24 - العودة الجزء السابع

-" هاهاهاها ! ، ما هذا الجنون الذي أراه ، يال البؤساء!!" . هكذا قال رجل وهو يمسك قطعة زجاجية مستديرة الشكل كالكرة وكان في داخلها رموز تتوهج بألوان قوس قزح. كانت هذه أداة سحرية تسمح برؤية المسافات البعيدة كالمنظار. والمنسوخة من إحدى قدرات التعويذة السحرية [العين السحرية]. كانت تدعي (مرآة النظر عن بعد).

كان الرجل يقف فوق تلة وبجانبه خمسة أشخاص ينظرون من خلال المرآة الخاصة بهم وهم يقهقهون مما يروه.

-"هؤلاء النساء مجنونات، ماذا يفعلن بشعرهن؟! ". قال أحدهم.

-" يمزقوه بأكمله!" . قال رجل آخر.

قال رجلاً من خلفهم وهو يحمل رمحاً ضخماً وبجانبه ثلاثة رجال يحملون تلك الرماح:

-"ما الذي حدث؟، ماذا هناك؟ ". التفت الرجل الأول إليه وقال :

-" لقد ماتت المرأة التي ترتدي ملابس سوداء. قم بتجهيز الرمح الثاني سنستهدف الرجل الذي يحملها لابد أنه القائد ".

رد الرجل الذي كان يحمل الرمح الكبير :

-" وماذا عن البقية ؟" .

أجاب أحد الرجال وهو ينظر من خلال المرآة :

-" لا أدري لقد اختفوا سريعاً جداً.. الأشباح اللعينة!. لابد أنهم شعروا بالخوف وفروا هاربين.. على كل حال بقي امرأتان ولكن يبدوا أنه أصابهن الجنون من رؤية أحد أصدقائهن يموت ، حتى الوحوش لديهم مشاعر ".

رد رجل آخر وهو يراقب من مرآته :

-" ماذا عن صاحبة العيون الحمراء.. إنها تبدو مألوفة اليس كذلك؟ ".

-" لا أدري ، فأنا لم ارى مثل تلك العيون ،ولكن ربما تكون أحد الوحوش اللعينة. ربما تكون مصاصة دماء.. لا أعرف حقاً " .

-" يبدوا أنكم تستمتعون هنا، هل تسمحون لي بالإنضمام إليكم ؟". كان صوت رجل رقيق قادماً من خلفهم. التفت العشرة جميعاً إلى الصوت الذي صدر من خلفهم وأصدروا شهيقاً شديداً .

كان رجلاً يضع يديه خلف ظهره، وكان ذو شعر أبيض أطرافه حمراء ويرتدي ملابس بيضاء. وبجانبه امرأة لديها بشرة شاحبة كالشمع وعينان قرمزيتان بأكملها. وامرأة أخرى ترتدي فستان أسود ولديها شعر أسود طويل وكان لديها قرنان يبرزان من مؤخرة رأسها.

-" مستحيل !! ، هذا لا يمكن !!. لقد اخترقكِ الرمح !! ، أنتِ ميتة ، لقد رأيت ذلك !! ".

قالت إنتوس بضيق وكأن منظره كان يزعج عينيها:

-" توقف عن النباح أيها الكبش ، لقد كان وهماً " .

-" هذا لا يمكن أن يكون صحيحا ً !!! " .

-" هل هم أغبياء ؟.. اليس وجودنا أمامهم دليلاً على ذلك ".

رد سيريوس :

-" ريفيريا إن غباء البشر لا يعرف الحدود ، فهؤلاء الديدان لا يقتنعون بشيء إلا عندما يروه فقط ". وأشار بيده اليهم بكل تهذيب وقال :

-" القوا نظرة إذا سمحتم ".

قاموا جميعهم بالنظر من خلال المرآة وأخذوا يلهثون في رعب إذ كانوا جميعاً يحيطون بصاحب الشعر الأبيض عدا الرجل الذي كان يرتدي ملابس سوداء وبفمه سيجارة، كان يقف أمامهم ويمسك رأس الرمح بيده العارية وكأن الرمح لم يكن سوى قشة بين أصابعه. وشعروا بالذهول من هذا الرجل بل أرادوا الصراخ :

كيف يستطيع شخصاً ما أن يوقف رمح [سترول] المقدس بيده العارية. ولكن المربك في الأمر هو أن الرجل ذو الشعر الأبيض كان يحدق إليهم وكأن عينيه تراهم مباشرة من خلا مرآة النظر عن بعد. ولم يهتموا بذلك فقد اعتقدوا أنها نوع المصادفة في أن تتلاقى أعينهم ببعضها. وقد كان هناك شيئاً أهم من هذا الآن. وعادوا يلتفتون إلى الثلاثة أمامهم بخوف. وقال أحدهم :

-" كان وهماً ؟" .

