30 - المستوطنة الجزء الخامس

خرج لينياس من قلعة بنتوس وعباءته القرمزية تتموج خلفه بسبب خطواته السريعة. ومر من بين عشرة تماثيل تقف أمام بوابة القلعة. كانت التماثيل على شكل فرسان بطول ثلاثة أمتار.

-"إنها مجنونة !، كلهم مجانين. لابد أن ذلك السحر هو السبب؟، لقد غير عقولهم. جعلهم مجانين ! ". كان لينياس يتحدث وهو يمشي في ظلام الليل الدامس لوحده. وللحظة فتحت بوابة القلعة وتسربت الأضواء من الداخل. التفت لينياس إليها ليرى شخصاً أخرج رأسه متجسساً. كانت سيلين.

قال لينياس مزمجراً :

-" قلت لا أريد أن يتبعني أحد ! ". ادخلت سيلين رأسها بذعر واُغلقت البوابة تلقائياً.

وفتحت مرة أخرى ليخرج شخصاً منها. وللحظة كان لينياس سيصرخ إلا أنه صمت حين رأى رجلاً يتجاوز طوله المترين. كان هيكروس. راقبه لينياس وهو يتقدم نحوه وقال متمتماً :

-" أخيراً شخصاً يستمع إلى العقل والمنطق ".

وقف هيكروس ولينياس يحدقون لبعضهم بصمت لعدة ثوان. ولوكان هناك شخصاً آخر ينظر إليهم لن يرى شيئاً في هذا الظلام الدامس سوى توهج أعينهم التي كانت تنظر لبعضها.

-" هيكروس هل أصبحت مجنون مثلهم ؟!".

ضحك هيكروس وهو يقول :

-" ما الذي تقوله أيها القائد ؟". كلمة القائد جعلت لينياس يستعيد بعض هدوءه وقال :

-" لنمشي قليلاً يا هيكروس". وساروا بصمت لبعض الوقت ولم يستطع هيكروس تحمل ذلك الصمت وقال :

-" هل هناك شيئاً ما أيها القائد؟.. وما سبب كل هذا الغضب؟ ".

-" ماهذا السؤال؟.. اليس هذا واضحاً تماماً ؟".

-" أنا حقاً لا أعرف ماذا تقصد أيها القائد ".

انفجر لينياس غاضباً :

-" إنهم مجانين!، كل من في هذه القلعة مجنون!.. كلهم جميعاً ! ".

ارتعد هيكروس من الصراخ المفاجئ وقال مرتبكاً :

-" ربما.. لماذا ؟..ماذا فعلوا ؟" .

-" ماذا فعلوا ؟.. قل ماذا لم يفعلوا !. أشخاص يطلبون الإذن لقتل أنفسهم من أجلي! ، آخرين يطلبون أن يصبحوا سجاد ودرج لكي أسيرَ فوقهم!. آخرين يطلبون أن يتم عقابهم لانهم لم يقفوا بشكل محترم أمامي!.. بل بعضهم يطلب أن يجلد لأسباب تافهة !.. ما هذا الهراء ! . هذه القلعة خرجت من الجحيم ، إنها وكر الشيطان !.. جميعهم مازوشيين ! ".

-" اهدئ أيها القائد ، أنا لم اراك منفعلاً هكذا قبلاً " .

أخذ لينياس عدة أنفاس وسار مبتعداً . لحق به هيكروس وهو يقول :

-" حسناً، أنا أعرف في أن هذا يبدو غريباً بالنسبة إليك. ولكن ، هذا متوقع منهم.. فهم يرون ويعتقدون أنك صنعتهم بسحرك ليكونوا مفيدين لك. إنهم يحبوك بحق. وهذا طبيعي ومتوقع تماماً. فإذا قمت باستدعاء وحوشاً عن طريق السحر الن يكونوا مخلصين لك..إنه مثل ذلك، لقد تحدثنا عن ذلك سابقاً ".

-" هل تسخر مني ياهيكروس ، اي من هذا طبيعي ! "

-" أنا لا أسخر منك أبداً . ولكن ، لا أعتقد أنك غاضباً من هذا فقط اليس كذلك؟".

قال لينياس وهو يفرك عينيه :

-" إنها ريفيريا.. ريفيريا ".

-" ماذا عنها؟..ماذا فعلت ؟".

وكأن تلك الكلمات كانت وقود صب مباشرة فوق الجمرات المشتعلة في صدر لينياس لينفجر غاضباً فوق هيكروس :

-" إنها مجنونة !!! . اقسم أنها مجنونة !!!. تتصرف بشكل غريب وتطلب مني أشياء عجيبة غريبة أخجل حتى من ذكرها !! . هذه ليست ريفيريا..وكأنها أصبحت فتاة عجيبة !!. ريفيريا.. المرأة الباردة. المرأة الجليدية..هل هذه هي ملكة الليل ريفيريا نايتمير التي سيطرت على القارة وجلبت الكوابيس والرعب مندو ستة آلاف عام؟!!.. لا. لا أعتقد ، لا أصدق ذلك!!.لابد أنها كانت تكذب عندما أخبرتني ، بل لابد أنها كانت حارسة للإسطبلات في ذلك الزمان !!! ".

