فُتحت بوابة عملاقة ببطئ. واندفع البخار الساخن الذي يذيب العظام من خلالها ليلفح كل الواقفين أمامها. ومع ذلك لم يتأثر بها الواقفين وكأنها كانت نسمات هواء جميل.
وبمجرد أن فتحت بشكل كافي، مر عبرها لينياس بخطوات مسرعة ليتقدم فوق ممر حجري واسع بلون البوابة السوداء. كان بجانبه سيريوس وإلفام وخلفه القادة العشرة. ( إنتوس لم تكن موجودة ).
حتى توقفوا بعد عشرين متراً إذ لم يعد هناك اي ممر أو حتى جدران في المكان ولم يكن يوجد أمامهم سوى بحر واسع من الحمم البركانية التي كانت تتفجر فقاعتها بصوت بدا كنحيب المعذبين.
وكان فوق بحر الحمم مئات من البوابات العملاقة تقف في الهواء. لم تكن تلك البوابات تستند على شيء او حتى خلفها شيء كانت ببساطة تقف في الهواء وكأنها مزروعة في الأرض.
وكانت تلك البوابات متناثرة في كل مكان كالنجوم في سماء الليل. وبعضها كان غارق في الحمم ولا يُرى منها إلا حافتها العليا. بالإضافة إلى ذلك كان هناك العديد من الأشباح تطفوا في المكان وبجانب تلك الأشباح مئات من الجماجم البشرية وكانت تلك الجماجم تشتعل محاجر عينيها بنيران ذهبية كنيران الشموع.
كان المكان يبدو سحرياً جميلاً ولكنه في نفس الوقت يبدو كالجحيم.
كان هذا المكان هو الطابق تحت الأرض من قلعة بنتوس وكانت كل واحدة من تلك البوابات تؤدي إلى منطقة معينة في هذا الطابق. بمعنى أن هذا المكان ليس إلا ممر يؤدي إلى العديد من الأماكن.
وكانت الأشباح والجماجم هي حراس هذا الممر.
وكان لينياس ومجموعته يعرفون أن سحر الطيران والإنتقال لا يمكن استخدامه في هذا المكان مطلقاً. فقد كانت المنطقة مشبعة بالتعاويذ السحرية العالية التي تمنع هذه الأمور.
ولكن لينياس لم يكن لديه اي فكر عن كيفية الوصول إلى البوابات.
-" إلى السجن الخاص". قال سيريوس بهدوء وكأنه يخاطب الهواء. حينها سُمع ضجيجاً من بعيد وحدقوا جميعاً إلى مصدر الصوت.
كان شيئاً هائل الطول يقترب سريعاً إليهم وأخذ يمر من بين الأبواب وتحتها وفوقها وكأنها أفعى عملاقة تهرول إليهم لتنقض على فرائسها سريعاً.
لكن لينياس رأه جيداً إذ كان ممراً حجرياً أسود اللون كحجر السج. اصطدم الممر بقوة بالمكان الذي تقف عليها المجموعة وارتج المكان من الصدام.
وارتفعت أصوات النحيب وكأن المعذبين يرغبون بالصعود معهم. صعد الجميع وبداء الممر بالتحرك بشكل عكسي إلى المكان الذي جاء منه وهو بوابة السجن الخاص.
فقد كانت كل بوابة تمتلك ممرها الخاص أسفلها. وبمجرد استلامها الأمر ينزلق الممر الخاص بالبوابة المعنية إلى حيث كانت المجموعة واقفة.ومع ذلك لم تكن تلك البوابات تستجيب لأي شخص يطلب منها ذلك، كانت تستجيب فقط لهذه المجموعة بالإضافة إلى خمسة أشخاص آخرون.
لم يكن لينياس مهتماً في هذا المكان العجيب، ولم يلقي حتى نظرة متفحصة حوله وهو يمر بين البوابات التي تطفو في الهواء. فقد شاهد العديد من الأماكن العجيبة في القلعة. ولكن ، لم يكن سبب عدم إهتمامه هو عدم الإكتراث فقد كانت هناك العديد من الأفكار تحترق في رأسه وتشغله عن مثل هذه الأمور.
