-" هذا هو المكان اليس كذلك؟".
أجابت إنتوس على سيدها :
-" نعم ، هذا هو المكان الذي.. حدث فيه.. تلك الليلة ". ونظرت بعيداً غير راغبة في الكلام او تذكر تلك الليلة التي كرهتها بشدة.
قام لينياس بتفحص المدينة التي أصبحت خراباً وغمغم يقول:
-" لم يبقى أحد.. لقد قتلت العديد من الناس ، مملكة بأكملها ، لا أكاد
أصدق ما فعلته.. كيف يمكن أن يفعل السحر ذلك؟.. وكأني في حلم".
-" سيدي ، ليس عليك أن تحزن من أجلهم، لقد كانوا يستحقون ما أصابهم فقد كانوا بشر قذرين يستحقون الموت ".
-" إنتوس ربما يكون حديثك فيه بعض الحقيقة، لكن أنا أعرف جيداً أن ليس جميعهم يستحقون الموت. هناك بشر رائعون حقاً و لا يريدون سوى العيش في سلام مع عائلاتهم .. وهناك من تشمئز من رؤيتهم".
وصمت قليلاً ثم قال متمتماً :
-" أدسوفين ".
-" ادسوفين ؟ ، هل تسمح في أن أعرف ما هو ؟".
-" مم ، أه ، لا ، ليس شيئاً ذا أهمية. أعتقد أنه اسم يرمز لحقارة البشر. حاكم في زمن ما ". وكان على وشك الضحك إلا أنه توقف عن ذلك.
-" اوه ، هكذا إذن ، شكراً جزيلاً على اخباري ذلك ".
-" ريفيريا شكري على كل شيء او طلب الإذن مني في كل شيء متعب حقاً.. ألا تعتقدين ذلك. وايضاً أنا لم أقل شيئاً يستحق الشكر ، و لا أدري
لماذا تفعلون ذلك في كل مرة ، لهذا.. أرجوا أن تتوقفوا عن ذلك ".
أجابت ريفيريا :
-"ولكن، هذا واجبنا واحترامنا تجاه سيدنا" .
-"هذه سخافة. ومن الذي فرض هذه القوانين السخيفة؟ ، أيضاً نحن عائلة واحدة ولا فرق بيننا أبداً ".
-"عائلة واحدة ! ". قالت إنتوس وقد برقت عيناها.
-" أه، نعم ، مثل الإخوة ".
ابتسم الجميع من ذلك. عدا إنتوس وريفيريا التان انخمدت سعادتهم ومطوا شفاههن بعدم الرضى.
-" لكن ، لماذا أصبحت المدينة محطمة هكذا ؟، كنت أعتقد أن ذلك السحر يستخدم البشر فقط؟ ". وتنهد بتعب وأكمل يقول :
-" لا يهم شيئاً من هذا بعد الآن. ولكن العيش في هذا الخراب.. لا . لم نعد نعيش في الغابة، أكره أن أقول ذلك ، ولكن هذه الأرض أصبحت لنا.
لهذا علينا أن نعيش علانية فيها. ما رأيك ياسيريوس؟ ".
-" إنه كما تقول، لهذا علينا أن نجعل هذه الأرض دولة خاصه بنا ونعلن ذلك إلى الدول المحيطة.. كما كنت أقول سابقاً . أيضاً أن تكون هذه الأرض الخربة تنتمي لملكنا.. سيكون هذا مصدر للسخرية منا ".
-" ملك ؟، ما زلت تعود لهذا.. أنت تعلم جيداً ياسيريوس أنه لا يهمني سوى عشيرتنا ، لذلك فليضحكوا حتى ينفجروا ، كل ما أريده هو أن نعيش في سلام ، هذا كل شيء " .
-" لكن ياسي ،آ ، أقصد ، أريد.. مممم ، هل تسمح لي بالحديث؟ ".
-" بلاندر ،هل سنعيد حديثنا من جديد؟ " .
-" هل يعني هذا أني أستطيع الحديث ام لا ؟ ". حدق لينياس إلى السماء
وغمغم يقول :
-" يا الله.. تكلمي ، تكلمي ".
-"شكراً جزي- ". ولم تكمل كلماتها إذ كان لينياس يحدق إليها باستياء.
-" آ.. كما كنت أقول ، أقصد ، أن هذا سيكون صعباً ، لن يسمحوا لنا بالعيش في سلام أبداً " .
-" بلاندر هل جُننتِ! ، ومن قال لك أننا نحتاج منهم أن يسمحوا لنا بأي شيء ! ، لا أصدق أن هذا الكلام يخرج من فم أحد القادة العشرة ! ، وأمام صاحب الجلالة المبجل ! ".
