النهاية
وقفت الملكة أمام بوابة قصرها وحدقت إلى الجيش الهائل الذي يقف أمامها.
وأمام تلك الجيوش كان القادة الملطخون بالدماء. عشرون قائداً. وكل قائد خلفه فيلقه الخاص المكون من خمسة آلاف . جيشاً مكون من مئة ألف شخص. كانوا يُغطون الأرض كالبحر.
لكن –
تقدم ميكور وهو يمسك سيفه ووقف أمام ملكته كقلعة غير قابلة للإختراق، وقال بوجه لا يحمل اي عاطفة وعينان كالجليد :
-" يا لهذا المشهد الجميل ، ولكن ، لا أرى ذلك الجبان الضخم ، هل قُتل كالكلب كما سمعت".
فافافافافا !!! . انفجرت مقدمة الجيش بالضحك مصدرين بذلك صوتاً كعشرات الرعود.
ظل ميكور صامتاً حتى تلاشت عاصفة الضحك.
وقال أحد القادة الذي كان يبدو كالوحش الجائع من كثرة الدماء التي تغسله :
-" هل هذا كل ما تبقى لديكم ، ترسلون شخصاً واحداً فقط ، وفوق ذلك يرتدي الذروع الصدئة ، لقد خيبتم أملي حقاً ". وقام بالضحك بشكل حقير.
-" صُنعت الذروع للقتال وليس لحفلة راقصة ! " . تلك الكلمات التي قالها ميكور ببرود جمدت القادة وأخمدت السعادة المرسومة على وجوههم وحل محلها الخوف وعدم الإرتياح.
وقال أحد القادة الآخرين :
-" عليك اللعنة، إذن، أنت هو ميكور ، لقد ظننت أنك قد أصبحت ميتاً".
-" مازالت لديك الفرصة لجعل هذا حقيقة ، أم تفضل قتل الأطفال فقط أيها القذر ! " . قال ميكور بعينان ساطعتان.
أجاب القائد السابق ذو الدماء التي تغسله وهو يشير بسيفه إلى ميكور :
-" دعنا من هذا الهراء فالقوي يفعل ما يشاء. هذا هو الواقع والحقيقة اللعينة، لذلك، أنا القوي أعطيك الشروط فل تسمعها الآن ".
ميكور ظل صامتاً لذلك أكمل الرجل الحديث.
-" يجب أن تقتل العائلة المالكة بيدك وسنخلي سبيلك ومن معك من الكلاب، أو نقوم بقتلكم وتصبح الملكة كلبة لنا- أقصد أسيرة لنا " . وابتسم بشكل حقير واستمر يقول :
-" وأما الأمير ، فلا تقلق، هناك من يحب الفتيان وسيدفع الكثير من أجله. إذن، ماهي إجابتك؟". أغمض ميكور عينيه وقد أدرك أنه سيموت، فلا يمكن أن ينجوا من قتال الجيش أمامه مهما كانت قوته، ولكن، لم يكن هذا شيئاً سيئاً، فقد كانت أمنيته أن يموت في ساحة المعركة فكيف الآن وهو سيموت دفاعاً عن ملكته ، كان أعظم شرف رغب به. ولكنه لن يسقط بسهولة بل سيأخذ العديد منهم قبل موته.
ونظر إلى ملكته نظرة أخيرة.
لم تكن ملكته تعلم شيئاً عن أمر الأمير، ربما كانت الملكة تعتقد أن الأمير لا يعلم شيئاً ولكنها كانت مخطئة إذ كان الأمير يعلم كل صغيرة وكبيرة. وقبل عدة أيام كان هناك اجتماع سري في غرفة الأمير، وقد كان هناك العديد من الاتباع المقربين، ومن بينهم كان ميكور ومعالج القصر العجوز والمستشار. وقد طلب الأمير من معالج القصر العجوز أن يلقي في الغرفة العديد من التعاويذ لمنع التجسس.
وبعد ذلك أصدر الأمر وهو أنه عندما يحين الوقت سيستخدم الساحر العجوز تعويذة الانتقال ويأخذ معه الملكة وأتباعها الخاصين.
وقد فهموا ما يعنيه الأمير بهذا الأمر القاسي،
كان عليهم إنقاذ الملكة مهما كلف الأمر، فطالما كانت الملكة على قيد الحياة كان هناك أمل في استعادة البلاد مرة أخرى.
هذه هي النهاية إذن.. ليست سيئة.. لقد عشت حياتي بفخر وسأموت بفخر. ونظر إلى القادة الملطخون بالدماء. لم يكونوا يدعون بالقادة الملطخون بالدماء عن عبث فقد كانت أجسادهم تغسلها الدماء في كل المعارك إذ كانوا يغتسلون بدماء ضحاياهم كنوع من الطقوس، لهذا كان ميكور يكرههم فلو كانوا يفعلون ذلك بخصومهم لربما تقبل ذلك ولكنهم كانوا يقتلون الأبرياء والعزل ويستحمون بدمائهم.
