بعد خمسة وعشرون يوم....
تهالكت الملكة دنيا فيكتم بتراي آيرم على كرسيها الخاص.
كان أمامها طاولة دائرية واسعة يُحيطها العديد من الأتباع. وزراء . حكماء. قادة جيوشها المتبقين. سحرة القصر. فرسان. جنود. خدم. وكلهم نظروا إليها بألم.
أصبحت الملكة مختلفة تماماً عن شكلها المعهود إذ أصبحت عينيها جاحظتين وحولهما سواد شديد وبدت عظام وجنتيها البارزة كالخناجر، وشعرها الفضي أصبح فيه خطوط بيضاء، وأصبحت بشرتها جافة كلحاء الأشجار. وقد كانت الملكة على حافة الموت من الأهوال والأخبار إلا أن معالج القصر جعلها تستعيد بعض قوتها.
وحدقت إليهم ملكتهم بعينين خاويتين.
كانت تلوم نفسها عما صاروا إليه وهم كانوا يلومون أنفسهم عما صارت إليه. وظلوا صامتين.
حركت الملكة عينيها إلى الخريطة الكبيرة فوق الطاولة. كانت تشاهد فوق الخريطة أحجار صغيرة سوداء، ووضعت تلك الأحجار على كل مدينة في المملكة، كانت تلك الأحجار تعني أن المدينة قد سقط بيد الأعداء.
لم تهتم الملكة دنيا بذلك وأخذت تحدق إلى ذيولها وهي تفكر هل تقطع ذيولها أم لا. لم يكن لذلك أي معنى، ومع ذلك لم تستطع سوى التفكير في هذا الشيء.
وفي لحظة غرس ميكور سيفه في الطاولة وصرخ يقول :
-"اللوم يقع على عاتقي، فلو كنت جيداً، لما وصلنا إلى مانحن فيه الآن".
رفعت عينيها إليه وقالت الملكة بصوت يفتقر إلى الطاقة :
-" كلنا نعرف من هو القائد ميكور ، فأنت أقوى قادتنا ولم تخسر معركة قط، حتى سجال روسو ذاك لم يستطع هزيمتك ، لذلك لا تجعل نفسك كبش فداء".
رد ميكور :
-" لم أخسر معركة قط، ولكن الحرب تختلف إذ تحتاج إلى مكر وتخطيط.. وأنا لست جيداً في ذلك ".
-" يبدو أنك قلت الإجابة بنفسك ياميكور ، حينما كان زوجي على قيد الحياة لم تخسر ، اما الآن فنحن نخسر بسببي " .
ضرب ميكور يده على الطاولة بقوة مما جعلها تتصدع وقال بغضب :
-" أنا لم أعني ذلك أبداً!. اللوم يقع علي في كل شيء ياصاحبة الجلالة!".
-" هل تريد ضربي ياميكور؟..إن كان هذا سيريحك ولو قليلاً أرجو أن تفعله".
-" صاحبة الجلالة؟ !!! " . صرخ ميكور وهو يحدق إلى ملكته بعينان متسعتان وكأنه لا يصدق ما سمعه.
-" لا تنظروا إلي هكذا جميعاً، اليس هذا هو الشيء الطبيعي لفعله؟ في الحقيقة ياميكور يجب أن تُدق عنقي لجلبي العار للمملكة آيرم ، فقد كنت ملكة بائسة رمت بشعبها إلى الهاوية، وأنا أرغب في أن تقوم بذلك يا صديق زوجي العزيز وفارسي المخلص". وابتسمت الملكة وقد قبلت مصيرها.
ولكن هذا الطلب لم يكن شيئاً يفخر به أحد وتشوه وجه ميكور بالغضب وانتفخت عروق وجهه وقال :
-" هل تطلبين مني؟!.. أنا الشخص الذي أقسم أن يُبدل حياته في سبيل الملك أن يقتل ملكته بيده ".
رمقته الملكة بعاطفة إذ كانت تعرف أنه يحبها، ليس حب لملكته بل حب رجل لمرأة، ولكنه لم يخبرها بذلك قط، وقد كرهت ذلك. فلم تستطع أن تقول او تفعل مثل بقية النساء. فقد كانت ملكة ويجب أن تتصرف كواحدة.
