تقدم مئة فارس على خيولهم.

وارتسم على وجوههم القسوة والكبرياء. كانوا لا يعرفون سوى لغة الدماء. ومزقوا كل اعدائهم. كل من وقف أمامهم أصبح جثة هامدة فوق أو تحت التراب.

عمالقة. أقزام. شياطين. وحوش. بشر. شجر. سحقوا كل شيء بسيوفهم. حتى ولو كان طفلاً أو فتى أو رضيع. أي شيء لم يكن من البشر مزقوه إرباً. حتى اعدائهم البشر لم يسلموا من بطشهم.

كانوا نخبة من الفرسان. يرتدون بدلات كاملة من الدروع الفضية والتي كانت تلمع تحت أشعة الشمس الحارقة،

وفي خُصورِهم سيوفاً وفؤوساً، وكان بعضهم يحمل رماحاً، وصولجانات، وأقواساً.

ونقش على صدور دروعِهم سيفان متقاطعان يُحيطُهم جناحان.

كانت المنطقة التي يسيرون فيها قاحلة ومهدمة كالأنقاض.

وكانت هذه الأرض ساكنة هادئة هدوءاً غريباً. ولا يُسمع فيها إلا صوتُ الرياح الذي يبدو كالنحيب.

كان هذا المكان مقلقاً حتى بالنسبة إليهم، فلم يدخل أحد هذا المكان وعاد يحكي قصته. لهذا كانوا يسيرون ببطء وحذر. مع أن أكثرهم كانوا خائفين.

قال قائد الفرسان وهو يسير في المقدمة بصوته القوي:

-'' هل هذه مملكة فيرنا العظيمة.. التي كنا نسمعُ قصصاً وحكايات عنها؟

لا أكادُ أصدقُ ما أرى، ما الذي حدث بحقِ إله السماء؟ هل هذا وهم من نوعاً ما؟".

كان القائد لديه جسداً ضخماً كالدب. ولم يكن جسده ضخماً من الدهون المترهلة بل كان جسده عضلياً مصقولاً مشدوداً كالفولاذ،

وقد تم صقل هذا الجسد من خلال المئات بل آلاف المعارك القاسية التي خاضها مع الوحوش. وحتى أنه يقال أنه أبادَ تنيناً بنفسه ، بسيفه الوحيد ، بضربة واحدة.

لقد كان بطلاً عظيماً في بلاده ومشهوراً بين الممالكِ المحيطة بقاتل التنين، بالإضافة إلى قسوته الشديدة على الزنادقة (الكائنات غير البشرية).

كان لديه شعراً أسود قصير يبرُزُ من خوذته الفضية والتي كانت تغطي أعلى وخلف رأسه.

وكان لديه عينين سوداء قاسية تجعلُ اي شخص يرتعد من تحديقها به.

كان يُدعى: سجال روسو.

أجابَ نائبه والذي بدا كطفل بجانبه:

-" لا، هذا ليس وهماً بتأكيد. وقد جمعنا العديد من المعلومات والكتب القديمة. ولكن، لا يوجد وصف دقيق لما حدثَ لمملكة فيرنا.. وحتى أننا قد طلبنا معلومات من مملكة آيرم القريبة، إلا أنهم لم يخبرونا شيئاً ".

قال القائد وقد ارتسم على وجهه الاشمئزاز:

-" أنا لستُ سعيداً بطلبِ المعلومات من الهمج الذين يتزاوجون مع الحيوانات، الهمج الجيدة هي الهمج الميتة".

أجاب نائبه بابتسامة مريرة:

-"لا، إنهم لا يتزاوجون مع الحيوانات.. من أين أتيت بهذا الكلام السخيف؟ فلدينا العديدُ منهم عبيداً، وبالتأكيد لا أحدَ منهم كذلك".

رد القائد مضيقاً عينيه وكأن نائبه مخلوق شفاف.

-"اليس هذا واضحاً بالنظرِ إليهم، لديهم اذان وذيول الحيوانات. وحتى بعضهم لديه أطرافُ حيوان، وخصوصاً ملكتُهم القذرة!

هذه كائنات حقيرة. مقززة. يجب أن يتم إبادتُهم جميعاً عن بكرةِ أبيهم.. لا. يجب أن يكونوا عبيدا لنا!