توقف الممر أمام البوابة التي كانت هائلة كبوابة المدخل، وفي لحظة فُتحت البوابة تلقائياً لتكشف عن ممر جميل تضيئه المصابيح السحرية من كلا الجهتين. لم يرغب لينياس في إضاعة الوقت وتقدم بمجرد أن فُتحت البوابة وتبعته المجموعة بصمت. ولكن الشخص الوحيد الذي كان يبدوا مذعوراً هو إلفآم الذي لم يشاهد لينياس هكذا من قبل.
وانعطفوا إلى اليمين وساروا لبعض الوقت حتى وصلوا إلى منطقة السجون.
كانت هناك العديد من الغرف بيضاوية الشكل وكانت ملتصقه ببعضها البعض، وتبدو من الأعلى كخلية نحل، وكانت الغرف نصفها من حجر والنصف الأمامي من قضبان فضية لامعة، وفي سقفها الكحلي تضيئ المصابيح السحرية بألوان بيضاء مزرقة، وفي جانب الغرفة سرير جميل عليه ملاءة بيضاء ناصعة مصنوعة من الحرير.
وفي الجانب الآخر دورة مياه مصنوعة من زجاج شفاف يكشف عن ما في داخله لتسهيل مراقبة السجناء.
وفي وسط الغرفة سجادة دائرية فضية اللون منقوش عليها رمز العشيرة بألوان الذهب.
كانت تلك الغُرف تبدو كغُرف فاخرة في أفخم المنتجعات. ولم تكن تبدو كسجن بأي شكل من الأشكال. ولكن هذا المكان هو السجن الخاص بسكان قلعة بنتوس، أما السجن الذي يتم فيه وضع السجناء من خارج العشيرة فقد كان سجناً جهنمي مخيف وحراسه يبدون وكأنهم خرجوا من كوابيس.
تقدمت المجموعة بصمت حتى بدأت تظهر ملامح فتاة في أحد الغُرف.
كانت سنوريا ترتدي ملابس بيضاء خفيفة تشبه ملابس النوم. وكانت سنوريا تجلس على ساقيها فوق السجادة الفضية، وكانت منتصبة الظهر كالرمح مغمضة العينان وتضع كفيها على فخديها وكأنها تمثال.
ولكن لو قام أحد بالتركيز عليها قليلاً لوجد أنها تحاول بذل كل جهدها لتمنع نفسها من الإرتعاش إذ كانت كتفيها ترتجفان بشكل خفيف، وكانت حبيبات العرق تتجمع خلف عنقها وتنزلق إلى أسفل ظهرها. سمعت سنوريا بضع خطوات قادمة بتجاهها.
حينها لم تستطع قمع ارتجافها. وقد شعرت بعدة أشخاص وأمامهم جميعاً كان ذلك الشخص ذو الهالة المتميزة، والذي كان يمتلك حياتها.
وللحظة اعتصرت عينيها وأخذت عدة أنفاس لكي تستعيد هدوءها وتستقبل عقابها بكل شجاعة.
وقفت المجموعة أمام القضبان وشعرت سنوريا في تلك اللحظة بضغط هائل يعتصرها وكأن يداً عملاقة وضعت فوق رأسها وأخذت تسحقها على الأرض.
لم تكن متوهمة فقد كان واقع ملموساً تشعربه في جسدها. وقد كانت تعلم أن هذا الضغط الذي خنقها ، كان قادماً من سيدها لهذا شعرت أن قلبها انزلق أسفل بطنها.
-" سنوريا أوڤر كيل ! ". ذلك الصوت البارد الجليدي الذي دعاها باسمها الكامل جعلها تشعر بالقشعريرة. وفتحت عينيها تلك اللحظة لتنطلق منها شهقة حادة وكأن روحها أُنتزعت منها، وانفجر العرق من كل مسمات جسدها لتبتل ملابسها في لحظة، واصطكت أسنانها واهتز وارتجف جسدها وكأنها كانت تقف عارية وسط عاصفة ثلجية.