ولكن ، كامرأة أرادت أن تشعر أنها مرغوبة. أرادت أن يخبرها أنه يحبها. أرادت أن يشدها من ذراعيها ويجرفها إلى أحضانه وربما يقوم بالهمس في أذنيها بكلمات بذيئة، كان هذا شيئاً لا يغتفر وسيجعلها تشتاط غضباً وتصفعه عدة مرات حتى تدميه. ومع ذلك ستكون سعيدة في أعماقها من فعلته إذ سيجعلها تغضب كامرأة أغضبها رجل، فقد تعامل معها كامرأة.. رجل يتعامل مع امرأة من لحم ودم وليس إلى ملكة مبجلة.. ملكة من حجر. أرادت رجلاً تستند عليه، رجلاً تذرف الدموع بأحضانه الدافئة ، وتشكو إليه الأعباء والهموم التي تسحقها روحها سحقاً.
والمؤلم بالنسبة إليها هو أنه لم يتعامل معها أحد كامرأة حتى أنه لم يتغزل بجمالها أحد.
كانت تحب زوجها ، ولكن ، زوجها مات مندو زمن. ألا تستحق أن تتحصل على بعض السعادة في حياتها البائسة اللعينة قبل أن تختفي من هذا العالم.
أرادت أن تقول كل هذا لأميرها الصغير، إلا أن الأمير طلب منها أن تتزوج من اجل البلاد.
وقد شعرت الملكة في أن الأمير يعلم تماماً ما يحترق في صدرها، لهذا ، ربما طلب منها أن تتزوج من اجل البلاد. فلطالما كان ابنها يستطيع قراءة بعض أفكارها. تنهدت وقد شعرت بالإرهاق من هذه الأفكار والتي لم تعد ذات أهمية بعد الآن وقالت :
-" إذن، هل تريد أن تصبح ملكتك الغالية عبدة يعبث بها أسيادها؟.. أنت تعلم ماذا يحدث للعبيد".
أغمض ميكور عينيه متخيلاً ملكته يتم جرها بالسلاسل ويتم ضربها بالسياط بعد تعريتها. ولم يحتمل تلك الأفكار. وارتعشت الملكة حينما شاهدت الدموع تتسرب من عيني ميكور وهو يقول:
-" لن يحدث وأنا على قيد الحياة !". وانتزع سيفه من الطاولة واستمر يقول:
-" هذا أمر قد فات أوانه ولكن هناك خائن بيننا!!". وصلصلت السيوف إذ نهض الجميع رافعاً سيفه.
بدا ميكور كرجل في الثلاثين من عمره، ذو شعر أسود يصل إلى أسفل كتفيه، ولديه عينين بنيتين داكنتين، طويل القامة، عضلي الجسد قمحي البشرة، لديه ذيل أصفر كذيل النمور، وكان يرتدي الدروع الحديدة الصدئة. لم يكن بجمال الملكة، ولكنه كان وسيماً بشكل عام.
يعشقه الجميع لقوته وتواضعه وشرفة المستقيم كالسيف. ولم يجرؤ أحد في أن يسخر من درعه الحديدي.
فقد كان مقاتلاً مخضرماً ، فإذا تكلم صمت الجميع. وكانت كلمته الشهيرة [صنعت الدروع للقتال وليس لحفلة راقصة ].
قالت الملكة وهي تضع يديها فوق الطاولة :
-" هذا لايهم بعد الآن..".
قال المستشار الذي كان يجلس بجانبها :
-" كيف تقولي ذلك ياصاحبة الجلالة ، فهذا ليس.. ". قالت الملكة مقاطعة:
-" لقد ضقت ذرعا بكل شيء ، ولم أعد أهتم بأي شي … !" .
قال معالج القصر العجوز :
-" أنا أعرفه.. إنه يقف معنا الآن". وعم الصمت في المكان. واستمر معالج القصر العجوز :
-" إما هو ذكي او محض أحمق.. ولكني اشاهد شيئاً مألوفاً بعيني العجوزتان".
كانت عيني معالج القصر العجوز تتوهج بألوان قوس قزح، وكان ذلك بسبب استخدامه لتعويذة سحرية عالية تسمح له برؤية الأوهام وكشف سحر الخفاء واشياء كثيرة. كانت تلك التعويذة هي ..
-" العين السحرية.. يالك من ماكر أيها العجوز !". ونهض صاحب تلك الكلمات وهو يبتسم ابتسامة كريهة ورفع سيفه وفي لحظة خاطفة قفز فوق الطاولة مستهدف الملكة.
ولكن الرجل اختفى في رمشة عين وانفجرت إحدى الجدران واهتزت الثريات من الانفجار. حدقوا جميعاً ووجدوا الرجل ملتصقاً بالجدار ولم يفهم أحد شيئاً ولكن كلمات الساحر العجوز أجابت عن كل شيء.
-" حلمي. يالك من عجوز خرف.. هل كنت تعتقد في أني سأجعلك تؤذي الملكة؟.. يالك من بائس. أه.. لابد أن حلمي قد مات وأنت أخذت شكله.. ".
