الفصل: لوحة الزمن المتجمدة

وقف دكتور مانهاتن في منتصف الشارع، حيث تبدو الحياة وكأنها تمر دون هدف محدد، بينما كان هو يقف متأملاً كل تفاصيل اللحظة. كان بشرته الزرقاء المتوهجة تبرز وسط زحام المارة، تعكس بريق الكون وعمق أسراره. من بين الوجوه العابرة، لفت انتباهه مشهد غير عادي؛ أم مع ابنتها الصغيرة تعبران الشارع.

توقفت الفتاة فجأة، وأشارت بيده الصغيرة نحو الرجل الأزرق العاري الذي يقف في وسط الطريق. نظرت الفتاة إلى والدتها بفضول بريء وسألت: "لماذا هو عاري وازرق؟ هل هو الجني الأزرق في قصة علاء الدين؟"

ابتسمت الأم وهي ترد على تساؤلاتها، لكن دكتور مانهاتن لم يجرِ سوى النظر بعمق، حيث بدأت رؤاه تتشكل وتتشابك مع خيوط الزمن. فجأة، أدرك أن لديه القدرة على رؤية مسارات محتملة، كما لو كانت لوحة ثابتة في معرض الكون.

في تلك اللحظة، انعكس الزمن أمامه في سلسلة من المشاهد:

المستقبل القريب: رأى الفتاة في العشرين من عمرها، تحاول الاقتراب منه بخجل وإعجاب. كانت عيونها تحمل لمحة من الأمل والتحدي، وكأنها ترى فيه إجابة لكل تساؤلاتها.

المستقبل المتوسط: عاد الزمن لينسج لوحة أخرى؛ الفتاة تحمل طفلًا أزرق اللون، يحيط بهما ضوء الحب والحنان. كان لون الطفل يُشبه لونها الأزرق، وكأنهما يشتركان في سرٍ لا يفهمه سواهما.

المستقبل البعيد: تلاشت صورة الفتاة وتبدلت لتظهر في مشهد آخر؛ هي في شيخوختها تلعب مع طفل طبيعي، بينما يجلس بجانبها شاب أزرق اللون. في هذا المشهد، ظهرت العائلة متكاملة؛ شابٌ أزرق، وأمير، وطفل، بالإضافة إلى مجموعة من الأطباء الذين ينظرون إلى دكتور مانهاتن بعيون ملؤها الترقب، كأنهم ينتظرون منه التدخل أو الإجابة على لغز الزمن.

وسط كل هذه المشاهد المتشابكة، تأمل دكتور مانهاتن في مصير ذاته؛ إذ لاحت له رؤية قبر مكتوب عليه: "جيسكا منهاتن". كانت هذه اللمحة تذكره بأن الزمن لا يرحم، وأن لكل كيان نهايته المحتومة.

فجأة، عاد الزمن به إلى الحاضر؛ حيث رأى دكتور مانهاتن جيسكا مع والدتها أمام مشهد مروع: سيارة في حالة حادث شديد. تجمدت اللحظة أمامه؛ إذ واجه سؤالاً فلسفياً عميقًا: هل ينبغي عليه التدخل لتغيير مجرى الأحداث؟ أم أن التدخل مجرد وهم في وجه لوحة زمنية لا تتغير؟

تأمل دكتور مانهاتن طويلًا، وهو ينظر إلى تلك الصورة الثابتة التي جمعت الماضي والحاضر والمستقبل في آنٍ واحد، وكأنها لوحة فنية محفورة في اللامتناهي. أدرك أن التدخل ليس مجرد فعل يمكنه تغييره، بل هو فهم عميق بأن كل شيء يحدث وفق نظام لا مفر منه، وكل الاحتمالات متشابكة في نسيج واحد لا يمكن فصله.

في قلب تلك اللوحة المتجمدة، وجد دكتور مانهاتن نفسه يعيش التساؤلات نفسها: "هل نحن أحرار أم مجرد أدوات في يد القدر؟" وفي صمت الشارع، وبين تداخل صور الماضي والحاضر والمستقبل، اختار أن يبقى شاهداً على هذه اللوحة الثابتة، لا يتدخل، بل يراقب ويُفكر في معاني الوجود التي لا تنتهي.

2025/03/22 · 4 مشاهدة · 431 كلمة
نادي الروايات - 2025