بينما يتلاشى ضوء الفجر في أفق لا يُعرف له نهاية، وقف دكتور مانهاتن في مختبره البارد، حيث تبدو الأسئلة الوجودية بلا إجابات. لم يعد الزمن بالنسبة له لوحةً نابضة بالحياة، بل أصبح كالسجادة الممزقة التي لا تعود لتجتمع.
في شوارع المدينة، كان يراقب مشاهد الحياة التي أصبحت كأفلام مكررة، مليئة بأوجاع الماضي ومآسي المستقبل المحتمل. كان يرى رجلاً يركض في زقاق مظلم، لا يحمل سوى عبء اليأس، وكأن كل خطوة منه تقود إلى فشل محتوم. وفي لحظة توقّف مُرة، التفت إلى امرأة متوسطة العمر، تسير مع ابنتها الصغيرة. توقفت الفتاة فجأة وأشارت بخوف إلى رجلٍ ذو بشرة زرقاء متوهجة، عاريًا من كل مظهر للنظام الذي يُخفي داخله الفراغ. سألت الفتاة بصوت يرتجف:
"لماذا هو عاري وازرق؟ هل هو جني الحكايات التي لا تُنجز؟"
لم تجب الأم، بل تبسمت بحزن، وكأنها تعرف أن الأجوبة لا تغير شيئًا.
أخذ دكتور مانهاتن يتأمل المشهد بعينين مليئتين بالحيرة والمرارة، وهو يتساءل بصوت داخلي ينطق بكل ألم:
"هل كلنا مجرد خيوط متهالكة في نسيج القدر؟ هل نحن أصلاً نمتلك حرية الاختيار أم أننا عالقون في دائرة لا مفر منها من الإحتمالات الفارغة؟"
في تلك اللحظة، غمرته رؤى قاتمة؛ صور لمستقبل لا يحمل إلا الألم. رأى المرأة ذاتها في عيونها المتعبة، تحاول أن تقترب منه بائسًا، لكنها لا تملك سوى عبء فقدان كل أمل. وفي مشهد آخر، شاهد نفسها وهي تحمل طفلًا أزرق اللون، ليس رمزًا للحب وإنما انعكاساً لميراث من المعاناة. وفي لقطة مؤلمة من المستقبل، رأته نفسها في شيخوختها، تلعب مع طفل طبيعي بينما يجلس شاب أزرق يحدق بها كأنما ينظر إلى قعرها المظلم؛ وكل ذلك وسط عائلة تبدو كأنها مسرحية مأساوية تُعرض دون فائدة.
ومع كل هذه المشاهد، تجلت أمامه حقيقة قاتمة؛ قبر مكتوب عليه "جيسكا منهاتن" يرمز إلى نهاية كل ما هو كان، وإلى فقدان كل معاني الوجود.
عاد دكتور مانهاتن إلى الحاضر وهو مثقل بوزن الماضي والمستقبل الذي لا ينقشع عنه الضباب. وجد نفسه أمام مشهد مأساوي آخر؛ جيسكا ووالدتها تقفان أمام حادث سيارة مأساوي، كأن القدر قد قرر أن يحرّم على أحد الفرص حتى ينمو اليأس في قلوبهم.
ترددت الأصوات الخافتة في أذنيه كصرخة ميتة: هل يجب عليه التدخل؟ أم أن التدخل سيزيد من وطأة الفشل والعدم؟
في صمت مؤلم، أدرك دكتور مانهاتن أن كل شيء صار ثابتًا؛ الماضي، الحاضر، والمستقبل أصبحوا أجزاءً من لوحة لا مفر منها، حيث لا خيار ولا تغيير؛ مجرد ظلال لعالم انتهى.
وفي تلك اللحظة، باختلط الألم بالمرارة، وهمس لنفسه:
"المستقبل ليس إلا احتمالًا بائسًا، لا يتحول إلى حقيقة، بل يبقى ظلاً يلاحق كل خطوة... وفي النهاية، نحن مجرد ظلال متلاشية في نسيج القدر."
خرج دكتور مانهاتن من تلك اللحظة وهو يحمل معه شعوراً عميقاً باليأس؛ إذ أدرك أن التدخل، مهما كان، لن يغير شيئًا من مصير هذه الحياة الفانية. ضاعت كل الأحلام تحت وطأة عدم القدرة على الخروج من دائرة الإحتمالات التي لا تحمل سوى الفراغ.