وانتهت فورة الجنون في لحظة إذ استخدمت إنتوس السحر ليطفو السرير في الهواء ويهبط على الأرض بهدوء.
وجلست إنتوس على حافة السرير وكأنه دمية. ومع ذلك كانت تحرك عينيها في دوائر متجاهلة وجود الرجل وكأن فعلها ذلك كفيل في أن يجعل الرجل يذهب في حال سبيله.
ولكن سيريوس كان ينظر إليها دون أن يبدي حركة واحدة. وبطرف عينيها نظرت إليه وقالت:
-" لقد كنت أقوم بتنظيف الغرفة". لم يقل الرجل شيئاً وظل يحدق إليها بوجهه الجامد وكأن وجهه لا يستطيع التعبير بأي حركة سوى الجمود.
-" لقد كنت أقوم بالتنظيف.. منظرها لم يعد يعجبني، لهذا ..". قاطعها بصوت ناعم رقيق:
-" هل أبدوا لكِ أحمق يا إنتوس؟..". تبدو مخيفاً فحسب. ولكنها لم تستطع قول تلك الكلمات وأخذت تنظر إلى أصابع يديها بصمت.
ثم التفت إليه وقالت بكآبة:
-" هل هناك شيئاً جديد؟". غمغم الرجل باقتضاب:
-" هناك أشياء كثيرة". حملقت إنتوس إليه بريبة وقالت:
-" أنت تعلم ما أعنيه".
بدا سيريوس شاباً وسيماً. وكان يرتدي بدلة بيضاء مزخرفة بخيوط قرمزية بشكل معقد جميل.
ويرتدي ربطة عنق مزركشة بلون حذائيه، وكان لديه شعر أبيض قصير أطراف خصلاته قرمزية.
ومع ذلك كانت عينية حمراء كجمرتين في موقد وكان بياض عينيه حالك السواد كظلمة تلمع، وبدا ذلك السواد يعكس الظلام في أعماقه. ولكن إن قام أحد بتجاهل منظر عينيه لوجد أنه يبدو رقيقاً ناعماً كأمير نبيل، ولكن الحمقى فقط من سيعتقدون أنه كذلك إذ كان سيريوس قاسياً لا يرحم بل لا يعرف مفهوم الرحمة مطلقاً.
أما مع العشيرة فلا يوجد مثل رقته ولطفه. حتى عشيرته لا تعرف أصول سيريوس أو من أي عرق ينتمي فقد كان سيريوس غامضاً دائماً.
مع أنه دائماً يخبرهم أنه شيطان.
كان سيريوس هو القائد العام لقلعة بنتوس والرجل الثاني في قيادة العشيرة وأحد القادة الكبار المؤسسيين للعشيرة. وبما أن القائد الفعلي للعشيرة غير موجود يظل سيريوس هو القائد الأعلى ورأس العشيرة.
-" ماذا فعلتي بالمكان؟".
-"أجب عن السؤال؟". وأجهشت إنتوس بالبكاء حين لم يرد عليها.
-" القائد سوف يعود قريباً". خنقت إنتوس دموعها من تلك الكلمات ورمقته بنظرات متوسلة.
حدق سيريوس إلى الثريا المحطمة ولم يعرف ماذا يخبرها فقد عملوا كل شيء ولم يكن هناك فائدة تذكر. البرفسور يقول أنه متأكد في أن القائد سيعود.. فذلك السحر لا يمكن التنبؤ به مع أنه أخبرني أنه لم يعد يتذكر طريقة صناعة تلك التعويذة.. إذن هل ذهب كل شيء؟.. هل سيعود حقا؟ً.. لم أعد أعرف شيئاً.. ذلك السحر ... وأنزل عينيه إلى إنتوس وقال كاذباً:
-"البرفسور يعمل على شيئاً ما.. انتظري لحظة أين تذهبين؟ أنا لم أنتهي بعد.. البرفسور لن يخبرك شيئاً. إنه شيء سري". عاودت إنتوس الجلوس واستمر سيريوس:
-"أنا أشعر بالإختناق في هذا المكان ، ما رأيك أن نذهب إلى ساحل الطيور؟ " .
هزت إنتوس رأسها بالإيجاب وخرجت مع سيريوس وهي تشعر بسعادة غامرة.
وما إن خرجوا حتى دخلت إحدى الخادمات الغرفة. ولاح على وجهها الطفولي الإنزعاج من منظر المكان.
وغمغمت منزعجة. ثم لوحت بإصبعها وكأنها ترسم لوحة في الهواء. ومن حركة إصبعها دبت الحياة في الغرفة وتراقصت في مزيج من الألوان.
حلقت الستائر القرمزية وعادت تلتصق بالجدران، وارتفعت الريشات الحمراء في الهواء وأخذت تعود إلى داخل الوسائد كأسراب من الطيور تعود إلى أعشاشها.
رفرفت عشرات القفازات السوداء كفراشات وأخذت تدخل إلى صندوق ذهبي بجانب المرآة التي كانت تتموج كسطح بحيرة إذ استحال الزجاج المحطم إلى ماء وأخد يزحف على الأرض كعشرات الأفاعي لتعود إلى المرآة.
تراقصت حبيبات الكريستال وأخذت تحلق حول الغرفة وهي تلمع بكل الألوان وعادت إلى مكانها لتضيء المكان. ترجرج السرير وعاد فاخراً من جديد، وتموجت الملاءة البيضاء فوق السرير وعادت ناصعة من جديد. وركضت الكراسي عائدة إلى تحت طاولة المرأة.
وبعينيها الإرجوانية تفحصت المكان وقد عاد كل شيئاً يلمع كما كان.
وارتسم على وجهها الرضى وخرجت فخورة بعملها.