استيقظت كارا فجأة بعد ان فتح باب الغرفة وسمعت صوتا يقول:

- قهوة الصباح يا سيدى

كان الخادم يقف خارج الناموسية بين السريرين . فتحت كارا ناموسيتها لتعرفه انها انثى وليست ذكرا

كانت ستمسك بفنجان القهوة لو لم تفتح الناموسية الثانية فى السرير الثانى وتمسك يدى اخرى بالفنجان كانت يدا مشعرة

واهتزت كارا من المفاجأة حين وقع نظرها على الرجل فى السرير الثانى.

له عينان خضراوان رماديتان ولم تتحرك حين تفحصها ... شعرها , فمها ,عنقها ثم عاد ليركز على عينيها السوداوين الناعستين .

ثم قال ببرود يخاطب الخادم :

- فنجان آخر للسيدة الشابة

- حاضر يا سيدى

ضحك الخادم ضحكة لها الف معنى واغلق خلفه الباب

بقيت كارا وحدها مع الغريب المتغطرس ذى الشعر الأحمر والذى لم يظهر عليه اى ارتباك من هذا الموقف

نظر الى كارا وقال:

- زيارة غير منتظرة ... زائرة للفطور.

تكلم بالفرنسية ولكنها شعرت بأنها ليست لغته

حاولت النطق ولكن المفاجأة عقدت لسانها

واخيرا عاد اليها صوتها وقالت بسرعة :

- هذه غرفتى . ماذا تفعل هنا ؟

قال وهو يبتسم كأنه يلهو:

- آسف أن أخالف رأى السيدة

انها غرفتى انا انظرى حولك فى اشيائها

فنظرت حولها هناك قميص رجالى ابيض مرمى على الكرسى بدون ترتيب

وفرشاة للشعر وعدة الحلاقة

اما على الطاولة فلا صورة عائلية ... واحمرّ وجهها خجلا.

-انا آسفة.

_______________________________________

بدأت تغادر السرير ولكنه بصوت آمر كأنه السوط امرها ان تبقى فى مكانها

كانت عيناه الخضراوان مسلطتان على رجليها اللتين ترتجفان فوق الارض مثل جناحى عصفور خائف

- رجلاك صغيرتان جدا أنت لست فتاة هوى على ما اعتقد ؟

كان ينظر الى حمرة الخجل التى علت وجهها

- وهل خاب ظنك ؟

ثم اكملت:

انها غلطة فادحة يا سيدى لا بد اننى اخطـأت فى رقم غرفتى

- رقمى 19 ما هو رقمك ؟

- رقمى 16 كانت عيناه كعينى حيوان مفترس علق فى فخ حين خرج من السرير ومشى حافى القدمين الى الباب

فتحه ونظر ثم ضحك انه شيطان كبير يتلذذ بمثل هذه الظروف التى تضع الآخرين تحت رحمته

- يبدو ان الرقم 9 انقلب الى وضع جعله يبدو 6 ... على كل حال لا يمكنك ان تتركى غرفتى الان يا سيدتى الصغيرة . ليس بعد .

- ماذا تعنى؟

تراجعت فى سريرها بعد ان اغلق الباب ووقف داخل الغرفة كان طويلا عريض المنكبين واسع الصدر يضج بالرجولة لوحته الشمس كأنه يمضى معظم وقته فى الهواء الطلق

- لو كنت رجلا مهذبا ستسمح لى بالعودة الى غرفتى فى هذه اللحظة

- ألا ترين اننى مهذب؟

كانت عيناه الخضراوان ساخرتين وهما تغمزان لها بطريقة شيطانية

نظرت اليه كارا وتسارعت نبضاتها

ثم قالت:

- تبدو لى شريرا

واضافت فجأة:

- الخادم فى طريقه الينا مع فنجان القهوة وسأصرخ طالبة النجدة

- كم سيكون ذلك مسليا ... فتاة امضت ليلتها فى غرفة نوم غريب تصرخ فى الصباح طالبة النجدة لن يهتم الخادم لصراخك .

انه فرنسى ويفهم ان وقت انقاذك قد تأخر يا انستى الصغيرة . انت الان على علاقة مع لوكان سافدج . وجميع سكان جزيرة دى لوك يعرفون من انا . انه لا يطلب الرحمة من احد ولا يرحم احدا.

سألت مذعورة:

أنت؟ أنت لوكان سافدج؟

- فى خدمتك يا انسة!

وانحنى لها ساخرا

_______________________________________

كان لا يرتدى سوى بنطلون البيجاما الا ان شكله يدل على انه اعتاد ان يعطى الاوامر لا ان يتلقاها

كان فأرا يمتطى أجود الخيل ولا يختار الا الافضل

تفحصته كارا وتأكد لها انه يملى شروطه الخاصة ولا يستطيع احد ان يؤثر عليه قال:

- ارى انك سمعت بى مع انك وصلت حديثا الى الجزيرة

وبينما كان يتكلم تراجع ولبس ثوبا فوق البيجاما وهو يفتش عن نعليه

لقد احس انها باقية ولن تركض هاربة الى الباب

كانت غريزة الهرب تسيطر عليها ولكنها عرفت انها تتعامل مع رجل شرس سريع الغضب كالنمر سينقض عليها بيديه الكبيرتين القويتين

شعرت بضآلتها قربه وجلس لوكان على حافة سريره يتفحصها بامعان

- لا استطيع ان اخمن جنسيتك بسهولة ...

