-" أنتِ مخلوقة غريبة.. ربما كائنات مثلك تستطيع أن تتحدث بهذه الأشياء المجنونة.. وربما هناك عوالم أخرى حقاً.. يخلق االله ما يشاء.. ولكن أن أكون قد أتين من عالم آخر وولدت هنا.. ربما تتحدثين عن شخص من نوعك.. لقد أكثرت من قراءة الروايات السخيفة.. لابد أني قد فقدت عقلي تماماً.. ..".
-" هل أنت متأكد من ذلك؟ ألم تشعر أنك تنتمي إلى حياة أخرى؟.. ألم ترى بعينيك الحقيقة؟ ألم تشاهد نفسك تطير في السماء في ليلة حمراء؟".
-" كيف علمتي؟.. لقد كانت أحلام.. من تكونين بحق االله؟!!".
ولكن ما حدث بعد ذلك كان جنوناً خالصاً.
إذ تضاعف شعر المرأة حتى أغرق العالم كأمواج المحيط المتوهجة.
ارتعش سالم كورقة من هذا المشهد وقبل أن يقول شيئاً أمسكت يديها الضخمة رأس سالم ورفعته إلى مستوى عينيها وقالت:
-" تذكر من أنت.. أنت لينياس بنتوس ". ووضعت شفتيها الزرقاء على جبينه وبدأ سالم بالتدخين وكأنه مدخنة.. وشعر بألم فظيع يُعمي.
وتدفقت إليه الذكريات كمئات الألاف من الصور.. ومرت صور دماء متطايرة. سيوف. وحوش. حروب. فتاة كانت تحترق راكعة أمامه. وتمتم يقول
-" إنتوس.. ". واستحالت عينيه إلى لون الذهب المصهور.
واستحال شعره الأسود إلى شعر أبيض هائل، وبدأ جسده يتغير وتمزقت ملابسه وبنظرات متشوشة متألمة قال:
-" من.. أنا ؟!". حدقت المرأة إليه بعشق وكأنها أحبت هذا الشكل الجديد:
-" أنت سيدي الأول والوحيد..".
-" انا.. بنتوس.. من أنت؟!ِ".
-" كائن صنع من أجساد البشر، من ليلة زرقاء وأُمنية رجل.. "
-" رأسي سينفجر.. رأسي!! ".
-" تذكر من أنت.. أنت لينياس بنتوس". وتدفقت الدماء من عينيه وكانت الدماء تغلي من حرارة جسده.
ورفع سالم يديه أمامه وحدق إليهما بعينيه الذهبيتين:
-" أنا.. لينياس !".ومات سالم من شدة الألم إذ ذاب جسده كزبدة ساخنة ولم يبقى منه سوى عظام بيضاء مصقولة، وكانت المرأة تحمل هيكله العظمي بكل حب وحنان. ومن بين شفتيها تسرب هواء ساخن يذيب العظام والفولاذ، وما أن لامست أنفاسها هيكل سالم العظمي حتى تبخر في الهواء، وشبت النيران الزرقاء في المرأة حتى استحالت إلى نيران هائلة وتلاشى العالم الأزرق في رمشة عين.
وعادت زرقة السماء وضحكات الأطفال، وثرثرة العائلات وتطايرت الكرات.
وقد عاد شاطئ البحر مثلما كان. عدى طفلة لاح عليها الارتباك وهي تلتقط ميكرفون ملطخ بالدماء وأخذت تنظر إلى كاميرا ما زالت تعمل فوق الرمال.