هاهاها !!. ضحك حلمي بصوت مشوه بدا كصوت الآلات الموسيقية المتآكلة واستمر يقول بذلك الصوت :
-" لقد كشفتني أيها الحثالة ! " . وبدأ جسده يتغير ويتضخم كمارد يخرج من مصباحه حتى أصبح بحجم أربعة رجال، بدا جسده بأكمله كنيران سوداء متراقصة إذ كان جسده يتلوى ويتموج دون توقف، وكانت عينيه كجمرتين، وكانت لديه مخالب طويلة حادة كسكاكين.
-" اوه! ". انطلقت صرخة من الجميع واتسعت ابتسامة الوحش المخيفة وقال :
-" الخوف الذي تشعرون به طبيعي، ولكن ، لا تقلقوا فقد انتهت مهمتي ويجب علي ابادتكم جميعاً !! ".
-" فاهاهاهاها ! ". انفجر الجميع بالضحك رد على تلك الكلمات.
-" خوف؟.. نحن نشعر بالخوف منك؟ لقد سمعت أشياء غريبة ، عجيبة في كل حياتي الطويلة، ولكن ، هذا أغرب شيئاً سمعته في حياتي كلها". هكذا قال معالج القصر العجوز وهو يداعب لحيته الطويلة البيضاء واستمر يقول :
-" ما رأيك ياميرين ؟".
كانت الفتاة تقف بجانبه وكانت ترتدي عباءة بنفسجية تغطي كل جسدها ولا يرى منها سوى وجهها الطفولي وعيناها الخضراء المتوهجة وأجابت :
-" هذا صحيح يا معلم ، ولكن، لو ظهر سابقاً لستطعنا إقامة العديد من التجارب على جسده ، ولكن، للأسف فقد ظهر الآن وبلادنا قد انتهت".
وانفجر الجميع بالضحك رداً على ذلك وكأنها قالت نكتة ما.
حدق الوحش اليهم بارتباك وقال :
-" الستم خائفون او حتى قلقون على أنفسكم ! ".
-" لماذا؟ هذا هي حقيقة العالم الملعون الذي نحن فيه. القوي يسحق الضعيف، أما الخوف فلا نعرفه إلا نسائنا فهم عاطفيات ويخشون القتال " . هكذا أجاب ميكور وعيناه تقدح شرراَ.
-" نحن لا نخاف القتال ياسيد ميكور ، ولكن ، رجالنا مجانين !". هكذا قالت ميرين وهي تمط شفتيها باستياء.
التفت الجميع إليها حتى الشيطان نفسه فعل ذلك.
وقال معلمها العجوز وهو يداعب لحيته :
-" إذن، هل تريدين قتاله؟ سيكون ذلك تمرين جيد لك ".
-" لا . شكراً لك ، سوف أدع هذا لمجانيننا ".
-" فا هاهاهاها !!!!!! ". وانفجر الجميع بالضحك مرة أخرى من قيعان قلوبهم.
-" كلكم فقدتم عقولكم من هول ما أصابكم !!".
-" هل تعتقد ذلك أيها الشيطان؟ " .
-" نعم أيتها الملكة البائسة، انظري إلى الخوف والرعب ما صنع بك!".
-" أنت لا تفهم شيئاً، ليس الخوف ما صنع بي، ولكن سأخبرك قبل أن تعود إلى الجحيم. الشرف ، الفخر ،العهد ، الكبرياء، الطموح. كل هذا أنا أجسده، أنا أحمله، فأنا ملكة تحمل مملكة فوق أكتافها. بلد - شعب -رعية -أتباع –أحلام - مستقبل البلاد. كل ذلك سلم لي من أسلافي العظماء لكي أحميها. لحفظ عهد الملك آيرم العظيم ، الذي وحد عرق تيليس ، وقام ببناء مملكة آيرم لحماية شعبه من العبودية.
والآن هذه المملكة انتهت في عهدي. جلبت الخزي والعار لشعبي وحطمت فخر وأحلام آيرم العظيم والملوك من بعده.. وأحلام زوجي. لهذا لم أحتمل هذا الكم الهائل من الضغوط و المصائب ، فأنا لست من حجر. أما الموت فلا أخشاه، لهذا طلبت من ميكور أن يقطع رأسي، فهل تعلم كمية العار والخزي لشعب أصبحت ملكتهم عبدة.. لا .لا أعتقد أنك تفهم أن تكون ملك".
-" لا أدري عما تتحدثين أيتها العجوز ! ".