كان ميكور يعرفهم جيداً فقد كانوا مقاتلين أشداء، ولكنهم لم يكونوا بمستوى ميكور إذ كان يستطيع قتال ثلاثة منهم دفعة واحد، حتى أربعة في حدود الممكن ولكن إن كان أكثر من ذلك فسيكون ذلك صعباً. وحرك عينيه إلى المرأة الوحيدة بين القادة الملطخون بالدماء، كانت تبدوا وكأنها قامت بصب عدة براميل من الدماء على رأسها إذ كان شعرها أحمر لزجاً وكانت دروعها قرمزية من كثرة الدماء. حينها حدجته المرأة بنظرة قاسية وهي تلعق شفتيها وكأنها وحش يطالب بتذوق المزيد من الدماء.
واعترته رجفة إذ تذكر أن هذه المرأة تحب غسل بشرتها بدماء الفتيات الصغيرات.
هؤلاء لا يعرفون الشرف.. مجرد جزارين ..
حينها تصلبت عضلاته وبدا ميكور كنصل سيف حاد وحينها اتسعت ابتسامة ميكور، كانت ابتسامة وحش مفترس. واشتعلت عينيه حقداً.
صرخت الملكة من خلفه وهي تقول:
-" ميكور أرني شيئاً يليق بخاتمتنا اللعينة !!".
-" سمعاً وطاعة!!!". صرخ ميكور ولوح بسيفه بقوة في الهواء، وأصدر الهواء صوت حاد وكأنه يصرخ متألماً من حدة السيف. كانت الملكة تعتقد أنه يقوم بالاستعداد، ولكن ما شاهدته بعد ذلك جعلها تضحك بخبث إذ ظهرت أربعة رؤوس وحلقت في الهواء وبعد ذلك ظهرت الأجساد التي تفتقد رؤوسها مطلقين من بين اكتافهم نوافير حمراء بشعة.
كان يستخدمون سحر الخفاء كي يقتربوا من ميكور، ولكن ميكور لم يهتم فقد كانت حرب وكل شيء فيها مباح.
ومع ذلك لم ينتهي ميكور إذ عاد يلوح بسيفه بسرعة خاطفة مستهدفاً سيقانهم، تطايرت سيقانهم في كل مكان وتساقطت الأجساد متخبطة كأسماك علقت في شبكة صياد.
وحدق إلى أحد الرؤوس المتدحرجة وقام بركله إلى المرأة الدموية، طار الرأس كالسهم من قوة الركلة مستدفاً رأسها، وفي حركة سريعة قامت المرأة بقطع الرأس بسيفها وحدجت ميكور بحقد وكأنها شعرت بالإهانة من هذا الفعل.
وقبل أن يتقدم ميكور لمح وميض في سماء، ورفع عينيه لتظهر دائرة ذهبية في السماء، وبدأت الدائرة تتضخم وتتسع سريعاً حتى حجبت السماء من حجمها الهائل. وبدأت الرمز والشعارات تتوهج وتدور حول نفسها وغرق العالم بلون الذهب. حدق الجميع إلى السماء بذهول. كان المنظر جميلا كالأحلام وللحظة نسي الحاضرون الحرب. قفز ميكور إلى الخلف واتبعها بقفزات سريعة واسعة حتى وقف أمام الملكة وعاد ينظر إلى السماء.
حينها ضربت أعمدة البرق السماء ليظهر جيشاً مهيباً في الهواء. كان ذلك الجيش يقف في الهواء وهو يلمع كالكنوز.
مئات مدرعين بالذهب. مئات مدرعين بالبلاتين. مئات مدرعين بالفضة. مئات يكسوهم السواد.
نسي الجميع مكانهم وهم يحبسون أنفاسهم. كان شيئاً لا تراه إلا في الخيال.
انحدر ذلك الجيش من السماء بسرعة مخيفة وكأنه يسقط بفعل الجاذبية. وقد فكر الجميع في أنهم سيتحطمون من هذا السقوط .
إلا أن ذلك الجيش كان يقف بثبات وجمود وكأنهم لا يهتمون.
-" جيش السماء " . قالت الملكة وعيناها تكاد تسقط من مكانها.
وانفجرت الأرض وكأن سقط فوقها عملاق هائل.
عصف الغبار كدوامات هائلة ، وتلاشى الغبار في لحظة لينظروا لذلك الجيش الذي بدا واقفاً كالتماثيل وهو يفصل بين الملكة والجيش الكبير.
كان بمقدمة ذلك الجيش رجلان يرتديان ملابس سوداء ، وبجانبه امرأتان ترتديان فستانان أسودان إحداهن تضع قناعاً على وجهها وأخرى جمالها يحبس الأنفاس.