قال لينياس :
-" إنتوس، حاولي أن تهدئي قليلاً ".
-"حاضر! ".
-" وما هذا الاسم الغريب التي دعوتني به، لا تدعوني بهذه الأشياء السخيفة مرة أخرى ".
-" صاحب الجلالة إذن؟ ".
-" لا" .
-" صاحب السعادة؟ ".
-"لا " .
-" صاحب الفخامة؟ ".
-"لا ".
-" ملك الوحوش؟ " .
-" ماذا !. لا !. توقفي عن هذا ! " .
-" الملك الجميل، أعتقد أنه يليق بك تماماً " .
هذه المرأة ازدادت جنوناً. فكر لينياس بهذه الكلمات وأخذ ينظر إلى بريق عينيها الغريب. وقام يحك جبينه. وكان على وشك أن يتحدث مع بلاندر إلا أن إنتوس صرخت مما جعل الجميع يلتفت إليها.
-" آه ! ، كما اعتقدت إنه الامبراطور !، إنه الاسم الذي يليق بك ! ".
-" إذا لم تتوقفي عن ذلك ، أقسم أني سأصفعك في وجهك ، ادعوني باسمي فقط ".
إنتوس كانت صامتة ولم تُجب ويبدو من بريق عينيها أنها كانت تفكر بعمق.
عاد لينياس يلتفت إلى بلاندر وقال :
-" لنعد لما كنتِ تتحدثين عنه " .
-" نعم ! ، اولاً.. أنا لم أقصد أن أقول ذلك ، وربما فهمتم كلماتي بشكل خاطئ. أرجوا أن تغفر لي ذلك ".
بدا لينياس يشعر بالتعب حقاً من هذا ، وقام ينظر إلى السماء وأخذ
أنفاس عميقة ثم التفت إليها وقال :
-" أنتِ لم تقولي شيئاً خاطئاً، إنتوس هي المخطئة، وأنتِ تعرفين مندو زمن أنها مجنونة، وقد ازداد جنونها الآن هذا كل شيء.. إذن ماذا هناك؟".
-" نعم ، مندو أيام قليلة قام بعض الفرسان بالدخول إلى هنا ، وقد كانوا يرغبون بمعرفة ماذا حدث في هذه الأرض. ولم يكن هم فقط إذ كان العديد منهم على مر السنين يفعلون ذلك.
ولا أعلم إذا كان سيريوس قد أخبرك بذلك ، فمندو عدة سنوات لا أعلم متى بالضبط ،قام جيش كبير بغزونا ".
-" لم يخبرني أحد بذلك. وماذا حصل ؟، هل تحطمت المباني بسببهم ؟".
ردت بلاندر دون اهتمام وكأنها تتحدث عن أسماك ميتة :
-" لقد قتلناهم جميعاً ".
-" مع خيولهم ! ".هكذا قالت ليليانا وهي تخرج رأسها من خلف بلاندر مع ابتسامة جميلة وكأنها راضية جداً عن نفسها.
-" مع خيول- أعني لم تبقوا أحد.. لماذا؟ . هل كانت هناك إصابات من عشيرتنا ؟ " .
رد إنجوس وهو يزفر دخان سيجارته :
-" لا ، لم يكن هناك إصابات منا ".
-" من.. من الذي قام .. مع من كانت المواجهة؟، من الذي قام بقتالهم؟".
قال إنجوس:
-" أنا فعلت". لم يفهم لينياس. كان إنجوس شخصاً ذو قلب عطوف وكان يكره الانخراط في القتال على عكس مظهره الصلب. واستمر لينياس يقول:
-" لماذا فعلت ذلك؟ ".
أجاب إنجوس وكأنه يقرأ قصة من كتاب :
-" لقد كان جيشاً كبيراً حقاً.. مندو مئة عام حصل ذلك، وكان الجميع منشغلون في البحث عن.. كنت أنا الوحيد المتواجد في ذلك الوقت. لذلك ذهبت أنا وكامل أتباعي أي الثلاث مئة بأكملهم.
وطلبت منهم بكل تهذيب في أن يعودوا أدراجهم، لكنهم رفضوا ذلك وأصروا أن تكون هذه البلاد ملك لهم.. لم أعرف ماذا يقصدون بهذا الحديث.
ولكنهم أخذوا يتبجحون ويستعرضون قوتهم. حينها طلبتُ أن نتناقش مع قادتهم، وقد وافقوا ، وطلبتُ من سيلين أن تأتي معي لكي يصبح الجو أقل توتراً. فأتباعي سيفجرون الوضع سريعاً.. لهذا طلبت منها أن تأتي معي.. اعتقدت أنها ستقلل من الأجواء المشحونة ، لقد كنت أحمق ، أنا أعترف بذلك".
