بعد خمس ساعات
كان ممر الطابق الثاني نسخة مطابقة من ممر مدخل القلعة إذ وقفت بجانب الجدران تماثيل على شكل فرسان يمسكون مقابض سيوفهم. إلا أن هذه التماثيل التي تنبض بالحياة وكأنها ستتحرك في أي لحظة كانت مختلفة عن التماثيل في ممر المدخل.
فقد كانت هذه التماثيل سوداء داكنة ويختلف مظهرها قليلاً عن تلك التي في مدخل القلعة والتي كانت بلون برونزي.
كانت هذه التماثيل وتلك عبارة عن جولم معدني. وكانوا يقفون في مكانهم إلى الأبد إلا عندما يتلقون الأوامر بفعل شيئاً ما او أن يتم اقتحام المكان من قبل الأعداء.
وفوق تلك التماثيل خفقت أعلام بنتوس القرمزية.
وفي هذا الممر الرخامي الكبير سبحت كائنات صغيرة في الهواء. كانت تلك الكائنات تشبه البشر إلا أنها كانت بطول عشرين سنتمترات، وكان خلف أظهرهم أجنحة من كل الألوان. بعضهم لديه أجنحة من نيران متراقصة وبعضهم لديه أجنحة من ماء يتموج دون توقف وبعضهم لديه أجنحة من أوراق الأشجار.
كان يطلق عليهم الجنيات.
وكانت الجنيات تقوم بتفقد الأعلام والتماثيل والجدران لتبحث عن الغبار في المكان. وعندما تجد بعض الغبار تقوم بلمسه لتتوهج تلك المنطقة وتصبح نظيفة لامعة في لحظة إذ كانت الجنيات هم الخادمات التي تقوم بالتنظيف في الأماكن العالية والمرتفعة.
في الأصل كانت الجنيات تقوم بتنظيف كل مكان. ولكن الخادمات الرسميات أصابتهن نوبة اهتياج وغضب على هؤلاء الجنيات الذين قاموا بأخذ أعمالهن ولم يبقوا لهن شيئاً يفعلنه.
وطبعاً قاموا بالاهتياج على إليفيا التي كانت تنشئ وتنتج هذه الجنيات بمعدلات كبيرة.
لهذا ، وبعد بعض الصراع في ما بينهم قام سيريوس بالتدخل وأعطاهم اقتراح وهو أن الجنيات ستعمل في الأعلى اي في الأماكن العالية والمرتفعة والخادمات الرسميات ستعمل في الأسفل مع توقف إليفيا عن إنتاج المزيد من الجنيات.
وفي الوقت الحالي؛ كانت العديد من الخادمات تقمن بتنظيف هذا الممر بأدوات التنظيف الخاصة بهم. كن يعملن بكل حب وافتتان إذ كنَّ يعشقن كل شيء في القلعة ولن يتوقفن عن العمل حتى يلمع ويبرق المكان. بل كأنهن يجعلنه يلمع أكثر مما كان عليه في السابق.
ومع ذلك كن يقمن بذلك وأعينهن متسعة في دهشة إذ كن يحدقن بأطراف أعينهن إلى الشخص القادم إليهن.
كانت إنتوس ماتزال تسير منحنية وهي تتمتم منزعجة بكلمات غير مفهومة في هذا الممر. وفي تلك اللحظة خرج إنجوس من أحد أبواب الممر . وظل يحدق إلى إنتوس بشكل غريب ثم أطلق تنهيدة متعبة. مرت إنتوس من جانبه وكأنها لم تره.
قال إنجوس وهو يضيق عينيه :
-" ماذا الآن ؟".