-" نعم ، ما رأيكم ؟، اليس ما رأيتموه مشهداً جميلاً كلوحة فنية راقية؟". وشبكت إنتوس يديها أمامها ورفعت عينيها إلى السماء واستمرت تقول ببسعادة بالغة :

-" آه ، أنه مشهداً من قماش قلبي. يصف أحاسيسي وشعوري ، كان مشهداً رائعاً اليس كذلك؟.. اليس كذلك؟ " .

-" إنه كابوس !! ". صرخ أحد الرجال وقد خرج عن طوره إذ لم يصدق أنه أصبح فريسة بسبب هذا الوهم المقرف.

-" ماذا !!! ". صرخت إنتوس وانقضت عليه كالثور الهائج ، وأمسكته من ياقته. واستمرت تقول :

-" كيف تجرؤ أيها الكبش في أن تسخر من مشاعر امرأة !! " . وقامت بضرب رأس الرجل برأسها. تهشمت مقدمة رأس الرجل بصوت مقزز وسقط الرجل في الأرض وهو يتشنج بعنف واستحال وجهه إلى عجينة حمراء.

-" جوني !!! ".صرخ أحدهم وهو ينتزع سيفه وركض باتجاه ريفيريا التي كانت تبدو رشيقة وهشة وقد أعتقد الرجل للحظة أنها أضعف من تلك المرأة التي هشمت وجه صديقه برأسها.

ولوح بسيفه في قوس من الضوء مستهدفا عنق ريفيريا .

ولكن قبل أن يصل السيف إلى عنقها أمسكته ريفيريا بزوج من أظفارها الامعة. ظفر السبابة وظفر الإبهام وكأنها أمسكت فراشة في الهواء.

وأخذت تراقب الرجل وهو يصفر ويحمر ويبيض إذ كان يحاول أن يتنزع السيف ولكن عبثاً فقد كان السيف عالقاً وكأنه بين فكي تنين. وقالت ريفيريا بكل رقة وتهذيب:

-" ياسيد هذا غير مهذب. كيف يمكن أن تهاجم امرأة في وجهها. يجب أن تخجل من نفسك ". وقامت بإلقاء صفعة بيدها الأخرى بوجه الرجل. التف الرجل بالهواء دورتين كالبهلوان وسقط مغشياً عليه تحت قدميها.

تنهدت ريفيريا واستمرت تقول :

-" يا االله ، هذا الرجل ليس لديه ذوق ،ترك كل جسدي وقام بمهاجمة وجهي ، كيف سأنظر لسيدي أن تأذى وجهي ". ووضعت يديها حول خصرها النحيل وتمايلت وهي تقول :

-" حتى البشر البائسين يهاجموني لجمالي ~ . أه ،الجمال مرهق حقاً ~ ".

-" اي جمال تتحدثين عنه ، لقد هاجمك لأنكِ تشبهين الغيلان ".

-" آه ، إنتوس ، يبدو أنكِ لم تعودي قادرة على الرؤية جيداً ~ ، لقد أصبحتِ عجوز حقاً ~" .

-" ما زلتُ شابة ! ،أنتِ هي العجوز الشمطاء التي عاشت آلاف السنين " . تجاهلت ريفيريا كلمات إنتوس وقالت بمرح :

-" الغيرة والحسد ، كل العالم يحسدني على جمالي ، انظري إليه ،انظري إلى جمالي الذي يشرق كالشمس " . وقامت بتغطية وجهها بكف يديها واستمرت تقول :

-" أه ! ،عيناي تؤلماني من جمالي ، إنه يلمع ~ " .

قالت إنتوس بعينين محتقنة :

-" سيريوس ،هل ستجعل هذه المرأة المجنونة تصمت ام أجعلها تصمت بنفسي؟".

تنهد سيريوس وهو ينظر إلى سحابتين في السماء الزرقاء وقبل أن يقول كلمة واحدة .

قالت ريفيريا :

-" لماذا أنتِ غاضبة هكذا؟.. لا تخبريني أنكِ ستنطحينني كالكبش مثل ما فعلتي بالرجل. ممم ، لابد أنكِ كنتِ كبشاً من قبل وقام سيدي بتحويلك إلى امرأة رحمة وشفقة منه ~ ". وانفجرت تضحك ضحكة جميلة كرنين الأجراس. ولكن تلك الضحكات جعلت إنتوس ترتعش عيظاً.

-" أيتها القذرة !! " . صرخت إنتوس بغضب و انقضت على ريفيريا وقامت بخنقها وغرست أظفارها في عنقها حتى ادمته.

-" إنتوس أيتها المجنونة، أنتِ تخنقينني بجدية، هل تحاولين قتلي؟!!".

ابتسمت إنتوس ابتسامة شريرة على تلك الكلمات.

-" أيتها المجنونة !! ".صرخت ريفيريا وشدت شعر إنتوس بقوة شديدة.

أطلقت إنتوس صرخة ألم والتوى جسدها للجهة اليسرى من قوة شد شعرها.

-" أيتها العجوز الشمطاء أتركي شعري سوف تمزقيه ، سيدي يحب الشعر الطويل !! ".

