سارَ رجل في الخمسينات من العمر فوق السجاد الأحمر المؤدي إلى العرش بخطوات أنيقة ، رشيقة ، واثقة. وبدا ظهره المستقيم كسيف مشحوذ وارتسمت قسوة العالم في التجاعيد حول عينيه التي تشع قوة. كان يعطي الانطباع أنه رجل قوي ونبيل.
ركع الرجل أسفل العرش بكل إجلال واحترام.
كان الرجل يرتدي سترة زرقاء فاخرة. ولم يكن الرجل من البشر إذ كان يمتلك مظهر البشر إلا أن زوج من الأذيل البيضاء كأذيل الثعلب تمتد أسفل ظهره. كان من عرق تيليس.
-" هل ذهب؟!".
-" نعم ياصاحبة الجلالة " . ورداً على ذلك انفجرت الملكة بالضحك وهي تميل رأسها إلى الخلف وترددت اصداء ضحكاتها في غرفة عرشها كالأجراس. بدت الملكة سعيدة مشرقة إلا أن الرجل كان ينظر إليها بحزن وهو يرى الدموع تلتمع في أطراف عينيها.
-" هآه ! " . تنهدت الملكة بقوة وكأنها تطرد الألم في صدرها.
كانت الملكة تجلس على عرشها الزجاجي وكان العرش يتلألئ تحت أضواء الثريات فوق رأسها.
كان جمالها يذهل الناظرين وكأنها القمر نزل من السماء. كانت تبدو في العشرينيات من عمرها. فارعة الطول رشيقة الجسد، تُشع منحنيات جسدها انوثة مثالية.
وكانت ترتدي فستان ذهبي مرشوش بالجواهر كالنجوم في سماء الليل، وكان شعرها الفضي الحريري يتدلى من كتفيها ليرتمي فوق أحضانها. وكان لديها ستة أذيل بيضاء تمتد خارج عرشها وكأنها تزين عرشها بذيولها الوبرية الناعمة.
وتضع على رأسها تاج من زجاج في وسطه جوهرة زرقاء بلون عينيها الحزينة ذو الرموش الطويلة البيضاء.
بالإضافة إلى ذلك كانت تمسك صولجان ذهبي بيضاوي من الرأس.
كان مظهرها الجميل يحيطه جو من الكبرياء والحكمة.
-" حقاً ، شر البلية ما يضحك ". هكذا قالت ملكة مملكة آيرم [ دنيا فيكتم بتراي آيرم] ورفعت عينيها إلى الثريات التي تزين سقفها.
-" إذن؟.. ماذا ستفعلين ياصاحبة الجلالة؟".
-" لا يوجد هنا أحد ياعمي ، لذلك لا تحتاج أن تتحدث معي هكذا ". كان هذا الرجل هو مستشارها الأول والذي كان المسؤول عن تعليمها هي وزوجها مندو الطفولة بالإضافة إلى الملوك من قبلها، وكان زوجها الراحل يراه كأبيه الراحل لهذا لم تحب أن يدعوها مستشارها بأي لقب. على الأقل أمام الآخرين.
-" إذن ماذا ستفعلين يا عزيزتي دنيا؟".
-" لا أدري ياعمي، لا أعرف شيئاً.. إنها حرب من نوع جديد، حرب التجويع إذا صح التعبير ".
ونزلت من عرشها وفستانها يتموج فوق درجات عرشها. واستمرت تقول:
-" أحتاج إلى بعض الهواء.. فأنا أشعر بالإختناق".
ومرت عبر قاعتها الواسعة ذو الأرضية الحجرية الرمادية وهي تدق صولجانها على الأرض مع كل خطوة تخطوها ويتبعها مستشارها بصمت.
مروا أسفل ستائر قرمزية هائلة الحجم ليقفوا على شرفة تُطل على المدينة.
أمسكت الملكة حافة شرفتها البيضاء بأحدى يديها واخذت أنفاساً عميقه من الهواء البارد في رئتيها وزفرتها ببطئ. وانزلت عينها لتشاهد المدينة أسفلها.
