وقف لينياس ومجموعته أمام سواد عظيم من الناس. وكان في المقدمة ميليون وليليا الذين ركعوا وتبعتهم تلك الحشود في الركوع مثلهم. حتى الفتى الذي كان بجانبه فعل مثلهم.
شعر لينياس بمزيج من الدهشة والعجب من عددهم الهائل إذ كانت يعتقد أن عددهم ليس بهذه الكثرة. وأخذ يفكر هل أخبرهم ميليون أن ينحنوا أو ربما فعلوه خوفاً مثل تلك الفتاة . أياً كان فقد كان منظراً مزعجاً، فلم يكن يحب هذا المشهد، ولكنه يدرك تماماً في أن هذا العالم يفعل ذلك احتراماً لقادتهم.
ألا يكفيني سكان القلعة وما يفعلوه لي.. ثم يأتي هؤلاء ايضاً.. ولكن ربما يجب أن أقول كلمة أو شيئاً ما.. وتنهد بقلبه وقال :
-" إذن هل جميعهم هنا؟".
أجاب ميليون :
-" نعم ياصاحب الجلالة.. وقد قمت بجلب الأشخاص الذين قمت بإحضارهم مندو شهرين تقريباً ". ليس لي علم بذلك.. ربما تلك السفينة.. ليتني طلبت من سيريوس التوضيح أكثر..
حينها استخدم لينياس السحر لتضخيم صوته وقال بصوتاً قوياً هادر يتناسب مع مظهر القائد :
-" خيراً فعلت ! ". وتردد صدى صوته في المكان كله. لم يكن أحد متفاجئ من ذلك فقد كانت تعويذة سحرية بسيطة ويستطيع العديد منهم استخدامها.
واستمر يقول :
-" لم أكن يوماً ممن يأخذوا إنجازات الآخرين وينسبوها إلى أنفسهم!!. إني أحتقر هؤلاء وأكرههم.. أقول ذلك لكي تعلموا في أني لم أفعل لكم شيئا مطلقاًً.
بل قادتي من فعلوا ذلك وأحضروكم هنا !!. كما يعرف البعض منكم بعض قادتي مثل إنجوس. فهذا هو أحد قادتي ويدعى هيكروس! " .وأشار إلى هيكروس. واستمر يقول :
-" أما إنتوس فأعتقد أن أكثركم يعرفها. ومع ذلك هم ليسوا مجرد أتباع بل هم رفاقي. أصدقائي. عائلتي. احبائي.. وكل عشيرتي عشيرة بنتوس هي جزء مني. ومن يؤذيهم فسأمسحهم من على وجه الأرض دون رحمة كما فعلت بمملكة فيرنا البائسة بنفسي!. نعم. أنا فعلت ذلك بنفسي !.
بل مسحتهم جميعاً في عدة ثوان!. قد يكون ذلك قسوة. قد يكون ذلك وحشياً !. نعم ، هذا صحيح. لا انكر ذلك.. ولكن ، انظروا إلى أنفسكم جيداً. انظروا إلى تشوهاتكم.
اوليست هذه قسوة أشد من الموت!.
جميعكم تعلمون.. هذه هي حقيقة العالم !!. إما أن تسحق أو يتم سحقك.القوي يسحق الضعيف تحت الأقدام لإنه قوي وهذا حقه في هذا العالم!!. البعض منكم.. لا. بل جميعكم يعلم أن هذا العالم قاسياً ووحشيا.. بلً لا يعرف معنى الحب والرحمة او العطف.
نعم !! . أنتم محقون دون شك. لسنا سوى وحوش تتظاهر أنها مخلوقات نبيلة. فنحن لم نعد في عالم السلام والأحلام.
بل نحن في عالم الحيوان!!. صراع الوحوش. الضعيف يذرف الدموع طالباً الرحمة والقوي يسحقة وهو يضحك بنشوة !.
ولكن!!!!!.