- اسمى كارا ستيفانوس . انا فى اجازة فى البحر الكاريبى . اليونان وطنى

- اذن انت يونانية ... ألا توجد كلمة يونانية للصدفة التى تجمع غريبين دون ميعاد؟

حدقت فيه بعينيها الواسعتين وقالت:

الكلمة هى ميرا وتعنى القدر

ثم سمعت نقرا على الباب فشعرت بالارتياح

تنحنح الخادم ودخل يحمل صينية الفطور وقال:

- احضرت الفطور لكما

وكان يتكون من القهوة الساخنة وفطائر بالزبدة والفاكهة كان الخادم لا يخفى ضحكته وهو يجول بنظره بينهما واحمرت وجنتا كارا خجلا لقد اخبرها ناب البارحة ان السيد سافدج شهير بغراماته التى يتهامس بها سكان الجزيرة

قال لوكان:

- سنتناول فطورنا على الشرفة . ونظر الى ثوب الحمام الذى خلعته كارا البارحة قبل نومها وتركته قرب السرير تذكرت سرورها بالاحتفال وتعبها الشديد الذى كان كافيا ليجعلها تضل الطريق الى غرفتها وتمضى الليل فى غرفة رجل غريب.

تبعت لوكان الى الشرفة وكان شعره بلون النار تحت اشعة شمس الصباح.

وتذكرت العرافة وهى تحذرها من لقاء رجل غريب شعره بلون النار

تذكرت كيف اقترحت عليها مغادرة فورت فرناند فى الصباح لم تأبه كارا لتحذيرها بالأمس ولكنها الان وبعد ان قابلت لوكان سافدج لا بد لها من مراجعة النبوءة

جلست كارا على كرسى قبالة لوكان وكانت الشمس ساطعة بحيث شعرت بالامان فى صحبة هذا الرجل الذى لا يؤمن جانبه.

صبت القهوة لهما ثم راقبته يأكل فطيرة مع الزبدة

_______________________________________

قال:

- أليس غريبا ان نجلس هنا جلسة بريئة ؟

- سأتناول قهوتى ثم ارحل

من المؤكد انك صيد ثمين يا سيدى ولكن اية فتاة مهما كانت بريئة تعرض نفسها للشبهات والفضائح اذا شوهدت معك

- انت لا تحبيننى ابدا أليس كذلك ؟ انك تفكرين لو كنت شهما لما سمحت للخادم بالتكهن بما هو واضح يا صغيرتى الشابة لا يمكننى ان اهربك الى غرفتك دون ان يراك الخادم كنت تنظرين اليه بعينيك الواسعتين وانت تنامين موردة الخدين قرب فراشى.

- كان يمكنك ان تشرح له انك صفقت الباب الخارجى بقوة الليلة الماضية مما قلب الرقم 6 الى 9 واننى دخلت غرفتك بدلا من غرفتى؟

- ولماذا لم تشرحى انت له بدلا من بقائك صامتة؟

- انعقد لسانها وغابت عنى الكلمات

حاول ان تضع نفسك مكانى

تستيقظ صباحا فى غرفة رجل غريب فى فندق غريب وبلد غريب , وتكتشف انك امضيت الليل كله فى غرفته

ضحك ضحكة لذيذة مما زاد فى نكهة الموقف

- سأغادر جزيرة دى لوك اليوم !

- تهربين ؟

قال ذلك وتوقف عن الضحك.

بدأت تتسلى بالتقاط فتات الخبز عن الطاولة دون ان تجيب

- انت هنا لهذا السبب ؟ انك تهربين من شئ أو من شخص ما !

- هذا ليس من شأنك يا سيد سافدج

قالت ذلك ونظرت الى البعيد

كانت الشمس ساطعة فوق البحر

ولكن حالتها النفسية لم تكن لتسمح لها بالتلذذ بهذا المنظر الاخاذ

ثم ان حبها لنيكوس وحب نيكوس لفتاة اخرى لا يمكن بحثه مع رجل غريب , يبدو كأنه لم يعرف الحب فى حياته

_______________________________________

قال ساخرا:

- لا تهتمى يا شهيدة الحب. غراماتك الصبيانية لا تهمنى. ولكن ماذا عن عائلتك؟ ألا يهمها انك وحيدة فى البحر الكاريبى حيث يمكنك ان تقعى فريسة سهلة لرجال من نوعيتى ؟

- انك ملك من ملوك السكر يا سيدى ! كنت اعتقد ان هؤلاء انتهى امرهم مع العصور الغابرة . ولم اعرف انهم ما زالوا يعيشون فى المنازل الكبيرة والقصور وسط حقول قصب السكر ومزارع الكاكاو ويحكمون كملوك الاقطاع

ضحك ضحكة هازئة وقال :

- عائلة سافدج من خليج التنين تعيش الان كجزء من تاريخ هذه الجزيرة

اصولنا تمتد عميقا فى الارض مع اصول قصب السكر والكاكاو . اتينا من ايرلندا ثوارا وبقينا لنؤسس سلالة.

