في غرفة معتمة إلا من ضوء مصباح خافت، يجلس دكتور مانهاتن على كرسي مقابل لمعالج نفسي. الغرفة صغيرة، مليئة بالكتب المتراكمة على الطاولة، وصوت عقارب الساعة ينساب ببطء كأنه يحاول إغاظة الزمن ذاته.

المعالج يرفع نظارته، ينظر إليه نظرة تأملية قبل أن يسأل: "لماذا أتيت إلي، جون؟"

دكتور مانهاتن يحدق في السقف للحظة، ثم ينظر إليه مباشرة، بصوته الهادئ الذي لا يحمل أي انفعال: "لأنني لا أشعر بشيء."

المعالج: "كيف تعني ذلك؟"

يخفض دكتور مانهاتن رأسه قليلًا، يضع يديه فوق بعضهما، ثم يتحدث بصوت خافت لكنه ثابت: "أرى كل شيء. أرى كل الاحتمالات، أرى النهاية السعيدة والحزينة. أرى النهايات التي لا معنى لها، وأرى النهايات التي تحمل معنىً كبيرًا. لكن لا شيء منها يُحركني. حتى لو كانت النهاية مروعة، حتى لو كانت سعيدة، فأنا أعرفها مسبقًا. كيف يمكنني أن أشعر بشيء تجاه أمر قد رأيته ألف مرة؟"

يصمت المعالج للحظة، يدوّن ملاحظاته، ثم يسأل: "هل هناك حدث معين دفعك إلى الشعور بهذا الفراغ؟"

يميل دكتور مانهاتن للأمام قليلًا، يضع مرفقيه على ركبتيه، يراقب ذرات الغبار العالقة في الهواء، ثم يقول: "جيسيكا."

المعالج: "من هي جيسيكا؟"

يهز مانهاتن رأسه، كأنه يبحث عن إجابة لا يمكن إيجادها بسهولة. ثم يقول: "إنها كل شيء ولا شيء. هي الطفلة التي سألت عني ذات يوم، وهي المرأة التي لمست حياتي بطريقة لم أفهمها إلا متأخرًا. رأيتها تموت في حادث سيارة. رأيتها تعيش حتى الشيخوخة. رأيتها تختنق بكوب ماء. رأيتها تضحك، رأيتها تبكي، رأيتها تحب، رأيتها تكره. رأيتها بكل الأشكال الممكنة والمستحيلة."

يتوقف للحظة، ثم ينظر إلى المعالج نظرة فارغة ويضيف: "لكن لا يهم أي احتمال منها. لأنني أراها جميعًا في آن واحد. لا يوجد احتمال واحد يهيمن على الآخر، كلها متساوية، كلها صحيحة، كلها خاطئة. ولذلك... لا أشعر بأي شيء تجاهها. ولا تجاه نفسي."

المعالج يميل للأمام، يحاول أن يجد ثغرة في منطقه، يسأل: "لكن لماذا اخترت الحديث عن جيسيكا تحديدًا؟ إذا كنت ترى كل شيء، فلماذا هي التي تتكرر في ذهنك؟"

دكتور مانهاتن يرمش ببطء، ينظر إلى يده، يمرر أصابعه فوق الجلد الأزرق المتوهج، ثم يجيب: "ربما لأنها الشيء الوحيد الذي لا أستطيع تفسيره بالكامل."

المعالج: "كيف ذلك؟ أنت ترى الزمن كله، كيف يكون شيء خارج تفسيرك؟"

يبتسم مانهاتن، ابتسامة بالكاد تُلاحظ، ثم يهمس: "لأنني أراها في كل الاحتمالات، لكنني لا أعرف أي احتمال منها كانت حقيقية لي. هل كانت شخصًا مررت به فقط؟ هل كانت ذات يوم شخصًا مهمًا في حياتي؟ أم أنها مجرد انعكاس لشيء فقدته دون أن أدرك؟ عندما أنظر إليها، أراها في كل الأشكال، لكنني لا أعرف أي شكل منها كان أكثر صدقًا."

المعالج يضع قلمه جانبًا، يخلع نظارته ويمسح عينيه، ثم يقول بصوت هادئ: "جون... هل تعتقد أنك فقدت إنسانيتك؟"

يبتسم دكتور مانهاتن، لكنها ليست ابتسامة سعادة، إنها ابتسامة رجل يعرف الإجابة لكنه لا يراها مهمة. ينظر إلى ساعته التي لا يحتاجها، ينهض من الكرسي، ويقول وهو يستعد للمغادرة: "الإنسانية؟ ربما فقدتها منذ زمن بعيد... أو ربما لم أمتلكها أصلًا."

يغادر الغرفة، تاركًا خلفه صمتًا أثقل من الزمن نفسه.

2025/03/22 · 1 مشاهدة · 470 كلمة
نادي الروايات - 2025