شق لينياس طريقه وهو يشعر بالغضب يحترق في صدره مما يراه. كان بشعاً تماماً. كان مقزز. كان مقرفاً. لم تكن هذه حياة. حتى البهائم لا يمكن أن يعيشوا في مثل هذا المكان.
لا. ربما ماتوا من هذه الحياة المقززة .
-" وتطلبون مني أن اكون ملك لهذه الأرض ! ، هل أصبحت عشيرة بنتوس بهذا القرف؟!.. يالي من ملك.. ملك المجاري والعفن، لدينا الكثير لنتحدث عنه ياهيكروس ! ".
هيكروس لم يقل سوى كلمة واحدة وهو يسير بجانبه :
-" مفهوم ".
-" هل مزال بعيداً ؟ ". اجاب الفتى وهو يشير إلى مبنى كبير متهدم وكان يبدو مرمماً بحذوع الأشجار والأحجار التي تغطي الفتاحات الكبيرة.
هل كان قصراً في ما سبق. تمتم لينياس بهذه الكلمات ومر عبر البوابة الخشبية ليدخل المبنى حتى توقف أمام قاعة واسعة ممتلئة بالناس.يضيء سقفها بضوء خفيف بفضل السحر.
كان هناك أشخاص يجلسون على مقاعد مصنوعة من أغصان وفروع الأشجار. طاولات فوضوية الصنع تشبه شكل المقاعد حولها. وكان القاعدون فوق تلك المقاعد يشربون من أكواب تشبه ثمار جوز الهند.وكان بعضهم واقفون وبعظهم يفترشون الأرض. آخرين مضطجعون على جنوبهم فوق الأرضية القذرة.
وكانت الثرثرة شديدة إلا أنها توقفت بمجرد دخول لينياس وهيكروس.القى لينياس نظرات متفحصة ولم يرى شخصاً واحداً يرتدي ملابس لابأس بها. كانت ملابسهم كالسابقون مهترئة وممزقة وكأنهم خرجوا من عاصفة صنعت من سيوف. إلا أن لينياس وجد بعض الأشخاص ذو وجوه وأجسادهم سليمة تماماً.
ومع ذلك لم يعرف لينياس ماذا يقول في هذه الوضع وقد رفع يده ليوقف هيكروس من القيام بشيء أحمق إذ أدرك سبب الغضب الذي صبغ وجهه. ولكن لينياس لم يكن مهتماً بعروض الإحترام السخيفة.ولكن التحديق لن يقود أحد إلى شيء. وقبل أن يفتح فمه للحديث قال الفتى بصوته الصاخب :
-" هذا الرجل العجوز يرغب بلقائكم ! ".
وضع لينياس يده فوق رأس الفتى وقال بابتسامة :
-" شكراً أيها الفارس ". كشر الفتى عن أسنانه المحطمة بعدم الرضى وسار ليجلس على أحد المقاعد القريبة.
حينها ارتفعت فتاة تبدو في العشرين من عمرها. لم تكن الفتاة جميلة ولم تكن قبيحة. كانت متوسطة الجمال او ربما عادية. ترتدي عباءة سوداء مهترئة وتمسك عصاة خشبية كالصولجان، تعطي الإنطباع في أنها مستخدمة سحر. وكانت ذو شعر أسود طويل وعينان بلون شعرها، ولديها ثلاث قرون حمراء في جانب رأسها.
قالت بابتسامة حامضة على وجهها :
-" أيها الفتى أنت تفتقر إلى التهذيب. أيضاً كيف يمكن أن يكون هذا السيد عجوز؟ ". رمق الفتى الفتاة بعين باردة وقال :
-" بل أنتِ التي تفتقرين إلى التهذيب.. كيف يمكن أن تحدثي فارس بهذا الشكل؟! ".
غمغمت الفتاة :
-" فارس ؟".
أجاب الفتى :
-" نعم ، لقد أعطاني هذا الرجل لقب فارس ".
ابتسم الجميع من هذه الكلمات وحدقوا إلى الرجلين الذين كانوا يقفون أمام المدخل بحذر . وقالت الفتاة :
-" تفضلوا أيها السادة ". وأشارت إلى المقاعد. واستمرت تقول :
-" أما أنت ياسيدي فأنا آسفة ، ولكن ، لا أعتقد أن المقعد سيتحمل حجمك الكبير".
رفع هيكروس يده العضلية وقال :
-" لا تهتمي يافتاة فأنا سأقف".
قالت :
-" أه ، ياله من صوت جميل ". لم يقل هيكروس شيئاً ووقف بجانب لينياس الذي جلس على أحد المقاعد مصدراً بذلك صريراً شديداً وكأن المقعد يصرخ من شدة الألم.
جلست الفتاة مقابلة له وقالت :
-" أنا لم اراكم من قبل أيها السادة؟..لكن ، هلا أخبرتموني سبب هذه الزيارة السعيدة؟ ".
قال لينياس :
-" لقد أتيت إلى هنا مندو حوالي عشرة أيام فقط، لذلك أريد بعض الإجابات عن هذا المكان.. وطبعاً سأكافئك بما ترغبين".
-" ربما يجعلك فارسة او يعطيك صولجان؟ ". وقهقه الفتى بعد تلك الكلمات.
قالت :
-" إنه طفل ولا يعرف ما يقول.. سوف أجيب عما تريد فليس لدينا شيء نفعله على أي حال. إذن ماذا تريد؟ ".
-" لقد كنت جاداً بخصوص المكافئة ولم أكن أمزح ".
قالت :
-" لا شكراً لك.. إنها مجرد كلمات ننطق بها ولا تحتاج أن تكافئني على ذلك".
-"هل أنتِ المسئولة عن هذا المكان ؟".
قالت :
-" لا. إنه هذا أقصد هذا الرجل الذي يدعى ميليون". وأشارت إلى رجلاً عضلي الجسد، أشقر الشعر يحمل على ظهره سيف حديدي طويل. وكان يتكئ على الجدار ويحدق إليهم بحدة. وكانت تبرز أربعة قرون من جانب رأسه.