كانت ترى المنازل والعربات التي تجرها الخيول وأشخاصاً يمشون وأطفالاً يحملون أشياء على رؤوسهم. رجال ونساء يسيرون وهم يتحدثون في مابينهم. إلا أنهم كانوا يبدون متعبون منهكون يجرجرون أقدامهم وكأن سلاسل في كواحلهم. ونظرت إلى يمينها لترى سلسة جبلية ثلجية بدت كسور هائل يحمي المدينة.
وقالت بصوت متألم :
-" لقد رفضوا أيضاً.. الأوغاد ، الحقراء. يتخلون عنا وكأننا حيوانات نافقة.. ".
ثم رمقت الجبل بنظرات غاضبة واستمرت تقول:
-" هذا الجبل ليس سوى لعنة، فإذا كان جبلاً طبيعياً لقمنا بالتنقيب عن الذهب والأحجار النفيسة ولتمكنا من الإستفادة منه بشكل ما. وليس هذا فحسب بل إنه يسد البحر علينا وكأنه يكتم أنفاسنا . يخنقنا . يقتلنا". وأغمضت عينيها وتراقص شعرها بفضل الرياح الباردة.
-" قد تكوني محقة، فهو قاسياً جداً ولايمكن تكسيره أو تحطيمه بأي طريقة.. ولكن، مندو زمن طويل لم يكن بتلك القسوة إذ صنع منه العرش والتاج الذي ترتدينه".
أنزلت الملكة تاجها من رأسها لتكشف عن أذنيها الوبرية البيضاء. ونظرت إلى تاجها متفحصة وقالت:
-" أكثر من ثلاثة آلاف عام.. بدأت أعتقد أن هذا محض سخافات وترهات، فكيف يمكن أن يصبح الجبل لامعاً كالجواهر هكذا " . ووضعت تاجها على رأسها وقالت:
-" هذا الجبل الكريه يحجب البحر علينا.. نحتاج أن نتجاوزه لنصل إلى البحر خلفه. إنه البحر الوحيد الذي لدينا".
قال مستشارها :
-" هذا مستحيل، إنه عالي جداً. ولا يمكن لسحر الطيران أن يصل إلى هذه المسافة. وحتى إن استطعنا المرور من فوقه بمعجزة ما فكيف سنجعل السفن التي سنصنعها تمر من فوقه، فلا أعتقد أنك تتخيلين أننا سنجعلها تطير من فوقه".
قالت بكآبة:
-" إذن، ماذا علينا أن نفعل؟.. هل ننتظر موتنا من الجوع ؟ أو ربما القتل أو العبودية؟". وأشارت إلى المواطنون بصولجانها الذي لمع تحت ضوء الشمس واستمرت تقول :
-" انظر إليهم ياعمي.. إنهم يبدون مرهقون جداً ، إني أقود شعبي إلى الموت. ماذا عليَ أن أفعل؟ فأنا لست زوجي.. لقد كان ماهراً في هذه الأمور والحرب بشكل خاص. كانت الممالك تخشاه لهذا قتلوه بهذا المرض. والآن أبني يحتضر بذلك المرض اللعين نفسه.
وقريباً سيصبح شعبي عبيداً.. اه ، أنا متعبة ياعمي، متعبة جداً، ولم أعد أقوى على الأحتمال.. في بعض الأوقات أفكر أن أرمي نفسي من هذه الشرفة..".
-" لا تمزحي هكذا ياصاحبة الجلالة ! ". قال مستشارها ذلك بوجه مرتعب.
قالت وهي تبتسم بتعب :
-" لقد قلت أفكر .. إنها مجرد أفكار، لا تنفعل هكذا. ولكن، لا تقلق، فعلى القبطان أن يغرق مع سفينته.. والسفينة على وشك الغرق قريباً جداً .. ".
وحدقت إلى السماء الزرقاء الصافية بحزن شديد. وأخذت تتذكرت كيف كانت تحكم مملكتها مندو أكثر من ثلاث مئة عام، وكيف كانت مملكتها جميلة آنذاك، وما أصبحت عليه الآن.
