-" أمثالك لن يستطيعوا تحمل كلفتي!!". قطب سالم حاجبيه وقال:
-" يبدو أنكِ تشاهدين الكثير من الأفلام الرخيصة.. كنت أقدم لكِ هذا الشيء كرجل عربي محترم". غمغمت بضجر:
-" نعم، نعم، عربي أصيل ". واخذ سالم يتفرس فيها وقال لكي تتركه وشأنه فقد بدأ يشعر بالضجر من هذه المرأة ومن الهيكل العظمي ومن كل شيء:
-" أنا أعرف هذه النظرة التي ترمقيني بها .. إنها العنوسة.. لا بد أنك عانس. عنوسة مبكرة!". ألقى قذيفة في وجهها. ومن هذه الكلمات احمر عنقها ونفرت العروق في وجهها وارتعشت شفتيها. وللحظة أرادت الانقضاض عليه وتمزيق حنجرته بأظافرها.
سمعت ضحكة مخنوقة من خلفها وزاد ذلك من غيظها. ولكنها لن تفقد أسلوبها الاحترافي، على الأقل ليس أمام الكاميرا، كانت تدرك أن هذا ليس عرضاً مباشر، وقد كانت تخبر الرجل أنه كذلك ليحسن التصرف. سيمر هذا اللقاء عبر التلفاز بعد حذف المشاهد غير الضرورية، ولكنها لن تعطي القناة فرصة لكي يسخروا منها. وأخذت تنظم أنفاسها.
لا. لن أنظر إلى الكاميرا.. أحتاج أن استعيد هدوءي. إنه مجنون مثل كل الحثالة الذين تعاملت معهم. لا. يبدو أكثرهم اضطراباً.. لاشك أنه قتل العديد من الناس، مجرم حقير.. وجهه جامد كالحجر، فقط عينيه تتحرك هنا وهناك دون أن تتغير ملامح وجهه..
حتى عندما يضحك. لا عجب أنه يخيف كل من في القناة.. لا أعرف هل هو شاب أم رجل متقدم في السن.. هذا الرجل يصيب الناس بالحيرة، وفوق كل ذلك لا يرحم النساء بكلماته.. يضرب النساء تحت الحزام دون شفقة.. هل جعل النساء تصاب بالجنون من كلماته.
كانت قد اطلعت على قضية محيرة، في أن بعض الصحفيات اليافعات قمنَّ بإجراء لقاء صحفي مع هذا الرجل ليذهبنَّ إلى الشهرة. فقد كان الرجل عبارة عن لغز حير البلاد بأكملها إذ كان سيقتل الحاكم بدعوى أن الحاكم قد قتل عائلته، ولكنه بعد ذلك أصبح السكرتير الخاص بالحاكم.. وبعد عدة أيام فقط ترك سالم العمل، جاعلاً الحاكم يشتاط غضباً وغيظاً.
والأغرب من ذلك كله أنه قام بصفع الحاكم عدة مرات على الهواء مباشرة دون أن يبدي الحاكم أدنى حركة. حتى حراسته العمالقة تجاهلوا هذا الشيء.
لهذا السبب رغبنَّ بإماطة هذا اللغز المحير والذهاب إلى الشهرة السريعة. ولكن عوضاً عن ذلك ذهبنَّ سريعاً إلى المشفى إذ أصابتهنَّ هستيريا جنونية، ولم يغادرنَّ المشفى سوى بعد عدة أشهر. وبعد خروجهنَّ من المشفى تركنَّ أعمالهن في الصحافة.
مئة امرأة قلنَّ نفس الكلام بصورة مطابقة. والمحير أن كل واحدة منهن لا تعرف الأخرى، وكل واحدة منهن قامت بمقابلة الرجل لوحدها في أوقات مختلفة.
ولكن لم يصدق الفتيات أحد، واتهموهن بأنهن فعلن ذلك من أجل الشهرة. وعندما قامت سلوى بالتحقق من هذا الجنون، وذهبت إلى إحدى الفتيات، وبمجرد أن تحدثت عن السيد سالم اعترى الفتاة هستيريا عنيفة إذ أخذت ترتجف كورقة وولولت وانتحبت وبكت، ولم تهدئ حتى قام زوجها بحقنها بدواء خاص.
وبعد ذلك لم ترغب بالحديث عن ذلك مطلقاً وطردت سلوى من منزلها بشكل فظ.
ومع ذلك لم تكل، وأخذت تذهب إلى كل الفتيات، وكانت النتيجة أشد عنفاً من الفتاة الأولى. لهذا ذهبت إلى أحد الأصدقاء في قسم الشرطة وجعلها تطلع على ملفات القضية.
وعندما أخذت تقراء أقوال الفتيات اعترتها فورة ضحك مجنونة إذ كانت أقوالهن واحدة وهي: عندما بدأت الأسئلة الحاسمة بدأ الرجل الوحش بالتغير إذ استحالت عينيه إلى جواهر ذهبية متوهجة تصيب الجلد بالاحتراق، واستطالت أنيابه وأظافره كالسكاكين، واستحال شعره إلى لون الفضة وبدأ يتموج حتى أغرق الغرفة بأكملها.