واستمرت الفتاة تقول بثقة :
-" ولكن ياسيد إذا كنت تفكر بمهاجمته فلا أنصحك بذلك.. بصراحة لا أريد أن يتشوه وجهك الجميل. ولكن، لا أعتقد أنك ستفعل اليس كذلك؟". لم يفهم لينياس سبب تلك الكلمات.
وفجأة..
فا.. فاهاهاهاها !!. انفجر هيكروس بالضحك حتى انقطعت أنفاسه.والتفت إلى لينياس بعينان دامعتان وقال :
-" الجهل حقاً نعمة، الجهل حقاً نعمة ! ". وانفجر يضحك من جديد.
قالت الفتاة منزعجة :
-" تلك هي كلماتي أيها العملاق ".
مسح هيكروس دموعه بكف يده وقال :
-" إنه لمن حسن حظك أني أنا موجود فلو كان أحد غيري يقف هنا لطار رأسك من مكانه في لحظة يافتاة ".
قال لينياس :
-" حسناً. دعونا من هذا الحديث، فقط الحمقى هم الذين ينزعجون من هذه الأشياء. ايضاً السيد ميليون يبدو قوياً، لذا دعنا من هذا السخافات ياهيكروس ".
انفجر هيكروس بالضحك مرة أخرى من تلك الكلمات.
قالت الفتاة :
-" إن صديقك هذا مزعج حقاً. إنه يفتقر إلى التهذيب ".
قال لينياس :
-" إن ضحكته مزعجة. ولكنه ، لا يفتقر إلى التهذيب يافتاة، بل أعتقد أنك أنتِ التي تفتقر إلى التهذيب " .
-" ماذا؟..ماذا تقول؟!".
قال لينياس ببرود :
-" هل أزعجتك هذه الكلمات، إذن لا ترميها على غيرك.. الثقة بالنفس جيدة، ولكن الغرور كارثة ..."
قالت :
-" يبدو أنك فهمت الموضوع بشكل آخر تماماً ياسيد. فأنا لم أقصد ما تقوله أبداً.. فأنا لم أكن مغرورة قط، كل ما هنالك أن هناك بعض الأشخاص يأتون إلى هنا ويتساءلون عن قائد هذا المكان وبعد ذلك يقوموم بمحاولة قتله. لذلك قلت لك لا تحاول فعل ذلك كي لا تصاب ". التفت لينياس إلى هيكروس :
-" هيكروس هلا تتوقف قليلاً عن الضحك.. أنت مزعج حقاً".وعاد يلتفت إلى الفتاة وقال :
-" ولكن لماذا يفعلون ذلك.. وهل هم من سكان هذه الأرض " .
قالت :
-" لا . إنهم يبدون كالبشر ولكن أشكالهم غريبة، وكأنهم يرتدون جلود البشر فوق أجسادهم".
نظر لينياس إلى الطاولة وقام يخدش سطحها بأظفار أصابعه مصدراً بذلك صوتاً مزعجاً وقال :
-" المتحولون ".
قالت :
-" المتحولون؟ هل هذا ما يطلق عليهم.. هل تعرفهم أيها السيد؟" .
-" نعم. المتحولون مخلوقات ترتدي جلود ضحاياهم. في الأصل هم مخلوقات شبحية تستخدم السحر. يتم استحضارها وخلقها عن طريق السحر الأسود او أستحظار الأرواح او بعض مستخدمين السحر الأقوياء. او الشياطين بشكل عام. وهي ترتدي جلود من قتلتهم لتحصل على قوة الضحية الجسدية.. إنها كائنات مزعجة".
قالت باهتمام :
-" ممم .. لهذا لا يبقى غير جلودهم عندما نقتلهم . إذن أنت لست واحد منهم أيها السيد ؟".
قال لينياس وهو ينظر إلى الأشخاص حوله :
-" لهذا تمسكون أسلحتكم وتنظرون إلي هكذا .. كنت أعتقد أنكم تفعلون هذا لشيء آخر. وابتسم وهو يقول :
-" لكن يافتاة.. هل يبدو وجهي مشوهاً إلى هذه الدرجة ؟".
قالت بوجه خجل :
-" لا. المعذرة.. فأنت رجلاً وسيماً جداً . فلم أرى رجل بمثل وسامتك سوى السيد سيريوس، ولكن الحذر واجب ياسيد".
-" سيريوس من قلعة بنتوس؟ ".
قالت وقد بدأت تشعر بعدم الارتياح :
-" إنه هو. هل رأيته من قبل ياسيد؟..أو ربما تعرفه؟".
-" ما رأيك فيه؟". كان لينياس يريد معرفة الانطباع الذي تركه سيريوس عليها فقد كان ذلك مهماً من منظور الشعب وكيف يرون حكامهم. ولكن الفتاة أجابت بشكل مختلف عما يريد.
إذن لن تجيب عن سؤالي أيها الماكر. فكرت الفتاة بهذا الكلمات وقالت:
-" أنا لم أشاهده سوى مرتين فقط، وقد كانت مصادفة. أيضاً.. لا أستطيع أن أتحدث عنه. ولكن رأيي كفتاة استطيع قوله لك".
-" أكون شاكراً لكِ إن فعلتي".
قالت :
-" لا . لا تحتاج لشكري لهذا.. إنه مجرد رأي فتاة حمقاء .. همممم. بصراحة كان فاتن. جميلاً. يسير بهدوء بجسده الرشيق وكأنه يفكر بالعديد من الأشياء. يعطي الانطباع أنه رقيق المشاعر كالأمراء في القصص الجميلة. ولكن ما إن تلتقي عيناه بعيناك حتى تبداء بالارتعاد والارتعاش دون سبب. وكأن جسدك يصرخ لكي تهرب. إنه تناقض غريب حقاً ".
لم يكن حديثها مفيداً للينياس بشيء لذلك قال :
-" أنتِ من عرق رونيا؟ . أغلب سكان هذه المكان مثلك".