حينها أنّت الملكة وغرق العالم بالضباب إذ فاضت الدموع من عينها. قام مستشارها بإغلاق ستائر الشرفة سريعاً لكي لا يراها أحد. والقت الملكة رأسها على صدر مستشارها واشتد بكائها وأنينها وظلت تبكي وتصرخ وتنتحب من أعماق روحها المنهكة طويلاً. وغرق صدر مستشارِها بدموعها الحارة ، وقالت باكية :
-" ماذا علي أن أفعل !! ؟ ماذا أصنع !! ؟.. لقد عرضت نفسي على كل ملك.. على كل رجل يستطيع إنقاذنا.. عرضت نفسي وكأني امرأة رخيصة!.. ولكنهم رفضوني جميعاً.. رفضوا مساعدتي!!.. مساعدة شعبي. لماذا يفعلون بنا ذلك؟!!.. ماذا تريد الممالك الأخرى منا.. فليتركونا نعيش في سلام !!.. عليهم اللعنة !! فليحترقوا ، فليموتوا، فلتسقط عليهم السماء ولتنفجر الارض تحت أقدامهم !!!. فلتحل عليهم لعنة دومنيوم!! ". واستمرت تبكي بحرقة.
لم تكن هذه كلمات وبكاء ملكة فخورة تقف فوق شعبها. بل كانت تلك مشاعر امرأة أنهكتها الحروب والموت وضغوطات البلاد التي كانت على وشك الانقراض.
فقد كانت مملكة آيرم تحارب في عدة جبهات دفاعاً عن نفسها من الممالك حولها إذ كانت الممالك تريد غزوها وتوسيع أراضيها. ومع ذلك كان شعبها يموت أو يتم استعبادهم. ليس لإنهم ضعفاء فقد كان لديهم محاربون أشداء. ولكن كانوا يفتقرون إلى الخطط الحربية أو هذا مايعتقدوه.
حينما كان الملك على قيد الحياة لم تتجرأ الممالك في أن تقوم بالحرب عليهم إذ كان الملك الراحل داهية بالحروب وكانت البلدان تخشاه وتكرهه في نفس الوقت كما تكره بلاده بأكملها لأنهم ليسوا من البشر.لهذا قاموا بدعوته لحضور توقيع اتفاقية السلام في ما بينهم.. مندو مئة عام ، وحينما عاد الملك بداء مرضاً غريباً يصيبه ومات متأثراً بذلك سريعاً.
وقد أيقنت الملكة ومستشارها في أنه تعرض للاغتيال. عندها انتهت اتفاقية السلام في لحظة وكأنهم كانوا ينتظرون موت الملك. ومع ذلك لم تكن مملكة آيرم لقمة طرية إذ كانوا يقاومون الغزاة مندو تسعين عام.
أجاب مستشارها وهو يذرف الدموع :
-" لقد فعلتي كل شيء على أكمل وجه. ليست غلطتك ابداً. فلقد تأمرت علينا البلدان المحيطة كي تسقطنا ويقتسموا أرضنا في ما بينهم.. والآن ترفض البلدان حتى التجارة معنا.. هذا كل شيء ".
رفعت الملكة رأسها عن صدر مستشارها وقامت تمسح دموعها بأحد ذيولها وقالت :
-" هذا صحيح ، القوي يأكل الضعيف. هكذا يسير العالم. لكم أكره ضعفي.. كل ما أريده هو أن نعيش في سلام، ولكن، هذا مستحيل. لسنا في عالم الأحلام.. نحن في عالم الوحوش المفترسة ".
ونظرت إلى الجبل بعينين محتقنة وقالت :
-" لوكان لدينا بحر لذهبنا إلى أحد الدول البعيدة وقمنا بشراء ما نريد من الطعام والسلاح.. وربما.. ولكن أعدائنا يحيطون بنا كالعصفور في قفص". وضحكت الملكة واستمرت تقول :
-" اليس هذا تعبير جميل؟.. لكم أتمنى أن يتلاشوا جميعاً كما تلاشت فيرنا القذرة".
-" اوه!، هذا صحيح، لقد نسيت أن أُخبرك". قال المستشار وهو يمسح دموعه بأحد ذيوله واستمر يقول :
-" لقد قُتل سجآل روسو ".