وأخذ يلهث وهو يمسك هيكروس من سترته البيضاء. كان هيكروس مذهولاً مما يراه ولكنه ظل صامتاً. واستمر لينياس يقول وقد بدأ يستعيد هدوئه :

-" لا بد أنه ذلك السحر المشؤم ؟.. أنا متأكد من ذلك تماماً. ايضاً.. إنتوس.. إنتوس.. إنتوس".وأخذ يضحك بشكل متعب وهو يقول :

-" أما هذه فقد فاقت كلمة الجنون نفسها.. أقسم ياهيكروس في أن جنونها يخيفني.. إنها تنظر لي بنظرات لا تنتمي لكائن حي وكأن نظراتها قادمة من أعماق القبور.

إنها تستخدم سحرها الأسود لمراقبتي في كل مكان. حتى في غرفتي أرى الظلال تتراقص وأشعر بها.. الحمقاء تعتقد أني لا أعلم أنها تقوم بمراقبتي من خلال الظلال.

وفي كل مرة أقوم بالمشي أجد وجهها ملتصق خلف رأسي مباشرة كالأشباح المرعبة. ويجعلني هذا قلقاً.. أقسم أنها ستقوم بغرس أسنانها في عنقي يوماً ما.. أكاد اجزم بذلك".

-" هئ هئ هئ هئ هئ !! " . انفجر هيكروس ضاحكاً وارتج جسده من شدة الضحك قال لينياس عابس الوجه :

-" اضحك . اضحك.. هذا ماتحبه فقط.. ولكن هل تعلم أني كنت اراقب سيريوس وأتفحصه وأنا أدعوا الله أن لا يصبح مجنوناً مثلهم. ولكن كان طبيعياً كالسابق.. توقف عن الضحك هكذا.. يبدو أنك جننت . توقف " .

ولكن هيكروس لم يتوقف عن الضحك بل ازداد أرتجاجاً من الضحك. عندها ودون اي سبب انفجر لينياس ضاحكاً وضحكوا حتى ترنحوا ودمعت أعينهم.

وبعد وقتاً طويل من الضحك قال هيكروس بجدية :

-" لا يجب عليك الأستمرار بالتفكير في هذا كثيراً وإلا ستفقد عقلك.. أما ريفيريا فهي ماتزال كما كانت.. ولكن عندما تكون معك تتغير تماماً إذا فهمت قصدي.. أما إنتوس ..." .

اطلق لينياس تنهيدة عميقة وقال :

-" صحيح.. أنك محق.. إني أكاد أجن " . وقام بفرك عينيه.

-" ماذا تقصد بمازوشيين أيها القائد؟ ".

-" أه ، إنها تعني الأشخاص الذين يحبون الشعور بالألم والتعذيب. ولكن لا أدري الاسم الصحيح لها. ربما مازوشيين او ماسوشيين أنا بصراحة لا أعلم".

-" لقد فهمت.. إلى أين تريد أن تذهب.. هل تريد العودة إلى القلعة؟".

-" تقصد وكر المجانين " . وأشار لينياس إلى النار المشتعلة بعيداً. وقال :

-" أريد أن أذهب هناك. هل ذهبت إلى هناك قبلاً ؟" .

قال هيكروس :

-" لا لم أذهب أبداً إلى المستوطنة " .

-" المستوطنة ؟. هل هذا ما تدعونها به. حسناً ، لنأمل ألا يرمونا بالحجارة عند رؤيتنا ".

قال هيكروس مرتبكاً:

-" يرمونا بالحجارة؟، لما هذا ؟. يجب عليهم أن يكونوا شاكرين لك أولاً .ثانياً أنا لن أسمح بذلك ". رفع لينياس يده ليجعل هيكروس يتوقف عن الحديث وقال:

-" اسمعني جيداً ياهيكروس. لا تقم بفعل شيئاً لهم مها فعلوا.. ايضاً..يجب أن يكونوا شاكرين لكم وليس لي فأنا لم أفعل لهم شيء، أما إجابة عن سؤالك، فطالما رمى الشعب الحجار على حكامهم الفاسدين. أولسنا حكامهم الآن.. هذا هو التاريخ الذي أعرفه".

-" أنا لم أسمع أبداً عن هكذا شيء . او هل أخبرك سيريوس أو ريفيريا عن هذا أيها القائد؟ ".

-" لا . أنا أعرف ذلك جيداً الآن. على كل حال.. أقول لك أن لا تفعل شيء لهم. ايضاً أحتاج لرؤية بعض الأشياء بعيني، فليس من سمع كمن شاهد بعينيه".

أجاب هيكروس :

-" مفهوم " .

قال لينياس :

-" ماذا كنت تريد أن تقول عن إنتوس الآن؟ ".

ظل هيكروس يحدق إلى لينياس طويلاً ثم اطلق تنهيدة قوية وقال :

-" لا شيء. أنت محق إنها تعاني من مشكلة ما". وعاد يحدق إلى لينياس وكأنه يريد نقل فكرة ما بعينيه. ولكن هيكروس كان يعلم أن لينياس يصبح غبياً جداً في هذه الأمور أو بالأحرى لم يتخيل قط في أن إنتوس يمكن أن تحمل له مشاعر كحب امرأة لرجل.

-" ما بك؟.. هل هناك شيء؟ ".

-" لا. لا شيء،لنذهب أيها القائد ". وذهبوا سيراً على الأقدام في ظلام الليل.

2021/06/28 · 103 مشاهدة · 1144 كلمة
نادي الروايات - 2025