قالت :
-" هذا صحيح". وداعبت قرونها واستمرت تقول :
-" نحن لدينا قرون تبرز من جانبي رؤوسنا. او ربما هي سبب بؤسنا في هذه الحالة. كما ترى نحن النساء نمتلك قرون في الجانب الأيمن والرجال في الجانب الأيسر.
وكلما ازداد نمو الشخص نما لديه قرن جديد، إلى أن يكتمل نموه ويصبح لديه أربعة قرون".
نظر لينياس إلى الفتى وقد كان لديه قرن واحد في جانب رأسه وقال:
-" ولكن ماذا عن القرون التي تبرز من خلف الرأس.. إنهم من نفس العرق مثلكم اليس كذلك ؟".
قالت :
-" هذا صحيح. فبعضهم يولد ولديه قرن يبرز من خلف رأسه. ولكن ، هذا نادراً جداً. ولسبباً ما يموتون خلال عام من ولادتهم ".
-" ولكني رأيت شخاصاً بالغاً لديه قرنان خلف رأسه؟".
قالت وقد أشرق وجهها سعادة وتوردت وجنتيها :
-" هذا أشد ندرة، بل لم أسمع ولم أرى في حياتي كلها عن هذا إلا هنا، لابد أنك تعني السيدة إنتوس. أه . يالك من محظوظ ياسيد.. فأنا أرغب برؤيتها مرة أخرى. أه . يالجمالها. حقاً... لقد وقعت بحبها ".
جمد لينياس في مكانه من الكلمة الأخيرة حتى هيكروس كان يبدو مضطرباً .
قالت :
-" همم. لما تنظرون لي هكذا ؟" . وللحظة إحمر وجهها وقالت مضطربة:
-" لا لالالا !. ليس هذا ماعنيته. لقد فهمتم بشكل خاطئ . أنا أقصد أني أحببت شخصيتها وجمالها . وليس كحب امرأة لرجل.. أنتم الرجال مضحكون إذ تفهمون أشياء غريبة".
-" ربما خرفان مريضة". تفرست الفتاة لينياس بشكل مضحك وتمتمت تقول:
-" خرفان؟.. مريضة؟.. ماذا تعني؟".
أخذ لينياس يحك جبينه وقد شعر بالحرج من كلماته لهذا قام بالإجابة عن كلماتها السابقة:
-" إنتوس. هذا صحيح إنها جميلة".
نهضت الفتاة وخبطت يديها على الطاولة وقد احنقها كلماته :
-" إنها جميلة ..إنها جميلة. هكذا فقط؟ يبدو أنك لاتستطيع الرؤية جيداً أيها السيد. ذلك الجمال سيسبب الجنون لكل من يراه. بل سيجعلهم يفقدون عقولهم وسيدفعون حياتهم لرؤية ذلك الشعر الحريري الطويل كالليل، وتلك العينان البنفسجيتان ، وذلك الوجه الأبيض كالحليب، وتلك الشفتان البنفسجيتان كزهرتان ! . وذلك الفستان اوه !. لقد أحببت ذلك الفستان الأسود ! ".
-" حسناً . إنها جميلة أنا لا أنكر ذلك هلا قمتي بالجلوس". شعرت الفتاة بخجل من تصرفها هكذا وهدوء الرجل أمامها . وقامت بالسعال وجلست مرة أخرى.
هل إنتوس مثل نجمتها المفضلة؟ مسكينة هذه الفتاة فكيف إذا علمت أن إنتوس مصابة بالجنون. بتأكيد ستتحطم صورتها. او ربما لا، فهي أيضاً تبدوا مجنونة، ربما هي عدوى بمجرد النظر او ربما كل النساء مجنونات. بالتفكير في الأمر فأنا لم اقابل امرأة طبيعية أبداً .
حتى في ذلك العالم كن ينظرن لي وكأني جيفة.. إذن كلهن مجانين. لهذا لم يستطع أحد في أن يجيب عن السؤال. ماذا تريد النساء؟
بتأكيد لن يعرف أحد، حتى هن لا يعرفن مايردن.. فهل يعرف المجنون مايريد؟... مم. هل اكتشفت أحد اسرار الحياة.. لا. لابد أنها عدوى البرفسور..
-" هل هناك شيء ما ؟. قالت بخجل .
-" لا. ليس هناك شيء " . وأشار إلى هيكروس وقال :
-" هل تعرفيه ؟".
قالت :
-" لا لم أراه قبل الآن ".
-" لا ، أنا لا أقصد هذا ...أعني أنكِ قلتِ إنه عملاق " .
أجابت الفتاة بابتسامه مشرقة :
-" أه ، بالطبع أعلم عن عرقة بعض الأمور . فالعمالقة لديهم أحجام لا تصدق . لكن ، العمالقة الذين ينحدرون من الدماء القديمة يكونون صغار الحجم مثل هذا السيد".
اتسعت عيني لينياس في دهشة . وقال وهو ينظر إلى هيكروس :
-" أنا لم أكن أعلم عن ذلك شيئاً.. هل كنت تعلم؟ ".
اجاب هيكروس :
-" لا . وهذا لا يهمني في شيء على كل حال ".
قال لينياس محدثاً الفتاة بأعجاب :
-"يبدوا أنك تعرفين الكثير عن هذا الأمور " .
-" قليلاً فقط . ليس الكثير . ولكن ، لدي سؤال يرن في رأسي الآن فهل تسمح أيها السيد ؟".
-" أكيد ، تفضلي بالسؤال ".
قالت :
-" في البداية كنت أعتقد أن هذا نوع من الأوهام التي سمعت عنها، ولكن الآن.. لا أعتقد في أن أحد يمكن أن يأتي إلى هنا سوى السيد إنجوس والسيدة سيلين. ولكن أنتم من القلعة السحرية، قلعة بنتوس؟".