قامت الملكة بالشخير.
-" لا. أنا جاد تماماً ".
-" لا تمزح ياعمي ، من يستطيع قتل هذا الوحش القذر. فلقد حطم جيوشنا تحطيماً ".
قال مستشارها :
-"إنها معلومات من تجار المعلومات الذين أعرفهم جيداً. هي معلومات مؤكدة تماماً، لقد قدمت لك معلومات تتحدث عن ذلك".
-" لا. أنا لم أقرأها، لقد كنت مع الأمير.. تستطيع اخباري عنها الآن ".
-" مم ، مفهوم. يبدو أنه كان لديه مهمة في فيرنا ولقد تم قتله هناك وأيضا اقرائي هذا الرسالة إنها من فيرنا " .
قالت الملكة مرتبكة :
-" فيرنا ؟ لقد ظننت أنها تلاشت ولم يعد فيها أحد ". وأخذت الرسالة وحدقت بالختم الذي يبدو كنجمة كثيرة الرؤوس وقالت وهي تفتحها :
-" أنا لم أرى هذا الختم من قبل". وظلت تقرأها وتعيدها عدة مرات ثم نظرت إلى مستشارها وهي ترفرف بجفونها وكأنها لا تفهم ثم قالت:
-" ما هذا؟.. هل هذه نكتة؟.. أو ربما مزحة ؟ ".
قال مستشارها :
-" لا أعتقد ذلك، وقد تم تسليمها إلى البلدان القريبة.. ايضاً لقد التقيت المبعوث بنفسي هذا الصباح ولم يكن إنسان " .
قالت بعيون متسعة :
-" ليس.. إنسان ، إذاً، ما كان؟ ، من اي عرق ينتمي ؟".
قال :
-" بصراحة لا أعرف، فلم أرى مثلها قط.. كانت جميلة حقاً ، كيف أصف جمالها؟ لقد.. ".
قالت مقاطعة :
-" عمي ركز معي قليلاً !".
قام المستشار بالسعال ثم قال :
-" أه ، لقد كنت ، أقصد ..أ. على العموم ، لقد كانت طفلة صغيرة تبدو بسن الأمير ، وكان لديها قرون غريبة الشكل تبرز من هنا ". وأشار إلى جانبي رأسه. واستمر يقول :
-" وقامت بإعطائي هذه الرسالة، وعندما قلت لها من تكونين ، قالت أنها أحد عبيد سيدها واختفت في لحظة. أعتقد أن ذلك كان سحر النقل الهوائي فلا يوجد غيره. لكن ، أن يكون العبيد بهذا الشكل وبهذه الملابس الفاخرة التي ترتديها.. هذا جنون ".
قالت الملكة :
-" على كل حال.. نحن لا ننوي التدخل في اي شيء ، يكفي مانحن فيه. لكن، أن يدعي شخصاً ما أنه قام بمسح مملكة فيرنا عن بكرة أبيها بنفسه لأنها كانت تُشعره بالاشمئزاز والقرف.. هذا شيء سخيف تماماً.
فلا يمكن لهذا أن يحصل أبداً، ايضاً يقوم بتنصيب نفسه إمبراطور لفيرنا.. أقصد لفاليا الآن.
هذا تصرف أطفال، لا بد أن هذه مزحة ".
-" قد يكون كلامك صحيحاً.. ولكن، ألا تتذكري تلك الليلة مندو مئتا عام فقد كنا نجلس هنا بالذات.. أنتِ والملك وأنا والعديد من الأتباع ".
قالت الملكة وهي تحدق إلى البعيد:
-" بتأكيد أتذكرها ولا أستطيع نسيانها إلى الآن.. فقد كان الوقت بعد منتصف الليل وكنا نراقب القمرين الدمويين تلك الليلة.. بدت كليلة مشئومة وفي لحظة اشرقت سماء فيرنا بزرقة عجيبة بدت كنيران جهنمية تبتلع كل شيء.