أطلق لينياس صوتاً قوياً جعلهم يرتعدون من القشعريرة التي زحفت على جلودهم واستمر يقول :
-" إعلموا أنكم لم تعودوا عبيداً بعد الآن.. أنتم أحرار مندو قدومكم إلى هنا.. مواطنون في هذا البلد!!.. أنتم شعبي من الآن وصاعداً!!، ومن يجرؤ في أذية شعبي سأسحقه تحت قدمي!!!. هذا هو واجب القائد في حماية أتباعه !!! ". وصمت لينظر إلى الأشخاص حوله.
كانوا ينظرون إليع بعيون لامعة مضيئة كلها حماس. واستمر يقول بكلمات رقيقة:
-" ولكن.. لا أريدكم أن تكونوا وحوشاً قساة، بل كونوا شعباً محباً رحيماً.. واتركوا القسوة لي ولأتباعي. ومن الآن وصاعداً لم تعد هذه الأرض تدعى مملكة فيرنا.. بل إنها أصبحت تدعى لفاليا. وأنا لينياس بنتوس حاكمها !!.
لم تكن هناك لحظة صمت أو حتى لحظة تفكير في عقولهم. بل عبروا عن رأيهم جميعاً في شيئاً واحد. في صوتاً واحد. في صرخة واحدة.
هااااااااااااااا !!!!!! .
انفجر الصراخ الذي هز الأرض هزاً تحت أقدامهم. نساء. رجال. شباب . فتيان. أطفال. حتى إنتوس وهيكروس صرخوا حتى تمزقت حناجرهم.صرخ الجميع وهم يذرفون الدموع الغزيرة. كانت تلك صرخة قادمة من أعماق أرواحهم، صرخة الحرية التي تاقوا لها من أعماق أرواحهم.
لم يخطر ببالهم أنه يكذب عليهم أو يخدعهم.
فهو لا يحتاج لفعل هذه الأشياء. فقد تم إنقاذهم وإحضارهم إلى هنا.كل ما عليه هو جعلهم عبيداً له إذا أراد ذلك، وكانوا يعيشون على هذه الأرض لعشرات السنين بكل حرية وسلام ولم يطلب منهم أحد أي شيء، أو حتى تخاطب معهم كالعبيد.
بل كانوا يساعدوهم في الكثير من الأشياء. حتى إنهم قاموا بإعطائهم بعض الخيول. فكيف يمكن أن يكذب ذلك الرجل، حاكم تلك القلعة الخيالية، وصاحب تلك الأشياء التي لا يصدقها عقل.
وهو الآن يتخاطب معهم وكأنهم أحرار من دون تكبر أو غرور . فهل من الممكن أن يقف حاكم على نفس الأرضية التي يقف فيها العبيد. لا . بل لا يمكن أن يقف حاكماً أمام شعبه بنفس المكان.
لهذا ظلوا يبكون بغزارة وحرارة. لأول مرة في حياتهم شعروا أنهم كائنات حية تستحق الحياة مثل غيرهم.
ضمت النساء الباكيات أبنائهن المذهولين. ضمت النساء أزواجهن وهم يذرفون الدموع .
أطلق الرجال أنين من أعماق أرواحهم. وضع الشباب أيديهم على وجوههم ليخفوا بكائهم. وحتى مع ذلك لم يتوقفوا عن الصراخ. لينياس بنتوس !!!!!. لينياس بنتوس !!!!!. عاش لينياس بنتوس !!!!!.
استخدم لينياس سحر الطيران ليرتفع في الهواء فوق الحشود وتبعه هيكروس وإنتوس حتى تلاشوا في ظلمة الليل. وحدق لينياس إلى أسفل وقال:
-" إنهم كثيرون حقاً ؟. فهل أستطيع فعل ذلك مرة واحدة.. ما رأيكم؟".