وسيكونون مفيدين للعالم بذلك. بدل أن يتزاوجوا من الحيوانات ويدنسوا الأرض بنسلِهمُ القذر" .

أراد نائب القائد أن يقول أن ملكتهم جميلة وأنت هو القذر. إلا أنه هز رأسه موافقاً. ومع ذلك لم يتوقف القائد عن الحديث عنهم حتى جعل نائب القائد يشعر بالضجر.

لم يكن نائب القائد ماهراً في القتال،

ولم يرغب بقتل الكائنات غير الإنسانية أبدا أياً كانت.

وقد تم توظيف نائب القائد مندو ستة أشهر تقريباً ، وجعلوه نائباً لهذا الوحش الطاغية، بسبب امتلاكه القدرة على رؤية الأوهام من دون استخدام السحر. والتي كانت تعتبر موهبة نادرة.

وقد كان استخدام السحر لرؤيه الأوهام مختلفاً تماماً إذ كان ذلك يتطلب سحراً عاليا جداً، ولا يستطيع الوصول إلى هذا المستوى من السحر سوى العباقرة.

لهذا تم وضعه في هذا المنصب الرفيع ليكون عيون القائد. وكان من

الأفضل أن يتم تزويد القائد بأداة سحرية تسمح برؤية الأوهام، ولكن كان ذلك باهضاً، وكان نائب القائد أقل تكلفة بكثير، وحتى إذا تم قتله لن يكلفهم شيئاً.

كان ذلك قاسياً من منظور الفرد، ولكن من منظور الدولة وحكامها فلا يسوى أحد ذرة ملح.

كان نائب القائد شاباً في العشرين من عمره ، ذو شعر أسود قصير يلامس كتفيه وعينان بنيتان لطيفتان. يدعى بنس مير. وكان حدّاداً قبل هذا العمل الذي أُجبر عليه بالقوة.

قال بنس مير مقاطعاً القائد بنبرة توحي بالضيق:

-" إنهم يدعون عرق تيليس".

قهقه القائد وقال وكأنه يتحدث عن بضع برتقالات:

-"هل مازلت منزعجاً من قتل عبدتك الحقيرة؟.. كان عليك ألا تنزع عنها سلاسلها إذن.. ومع ذلك أنا أتفهم إنزعاجك إذ كانت جميلة ولا شك أنه كان لديها العديد من الاستخدامات". وأخذ الفرسان من حوله يضحكون.

واستمر القائد يقول:

-" لننتهي من هذه المهمة وسوف أغرقك بكل أنواع العبيد.. أنت تحب عرق تيليس.. أه. إنهن جميلات مع إنهن زنادقة". وانفجر القائد بالضحك حتى صلصلت دروعه من شدة ارتجاجه.

إحمر نائب القائد غيظاً وللحظة رغب أن يغرز سيفه في حلق قائده، ولكنه كان يدرك تماماً في أنه سيقتل قبل أن يرفع سيفه. وأخذ ينظر مفكراً إلى السماء الزرقاء الصافية.

عبيد.. صحيح أني قمت بشراءها هي وابنتها معاً.. ولكني فعلت ذلك كي لا يبعدوها عن ابنتها الصغيرة.. لقد أحببتها.. أحببتها كامرأة بشرية. ورغبت أن أتخذها زوجة لي.. وهي أحبتني كثيراً.. لقد أحببنا بعضنا. وأغمض عينيه لتسقط دمعة وحيدة من عينيه.

ومايزال بنس يتذكر موتها إذ كان عائد إلى منزله ووجد العشرات من الناس يحطمون رأسها بالقضبان وكأنها جرذ. كل ذلك من أجل أنها لا ترتدي طوقها الحديدي. إذ كان يعتقدون أنها أحد الزنادقة الذين تسللوا إلى البلد خفية.

لقد أخبرتها مراراً.. ضعي طوقك الحديدي حول عنقك عندما تخرجين من المنزل.. المسكينة، لا بد أنه قد نسيت أين تعيش. طوق العبيد.. مجرد طوق حديدي يقرر الحياة والموت. وتمتم يقول :

-" إما أن تكون قوياً أو تسحق تحت الأقدام.. كلمات تصف حقيقة العالم. لابد أن من تحدث بهذه الكلمات علم كل شيء". وأخذ يضحك متألماً حتى دمعت عينيه.

2021/06/28 · 79 مشاهدة · 876 كلمة
نادي الروايات - 2025