وانتفخت عروق عنق إنجوس كحبال مشدودة إذ أخذ يتذكر ذلك الوقت. إلا أنه استعاد هدوئه عندما رأى لينياس ينظر بعينين متوهجة كالجمر وفي جبينه أربعة عروق منتفخة وكأنها ستنفجر. وبصوت جليدي قال لينياس :
-" وماذا حدث بعد ذلك؟".
-" نعم، بمجرد أن شاهدوها كادوا يقتلوها.. ما زلت أتذكر صرخة الخوف التي أطلقتها وهي تقفز لتختبئ خلفي. قاموا بدعوتها زنديقة أو شيئاً ما.
عندها لم اتمكن من السيطرة على نفسي وقمت بقتلهم أنا وأتباعي ". وصمت وهو يراقب لينياس الذي أغمض عينيه. وقال إنجوس محاولاً القاء نكتة لتلطيف الأجواء.
-"حينها ظهرت ليليانا من العدم وقامت بتمزيق كل شيئاً أمامها ، حتى أنها كانت تركض خلف الخيول الهاربة وتمزقهم بسيوفها". وأشار إليها وأكمل :
-"هي تعاني من مشكلة ما. فإذا لم تقم بفعل شيئاً لها فسوف تنقرض الخيول في كل العالم ".
قام لينياس بالضحك بشكل متعب وهو يقول :
-" هذه هي ليليانا لم تتغير أبداً.. حسناً ، سأجد حلاً لهذا.. هذا ما كانت تقصده بلاندر . أنا ، حقاً لا أعرف ما أفعل ، لكن ، يبدو أن سيريوس على حق ، نحتاج أن نعلن أن هذه الأرض تنتمي لنا ".
قالت بلاندر:
-" لقد قمنا بفعل ذلك ". قال سيريوس وهو يبدو منزعجاً جداً :
-" قمتم؟ ، لماذا لم أعرف عن ذلك؟ ، لماذا لم تخبريني بهذا؟ "
قالت بلاندر:
-" أنا أسفة حقاً ، لقد نسيت أن أخبرك " .
-" ما الذي قمتي به ؟". قال لينياس.
قالت بلاندر:
-" نعم ، إنها فكرة ليليانا عندما هاجمونا بعض المحاربين ، أخبرتني أن نترك شخصاً واحد ليعود إلى بلاده بعد أن نخبره ما نريد. وقد أخبرناه كل شيء ".
لينياس:
-" أعتقد أن ما كانت تفكر به ليليانا مختلف تماماً عن هذا. وماذا أخبرتوه ".
أجابت بلاندر :
-" لقد أخبرناه أن سيدنا هو الذي قام بمسح كل الكائنات الحية من هذه المملكة المتعفنة بتعويذة سحرية واحدة في لحظة ، لأنه كان غاضباً منهم. وأن هذه الأرض أصبحت ملك لنا بقانون الغزو ، واي شخص يقترب منها سنقتله مثل السابقون ".
-" هوه ! ، هذا رائع ، لقد تفوقتم على أنفسكم هذه المرة " . قال سيريوس ذلك بسعادة .
ابتسمت بلاندر وليليانا رداً على ذلك.
قال لينياس مقطباً حاجبيه:
-" الن تجعلهم هذه الكلمات السخيفة يشتاطون غضباً ويقومون بمهاجمتنا ؟".
أجاب سيريوس:
-" الحمقى فقط سيفعلون " .
-" حسناً .. أما بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في هذه الأرض أو المواطنون في هذه الحالة يجب أن.. ".
في تلك اللحظة لوحت إنتوس بإصبعها في الهواء. وقفزت فجأة أمام سيدها، حدث كل شيء سريعاً إذ انفجرت الدماء من بطن إنتوس وتناثرت أحشائها فوق لينياس. كان رمحاً حديدي بطول ثلاثة أمتار وبسُمك رأس الإنسان مغروساً في ظهر إنتوس ويبرز من بطنها. بدا المشهد وكأن الزمن أصبح بطيئاً لزجاً إذ كان الرمح ينزلق من يديها بسبب الدماء الغزيرة متجهاً إلى سيدها وكانت إنتوس تطحن أسنانها لتوقفه.
وبعد وقت بدا كالأبدية توقف الرمح عن الإنزلاق.
رفعت إنتوس عينيها إلى سيدها وقالت وخيوط الدماء تتدفق من فمها:
-" هل أنت بخير ياسيدي؟ ". كان لينياس مذهولاً وقام يمسح الدماء عن وجهه وهو لا يفهم ما حدث، كان يتحدث بكل سلام والآن هذا الجنون.
انهارت إنتوس على ركبتيها وأخذت تسعل الدماء.