شعر لينياس في أنه وقع بفخ إذ اعتقد أن الجميع يستعد لرميه بالأحذية والأحجار والخضار المتعفن وربما تبصق الفتاة في وجهه من إجابته. ومع ذلك أجاب بوجه هادئ:
-" هذا صحيح نحن منها ". وتوترت الفتاة وكل من في المكان إذ كانوا ينصتون لحديثهم مندو البداية.
قالت وقد شعرت أنها تختنق :
-" إذن من تكون ياسيدي". شعر لينياس بالضيق من تغير اسلوب كلماتها. فقد كانت تدعوه ياسيد والآن ياسيدي وقد كانت الكلمة التي يكرهها.
تنهد لينياس وقال :
-" لا تقلقي من شيء. فأنا لست شخصاً ذا أهمية أكثر من هيكروس هذا". وأشار إليه بأصبعه.
قالت :
-" لا ، لا أعتقد ذلك.. لذا.. أرجوك أن تخبرني عم تكون ياسيدي؟.. أقصد ياسادتي ".
حدق لينياس إلى عين الفتاة مباشرة وأخذ ينقر على الطاولة بأصبعه. تك. تك. تك.
-" أنا لا أعرف سبب تغير مجرى الحديث واهتمامك القلق بهذا الشيء. ولكن.إذا قلت لكِ أني أنا حاكم تلك القلعة.. فما قولك ؟".
ابتسمت الفتاة بمرارة وقالت :
-" لن أصدق ذلك أبداً.. المعذرة فما تقوله سخيف". ترجع لينياس إلى خلف في دهشة حتى هيكروس حدق إليها بعينين متسعتين.
قال لينياس:
-" سخيف؟.. لماذا؟.. أنا حقاً لا أفهم؟".
أخذت الفتاة نفساً عميقاً إذ كانت تعتقد أنه يتم امتحانها :
-" لأن السيد الكبير لا يمكن أن يأتي بنفسه إلى هنا.. هكذا هم الملوك العظماء. ايضاً أنا أعرف أنه ليس موجوداً في القلعة.. فهو في رحلة للبحث عن السحر القديم. أنا آسفة.. فلا يمكن أن يكون شخص مثلك. إنه شخصاً عظيماً جداً ".
كان هيكروس يبتسم وكان لينياس يرمش بعينيه دون توقف وكأن عقله قد تجمد.
-" ما بك ياسيدي؟ هل أخطأت في شيء ما ؟". قالت بقلق.
حينها أطلق لينياس زفيراً قوياً وقد بدأ يشعر بصداع وقال :
-" نعم أخطأتِ. فلا تعظمي شخصاً أياً كان، ولا تجعلي أحداً أكبر من الآخر. وانظري لكل شخص نظرة واحدة دون تمييز ، طبعاً مع أحترام كل شخص وإلا أصبحنا حيوانات. ايضاً من قال لكِ هذا الكلام ، وكيف عرفتي كلمة السيد الكبير " .
شحبت الفتاة وكل الأشخاص حولها من تلك الكلمات، فلا يمكن أن ينطق بها أحد من القلعة او يقلل من شأن حاكمهم بنفسه. فكروا جميعاً بذلك ونهضوا جميعاً عن مقاعدهم . ورمقوا لينياس بنظرات غاضبة حانقة.
وقال ميليون وهو يمسك مقبض سيفه :
-" من تكون؟ فلا أعتقد أنك من القلعة. فلا يمكن أن يتفوه أحد بذلك عن سيده.. لذا.. أنت جاسوس، متسلل ، تحاول جمع المعلومات عن أرضنا. بل أخذت بك الجرئة في أن تقلل من قيمة حاكمنا الذي أنعم علينا بالحرية في هذه الأرض". قفزت الفتاة من مقعدها بسرعة لا تصدق ووقفت بين المجموعة ولكن بالنسبة إلى لينياس كانت الفتاة بطيئة كالحلزون.
-" حقاً.. الصدق لم يعد له أهمية في اي مكان. ايضاً.. أنا لم أنعم عليكم بشيء.. فأنتم تعيشون على أرضها كما أنا أعيش فيها الآن. ولم تكن لي على كل حال. لذا..ضعوا ذلك في أذهانكم ".
-" ماهذه القذارة ؟!". انطلقت صرخة متقززة قادمة من المدخل وتبعها ضجيج شديد.واستمر الصوت يقول :
-" ماهذا القرف؟..يع يع ! . حذائي.. أوف ! ".
التفت الجميع إلى ذلك الصوت لتظهر من البوابة امرأة جميلة بشكل يذهل الحواس، كانت جميلة بشكل لا يصدق . كانت إنتوس تقف أمام المدخل وتحدق حولها بضجر وبمجرد أن وجدت سيدها أضاء وجهها بالبهجة وارتسمت ابتسامة مشرقة في وجهها.
وتقدمت إلى سيدها.
القى الجميع إليها نظرات كلها احترام وامتنان، لكن إنتوس لم تهتم بهم أو حتى نظرت إليهم وسارت بخطوات هادئة جميلة حتى وقفت بجانب لينياس. ارتعدت الفتاة فلم تراها بهذا القرب أبداً.
وفكرت في أنها أصبحت أجمل عدة مرات مندو آخر مرة رأتها. يالها من جميلة. يالها من رائحة حلوة. ولكن ، ماذا تفعل هنا؟ لم تكن هي فقط من تفكر بهذا . بل كل الحاضرين. بل حتى الفتى نفسه فكر بهذا وهو يعتقد أنها ملاك نزل من السماء.
وكانت الفتاة على وشك إخبارها عما يحدث. ولكن إنتوس وكأنها عرفت أفكارهم وأجابت بأفعالها إذ ركعت أمام لينياس. وقالت بصوت حلو كله سعادة :
-" سيدي أرغب بالحديث معك " .
وقبل أن يجيب لينياس سقط الصولجان الخشبي من الفتاة ليلتفت الثلاثة إليها. كانت الفتاة شاحبة شحوباً شديداً كالجثة وبعينين ممتلئتان بالرعب والخوف قالت:
-" سيدي؟.. سيدي؟.. ماذا يعني هذا؟.. هل أنت؟.. سيد السيدة إنتوس؟ ... إذن أنت؟.. تكون؟ " .