وبجانبهن رجل وامرأة يرتدون الدروع بألوان مختلفة، وبجانبهم رجل ضخم ذو شعر وعينان خضراء. وأمامهم جميعاً شاب ذو جمال يذهل الناظرين لولا عيناه الحمراء الخبيثة.
وكأن هذا لم يكن مشهداً كافياً للناظرين ركع ذلك الجيش المهيب على ركبة واحدة بشكل أنيق وكأنهم يتباهون بأنفسهم أمام ملكهم.
ولكن لم يفهم أحد ماذا يحدث او لما يفعلون ذلك، فلم يكن أحداً يقف أمامهم كسيدهم كي يفعلوا مثل هذا الأداء.
عندها سُمع صفيراً مدوياً في السماء وكان الصوت يزداد قوة وكأن شيئاً سريعاً يسقط من السماء.
وضرب وميضاً ذهبياً الأرض ساحقاً الجيش في انفجار عظيم. تطاير الفرسان في كل مكان واهتزت الأرض وكأن ضربها زلزال عظيم.
وصرخت الملكة في رعب وهي تحاول التوازن وعم الجنون في المكان إذ انطلق هدير هائل يصم الأذان.
ورفرفت أشرعة هائلة لتبعد الغبار حولها، ليرتعد كل الحضور في مزيج من الرعب والخوف والذهول.
كان تنيناً هائلاً بحجم سفينة ، تلمع حراشفه الذهبية تحت أشعة الشمس كجبل من الجواهر المتلألئة، وكان يفتح جناحيه الأربعة وكأنها أشرعة سفينة ذهبية. ونظر بعينيه الفضيتان التان تشعان قوة لا تنتمي لإنسان إلى الأشخاص أمامه باحتقار.
كان هائلاً . قوياً . مرعباً . جبار.
نسي الجميع الجيش الذي سقط من السماء وأخذوا ينظرون إلى التنين، وأرادوا الصراخ والعويل من هذا الجنون، وبرعب حدقوا إلى رفاقهم الذين أصبحوا كالعجين تحت جسده العضلي الكبير. ولكن ، لم يجرؤ أحد في تقليل الإحترام للكائن العظيم .
عندها أطلق التنين زفيراً ساخناً قوياً من منخريه الهائلان ليتطاير الجنود من أمامه كأوراق الأشجار. لم يجرؤ أحد أن يتقدم ليتفقد رفاقه المهروسين او حتى يتحرك او أن يتنفس بصوت عال.
وقفوا جميعاً شاحبين كالتماثيل، غير راغبين في جذب الانتباه لهذا الوحش الذي كان أضخم من كل التنانين التي شاهدوها وسمعوا بها حتى في الأساطير.
كانت الملكة ترتعش وهي تحتضن صولجانها من شدة الخوف. فقد كان كتلة هائلة من القوة ترهب النفوس. وفكرت الملكة وهي تحدق إلى التنين:
هذا هو لينياس بنتوس.. الرحمة يارب . وتدفقت دموعها من شدة الخوف حتى أنها شعرت ببلل بين ساقيها، ومن جانب الملكة انطلقت شهقة مخيفة والتفتت الملكة لتجد أن الساحر العجوز بدا وكأنه جثة مرتعشة وخر على ركبتيه في رجفة عنيفة. حتى ميكور وقف أمام الملكة مرتجفاً.
حينها خفض التنين رأسه ليعم الصمت في المكان.
كان فوق رأس التنين عرش عظيم، ويجلس على العرش رجلاً جميلاً كالأساطير.
شعره الأبيض الكثيف يتموج خلفه كالسحاب، وكانت ملابسه السوداء الفاخرة تلمع بخيوط الذهب، وفوق كتفيه جوهرة ذهبية كرأس تنين تُشع بكل الألوان، ويتدلى من كتفيه عباءة قرمزية ترفرف خلفه كنيران هائلة.
كانت التنانين ذو كبرياء وفخر شديد ولن تسمح لأحد بركوب ظهرها، فكيف بتنين يضع رأسه المهيب في الأرض كالعبيد.
كان هذا كثير وقد فاق الإحتمال من كثرة الخيال. إلا أن أحد لم يستطع قول شيء وهم يفكرون أن هذا نوع من الهلوسة والأوهام.
ولكن، كان هناك شخص واحد يعلم أن هذا ليس خيال. وصرخ ذلك الشخص وهو يرتعد ويرتجف:
-" من أنت ؟! " .
نظر لينياس بنتوس من فوق عرشه العظيم بعيناه الذهبيتان الغاضبتان إلى الرجل العجوز
وقال :
-" شخصاً وُلد مرتان! " . وشعر برغبة جامحة في قتلهم جميعاً دون استثناء.
-----------☆☆