وتسربت الدموع من عينيها المتسعتان رعباً. كان منظر سيدها غريباً جداً عن السابق ولكن الغضب الذي ارتسم في وجهه وأشعته عيناه جعلها تنسى أن تتنفس وشعرت أنها تغرق في الهواء.
أغمض لينياس عينيه وفتحها مرة أخرى وقال:
-" سنوريا أوڤر كيل ! " . أجابت سنوريا بصرخة كصرخة دجاجة مخنوقة:
-" نعهمم !!! ".
-" ما الذي حدث؟.. اخبريني الحقيقة؟!.. ".
ولكن سنوريا لم تتوقف عن الإرتعاش وأخذت تتمتم بكلمات متقطعة غير مفهومة. واستمر لينياس يقول:
-" هل صحيح أن أتباعك؟.. أحد عشيرتنا قد قُتلوا ؟". هزت سنوريا رأسها رافضة بقوة.
وقالت :
-" سح ...سحر . ع..رة ! ". عندها أطلق لينياس زفيراً قوياً حارقاً وكأنه يحاول طرد الغضب المحترق في صدره. واقترب من الزنزانة وأمسك القضبان الحديدية بكلتا يديه وحدق إليها بتلك العينين الذهبية وقال :
-" هل أنتِ خائفة مني ياسنوريا ؟!". كانت كلمات بسيطة وكان لينياس سيردفها بكلمات لطيفة.
إلا أن سنوريا لم تسمع شيئاً من تلك الكلمات، وظلت تحدق إلى وجه سيدها الذي كان قريباً من القضبان. كان يرمقها بنظرات مُخيفة بعينيه المتوهجتين وكأنها شيئاً بلا أهمية.
هل يجرؤ عبداً حقير مثلك في أن يتصرف دون إذني. هذه هي الكلمات التي فهمتها سنوريا وأعتقدت أنه يتحدث بها من خلال عينيه. شعورها في أن سيدها ينظر إليها وكأنها شخص بلا أهمية كان عذاباً أقسى من كل أنواع التعذيب بل أقسى من الموت نفسه.
ولم تعد سنوريا تحتمل هذا الخوف وهذا الضغط وهذه النظرات وهذا الشعور وانفجرت بالبكاء كفتاة صغيرة.
-" فييييييييئ ...ييييييييء !!! ".
أغمض لينياس عيناه وسار مبتعداً بضع خطوات ثم توقف ورفع ذراعيه أمامه وجهه وعادت أظفاره تتقلص وتعود إلى طبيعتها وقال متألماً :
-" هل مظهري مخيف إلى هذه الحد؟.. لطالما كرهت هذه الهيئة التي تذكرني.. أنني في أعماقي.. مجرد حيوان مفترس. ولكن لا أستطيع. إنها مرتبطة بحالتي العقلية أو ربما هي موقف دفاعي للوحوش. أنا لا أنكر أني وحش فقد قتلت الملايين.
حتى إنتوس كانت تبدو خائفة مني.. لقد سمعت مندو زمن طويل أن المستذئبين.. ليسوا سوى وحوش.. ربما هذه هي الحقيقة.. ربما هذا صحيح.
توقفي عن البكاء و اسمعيني جيداً ياسنوريا ". حبست سنوريا أنفاسها وحدقت إلى سيدها والدموع تجري من عينيها.
واستمر لينياس يقول :
-" أنا لست بذلك الرجل العظيم الذي تتخيلوه. وأنتم لا تعرفون عني شيئاً. ولكن إعلمي أن حياتك لا تنتمي لي كما تعتقدي ويعتقد الآخرون. فأنتم لستم عبيد.. بل ربما العبيد لن يفعلوا مثلما تفعلون، مأنتِ إلا شخص يعمل تحت إمرتي ببعض الأعمال المتعلقة بمقرنا هذا، وأنا كقائد قد أعطيك بعض المهمات والأعمال.