كانت هذه الأقوال طفولية ولا تليق بصحفيات. ربما جعلهن يشربنَّ شيئاً يسبب الهلوسة.. ولكن عندما قرأت الأسئلة التي طرحتها الفتيات أدركت أنهن كن محظوظات في أن الرجل المعتوه لم يقتلهن. فقد كانت أسئلة تمس شرف أمه وتصفها بأشياء لا يمكن أن تقال.. مثل ممارسة الفجور والدعارة لكي تجمع المال لأبنتها.
والأغرب أن الرجل هو من أخذهن إلى المشفى. لربما اخترن تلك الأسئلة ليجعلنَّ الرجل يتخلخل ويرتبك، ولكنهن جلبنَّ الجنون إلى أنفسهن. والرجل نفسه يقول أنهن جعلنه يغضب ولا يعرف سبب الجنون الذي اعتراهم.
لهذا السبب لم يرغب أحد في إجراء مقابلة معه، خوفاً من أن يلحقهم نفس المصير. ولكن عندما شاهدت عينيه تتوهج بلون الذهب ارتجفت في ذعر وكادت تصدق تلك الفتيات، ولكنها تمالكت نفسها، وأخذت تفكر في أن هذا غير منطقي، وأقنعت نفسها في أن الشمس هي السبب أو شيئاً ما.
وحدثت نفسها: ليخشوه كما يريدون فأنا لست بهذه السذاجة لكي أصدق هذه السخافات، سوف أنال هذا اللقاء وأتقدم خطوة كبيرة في مسيرتي المهنية، لن يوقفني أحد حتى ولو كان مضطرباً عقلياً. سوف أقوم بترويضه كالكلب، ثم أغرز أسئلتي في ضلوعه كالسكاكين وأجهز عليه. ربما تستمتع بإخافة الفتيات، ولكني لبوة مفترسة ياعزيزي.. لن تقف أمام مستقبلي أياً كنت، سوف اسحقك!.
وبهذا الخاطر رفعت ذقنها عالياً بفخر وحدقت إلى الرجل المعتوه أمامها بهيبة تليق بجزاز يستعد للجزارة وقالت:
-" كلماتك تليق بمقامك أيها السيد.. ولكن اسمح...". قطع سالم كلماتها بإشارة من إصبعه إذ أشار إلى جانبها الأيسر. التفتت سلوى إلى المكان تلقائياً لتلطمها كرة في وجهها. ارتج رأسها بعنف وتناثر شعرها الأشقر، انزلقت من فمها صرخة وتراجعت مترنحة لتسقط في حفرة كان يغطيها ورق جرائد أخفيت بمكر مجرم صغير.
غاصت إلى خصرها وارتطم وجهها بالرمال.
أتى شابين إليها وقدموا اعتذارهم ، ولكنها زمجرت عليهم في أن يخرجوها. ولكن ما إن دنى الشابين منها حتى تراجعوا إلى الخلف في ذعر إذ أخرجت سلوى سكين وحاولت طعن الشابين وقالت:
-" سوف أخصيكم إن قمتم بلمسي أيها الخرفان!". طار الشابين فوق الرمال من سرعة هروبهم. ومن أخرجها كان خالد( المصور) الذي وضع الكاميرا جانباً. خرجت تزعق وتولول حتى انقطعت أنفاسها وبصقت كل الرمال من فمها.
وهاجت فوق خالد الذي أخبرها أن الكاميرا مازالت تعمل.
وبعد هدوء عاصفة السكاكين وتلويحها به أعادت السكين إلى جيب خفي في ملابسها إذ كانت تحتفظ به لحماية نفسها من الرجال المضطربين وعلى وجهه الخصوص رجل كان قد جنن العشرات من النساء.
عندها فقط نظرت إلى سالم متخيلة أن الرجل قد تبول على نفسه من كثرة الضحك، ولكن الرجل كان يحدق إلى البحر مضيقاً عينيه. أخبرته أنها ستقوم بتنظيف نفسها سريعاً وتعود لتكمل المقابلة. لم يرد عليها سالم بشيء ويبدو أنه لم يسمع حديثها إذ كان ينظر إلى البحر بتركيز وكأنه يتفحص لوحة في الهواء.
ولكنها ذهبت إلى حمامات النساء القريبة، وهي تعلم، أنه في هذه الأيام يظل سالم لوقت طويل في البحر. ومع ذلك تركت خالد بجانبه ليمنعه من الذهاب إلى مكان آخر.
كانت بحاجة إلى هذه المقابلة مهما كلف الثمن. عادت وقد وجدته على حاله كما كان.
وعندما تساءلت عن الرجل، أخبرها خالد أنه لم يتحرك حركة واحدة، حتى أنه لم يجلس. أخبرته أنه مجنون والمجانين لا علاج لهم، وطلبت منه أن يبدأ التصوير.