أجاب هيكروس :
-" أعتقد أنك تستطيع.. ولكن، اليس من الأفضل جعل الأتباع يفعلون ذلك؟.. أو ربما نستخدم الجرع السحرية التي يصنعها البرفسور؟".
تبعته إنتوس تقول :
-" إنه محق.. فلا يجب أن تستخدم سحرك الخاص عليهم ".
قال لينياس :
-" لا. استخدام الأتباع في هذه الأشياء قد يجعلهم مستائين. ايضاً استخدام الجرع بهذه الكمية خاطئ تماماً.. في الحقيقة أحتاج أن أعرف قوتي، سيكون الأمر مثل التجربة فإن فشلت فسنفعل ما أخبرتني به مع أن الفشل سيكون محرجاً" .
-" هؤلاء البؤساء لا يعرفون كم هم محظوظون لتلقيهم رحمتك ".
قال هيكروس :
-" ألا تشعرين بالشفقة على هؤلاء المساكين ؟" .
قالت :
-" شفقة؟.. بل أنا التي تحتاج إلى شفقة، فمندو مئات السنين وأنا أتعذب وأحترق بنار كاوية، ومازلت أتعذب حتى الآن، ولكن لم يرحمني ويشفق علي أحد ". ورمقت لينياس بنظرات مشعة كأشعة سينية تنطلق من عينيها إلى عيون لينياس مباشرة. أبعد لينياس عينيه وحدق إلى أسفل بقلق.
في الحقيقة لم يفهم لينياس ما قالته إنتوس إذ كان يعتقد أن هذا طبيعي في جنونها وإلا كيف تقول أنها تتعذب حتى الآن وهي تقف أمامه.
وفكر جاداً في أنه سيقوم بعلاج عقلها قريباً فقد أصبح لديه الآن كميات هائلة من التعاويذ المجنونة ومنها السحر الخاص بأمور العقل.
تنهد هيكروس وقال :
-" حمقاء ". قام لينياس بمراقبة السواد أسفله وتحديد المسافة في عقله إستعداداً للسحر الذي سيلقيه، طبعاً سيكون سحر الطبقة العاشرة مثل التعويذة السابقة. ولكن، عليه الآن مضاعفة حجمها وقوتها. وبما أنه سيقوم باستخدام هذه التعويذة القوية وبهذه القوة لأول مرة في حياته كان متحمساً.
وتسعت ابتسامته وفتح ذراعيه أمامه وكأنه يستعد لأخد شخصاً عزيزاً بالأحضان. لم يكن يحتاج لفعل ذلك ولكنه شعر في أن هذه الوضعية تتناسب مع هذه الحالة الخيالية التي هو فيها الآن. واطلق سحره إلى حده الأقصى.
-" [ السحر الأقصى – الشفاء العظيم !] ". وأشرقت السماء إذ
ظهرت تلك الدائرة السحرية فوق رأس لينياس وفي لحظة تضخمت واتسعت حتى غطت سماء المنطقة بأكملها.
اتسعت عيناه وحدق لينياس إلى السماء مذهولاً. ولم يتخيل أنها ستصبح بهذا الحجم. ولكن الرموز والشعارات التي كانت تلتف حول نفسها جعلته أكثر دهشة وحيرة فقد كان يعرف هذه الرموز تماماً كانت هذه الرموز هي حروف اللغة العربية.
وعندما تساءل عن هذه الأحرف أخبره هيكروس وإنتوس في أن هذه الرموز هي رموز لغة السحر القديمة.
ولكن هذه الإجابة جعلته يتخبط في دوامة من الحيرة والتعجب.
وقام يتفحص نفسه ووجد أنه لم يخسر الكثير من القوة السحرية كما كان يتوقع بل كان يبدو أنه خسر شيئاً ضئيلاً جداً. وعاد ينظر إلى أسفل بنظرات زائغة مشتتة. وتمتم يقول:
-" أنا لم أعد أفهم شيئاً".