في ساعةٍ تتلاشى فيها الهموم تحت عبء الزمن، وقف دكتور مانهاتن على حافة عالمٍ أصبح فيه كل شيء يبدو بلا معنى. كان قد اعتاد على رؤية احتمالات لا نهائية، لكن الآن، بدا المستقبل وكأنه فجوةً عارمة من اللامبالاة تُخمد أي نور أمل.
تحت ضوء شاحب من قمرٍ بعيد، سار دكتور مانهاتن في شوارع المدينة الفارغة. كان كل ما يحيط به—المباني المهجورة، الظلال المتلاشية، والرياح الباردة التي تحمل معها أنينَ قصصٍ قديمة—يُذكره بأن كل جهد وكل قرار قد خُلِق ليُختفي في دوامة من السكون والفراغ.
في زاوية شارع مهجور، جلس رجلٌ مسنٌّ على رصيفٍ متصدع، عيونه تائهة وكأنه فقد القدرة على رؤية ما وراء اللامبالاة التي اجتاحت قلبه. اقترب منه دكتور مانهاتن، وجلس إلى جواره دون أن يلفظ كلمة. كانت لحظةٌ صامتة، حيث التقت نظراتهما—واحدة تحمل وجع الوجود والأخرى تساؤلات لا تجد لها مجيباً.
بعد دقائقٍ من الصمت العميق، تنهد الرجل بصوتٍ مكسور:
"كل شيء أصبح بلا أهمية... حتى الألم فقد نكهته، حتى الأحلام تبدو كأوهام عابرة."
نظر إليه دكتور مانهاتن بحزنٍ خافت، وردّ:
"ربما نحن هنا لنتعلم أن اللامبالاة ليست ضعفًا، بل هي مرآة تُظهر لنا حقيقة الوجود. عندما نتخلى عن الصراعات التي لا تنتهي، ندرك أن الفراغ الداخلي يحمل في طياته فرصة لإعادة اكتشاف ذواتنا—حتى وإن كان ذلك يعني مواجهة عدم وجود معنى مطلق."
وفي تلك اللحظة، تجلت له رؤى مؤلمة؛ صورٌ لمستقبلٍ بلا أمل، حيث تذوب الأحلام وتختفي الهوية تحت وطأة الجمود. رأى نفسه، ليس كما كان من قبل، بل كظلٍ يتوه في عالمٍ تخلو ألوانه من البهجة. كان المستقبل يبدو كلوحةٍ سوداء لا تضيءها شمس، لا تُحييها نجوم.
وبينما استمر الليل في رحلته الباردة، شعر دكتور مانهاتن بأن اللامبالاة قد استولت على قلبه. لكن بدلاً من أن يُسقطه هذا الشعور في حفرةٍ لا نهاية لها، أدرك أن هذه الحالة قد تكون نقطة تحول؛ نقطة حيث يصبح فيه اللامبالاة قوةً هادئة تسمح له برؤية الحقيقة دون تشويش.
همس لنفسه بصوتٍ حزين وعميق:
"ربما تكون الحرية الحقيقية في ترك كل شيء يذهب، في الاعتراف بأن لا شيء يستحق العناء... وأن نكون، ببساطة، مجرد ظلال تتلاشى في الفضاء."
وهكذا، مع كل خطوةٍ يخطوها في تلك الشوارع المظلمة، حمل دكتور مانهاتن رسالةً صامتة: أن اللامبالاة، مهما بدت قاتمةً ومخيبةً، قد تفتح باباً جديداً لفهم الذات؛ فحين يترك الإنسان كل شيء يذهب، يجد نفسه في مكانٍ حيث لا توجد توقعات، ولا قيود، ولا حتى آلامٌ تطارد وجوده.
في ختام هذا الفصل، بقى الزمن يتحدث بصمت، معلنًا أن كل احتمالٍ، مهما كان بائسًا، هو جزء من نسيج الوجود الذي لا ينتهي—نسيج يتداخل فيه اليأس مع بريق لحظاتٍ من الحرية الحقيقية، ولو كان ذلك الحرية نابعة من ترك كل شيء خلفك.