قال ميكور وهو يضع سيفه على كتفه :
-" ياصاحبة الجلالة ، لا تتحدثي مع هؤلاء فهم لا يفهمون سوى لغة الدماء.. ".
-" كيف علمت أن هناك جاسوس أيها الحثالة؟!". اجاب ميكور بسخرية:
-" يالك من شيطان أبله.. كيف يمكن أن تسألني مثل هذا السؤال". قال الشيطان مزمجراً:
-" اخبرني ايها الحثالة!!". كان ميكور لا يرغب في إضاعة الوقت ولكن الملكة طلبت منه أن يجيب لهذا تحدث:
-" ملكتنا رقيقة المشاعر مرهفة الحس وتكره الصراعات والحروب ولا تتحملها ، وأنت ترى حالها الآن ، وهي ترى نفسها غير كفئ. لكن.. أنا أختلف معها. فقد كانت الخطط التي تعطيها لي مرعبة وكأنها الملك الراحل.
ولكن ، الخطط كانت تُكشف سريعاً جداً والأعداء يوقعونا في فخ في كل مرة ، وبدت لي المعارك غريبة، شككت بأن هناك جاسوس شككت بكل شخص ولكن لم استطع إثبات شيء ".
وقف المستشار أمام الشيطان وحدق به بعينين باردتين، كان المشهد كوميدياً أو ربما مرعباً إذ كان المستشار رشيقاً قصيراً أمام ضخامة الوحش الهائلة وكان الوحش يكشر عن أنيابه بابتسامة تدب الخوف في النفوس. إلا أن المستشار كان ينظر إليه وكأنه ينظر إلى فأر وقال :
-" لم أرى شيطان غيرول مندو زمن طويل جداً ، ولكن، لدي سؤال لك أيها الصغير، هل أنت السبب في موت الملك مندو مئة عام".
تلك الكلمات جعلت كل العيون تضيئ كالوحوش في ليلة ظلماء.
-" نعم أنا قاتله أيها العجوز ".
-" حقاً...شكراً جزيلاً على الإجابة ". والقى المستشار لكمة في بطن الشيطان. شاهد الشيطان اللكمة تقترب إليه وأخذت يضحك من تفاهة الرجل العجوز. ربما كانت اللكمة سريعة ولكن بالنسبة إلى الشيطان كانت بطيئة، هل يغرس مخلبه في حلق الرجل العجوز او ربما يجعله يلكمه ويشاهد نظرة اليأس ومن ثم يقتلع رأسه. وخلال هذه الافكار ابتسم المستشار إلى الشيطان واختفت يد المستشار للحظة لم يفهم الشيطان ما حدث ولكنه بدأ يشعر بألم في أمعائه ولم يدرك سوى أنه حطم الجدار بارتطامه.
نظر المستشار إلى قبضة يده المتوهجة وقال :
-" الشيخوخة حقاً مزعجة " .
فأااااااااا!!!. اندلع الصراخ كيف يمكن أن يطير هذا الوحش بسبب لكمة!. فكر الجميع بهذه الكلمات حتى ربما الشيطان نفسه فكر بها.
كان الشيطان على وشك النهوض ليجد ميكور أمامه وقد لوح بسيفه بقوة. اخترق السيف عين الشيطان اليمنى وجانب رأسه. وصرخ الشيطان متألما وضرب مخالبه في ميكور إلا أن الأخير تفادها وقفز للخلف مبتعداً وقال :
-" لا تتوقع منا القتال بعدل معك، فلم تكن أنت تقاتل بعدل معنا " .
-" أيها القذر !! " . زمجر الشيطان وبدا جسده يستحيل إلى دخان. عندها ضرب الساحر العجوز عصاته في الأرض ورداً على ذلك رفع السحرة أيديهم وتمتموا بكلمات لتظهر دائرة بيضاء تحت الشيطان ومن تلك الدائرة انطلقت العشرات من السلاسل البيضاء المضيئة والتفت حول الشيطان.
تأوه الشيطان من الألم وبدأ جسد الشيطان بالتدخين.
-" سلاسل النور ! ، نقطة ضعف الشياطين ! . ليس سيئاً ، لقد فكرتم جيداً بهذا ! ".
قال المستشار :
-" أنت تفتقر إلى الذكاء ، فقد كنت تراقبناً سنين طويلة ، وكان عليك أن تعلم أننا لسنا ضعفاء. حسناً، كنت أريد أن اسألك عمن أرسلك. ولكن ، لم يعد هذا مهماً بعد الآن. فعلينا أن نقرر أن نهرب مع الملكة او نبقى ونقاتل حتى الموت ، طبعاً هذا بعد قتلك أيها الشيطان " .