ضحكت ريفيريا بخبث وقالت :

-" إذن يجب أن أقوم بتمزيقه، سأجعلكي صلعاء مخيفة!". واستمروا على ذلك كشد الحبل. إنتوس تصرخ من شدة الألم وتقوم بخنق ريفيريا وريفيريا تتألم من عنقها وتشد شعر إنتوس.

-" نعم ، إنه تماماً كما تفكرون به جميعاً ،إنهن مجنونتان ، وأنا أتفق معكم على ذلك. ولكن. دعكم من هؤلاء النساء أيها السادة ولنتحدث حديث رجال في ما بيننا " .

هكذا قال سريوس ويديه خلف ظهره لمجموعة الرجال الذين كانوا يحدقوا إلى المرأتان أمامهم برعب خالص.

واستمر سيريوس يقول:

-" أو ربما تفضلون الحديث مع هؤلاء النساء ، لكن أؤكد لكم أنهن متوحشات وقساة أكثر مني بكثير. ممم.. أوليس كل النساء هكذا، أو ربما نساء عشيرتنا هكذا.. ربما الأول وربما الأخير ، لا أعلم حقاً ، لهذا أحتاج لأتأكد بنفسي من ذلك.. على كل حال ، لنعد لموضوعنا الذي نحن فيه. هل أنت هو القائد ". وأشار سيريوس لأضخمهم.

هز الرجل رأسه بالإيجاب.

-" حسناً، هل تسمح بإعطائي هذه المرآة التي لديك؟ ".

تراجع الرجال إلى الخلف غير راغبين بالاقتراب من الرجل او إعطائه ما يريد. فقد كانت اداة باهظة جداً ولا يستطيع اي أحد امتلاك مثلها. بل حتى هم لا يستطيعون وقد تم إعطائهم إياها لهذه المهمة.

-" شكراً جزيلاً ". قال سيريوس وهو يمسك المرآة بإحدى يديه.

ارتجف القائد وهو يحدق إلى يديه الفارغة والتي كانت تمسك مرآة النظر عن بعد مندو لحظات. وعاد ينظر إلى سيريوس ببلاهة وكأنه يتساءل كيف فعل ذلك.

قام سيريوس بتجاهل نظرات الرجل وقام يتفحص المرآة بملل وغمغم يقول:

-" قمامة ، لماذا تصنعون أشياء بهذه السخافة؟ .. حسناً، ليس كل شخص يستطيع استخدام السحر ، ولكن ، ألا يجب أن تجعلوها صغيرة او تجعلوها كخاتم او حلقة على الأنف كالخنازير فسوف تناسبكم تماماً. أو ربما كتلك القطعة الزجاجية التي يضعها البرفسور على أحدى عينيه في بعض الأوقات. ممم.

لقد ابتعدنا قليلاً عن موضوعنا ، ولا داعي لمحولة الهرب فأنتم محاصرون تماماً.. ولكن أتمنى أن تحاولوا الهرب".

وابتسم ابتسامة قاسية لا تعرف الرحمة وتوهجت عيناه كالجمر المستعر ومن عينيه تراقصت خيوط الدخان وبدا كأن عينيه تغلي في محجرها. ارتجف الرجال كالأطفال أمام هذا المشهد ولكن ما قاله سيريوس بعد ذلك جعل الرجال يشعرون بالبلل بين سيقانهم واتضح أنهم تبولوا على أنفسهم:

-" لكم أرغب بسحقكم جميعاً !.. لا . أولاً سأجعلكم تستحمون بالذهب المصهور.. إنه يجعل البشرة جميلة و لامعة.. ألا ترون كيف بشرة ريفيريا جميلة. نعم. سأجعلكم تستحمون حتى تختفي كل لحومكم القذرة وتصبح العظام مصقولة لامعة.. وبعد ذلك سأجعلكم تكفرون عن أعمالكم الحقيرة.. ولكن للأسف فأنتم محظوظون ، لأن القائد يريد أن يراكم سالمين. ومع ذلك يمكن شفاء اللحم المسحوق بسهولة". وانحنى كرجل نبيل يدعو سيدة إلى الرقص وأكمل يقول:

-" اسمحوا لنا أن نقوم بتجهيزكم لتقوموا بالإجابة سريعاً على أسئلة القائد. أه. ياللخجل، أقصد الإمبراطور لينياس بنتوس ".

وكأن تلك الكلمات أوقفت الزمن إذ وقفت ريفيريا وإنتوس وهم يمسكون بعضهن كالسابق إلا أنهم ظلوا جامدين كالتماثيل. وقمنَّ بتحريك رؤوسهن ببطئ لينظروا إلى ضحاياهم بابتسامة مجنونة وعينان تُشعان العذاب والبؤس.

ارتعد الرجال أمام الوحوش الجميلة.

2021/06/28 · 111 مشاهدة · 1560 كلمة
نادي الروايات - 2025