-" إنه الإمبراطور العظيم المبجل لينياس بنتوس!. حاكم قلعة بنتوس". القت إنتوس تلك الكلمات وهي تنظر إليها وكأنها تنظر إلى دودة مقززة.
-" حاكم قلعة بنتوس السحرية؟!".
أجاب لينياس بقلق من منظر الفتاة :
-" نعم أنا هو.. الم أخبرك بذلك؟". وتملك الفتاة الجنون إذ قفزت فوق الطاولة ولم تحتمل الطاولة وزن الفتاة فتحطمت، وسقطت الفتاة فوق حطام الطاولة أمام لينياس وأخذت ترتعد وقالت :
-" سيد.. سيد لينياس. لا !. ياصاحب الجلالة المبجل !. أرجو أن تغفر لعبدتك المخلصة وقاحتها التي لا تصدق !! ".
كان لينياس مندهش من تلك القفزة العجيبة ولم يفهم سبب هذا الفعل إذ لم تقم الفتاة بشيء خاطئ يبرر هذا الجنون. والتفت إلى هيكروس الذي كان صامتاً وكأن هذا المشهد كان شيئاً طبيعياً. وقبل أن يقول لينياس شيئاً.
تساقط الجميع على ركبهم وأخذوا يحدقون للأرض بخوف.عد ذلك الفتى الذي كان يقف مرتعداً. كان وجه الفتى مشوهاً ولا يمكن رؤية تعابير وجهه. لكن، كمية الخوف التي نقشت بعينيه جعلت لينياس يتمنى في أنه لم يقابل الطفل.
-" حسناً. أرجوا أن تنهضوا جميعاً وتعودوا لما كنتم تفعلوه ".
نهض الجميع ليقفوا في أماكنهم بصمت.
عدا الفتاة أمامه والتي كانت تزداد شحوباً وأخذت الدموع تتساقط من عينيها. وضربتها العديد من الأفكار. هل سيقتلها او يعذبها حتى تفقد عقلها. فقد كان هذا هو الشيء الطبيعي إذ يقوم الأسياد بمعاقبة اتباعهم وعبيدهم كما يرغبون حتى المواطنين أنفسهم لم يكونوا استثناء من القسوة التي يفعلها حكامهم لنزوة او غضب. فكيف بشخص كان وقحاً مع ملك هذه الأرض الذي سمح لها أن تعيش فيها بحرية . هل سيرميها خارج هذه الأرض. او ربما سيرمي الجميع خارج هذه الارض بسبب وقاحتها، إذا فعل ذلك سيتم قتلهم او عودتهم للعبودية الجهنمية. بالإضافة إلى ذلك كانت قد سمعت العديد من الأشياء المرعبة والمخيفة التي لا يصدقها عقل عن حاكم القلعة. تلك الأفكار جعلت ليليا ترتعد دون توقف.
ولكن ، لم يحب لينياس هذه الأشياء ولم يستمتع برؤيتها قط.
لذلك قال :
-" هلا عدتي تجلسين في مكانك يافتاة؟ ".
-" كيف.. كيف يمكن أن أجلس بنفس المستوى الذي أنت فيه !. إنه المكان المناسب لشخص مثلي يقف أمام شخص مثلك ! ". عندها تقدم ميليون وركع بجانب ليليا وقال :
-" ياسيدي . اللوم يقع على عاتقي. فإذا كنت ترغب بإنزال حكمك عليها فأرجو أن تنزله علي أنا في مكانها "..
-" لماذا أفعل ذلك؟ ". قال لينياس ذلك وهو لا يفهم عن ماذا يتحدثون. ولكن ، ميليون فهم كلمات لينياس بشكل خاطئ وقال :
-" من واجب القائد أن يتحمل اخطاء رفاقه " .
تلك الكلمات جعلت لينياس يشعر بالدفئ في قلبه وقال وهو يبتسم :
-" ومن قال أني سأفعل شيئاً لها او لك او لأي أحد آخر . كل ما أريده هو أن تعود لنستمر بالحديث فقط ، هذا كل شيء . ايضاً هي لم تخطئ بأي شيء. حسناً .هذا لا يهم على كل حال". وأنزل عينيه إلى الفتاة واستمر يقول:
-" أنا لم أعرف أسمك؟".
قالت :
-" أنا عبدتك ليليا نائبة القائد والشرف كله لي".
-" قائد هذا المكان ، تقصدين السيد ميليون ؟".
قالت : " نعم ".
عندها قال لينياس بحزم :
-" إنتوس إنهضي أنتِ أيضاً و اجعليها تنهض ".
ارتفعت إنتوس على قدميها ورفعت ليليا من عنقها وكأنها تحمل دمية قذرة مهترئة ورمتها فوق أحد المقاعد. أراد لينياس أن يوبخ إنتوس من هذه القسوة إلا أنه لم يقل شيئاً عن ذلك.
-" أنت أيضاً ياسيد ميليون ، يرجى النهوض ".
-" شكراً ياصاحب الجلالة ". ووقف مليون على قدميه ومع ذلك كان يبدو شاحباً بشكل غريب قال لينياس :
-" صاحب الجلالة يبدوا اسماً مضحكاً.. لذلك تستطيع دعوتي لينياس إذا أردت ".
–" أسمح لي أن أرفض ذلك ياصاحب الجلالة " .
-"حسنا، كما تريد.. لماذا لا تجلس؟".
-" أنا مرتاح هكذا ياصاحب الجلالة ".
-" طيب. طيب افعل ما تحب ..". قال لينياس وهو يبدو منزعجاً واستمر يقول :
-"إذاً أنت محارب ياسيد ميليون ".
-" أنا فارس ياصاحب الجلالة ".