وللحظة شعرنا بالرعب والذعر فقد تضخمت واعتقدنا أنها ستبتلعنا ايضاً.. أنتظر لحظة!". والتفتت إلى مستشارها واستمرت تقول:
-" هل تعتقد أن صاحب هذه الرسالة يستغل هذا الموقف وما حصل لفيرنا؟.. ماذا كان اسمه؟ " . وعادت تقرأ الرسالة بصوت مسموع :
-" لينياس.. لينياس بنتوس.. ما هذا الاسم المضحك؟".
قال المستشار :
-" ربما . ولكن ، ألا تعتقدي أن فيه شيء من الصحة. فقد تم قتل سجال روسو وهذا بنفسه سيضعف كثيراً بعض الغزوات التي يطلقونها علينا. ايضاً لم يكن سجال روسو وحده من قُتل ، فخلال سنين طويلة وأنا أسمع عن أشخاص لا يعودون أبداً من فيرنا ".
-" انا أعرف ذلك جيداً . لكن ، لماذا تخبرني هذا الآن؟ " .
قال المستشار وهو يرفع إصبعه أمامه كمعلم :
-" لأن لدي فكرة " .
قالت الملكة :
-" فكرة ؟" .
قال :
-" نعم. نحن نعرف أن فيرنا عبارة عن أنقاض الآن. وبطبيعة الحال لا نعلم تضاريسها. ولكننا نعلم أن لديها بحر واسع من الجنوب " .
أشرق وجه الملكة وأضاءت عيناها بالأمل وقالت :
-" لهذا يجب أن تجمع بيننا علاقة جيدة ونطلب منهم استخدام بحرهم للأبحار إلى الدول الأخرى " .
قال :
-" هذا واحد من أثنين ، فإذا صح المكتوب في الرسالة ، وأنهم يحكمون فيرنا بأنفسهم ، فسنطلب منهم أن تكون بلادهم حليفة لنا.. فمن يعلم ما سيحصل مستقبلاً...".
-" دولة حليفة.. إنه يبدوا كالحلم بالنسبة لي، لم توافق اي من الدول أن تكون كذلك خوفاً من الدول الأخرى.. لهذا لا أعتقد أنهم سيقبلون، أيضاً ماذا لو أصبحوا عبئ علينا؟.. أنت تعرف حالنا..
وايضاً ياعمي إنهم أشخاص أخذوا البلاد وكأنهم عصابات ، فهل هؤلاء يعرفون كلمات العهود والشرف؟ ".
قال :
-" نحتاج اولاً أن نقوم ببناء علاقات طيبة معهم ثم نقرر ما نفعل بعد ذلك".
قالت وهي تحدق إلى ختم الرسالة الذهبي:
-" ولكن ، يبدوا أنك تنسى شيئاً مهماً، فنحن لسنا مرتزقة ، نحن مملكة ومع ذلك نقوم بالتحالف مع هؤلاء. إني أشعر بالقلق فقد يتحولوا إلى أعداء.. ".
وبصوت صلب كصلابة الفولاذ قال المستشار :
-" ياصاحبة الجلالة ، هل سيغير هذا شيئاً.. لم يعد لدينا متسع من الوقت فقد سقطت العديد من مدننا وقريباً سيصلون إلى العاصمة. يجب علينا أن ننقذ بلادنا حتى ولو تحالفنا مع الشيطان نفسه".
لم تستطع الملكة أن تقول شيئا ً فقد أصاب كبد الحقيقة.
قالت بحزن وهي تنظر لمدينتها أسفلها :
-" حسنا، افعل ما تراه مناسباً " . وصمتت للحظة ثم عادت تلتفت إلى مستشارها وقالت :
-" هل صحيح أن جيش الأعداء في الجنوب قد مات؟.. هل لديك معلومات مؤكدة تدعم ذلك؟". قال المستشار وهو يشير إلى الرسالة:
-" ربما هم فعلوا ذلك.. ". وسرت في الملكة رعشة من تلك الكلمات فقد كان جيش الجنوب يخيم بين الحدود التي تفصل بين مملكة فيرنا ومملكة آيرم وبالطبع لم يكن الجيش حليف لمملكة آيرم إذ كان يقوم بحصار آيرم من الجنوب وقد كان ذلك الجيش صلباً قاسياً.