أما عن حياتك وأعمالك الخاصة فليس لي منها شيء، وليس لي حق في أن أتدخل فيها.
لكن، ما قمتي بعمله قد أزعجني حقاً .. أنا سعيد بماقمتي به من أجلي. ولكن، تصرفات الفرد قد تضر الجماعة.
ومع ذلك، ما زلت أرغب بمعرفة ما حدث. لذا.. أخبريني؟ ". وصمت لينياس ولم يلتفت بل ظل يعطي ظهره للمجموعة التي كانت صامتة وكأن ما تحدث به كان متوقعاً تماماً.
ولكن إلفآم كان مرتبكا،ً حتى سنوريا التي توقفت عن البكاء كانت تحدق إليه مذهولة مما سمعت، ولم تفهم هي وإلفآم شيئاً عما تحدث به. كانوا يرغبوا في أن يخبروه أن ما تحدث به لا يمكن أن يكون صحيحاً فحياتهم كانت تنتمي إليه.
ولكن ، كان هناك أشياء أهم إذ كان على سنوريا الإجابة. لذلك قامت بمسح دموعها بكم قميصها وحدقت إلى ظهر سيدها بعينان محمرتان متوسلتان في أن يغفر لها ، وقامت بالزفير بقوة وهي تحاول استعادة هدوءها وقالت:
-" أنا.. نعم. أنا.. فعلت.. ذهبت ". وصمتت.
كان عقل سنوريا في فوضى إذ لم تستطيع أن تقوم بجمع أفكارها وهي تحدق بسيدها الذي كان يعطيها ظهره.
كانت تعتقد أنه سيعود ينظر إليها بمجرد أن تتحدث. ولكن ، سيدها لم يفعل ذلك وكأنه لم يعد يرغب برؤيتها. هذا جعل عقلها يتخبط في رأسها وكأن شخص أدخل ذراعه في رأسها وأخد ينبش ويعجن دماغها. حينها تدخل سيريوس وأخذ يوجه سنوريا بهدوء :
-" أين ذهبتي؟ ".
قالت سنوريا :
-" أه . نعم . لقد ذهبت إلى هناك.. تلك الحدود ".
-" ماذا كنتي تفعلين هناك ؟".
قالت :
-" كنت أقوم بمراقبتهم.. جنود.. ربما محاربين.. ".
قال سيريوس وقد بدأ يشعر بالضيق من ذلك :
-" لقد هاجموا اتباعك؟..".
-" نعم.. كنت قد قمت باستدعاء الوحوش عن طريق السحر.. خمسة عشر منهم فقط ليساعدوني في المراقبة. ولكن ، ظهرَ بعض الأشخاص وأخذوا يقاتلون أتباعي دون سبب.. يال الوقاحة.. يال الوقاحة". وصمتت قال إلفآم بقلق :
-" وبعد؟..وبعد؟. أكملي هاجموا أتباعك اليس كذلك؟ ".
قالت وقد سطعت عيناها وكأنها تذكرت شيئاً مزعجاً :
-" نعم. لقد هاجموا أتباعي.. ولكني لم أهتم فقد كنت اراقب مكان آخر، وبعد بعض الوقت قتلوهم جميعا.ً
حينها كنت على وشك استدعاء شياطين قوية.. ولكني لم أفعل.سيذهبون الآن بعد قتلهم لأتباعي وسأقوم بمراقبتهم بهدوء ، هكذا فكرت. ولكن ، فجأة ظهرت تحت قدمي دائرة بيضاء مشرقة وخرجت من تلك الدائرة العديد من السلاسل البيضاء والتفت حولي. حينها ظهر العديد من الأشخاص وكانوا يتمتمون بأشياء غريبة وهم يرفعون أيديهم. لم أعرف ماذا كانوا يفعلون ، كان الوضع غريباً . ولكن ، كيف عرفوا المكان الذي كنت فيه؟.. كيف عرفوا مكاني؟.. هذا لغز ".
كان الجميع على وشك الضحك.
قال إلفآم :
-" حمقاء.حمقاء. تلك كانت طقوس سحرية يستخدمونها عليك.