قالت دون أن تُلقي عليه نظرة :
-" لم يؤذن لي برفع رأسي". واعترتها رعشة إذ التفتت إلى إنجوس وقفزت سريعاً إلى الأمام وكأنها تسبح في الهواء. ومع ذلك كانت بطيئة وقد ألقى إنجوس صفعة سريعة قوية في مؤخرتها وبدا صوتها كصوت الصاعقة. كادت إنتوس أن ترتطم بأحد التماثيل ولكنها استعادت توازنة كقطة رشيقة وأخذت تفرك ردفيها وهي تصرخ وتولول متألمة:
-" إنها تحرق!! .. تحرق!!.. ااااااخ !!!".
ورمقت إنجوس بنظرة تذبل الزرع وقالت :
-" أنت!!.. أنت!!. كيف تجرؤ؟!!.. كيف تجرؤ أيها ال. أيها ال..!!!! ". أرادت أن تمطر عليه كل شتائم العالم. ولكن إن فعلت ذلك فسوف يلقي عليها في نفس المكان صفعة أشد من سابقتها ويجعلها تتلوى من الألم، فقد كان هو الشخص الوحيد الذي كان يعاقبها هكذا مندو طفولتها.
وقد كانت تعلم ايضاً في أنه ما يزال يراها صغيرة كالسابق، لهذا طحنت أسنانها وأوقفت ما كانت ستُطلقه عليه وقالت غاضبة :
-" توقف عن هذه الأشياء !! . إنها مؤلمة قبل أن تكون مخجلة!.. أيضاً أنا لم أعد طفلة بعد الآن، ألا ترى جيداً بتلك العيون؟.. لقد صرت امرأة ناضجة.. توقف عن هذا أرجوك !! " . وقامت تحك مؤخرتها الملتهبة.
قال إنجوس ببرود :
-" إذن.. تصرفي كامرأة ناضجة ".
نظرت إليه بغيظ وأرادت تلك اللحظة أن تركله بين ساقية لهذه الكلمات المذلة. ولكنها كانت تعرف في أن هذا صعب جداً، بل حتى إذا نجحت بفعل ذلك فسيعصرها بيديه كليمونة.
لذلك ليس لديها سوى سلاحها الوحيد ضده وهو لسانها :
-" ألا تخجل من هذه الأفعال؟ أقسم أن لديك حباً لهذه الأشياء. أنت تحب صفع مؤخرات النساء ..أنت تحب أن تسمع تلك الأصوات.. تحب سماعها وكأنها سمفونيات تعزفها بيديك يا طويل اليد! " . ضيق إنجوس عينيه وقد قدحت شرراً . هذا كل ما فعله إلا أن إنتوس اطلقت صرخة مذعورة وقفزت هاربة لتدخل الباب الذي خرج منه إنجوس وأغلقته خلفها بالمفتاح.
حينها قامت تحك مؤخرتها بشدة وهي تئن من الألم :
-" سحقاً ..إنها تؤلم .إنها تؤلم . أقسم أنه يكرهني ..إنه يصفعني بغيظ شديد". والتفتت إلى الباب وصرخت :
-" إعلم أني سأخبر سيدي في أنك ما زلت تصفعني إلى الآن !!. أيها الأحمق !.الغبي ! . التافه ! ". وارتعدت بعد قولها تلك الكلمات وهرولت سريعاً لتسند الباب بجسدها معتقدة أنه سيدفع الباب ويدخل ليعطيها المزيد من الصفعات.
ولكن ، لم يحصل شيء. ووضعت اذنها على الباب لتسترق السمع عندها سمعت ضحكات نسائية خفيفة و قعقعة حذائه تذهب بعيداً وتنهدت بارتياح.
وعادت تنظر إلى الغرفة. كانت غرفة عملية تحتوي على طاولة مكتب سوداء. وعلى طاولة المكتب كانت سيلين تقوم بالكتابة على الأوراق بانهماك شديد.
تقدمت إنتوس إليها وجلست على حافة طاولة المكتب وأخذت تحك مؤخرتها وقالت وهي تنظر إلى الورقة التي تكتبها سيلين :
-" ماذا تفعلين ؟". توقفت سيلين عن الكتابة ورفعت عينيها الزرقاء إلى إنتوس وأجابت:
-" أنا أكتب تقريراً ، وقد طلب مني إنجوس أن أفعل ذلك ".