-" اوه! ". طلق لينياس صرخة أعجاب واستمر يقول :
-" إذن أنت مثل سلفر ياسيد ميليون". كان السحر ينقسم إلى فئتين أساسيتين وهما الساحر والمعالج أو كما يطلق عليه البعض اسم الساحر المقدس. وينقسم منهما العديد من الفئات مثل السحر الأسود واستحظار الأرواح والشعوذة وسحر التحكم بالطبيعة وغيرها.وإذا كان المحارب يستطيع استخدام السحر المقدس فيطلق عليه لقب الفارس بمعنى أنها فئتين في شخص واحد فإذا كان الفارس يستطيع دمج السحر مع فنون المحارب سيصبح لا يقهر. وبما أنها تتفرع من فئة المعالج أو الساحر المقدس فهي متخصصة باستخدام سحر النور الذي هو نقطة ضعف الشياطين والكائنات الميتة مثل جلود المساء وأبناء القبور والهياكل العظمية وغيرها.
قال ميليون :
-" لا . أنا لست جيداً لهذه الدرجة، ايضاً لست قوياً في استخدام السحر المقدس ".
-" ولكنك تستطيع استخدام سحر الشفاء اليس كذلك " .
-" نعم ياصاحب الجلالة ولكنه سحر من المستوى الأول ".
-" همم. إذن لماذا لا تستخدمه لشفاء الأشخاص حولك؟.. لا تستطيع؟"
اتسعت عيني ميليون في دهشة وقال بصوت مرتجف :
-" أتجرأ أن أقول ياصاحب الجلالة في أنك مستخدم سحر عالي المستوى، لهذا لا تعلم هذه الأمور السفلية ". لم يفهم لينياس شيئاً من هذا الحديث لهذا طلب منه توضيح مايقصده. واستمر ميليون يقول بقلق:
-" عندما يجرح أو يصاب شخصاً ما فيمكن شفائه بسحر المستوى الأدنى. ولكن بمجرد أن يلتئم الجرح او يمر شهراً على الإصابة دون علاجها فيكون شفائها مستحيل. فحين نطلق سحر الشفاء على الإصابة القديمة فلا يمكن شفائها إذ يعتقد السحر في أن الإصابه هي جزء طبيعي من الجسد ولا يتم شفائها.. مثل حال الأشخاص هنا. ولكن، قد سمعت في أن السحر عالي المستوى يمكن شفاء هذه الحالات". وصمت.
لماذا ينظر لي هكذا .. هل هو خائف.. ممم. ولكن هذا غريب فلم يكن الحال هكذا من قبل.. هناك أشياء بدأت تصبح غريبة. وأخذ يحدق إلى يديه فوق الطاولة واستمر في التفكير.
أحتاج إلى التأكد من أشياء كثيرة.. ولكن لماذا لا أقوم بتجربتها فأنا أحتاج لمعرفة ما سيحدث. وحدق إلى ميليون وقال :
-" ماهو المستوى العالي الذي تتحدث عنه بالضبط ؟".
اجاب ميليون :
-" إنه أعلى مستويات السحر. المستوى الرابع أو ربما الخامس ياصاحب الجلالة".
بدا لينياس متوترا من هذه الإجابة إذ كان يستطيع استخدام سحر المستوى الثالث. ولكن ، قبل ذلك بكثير كان لا يستطيع سوى استخدام سحر المستوى الأول.
كان ذلك لنفس الأسباب التي عاناها العديد من الأشخاص وهو أنه ليس لديه من يعلمه السحر. وبما أن لينياس عاش في الغابة وحيداً مندو طفولته، وطبعاً حياته كسالم لم تكن تعرف السحر إلا في الروايات والأفلام.
لذلك كان عليه أن يعلم نفسه بنفسه. ولكن. كان ذلك صعباً جداً إذ بدا وكأنه يتخبط في الظلام. وحتى مع ذلك استطاع أن يتقن سحر المستوى الأول بعد عشرات السنين.
حينها التقى بريفيريا. ولم تكن ريفيريا امرأة عادية إذ عاشت آلاف السنين، وكانت تستطيع استخدام سحر المستوى السادس والذي كان اسطورياً حتى الآن.
وكانت هي المعلمة التي أخبرت لينياس عن العالم القديم وعن الأساطير القديمة حيث كانت الحيوانات والأشجار تستطيع الحديث في ذلك الزمان. وعن الطبقات العشر من السحر والتي تلاشت من التاريخ ولم يعد أحد يتذكرها او يستطيع الوصول إليها.
وبما أن ريفيريا كانت من فئة المعالج او الساحر المقدس مثل لينياس فقد قامت بتعليمه إلى أن وصل سريعاً إلى المستوى الثالث. ولكن..لينياس لم يستطع الوصول إلى مستويات أعلى لفتقاره لقوة سحرية أكبر إذ كانت التعاويذ السحرية تتطلب قوة سحرية أكبر كلما صعد في المستوى.
على سبيل المثال إذا كان سحر المستوى الأول كصخرة كبيرة فإن سحر المستوى الثاني يكون كالجبل من ناحية قوتها الهجومية والقوة السحرية المطلوبة لتحقيقها.
وفي مقابل ذلك يكون سحر المستوى الثاني ضعيفاً كصخرة صغيرة أمام سحر المستوى الثالث الذي يكون كالجبل مقارنة بها.
وهكذا في كل المستويات. وبما أن ريفيريا لم تعد تتذكر الطقوس القديمة لرفع القوة السحرية فقد جعلت لينياس يستخدم التمارين العادية والمألوفة لذلك.
ولكن، لم يكن هناك اي فائدة تذكر. وقد أدرك لينياس في أنه بلغ حده الأقصى في السحر.
لهذا قام بالعودة إلى الشيء الذي كان بارعاً فيه وهو قوته الجسدية المتميزة. لهذا كان متوتر حينما أخبره ميليون أنه يحتاج لسحر عالي المستوى.