ايضاً أنتِ بالتأكيد لم تخفي وجودك عندما كنتي هناك، لذلك اكتشفوا مكانك!".
قالت مرتبكة :
-" أُخفي وجودي؟..لماذا؟".
رد إلفآم بوجه منزعج :
-" ماذا أصنع بك؟..بالتأكيد سيشعرون بوجود شخص مثلك من بعيد".
قال سيريوس :
-" حسناً. سنتحدث عن هذا لاحقاً يا إلفام فهناك أشياء أهم من هذا الآن".
قال إلفآم وقد التهب وجهه من الخجل :
-" اه . نعم.. المعذرة على هذا ".
ابتسم سيريوس وكأنه يقول لابأس. واستمر سيريوس يقول :
-" وبعد ذلك؟.. ماذا حدث حين التفت عليك السلاسل؟".
قالت :
-" نعم.. أخبرتهم أن يتركوني وشأني ويبتعدوا عن أرضنا. ولكنهم أخذوا يضحكون وهم يقولون لي توسلك لن ينفعك أيتها الفاسقة. نعم.. فاسقة. هذا ماقالوه لي.. ماذا تعني فاسقة ياسيد سيريوس؟".
قال سيريوس وهو يغلق عينيه:
-" لا تهتمي ..لا تهتمي". وكان على وشك الاستمرار في الحديث إلا أن هيكروس انفجر بالضحك تلك اللحظة. ولم يعد أحد يستطيع منع نفسه من عدم الضحك وانفجروا ضاحكين. حتى لينياس كان يهتز.
عندها صرخت سنوريا حانقة :
-" إنها شتيمة؟!.. إنها شتيمة؟!.. الكلاب.. لقد كانوا يسخرون مني في وجهي!.. شتموني في وجهي مباشرة دون خجل !! ". تلك الكلمات وذلك الوجه الطفولي الغاضب جعل الجميع يضحك كالمجانين. حدقت سنوريا حولها بغيظ.
-" آه !.. حقاً.. البشر لا يتغيرون أبداً. وبعد ذلك يا سنوريا ؟". قال سيريوس ذلك بابتسامة واستمر يقول حينما حدقت إليه بغيظ:
-" طيب.. طيب. لا تنظري لي هكذا. سأخبرك لاحقاً ماذا تعني تلك الكلمة.لذا.. أكملي المسرحية السخيفة التي حدثت لك؟".
قالت :
-" اه. عندما أخبروني تلك الكلمات شعرت بالغضب وقد أحسست أنها شتيمة. ولكن ما جعلني غاضبة حقاً هو ما قالوه.. أني أتوسل. كيف يمكن أن أتوسل لهؤلاء القذارة. حينها صرخت عليهم في أني سأقتلهم دون رحمة. وانتزعت السلاسل وحطمتها بيدي. كانت ضعيفة جداً ولم أعرف لما كانوا يضحكون او الثقة التي كانت لديهم.
ولكن بمجرد تحطيمها بدأ الذعر يرتسم على وجوههم وظهر ثلاثة أشخاص أمام الجميع.
كانوا يختلفون عن البقية، كانوا يبدون أقوى من البقية. كانوا يرتدون الدروع وامرأة كانت ترتدي ملابس غريبة بدت مبهرجة بشكل مضحك. تقدم الرجلين المدرعين إلي وهم يمسكون سيوفهم.
أنا لم أعد أحتمل هذه الوقاحة ، لهذا أمسكت رمحي وانطلقت كالبرق إليهم ووقفت أمامهم مباشرة. أحسست تلك اللحظة أنهم كانوا مرتبكين ولكن ، كان هذا لا يهمني في شيء، ضربت بقوة على رأس أحدهم لكي أقسمه إلى نصفين برمحي. ولكنه رفع سيفه وصد ضربتي وسقط على ركبتيه وتحطمت الأرض تحت قدميه من قوة رمحي العزيز. وسمعت صراخه المتألم.. كان يعوي كالكلب.