-" تقصدين سيد السمفونيات.. إذن ماذا طلب منك هذا الأحمق أن تفعلي؟".
اجابت سيلين وقد توردا وجنتيها :
-" إنه.. طلب.. مني. أن..".
قالت إنتوس:
-" ما بك تتمتمين؟ ولماذا تبدين خجلة هكذا ؟.. ممم. أه.لقد فهمت. يبدو أنكِ لا تعلمين.. أو ربما نسيتي ذلك.. حينما كنت في سنك كان إنجوس دائماً يعاقبني هنا ". وقامت تحك مؤخرتها واستمرت تقول:
-" وفي مرة.. لا أتذكر ماذا فعلت بالضبط ولكن يبدو أني فعلت شيئاً ما.على اي حال فقد ضربني ذلك اليوم ضربتان شديدتان ولم أستطع الجلوس بعدها ليوم كامل.
فلو قام بضربي بعصى لكانت رحمة.. إن يده قاسية كالحديد ياسيلين". وابتسمت واستمرت تقول:
-" لابد أنكِ تعرفين ذلك أليس كذلك؟ ".
اجابت سيلين بابتسامة خجلة :
-" نعم ، إن يده قاسية جداً، ولكنه لم يضربني او يعاقبني قط، ولم يضربني في المكان الذي يضربك به أبداً " . وقامت بحك رأسها من الخلف متذكرة تلك الصفعة مندو وقت قريب.
ضحكت إنتوس وهي تقول :
-" هذا لإنك ستموتين من ذلك الألم، اسأليني أنا. فأنا أعلم وحشية هذا الرجل تماماً. فلو كانت مؤخرتي تستطيع الكلام لصرخت وانتحبت وولولت لأيام من تلك الصفعات القاسية ".
انفجرت سيلين بالضحك وغرقت في كرسيها. ظلت إنتوس تراقبها بابتسامة وعينان حنونتان حتى توقفت عن الضحك وقالت إنتوس:
-" عن ماذا التقرير؟:.
-" أنه عن البحر واختفاء الأسماك. فقد سبحت في البحر عميقاً ولم أجد أي حياة بحرية سوى الأسماك بحجم الأصبع . وأنا أكتب عن مارأيته " .
قالت إنتوس:
-" ممم . أنا أحسدك حقاً ياسيلين.. فأنا ليس لي اي عمل او حتى مكان خاص بي سوى غرفتي. أما أنتِ فنائبة إنجوس أحد القادة الكبار.. حقاً أنا أحسدك على مأنتِ فيه. ممم . ما بك؟.. لماذا تنظرين لي هكذا؟ " .
قالت سيلين بارتباك :
-" اه . لا .ولكن. اليس لك منصب عالي جداً حتى عن القادة؟ ".
قامت إنتوس بالشخير وقالت :
-" هذا مستحيل فلا يوجد منصب أعلى من القادة الكبار سوى سيدي فقط.. من أين أتيتي بهذا ؟".
اجابت سيلين :
-" لقد سمعت سيريوس يقول أنه سيضعك في ذلك المنصب.. ولكن ، أتذكر أن ريفيريا كانت منزعجة بشدة من هذا ".
-" همم. ريفيريا؟. لكن لا يوجد منصب أعلى سوى سيدي.. غريب حقاً.إذن ماهو ؟" .
اجابت سيلين أنها لا تعلم.
-" ربما سأصبح الإمبراطورة بجانب الإمبراطور؟ . ألا تعتقدين أن هذا ما سيحدث؟ " . هزت سيلين كتفيها وكأنها تقول لا أعلم وعادت تكتب التقرير وإنتوس تقراء ما تكتبه بصمت.