فقد كان لينياس يعلم الآن أنه يستطيع استخدام الطبقات العشر من السحر بفضل القوة الجديدة التي أكتسبها. ولكن كانت فقط في عقله او من الناحية النظرية فقط ولم يقم بتجربتها قط. فهل يستطيع او هل هي مجرد أشياء وهمية في رأسه. لذلك قرر الآن في أن يقوم بتجربتها ويرى ما سوف يحدث.
أشار لينياس إلى الفتى أن يقترب إليه. وقف الفتى أمامه بخلاف السابق فقد كان ينظر إلى أسفل بخوف وكأنه كان سيتعرض إلى التعذيب من ما كان يفعله سابقاً.
وضع لينياس يده فوق رأس الفتى الذي أرتعد في تلك اللحظة.
-" لا داعي للقلق أيها الفتى .. ولكن ، أنا آسف لأنك ستكون عينة تجارب". وفي تلك اللحظة أطلق لينياس أعلى مستويات السحر وأعلى مستويات سحر الشفاء [الشفاء العظيم ].
ظهرت دائرة بيضاء مشرقة فوق رأس الفتى وكان في داخلها العديد من الشعارات والأحرف التي تدور حول نفسها.
حدق الجميع إلى تلك الدائرة بعيون متلألئة إذ كانت تضيء وتبعث الارتياح إلى النفوس. حينها بداء الفتى بالتوهج بكل الألوان وبداء جسده يستعيد طبيعته وكأن الزمن يعود بشكل عكسي إلى الوراء.
عادت بشرته السمراء لتغلف وجهه الملائكي ونمت شفتيه وأسنانه، ونمت أذنيه كنبتة تنبث من الأرض.
واختف الحروق بيديه ونمت أصابع السبابة والإبهام من يده اليمنى. والتمعت عينيه الإرجوانيتين بالحياة واختفت التعويذة بعد ثلاث ثوان معلنة نهاية عملها.
ليقف الفتى بينهم وقد أصبح سليم الجسد. وحبس الجميع أنفاسهم إذ كانوا يحدقون إلى الفتى بعينين متسعتين وكأنها ستسقط من محجرها، فلم يشاهدوا من قبل هذا السحر الذي يستطيع شفاء هذه الجروح.
رفع الفتى ذراعيه أمام وجهه وقام بتقليبها متفحصاً وللحظة هرول إلى زاوية الغرفة ليقف أمام مرآة صغيرة وقام يتفحص وجهه.
ثم نظر إلى جانبيه وخلفه ليتأكد من أنه لا يوجد أحد بالقرب منه وحينما تأكد من ذلك قام يختلس النظر داخل سرواله بين ساقيه وأجهش في البكاء.
وبدأ لينياس يتعرق من الرعب إذ كان يعتقد أن التعويذة السحرية قامت بشفاء الفتى ولكن بمقابل ذلك أخذت رجولته. كل شيء ممكن في السحر، ولكن كان هذا كارثياً فقد كان يرغب في استخدامها على الجميع، فكيف إذا أصبح جميع الرجال مثل الفتى.بتأكيد سأكون عدواً لكل رجل في هذا المكان. لا . حتى النساء لن ترحمني. وبذل جهده ليتحدث بثقة:
-" اه. هذا جيد.. وبما أنها تعمل سوف ألقيها على الجميع، لذلك ، أرجوا أن تقوموا بتجميع الأشخاص خارجاً.. هل تستطيع ذلك؟".
قال ميليون متحمساً :
-" أتركها علي ياصاحب الجلالة ولكن هل احضر شخصين في كل مرة؟.. أعتقد أن هذا أفضل أو ربما شخصين في اليوم سيكون جيداً جداً، وبما أن سحر من هذ المستوى سيتطلب قوة سحرية هائلة.. لذلك أعتقد أن ذلك سيكون مناسباً جداً ".
وبوجه يشع اشمئزاز شنيع قالت إنتوس:
-" كيف تجرؤ.. كيف يتجرئ شخصاً مثلك في أن يُقدِم على إهانة قوة صاحب الجلالة. يجب أن تموت أيها البائس ! ". وتقدمت خطوة واحدة لتسحق الرجل الذي تجرئ أن يقلل من شئن حبيبها وسيدها تحت قدميها.
شحب وجه ميليون من ذلك، فقد كان يتحدث بكل تهذيب يستطيع حشده. ومع ذلك كانت الحقيقة فلا يمكن شفاء كل الحاضرين. كان ذلك جنون مطلقاً . وحدق إلى المرأة التي كانت تتقدم نحوه بهدوء وكأنها ستقدم على قتله وكأنه حشرة لا يتطلب أي أهتمام.
وبكلمات باردة :
-" إنتوس أوقفي هذا العبث. فلم يقم السيد ميليون بشيء تجاهي!".استدارت إنتوس سريعاً إلى سيدها وقالت:
-" ولكنه تجرئ – ".
رفع لينياس يده مقاطعاً حديثها وقال :
-" هذا يكفي ". لم تستطع إنتوس أن تقوم بفعل أو قول شيء بعد هذا الكلمات سوى أن تخفض رأسها بكل إجلال وحب. وقالت وقد تلاشى استيائها وحل محله ابتسامة جميلة :
-" مفهوم ".
عاد لينياس يلتفت إلى ميليون وقال :
-" أرجو المعذرة على ذلك. فأتباعي يحترموني زيادة على الازم " .
ميليون لم يقل شيئاً هذه المرة وظل يحدق بصمت إلى لينياس بوجه بدا كقطعة من الجليد. استمر لينياس يقول :
-" ربما فهمت كلماتي بشكل مختلف ولكن ما أقصده هو أن تجمع كل شخص في هذه المستوطنة. وسوف أقوم بشفائهم جميعاً دفعة واحدة".
حدق الجميع إليه في دهشة حتى ليليا التي كانت ترتجف فوق المقعد لم تكن استثناء. كان هذا سخيفاً تماماً فقد كانوا يستخدمون السحر، لذلك كانوا يعلمون مقدار الجنون في هذه الكلمات. ولكن ، كان عليهم أن يلبوا رغبات صاحب الأرض الذي هم فيها.