عندها بداء جسده يتوهج بالعديد من الألوان وعرفت أن تلك المرأة تلقي عليه التعاويذ.
وبطرف عيني رأيت المحارب الآخر يُلَوح بسيفه باتجاهي مستهدفاً عنقي، ولكنه كان بطيئاً جداً.. حينها أمسكت رمحي بكلتا يدي وضربته بكل قوتي بشكل عمودي.
مر نصل رمحي في جسده ودروعه وكأنه يجري في الماء. انقسم الرجل إلى نصفين وتناثرت أحشائه المقززة في كل مكان. وحدقت إلى الرجل الذي مازال راكعاً أمامي وشعرت بالضيق منه، واخبرته لماذا ماتزال راكعاً لي.
ولكنه لم يجب فقد كان يعوي ويولول ولم أفهم منه شيئاً. على كل حال قمت بركله ليطير فوق أتباعه.
ونظرتُ إلى المرأة بغيظ وقلت لها : ماذا تعني كلمة فاسقة يامرأة!. ولكن المرأة القذرة لم تجب فقد كانت تبدوا شاحبة وترتعد.. لذلك اقتربت منها وأنا أنوي قتلها وتعذيبها حتى تخبرني ماذا تعني تلك الكلمة. عندها صرخ الرجل الذي ركلته سابقاً وهو يحتضن رفيقة الميت وقال: لنعود !! .
واختفت المرأة مع الشخصين الذين قاتلوني تاركين هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يتمتمون بشكل غريب".
-" هل أنتِ متأكدة في أنهم لم يكونوا من عرق تيليس؟". حملت تلك الكلمات غضباً شديد مما جعل الابتسامات والضحكات تُخمد في لحظة وحل مكانها الجدية.
قالت سنوريا :
-" لا. كانوا من البشر وقد شاهدتهم يقتلون بعض عرق تيليس.. إنهم محاربون من البشر".
-" ما فعلتيه كان خاطئاً . حماقة . غباء ".
قالت سنوريا وقد عادت ترتجف :
-" هل كان يجب أن أتركهم على قيد الحياة؟ ". ظل لينياس صامتاً ولم يجب لبعض الوقت ثم قال :
-" لقد ذهبتي إلى أرضهم وقمتي بقتل أحدهم. لا. لقد كانوا في حالة حرب.. هم لم يكونوا مخطئين بل أنتِ المخطئة".
سنوريا لم تقل شيئاً ونظرت إلى الأرض بقلق.
واستمر لينياس يقول :
-" في ظروف غيرها كنت سوف أذهب إليهم وأقوم بالصلح معهم وإعطائهم ما يريدون لفعلتك.. فلا يوجد أثمن من الحياة. لكن. بسبب ما أخبرني به سيريوس عن مملكة آيرم.. فليس لي رغبة في ذلك.. ربما لو كنت في مكانك لقتلتهم جميعاً". ورفع عينيه وكأنه كان ينظر إلى السماء من خلال السقف وتمتم يقول:
-" كيف تُذل الحياة رجالاً.. شعباً كريماً يصبح لحم رخيص".
قال سيريوس بابتسامة وحشية:
-" هل أذهب وأرحب بهم؟.. للأسف سنوريا قالت في أنها قتلتهم جميعاً. ولكن ربما ظهرت بعض الفئران؟".
-" لقد فعلت سنوريا خيراً . لقد تجبروا وجاء من يتجبر عليهم.. ولكن لا تذهب.. لا نريد أن نخوض حرب.. نريد أن نعيش في سلام. مع أن السلام ليس له وجود". وتنهد لينياس وأكمل يقول:
-"سيريوس.. أرغب بكل المعلومات عن سكان القلعة. أعني عشيرة بنتوس الجديدة.. أنت تفهم ما أعنيه. أيضاً قد أخبرت من في المستوطنة في أنني سأزودهم بالماء النقي والطعام.. الأسماك على وجهه الخصوص. لذلك.. إلفآم أعتقد أنك تستطيع إنتاج الأسماك بفضل السحر اليس كذلك ؟".
