بينما تتداخل أصداء الماضي والحاضر والمستقبل في ذهنه، وجد دكتور مانهاتن نفسه واقفًا عند مفترق طرقٍ جديد في حياته. لم يكن المستقبل بالنسبة له مجرد احتمال ثابت، بل كان لوحة تتغير تفاصيلها مع كل قرار وكل لحظة. وفي ذلك اليوم، خطت خطوات الزمن شيئًا جديدًا؛ فقد أصبح عليه مواجهة سؤال داخلي طالما رافق وجوده:
"هل يمكن للفرد أن يتدخل في نسيج الزمن ليغير مجرى الأحداث، أم أن المستقبل سيبقى مجرد احتمالية بلا حقيقة؟"
كان مشهد المدينة أمامه مختلفًا؛ فقد تحول الشارع الذي طالما اعتاد أن يراقب فيه المارة إلى مسرح للخيارات المحتملة. رأى رجلًا يركض في زقاق ضيق، وقدامته تتراقص ظلال الخوف والرجاء، وكأن الزمن قد توقف في لحظة حرجة. تداخلت رؤاه مع صورة مستقبلية؛ حيث رأى نفسه وهو يقف في وسط تلك اللحظة، يتأمل وجوه المارة، يبحث عن ذاك الفارق الصغير الذي قد يحدث فرقًا كبيرًا.
تسللت إلى ذهنه فكرة جديدة: ربما يكون التدخل هو السبيل لكسر الحلقة المتكررة من الاحتمالات. لم يكن التدخل فعلًا بسيطًا؛ فهو يتطلب الإيمان بأن الخيارات ليست مجرد أوهام، بل يمكنها أن تتحول إلى واقع ملموس إذا ما اتخذ الشخص القرار الصحيح. ومع كل نبضة قلب، شعر دكتور مانهاتن بأن في داخله صراعًا بين الرغبة في التدخل والخوف من تغيير نسيج الزمن بأكمله.
في تلك اللحظة، اقتربت منه امرأة متوسطة العمر، ترتدي معطفًا خفيفًا وتتحرك بخفة بين الناس، تحمل على وجهها مزيجًا من الحزن والأمل. بدا أنها في حاجة إلى مساعدة، وفي عينها تألمٌ عميقٌ وكأنها تحمل قصةً منسية. توقف دكتور مانهاتن ونظر إليها، وفي خضم تساؤلاته الداخلية، سمع صوتها يهتف برقة:
"ساعدني... أرجوك."
تأملت عيناه في تلك اللحظة، مستشعرتان وقع الحيرة بين ما هو محتمل وما هو مقدر. كان بإمكانه التدخل وتغيير مصيرها، أو أن يظل شاهدًا على أحداث الكون كما هي. تذكر حينها أن كل احتمال يحمل في طياته فرصةً جديدة لتجسيد الحرية، وأن التدخل قد يكون الوسيلة لإضفاء معنى على وجوده المتعدد الأبعاد.
اقترب منها بخطى واثقة، وبدأ يتحدث بصوتٍ خافت يحمل بين كلماته حكمة الأزمنة:
"أنا لا أملك القدرة على تغيير الماضي، ولا أمتلك مفاتيح المستقبل؛ لكني أؤمن بأن كل لحظة تحمل في داخلها بذرة التغيير. إن أردتِ أن تتخطي آلامك، فاعلمي أن الاختيار يكمن في قدرتنا على رؤية كل الاحتمالات والاحتفاء بها."
بضع كلمات خرجت منه، وكأنها فتحت نافذةً على عالمٍ جديد، حيث لم تعد الآلام عبئًا بل دافعًا للنمو. وبينما كانت المرأة تنظر إليه بعيون تملؤها مزيجٌ من الشك والأمل، بدأت تفاصيل المشهد تتغير. رأى دكتور مانهاتن صورة مستقبلية؛ حيث كانت تلك المرأة في المستقبل، في شبابها، تبتسم بثقة وتساعد آخرين في عبور محطات الحياة الصعبة.
عاد الزمن بنظراته المتقاطعة، فأصبح السؤال قائمًا مرة أخرى: هل المستقبل سيظل مجرد احتمال، أم أن التدخل بإرادة حرة يمكن أن يحول الاحتمالات إلى واقع؟
في تلك اللحظة، تداخلت كل الاحتمالات مع بعضها، فصار المستقبل لوحةً ديناميكية لا تثبتها قوانين القدر. وبكلمة واحدة، أدرك دكتور مانهاتن أن التدخل ليس في تغيير ما هو مكتوب، بل في إعادة صياغة الطريقة التي نرى بها الزمن، وإضفاء لمسة من الحرية على احتمالات الكون.
خرج من تلك اللحظة وهو يحمل في قلبه إجابةً معقدة: "المستقبل ليس مجرد احتمال ثابت؛ إنه انعكاسٌ لكل قرار نتخذه. إذا اخترت التدخل، فأنت تصنع جزءًا من الحقيقة. وإذا تركت الأمور تجري كما هي، ستبقى الاحتمالات مجرد ظلال."
وبينما اختفى صوته مع ضجيج المدينة، بقي السؤال يتردد في أذهان كل من شاهده، كأنه نداءٌ من أعماق الوجود، يحثّهم على أن يكونوا أكثر من مجرد مشاهدين في مسرح الزمن.