قالت الملكة بصوت يوحي بالخوف:
-" لم نستطع هزيمته أبداً.. فكيف..".
-" لا أدري.. فقد تلقيت برقية هذا الصباح تتحدث عن ذلك". وحدق إلى الملكة بعينين جامدتين. ابتلعت الملكة ريقها وهي تنظر لتلك العيون التي تحمل أشياء مقلقة وقالت بصوت مرتجف:
-" ماذا؟.. ماذا؟..". أجاب مستشارها:
-" لقد تم تمزيقهم جميعاً بوحشية.. أجسادهم ودروعهم مزقت وكأنها صنعت من ورق". شعرت الملكة بالبرد وقالت وهي تضع يدها حول حلقها:
-" جميعهم؟.. لقد كانوا ثلاثة آلاف.. ألم يتبقى.. ".
-" لقد تم تمزيقهم جميعاً.. ربما كان وحشاً ما، أو ربما لينياس بنتوس هذا هو أحد التنانين القديمة.. لهذا قلت نحتاج أن تربطنا علاقة إن فهمتي قصدي". ومن جديد فاضت الدموع من عينيها وقالت:
-" هل تخبرني أن أقوم بعرض نفسي على تنين؟.. سيقتلني!. إنهم يأكلون اللحم.. سيلتهم شعبي جميعاً ". وأجهشت الملكة بالبكاء.
قال المستشار مواسياً:
-" ولكن لاورا كانت زوجة شرعية لأحد التنانين، وقد أنجبت العديد من الأبناء".
-" إنها اساطير سخيفة.. مضحكة.. أيضاً لاورا كانت من العمالقة..". أراد المستشار أن يقول في أن لاورا كانت من البشر إلا أنه ظل يراقب صراخ الملكة بصمت.
-" جميعها سخافات!.. لقد ضقت ذرعاً من الاساطير!. لا. لابد أن دومنيوم حقيقة.. لابد أننا في أيام دومنيوم.. حين يصبح الملوك عبيد اليس هذا ما قيل؟.. فأنا ملكة وسأصبح عبدة قريباً ". لا أعتقد أن هذا هو المعنى الصحيح.. سيأتي شخصاً ويجعل الملوك عبيد ربما تعني تلك الكلمات نهاية العالم.. أو سيصبح العالم موحشاً أكثر؟.. ياله من شيء مضحك.. تنين فقد عقله وأخذ يخرف. فكر المستشار بتلك الكلمات وعاد ينظر إلى ملكته. لم تقل الملكة شيئاً بعدها وعادت تسوي فستانها وشعرها ومسحت دموعها وعادت تقف كملكة جليدية. ودقت صولجانها على الأرض وقالت بصوت صلب كقلعتها البيضاء الشامخة:
-" سأفعل أي شيء في سبيل شعبي.. هذا هو واجب الملك. لذا قم بماتراه مناسباً.. ". انحنى المستشار وقد بدا سعيدا بعودتها إلى طبيعتها الملكية وقال:
-"مفهوم". ابتسمت الملكة برقة مع أن عينيها حملت حزن عميق وقالت:
-" يبدو أنك تريد رؤية تلك الفتاة الجميلة سريعاً ، أنت رجل بعد كل شيء ياعمي".
رد عليها بابتسامة دافئة وقد كان يعلم أنها تمزح لتبعد القلق عن قلبها :
-" لا ، إنها طفلة صغيرة، كيف يمكن أن أفكر بهذا ".
-" ولكن ، كبار السن يحبون الفتيات الصغيرات " .
فآهاهاهاها!!! . انفجر المستشار ضاحكاً من أعماق قلبه إذ لم يتوقع مثل هذه الكلمات وتبعته الملكة ضاحكة بسعادة. واستمروا يضحكون حتى دمعت أعينهم. ومع ذلك لم تكن لديهم أي فكرة في أن هناك شخصاً يراقبهم من الجدار خلفهم. كان شخصاً مصنوع من ظلال وكان يحدق إليهم بعينان حمراء كالجمر المتقد.