لذلك قال ميليون وقد اعترته رجفة :
-" مفهوم ". وخرج من المبنى تتبعه ليليا مهرولة وكأنها تفر هاربة، وتبعها الجميع وأصبحت القاعة الواسعة فارغة تماماً عدا الفتى ولينياس وهيكرو وإنتوس. وتنهد لينياس بالإرتياح من خلو المكان وحدق إلى الفتى الذي مايزال يبكي.
يجب علي إعادته إلى سابق عهده. وعلى هذا الخاطر
ارتفع لينياس وأخذ الفتى جانباً بعيداً عن رفاقه ليتحقق من الفتى. وقد فهم هيكروس وإنتوس المعنى من ذلك ووقفوا بعيداً.
تحرك فم لينياس بهمسات غير مسموعة واجاب الفتى بنفس الهمسات.
وحينها شعر لينياس براحة إذ اتضح أن رجولة الفتى لم تختفي بل عادت إلى سابق عهدها.
حينها طلب من الفتى أن يخبره حكايتة وظلوا يتحدثون طويلاً حتى بدا الفتى حزيناً بشكل لا يصدق وفجأة أنفجر الفتى في البكاء. طوقه لينياس بذراعيه وأخذ يُملّس على شعر الفتى الأحمر ورفع لينياس عينيه إلى السقف ثم قال بصوت متألم :
-" لا تخشى شيئاً بعد الآن، ما دمت أنا على قيد الحياة". ثم ابتسم وقال:
-" هل يبكي الفارس هكذا ؟". جُمد الفتى في مكانه وحبس أنفاسه.
-" نعم هكذا.. لا تبكي. كن قوياً. لا تظهر ضعفك لأحد. أنت الآن فارس".
وشاهدت إنتوس أطراف عيني سيدها تلتمعان وفي تلك اللحظة كرهت إنتوس الفتى. لأنه جعل سيدها يبدو حزين. والسبب الآخر هو الغيرة التي احترقت في صدرها من أن سيدها يحتضن هذا الفتى بحنان. لكم تمنت أن تكون في مكان الفتى الآن.
وفكرت في أن تقوم بسحقه تحت قدميها لكي تطفئ النيران التي تشتعل في قلبها. ولكن إن فعلت فقد حفرت قبرها بيديها. لهذا ظلت ترمق الفتى باشمئزاز.
تنهد هيكروس مما جعل إنتوس تنظر إليه وقال :
-" كيف يمكن أن تدَّعي أنك تحبين القائد هذا الحب وأنتِ تنظرين للفتى بهذه النظرات؟ " .
قالت بغضب :
-" أنا لا أدعي ذلك أبداً. إنها الحقيقة !. ايضاً.. ما دخل هذا بذاك؟! ".
تنهد هيكروس مرة أخرى وقال بتعب :
-" كنت أعتقد أن قلوب المحبين عاطفية ، حنونة وليست بهذه القسوة".
قالت :
-" ماذا يعني هذا؟.. هل تطلب مني أن ابتسم وشخصاً غيري بأحضانه؟.. أنت لا تفهم قلوب النساء !".
قال هيكروس :
-" تقصدين جنون النساء ".
قالت :
-" نعم. نعم. أنا مجنونة.. دعني وشأني فيما أنا فيه ". وعادت تنظر إلى الفتى بكراهية وهي تطحن أسنانها بغيظ.
-" ألا يذكرك هذا المشهد بنفسك مندو زمن طويل. فقد كنتي تفعلين مثل الفتى في كل مرة يغيب عنك القائد. إنه طفل ".
رمقت إنتوس هيكروس بنظرة مهلكة وقالت :
-" لا تقم بمقارنتي بهذا الفتى الكريه. فحضن سيدي ينتمي لي وحدي، هل تفهم. وأي شخص يجرؤ أن يرمي نفسه بأحضان سيدي حتى لو كان طفلاً او رضيعاً او حتى مُعاقاً. سأسحقه تحت الأقدام .هكذا ! .هكذا ! . هكذا ! ". وأخذت تسحق الأرض الخشبية بقدمها بكراهية حتى حطمتها.
حقاً.. إنها مجنونة. لا. لقد ازداد جنونها بمراحل. فكر هيكروس بهذه الكلمات وعاد ينظر إلى لينياس الذي كان يتقدم نحوهم.
-" ماذا هناك ؟". قال لينياس وهو يحدق للأرض المحطمة.
انفجر هيكروس ضاحكاً من تغير مظهر إنتوس في لحظة خاطفة إذ كانت تنظر للينياس بهدوء وابتسامة جميلة تزين وجهها كزهرة مزهرة.
وقال :
-" لا شيء جنون النساء فقط ! ". لم تهتم إنتوس بما قاله هيكروس وهو يضحك. بل يبدو أنها لم تسمعه إلا أن لينياس فهم تماماً ما كان يعنيه هيكروس.
مسح الفتى دموعه بذراعه بخشونه وقال :
-" ماذا افعل الآن؟ ".
وضع لينياس يده على كتف الفتى وقال :
-" أنت في حمايتي.. لاتقلق. ولكن لا استطيع إعادتك إلى موطنك في الوقت الحالي.. أنا بحاجة إلى معلومات كثيرة قبل ذلك. لهذا ستعيش في هذه الأرض إلى أن يحين الوقت".
أجاب الفتى والدموع تتساقط من عينيه:
-" سأفعل.. سأفعل ذلك بتأكيد".
-" لا تقلق أيها الفتى فأنا لا أخلف وعداً. لنخرج من هنا".
وتبعه الجميع بصمت. كان الفتى يسير خلف لينياس وهو يمسح دموع الفرح وفي لحظة ارتعد وارتجف من البرد وقام يحتضن نفسه إذ أعتقد أن شيئاً ما أصابه، ولكن لو قام الفتى بتحريك عينيه إلى المرأة بجانبه لوجد أنها كانت ترمقه بعينان تتطاير منهما الشرر كشيطان.