اجاب إلفآم بابتسامة سعيدة:
-" نعم.أستطيع ذلك ياسيدي. اتركها علي.. ولكن إن سمحت لي أي أنواع من الأسماك.. أعني من ناحية النوع والحجم وما إلى ذلك هل هناك شيء معين ترغب فيه؟ ".
-" لا . ولكن اعطهم أسماك جيدة تصلح للأكل وبحجم كبير ليكفيهم عدة أيام، ايضاً ساترك لك واجب تزويدهم بالماء".
انحنى إلفآم وقال :
-" مفهوم " .
والتفت إلى سنوريا وقد عاد وجهه إلى طبيعته وأشار بيده وقال :
-" سنوريا أخرجي من هناك ".
نهضت سنوريا بطاعة وسارت على قدميها العارية بخطوات هادئة ودفعت بوابة سجنها. لم تكن البوابة مغلقة ولا يحتاج أحد في أن يغلقها، فبمجرد أن يتم وضع أحد سكان قلعة بنتوس في السجن فلن تسول له نفسه بالخروج منها بل كانوا يظلون ينتظرون ما سيحل بهم من عقاب.
كان ذلك هو الولاء المطلق لسيدهم.
وقفت سنوريا بجانب سيدها خافضة رأسها فقد تصرفت من تلقاء نفسها دون أمر. وقد كانت تعلم أنها ستعاقب بشدة على ذلك. وحتى مع ذلك رغبت في أن يفخر بها سيدها لصنيعها. رغبت بحماية ماينتمي لسيدها. ولكن سيدها كان غاضباً منها.
ومع ذلك لم يقم سيدها بإنزال العقاب عليها. بل طلب منها أن تخرج من سجنها بكل بساطة وكأنها لم تقدم على شيء. لهذا كانت خجلة من نفسها وأحست أنها صغيرة ضئيلة ولم تستطع رفع رأسها.
ولكن –.
رفع سيدها ذقنها بأطراف أصابعه بكل رقة وحنان حتى تلاقت أعينهم.
ابعدت سنوريا عينيها سريعاً فقد كانت تشعر بالخوف والرهبة من ذلك.
ولكن ، قال سيدها بصوتاً دافئ :
-" انظري إلي يا سنوريا ". لم تسطع رفض ذلك ونظرت مباشرة إلى عيني سيدها وتوردت وجنتيها من خجلها تلك اللحظة إذ لم تجرؤ من قبل أن تكون بهذا القرب من سيدها وتنظر إلى عينيه مباشرة هكذا.
واستمر سيدها يقول :
-"لا تخفضي رأسك لأحد.. وانظري مباشرة لوجه أياً كان، حتى أنا، فلا يوجد شخصاً أقل من شخصاً ما.. وأنتِ لستِ أقل شأن من أحد. أنا أعرف ما تفكرين به.. إنه مرسوم على وجهك وأنا لا أحب هذه الأشياء ولكن ، يبدو أن علي قولها لك. لذا.. سنوريا اوڤر كيل. لقد غفرت لكِ كل أخطائك".
سالت دموعاً ساخنة غزيرة من عيني سنوريا ، كانت كلمات رحيمة دافئة لامست قلبها المضطرب وعلمت من تلك الكلمات أنها تحتل منزلة كبيرة في قلب سيدها.
سحبت سنوريا كف سيدها سريعاً إلى وجهها وقامت بدفن شفتيها الصغيرة براحة يده وكانت ستُلحقها بالعديد من القبلات الشاكرة الممتنّة. إلا أن سيدها سحب يده منها.
وقال بابتسامة :
-" أنتِ تذكريني بإنتوس عندما كانت في مثل سنك فقد كانت تفعل ما فعلتيه الآن. ربما يُحب الأبناء تقبيل يد آبائهم". وضحكت ريفيريا من تلك الكلمات. واستمر لينياس يقول:
حسناً. دعونا نعود .." . وساروا بخطوات هادئة وتبعتهم سنوريا وهي تمسح دموعها الغزيرة والتي لم تستطع إيقافها.