقصة الغريبة، ولكنه لم يكن ذو ألوان جميلة بل ذو ألوان باهتة، وعندها زادت وتيرة الحركات الغريبة لطائر الجميل، مما جعل الطائر الآخر يقترب منه أكثر ويحط على غصن الذي كان فيه الطائر الجميل. وبينما كان الطائر الجميل يقوم بحركاته الغريبة ويقترب من طائر ذي الألوان الباهتة، كان الآخر يراقبه بشدة محركًا رأسه تارة إلى أعلى اليمين وتارة إلى أسفل الشمال.

وستمرت هذه الحالة لمدة من الوقت وقد تقلصت المسافة بين الطائرين ببطء ولكن بثبات، حتى بقي منهما مسافة ضئيلة، وفجأة رفرف الطائر ذو الألوان الباهتة بجناحيه وحلق بعيدًا.

"....فقط ما قصة هذا الطائر الغريب؟"

لم يفهم ميمون ما الذي حدث الآن، فكر في سبب لهذا الحدث، لكنه لم يتوصل إلى إجابة حتى لاحظ عشا لطيور وكان فيه الطائر الآخر ذي الألوان الباهتة جالسًا هناك فقط، لم يتحرك قيد أنملة من مكانه لفترة من الوقت، وبعد فترة جاء طائر آخر بنفس الألوان الجميلة وهو يحمل في منقاره دودة لينزل على العش، وبدلاً من أن يأكل الدودة دفعها إلى فم الطائر الذي في العش.

"..........!! الآن فهمت ما يحدث مع هؤلاء الطيور، لابد أن الطائر الجميل ذو الرقصة الغريبة هو ذكر يحاول إجذاب الأنثى ليتزوج معها وهي الطائرة ذات الألوان الباهتة، وهذا ما أكده لي الطائر الذي كان يحمل الدودة في منقاره والتي جلبها إلى الطائرة الباهتة التي هي حتمًا أنثاه والتي هي على الأرجح تحضن البيوض الآن، ولذلك لم تتحرك أبدًا تركت أمر إطعامها على ذكرها"

لم يسع ميمون إلى أن يعجب بهذه الحالة التي شهدها.

"كيف أن الأنثى وضعت ثقتها في ذكرها ولم تتحرك قيد أنملة من أجل بيضها، بينما الذكر الذي كان يحمل الطعام الذي يشتهيه بين منقاره لمدة من الوقت دون أن يفقد ضبط نفسه ويأكلها، وكل ذلك فعله لأنثاه وبيضه الذي سيفقس ويخرج منه ذريته"

"لكن ذلك الطائر الآخر المسكين يبدو تعبه كله ذهب سدى، ألم يكن من الأفضل له أن يضيع طاقته في صيد الدود بدل الأنثى مثل الطائر الثاني؟"

صمت ميمون لحظة وفكر في الأمر وعندما أتته البصيرة.

"في الحقيقة كلا الطائرين الملونين لهما هدف واحد بالرغم من أنهما يبدوان مختلفين في الغاية، وبالرغم من أن الطائر الثاني يبدو ذا هدف نبيل وهو الاعتناء بأنثاه وبيضه بدلا من الطائر الأول الذي يبدو أنه مستهتر يبحث عن الإناث فقط..."

بدأ ميمون يرى حلاً لمعضلته من خلال هؤلاء الطيور وبدأت بوادر الإلهام تظهر في عقله.

"كلاهما يبحثان عن تكوين عائلة والاعتناء بها، الفرق فقط بينهما والذي جعل الطائر الثاني يبحث عن طعام بدلاً من الإناث هو أنه كان له بالفعل أنثى تكون شريكته ولتجلب له فراخاً، لذلك أصبح هدفه الآن إطعامها لكي تعني ببيضهما، أما الأول فما زال في مرحلته الأولى"

ارتسمت ابتسامة على وجهه، وأخيراً وجد الإلهام لحل أول المعضلات في هذا العالم.

"بالرغم من أنه كان حلاً بسيطاً ولا يوجد فيه أي ابداع، بالرغم من أن البيئة التي تربيت فيها كانت قائمة عليها... كيف يمكن أنني لم أنتبه لها!!؟ كيف يمكن أنني تجاهلتها!!؟ غريب هذا الأمر"

استدار ميمون راجعاً إلى الغرفة لقد عزم الأمر.

"لقد قررت أن أتابع حلمي، بالرغم من أنني وجدت حلاً لمشكلة واحدة فقط، إلا أنهما هي الأصعب بالنسبة لي، عالم مليء بالآلف وحوريات البحر وأنصاف الوحوش، عالم مليء بالحسناوات كيف يمكنني أن أقاوم رغبتي فيهن؟"

ضحك ميمون على سخف ذلك.

"بكل بساطة لن أقاومها سأدع شهوتي تحركني ففي النهاية هي غريزة وضعت فينا من أجل البقاء، لذا بدلاً من أن أحبسها وأجعلها تتراكم سأقودها في الطريق الصحيح من خلال الزواج"

"فقط بهذه البساطة إذا اشتهيت امرأة سأت

زوجها، وبدلاً أن أعاشرها كخليلة لشهوة عابرة ما قد يتسبب في إذيتها، سأعاشرها لجعلها مسؤوليتي إلى الأبد، فقط أن تركت شهوتي دون أن أقيدها بمسؤولية عندها فقط ستتحكم بي، وعندها سأكون عبداً لها... هذه حتماً تكون نهايتي"

"أما بالزواج ستكون شهوتي لنساء في حدود المباح، وبهذا لن أظلم امرأة بمعاملتها كآلة لإطفاء الشهوة، لن أعامها كمادة من دون روح، بل كشريكة لي مدى الحياة؛ مشاكلها هي مشاكلي وفرحتي هي فرحتها، مسؤوليتها على عاتقي، عندها سأشعر بالمعنى الحقيقي للمرأة التي أشتهيها"

"ولذا علي أن أكون غنياً لتلبية حاجاتها وعلى ما يبدو أنني لا أعاني من نقص في الأموال، على الأقل هذا ما يبدو في الوهلة الأولى، وكذلك يجب أن أكون قوياً لكي أحميها من الأخطار التي قد تصيبها وهذا ما يبدو أنني بحاجته حقاً. مما يعني أن عملاً كبيراً ينتظرني إن كنت أريد أن استمتع حقاً بهذا العالم من دون أن أكون من النادمين في النهاية"

أشعت عيون ميمون بالعزم وهو يبتسم بثقة.

"سأعيش هذا الحلم بأفضل طريقة"

2024/04/25 · 56 مشاهدة · 1550 كلمة
sehman lamba
نادي الروايات - 2025