-" فاهاهاهاها ! . تقتلوني أنا ، أحد أتباع المعلم الكبير ! ".
-" المعلم الكبير؟.. إذن، هذا هو السيد الجبان الذي أرسل هذا الفأر إلينا.. حسناً ، أعترف أنه أصابنا في مقتل ".
-" أيها الساحر العجوز كيف تجرؤ أن تهين سيدي العظيم !! ".
تنهد المعالج العجوز وقال :
-" هل تعتقد أنك شيئاً كبير؟.. فأنت لست سوى فأر صغير ، وسيدك يبدو خائفاً منا ، وإلا لماذا يرسل جاسوساً " . ووقف أمام الشيطان الذي كان يزمجر ويحاول التملص من السلاسل واستمر يقول بعينان غاضبتان تشتعل فيها النيران :
-" ولكن لا تستهين بي ايها الحثالة ! " . وطوى أصابع يديه في قبضة لتشتد السلاسل حول الشيطان وتشده إلى الأسفل سريعاً ليحطم الأرض تحت ركبتيه وهو يزمجر متألماً.
واستمر المعالج العجوز يقول :
-" لقد قتلت المئات من أمثالك في لحظات فلا يوجد أحداً في هذا العالم لا يعرف ساحر آيرم ، هذا اللقب الذي أعطانيه سيدي وصديقي ورفيقي آيرم نفسه ليس من هواء. ولكن ، السحر ليس مطلقاً ، ولا يستطع أن يحقق المستحيل". ونظر إلى السقف بعينان حزينتان وعاد ينظر إلى الشيطان بوجه مشوه من شدة الغضب وقال :
-" لقد كنت أعرف أن الملك الشاب سيموت إذا ذهب إلى ذلك الاجتماع ، وقد... " . تنهد العجوز واستمر يقول :
-" هذا لا يهم ، ولكن ، الملك الشاب مات بمرض عجيب حقاً، مات الملك الذي كان صورة مطابقة ل-آيرم نفسه. لقد كنت مجنوناً حينها.. كيف يموت وأنا لم أستطع أن أفعل له شيئاً..
شعرت أن هناك شيئاً غريب في القلعة، شيئاً مظلماً مألوفاً، أخذت أبحث عنك أيها اللعين في كل شبر من القلعة، ولكن دون جدوى فقدرتك الشبحية مزعجة بالنسبة لي.
ولكن ، وكأن الله رحمني وأرسل الأمير الصغير الذي أصبح نسخة أخرى من آيرم.. ولكنه كأبيه ، وسيموت خلال يومان على الأكثر !!! . لكن ، قبل تنتهي هذه المملكة سنأخذ بثأرنا لملكنا وأميرنا !!! .
من اجل آيرم !!!!!!!! ". صرخ العجوز كوحش ممزقاً بالألم . وانفجر الصراخ الذي هز القلعة بأكملها.
-" من اجل آاااااااااااايرم !!!!!!! " . صرخ كل الحاضرين والدموع تتساقط من أعينهم وتقافزوا فوق الشيطان كالوحوش الضارية. جنود. فرسان. قادة. وزراء. كتبه. سُعاة. خدم. مزقوا الوحش أمامهم كالمجانين. حتى السحرة تقافزوا بالهواء ممطرين التعاويذ فوق الشيطان، حتى الساحر العجوز وتلميذته أطلقوا التعاويذ كالمطر وهم يذرفون الدموع.
أصبح الشيطان لحماً مفروماً في ثوان، وصبغت الدماء كل الحاضرين. ووقفت الملكة أمام ما تبقى من الشيطان وهو رأسه وكتفيه، وأخذت السيف من ميكور. ولوحت بالسيف ببرود. تدحرج رأس الشيطان الذي ازداد بؤساً من تشوهه.
فُتحت البوابة في تلك اللحظة ، ليدخل أحد الجنود وهو يذرف الدموع :
-" إنهم هنا ، لقد أحاطوا القلعة ياصاحبة الجلالة ! ".
-" أحسنت العمل أيها الجندي المخلص". قالت الملكة ذلك بكل كبرياء وفخر وأخذت تسير إلى الباب واستمرت تقول :
-" أنا لن أهرب او أطلب الموت والأعداء أمامي ، أمام منزلي. إذا كنت سأموت فل يكن ذلك في قتال. لكي لا يقال أن آخر ملوك آيرم فر من أعدائه بقتل نفسه". وتبعها كل الحاضرين دون ذرة حزن او ألم ، بل كانت وجوههم تُشع قوة كالمحاربين البواسل الذاهبين إلى مجدهم.