تعافى لينياس من ذهوله وسرت فيه رجفة إذ انتزع الرمح من جسدها كاشفاً عن فجوة هائلة في بطنها. وتراقصت أحشائها على الأرض كأفاعي حمرا لزجة تسبح في بحر من الدم.
-" ما الذي يحدث !! ؟" . صرخ لينياس خائفاً.
-" سيدي.. لا أعتقد أن سحر الشفاء يمكن أن يعمل ، هذا الرمح يحتوي على أشياء تمنع شفاء الجروح " .
-" لن نعرف ذلك حتى نحاول !! ، لا تتحدثي !! ". وقام بإلقاء سحر الشفاء ولم يكن هناك أي تغير. قام لينياس بجرف إنتوس إلى حضنه وصرخ على الاشخاص حوله:
-" أفعلوا شيئاً !! ". وأفاق الجميع من ذهولهم. قام بعضهم بصب الجرع السحرية وبعضهم باستخدام نوبات الشفاء وبعضهم وضع أيديهم المتوهجة عليها. ولكن ، لم يكن هناك أي فائدة تذكر. كانوا على وشك حملها ووضعها على الأرض . إلا أن إنتوس قالت بصوتاً منهك :
-" إتركوني أموت بحضن سيدي ".
تساقطت الدموع الغزيرة على وجهه إنتوس.
-" هل تبكي من أجلي ياسيدي ، هل أنا عزيزة عليك بهذا الشكل " .
أنفجر لينياس بالبكاء وقام يداعب خصلات شعرها وبصوتا مخنتق قال :
-" ما الذي تقوليه يا إنتوس أنتِ أغلى عندي من الدنيا كلها ".
قامت إنتوس بالسعال وتطايرت الدماء من فمها وقالت :
-" سيدي يبدو أن قوتي تتلاشى.. أنا سعيدة أني رأيتك قبل أن أموت" . وبدأت ترتعش ولمعان عينيها البنفسجيتان يتلاشى ببطى.
-" إنتوس !!! . لا تموتي !!! . عيشي !!!. آاااااااآه !!!!! ، اللعنة على هذا العالم !! ". وجرفها في صدره.
وبصوتا ضعيفاً قالت إنتوس :
-" أنا.. أحبك.. ياسيدي.. لطالما.. أحببتك من كل قلبي.. فهل تحبني ياسيدي؟ " .
عض لينياس شفته السفلية وتدفق منها خيطان من الدم وقال والعروق تنتفخ في كل وجهه:
-" بالطبع أنا أحبك !!!. لا تتحدثي !!!، لا تتحدثي !!! " . ونظر إلى الناس حوله :
-" هل ستجلسون هكذا ؟!!! . ابحثوا عن من فعل هذا !!!! ، لكن لا تقتلوه ، أنا سأتعامل معه بنفسي !!!! ".
وانطلقوا في كل مكان بلمح البصر عدا بلاندر وريفيريا.
-" أنا سعيدة حقاً بهذا ". ومدت يدها لتداعب وجه لينياس بأصابعها.
وفي تلك اللحظة سقطت ذراع إنتوس واختفى بريق عينيها. ماتت إنتوس بطريقة مسرحية.
أغمض لينياس عينيها ونهض على قدميه حاملاً إنتوس وسار مبتعداً.
قالت ريفيريا:
-"أين تذهب ياسيدي ". أجاب لينياس بهدوء دون أن يتوقف :
-" لقد ماتت حبيبتي ولم يعد يهمني شيئاً في هذا العالم.. سأذهب لكي أعيش مع حبيبتي إنتوس.. في مكان لا يوجد فيه أحد غيرنا ".
-" وماذا عن عشيرة بنتوس ياسيدي؟!.. لقد ماتت هذه العفنة وانتهى الأمر ، قم برميها في اي مكان لتتخلص منها ! ".
قال لينياس:
-" بلاندر أيتها العفنة، أنتِ لا تعرفين معنى الحب.. لطالما كرهت عيناك المخيفتان المتعفنتان، فلتغربي عن وجهي أيتها العفنة.. وأنتِ ياريفيريا ، لطالما كرهت رائحة العطور التي تضعينها على جسدك لتخفي رائحة عفونتك، فلتختفي من أمام وجهي أيتها الجيفة المنتنة ".
-" آآآآآآآآهآآآ !!!!! ".
صرخت ريفيريا وهي تمزق شعرها، وبلاندر تخدش وجهها.
واستمر لينياس بالسير إلى الأمام ، وبلاندر وريفيريا ينوحان وينتحبان وأخذنَّ يمزقن شعرهن حتى صاروا صلعاً !.
ابتسمت إنتوس بانتصار وهي ميتة.