قالت مؤنبة:

- هل تملكون العبيد ؟

- دخل فى خدمتنا العديد من سكان الكاريبى ولكننا لم نجعلهم عبيدا لنا

بدا متعجرفا وقاسيا واكمل:

- سألتك عن عائلتك ... هل يسمحون لطفلة مثلك أن تتجول حيثما تشاء؟

- اولا اننى لست طفلة يا سيد سافدج . والداى توفيا منذ زمن . وقد عرفت عن شقيقك من ناب ...

- عرفت انه مقعد وانا الملام فى اعاقته وانا الذى سبب به ذلك؟

سألت كارا وقد اتسعت عيناها السوداوان:

- وهل لاموك أنت؟

- نعم . نعم . كنا لا نفترق انا واخي برايد. نركب الخيل كأننا شيطانان . نفعل كل شئ سوية ونتحدى بعضنا فى الجرأة والمهارة . كنا نتفوق على جميع اترابنا ... نحن التوأمين سافدج نتفاخر بتراثنا ونعبد تاريخ عائلتنا.

_______________________________________

كان لوكان يتكلم وهو يذهب ويأتي امامها

بينما تجلس فى كرسيها واضعة ذقنها بين كفيها تستمع اليه بكل جوارحها وأكمل:

- عندما بلغت السابعة عشرة من عمرى عرفت ان شقيقى التوأم برايد هو الوريث الوحيد لأملاك العائلة لانه يكبرنى بساعة واحدة

اخبرتنى بهذا الحقيقة المرّة مربيتى الزنجية دا

قالت لى وهى حانقة : من المستحسن انك خلقت بعد برايد فهو يصلح اكثر منك لأن يكون سيد خليج التنين ووريثه

لقد صفعتنى بالحقيقة كأنها سوط الهب ظهرى

كنت احب شقيقى حبا كبيرا ولكننا لن نتقاسم كل شئ ... حقيقة مؤلمة

كنا عائدين من المدرسة فى عطلة نركض بوحشية كعادتنا

تحدانى برايد ان نتسلق الصخور الحادة العالية التى بنى المنزل الكبير فوقها وقد قبلت التحدى

كنا دائما نقول: سنحاول تسلقها ذات يوم

سمعت كارا التنهدات العميقة التى افلتت منه حين وصل فى قصته الى هذه النقطة

وانفطر قلبها حزنا عليه

قالت له:

- يا للسماء

هل من الممكن ان نمحو فترة من الزمن الماضى كأنها لم تكن؟

وقف لوكان ينظر اليها كانت على وجهه علامة تشبه الهلال كأنها جرح قديم . وقال:

- كل من يحمل دما ايرلنديا يحس مسبقا بوقوع المشاكل , وهذا ما احسسته عندما بدأت السباق مع برايد

وقد ضحك برايد ونحن نتسلق الصخور وقال : تبدو خائفا

هل ترغب فى البكاء يا اخى الصغير ؟

_______________________________________

كان دائما ينادينى ... اخى الصغير , عندما يرغب فى السخرية والهزء منى لفارق الساعة بيننا

كنت ما ازال منزعجا مما اخبرتنى اياه مربيتى دا

قلت له : سأكون الاول فى السباق ولو قتل احدنا

كنت اسابق الريح كأن احدا يلاحقنى بسوط فى يده

وصلت الى ثلاثة ارباع الطريق وكنت سابقا له بقليل حين هوى برايد الى اسفل فوق الصخور ...

واستدار لوكان ليواجه كارا

قرأت فى عينيه امارات الندم ولكنه اكمل بقسوة ومرارة :

- وقع برايد وكسر ظهره

صرخت كارا :

- اوه ! لا لا .

احست انه اخبرها قصته المؤلمة لأنه يعرف انهما لن يلتقيا بعد اليوم ... كأى مسافر فى طائرة او على متن باخرة.

- هل رأيت وعلا وحشيا يقع فى الشبكة ؟ هكذا كان شعورى وألمى

قلبك ينفطر على ألم القوى اكثر مما ينفطر على ألم الضعيف

اجابته كارا وقد تذّكرت شقيقها بول يوم رقد فى المستشفى لا حول له ولا قوة قبل ان يستعيد قوته وعافيته فى حب دومينى.

- نعم اعرف ما تعنى

وسألته:

- ألم يمت شقيقك برايد ؟

- كلا . كانت الاقدار هى الاقوى لقد تحول من رجل كامل قوى الى نصف رجل بلحظة . بقى له نصف جسده . من الخصر الى اسفل شلّ تماما .

قالت كارا :

- قصتك رهيبة يا سيد سافدج

- وأنا . هل أنا رهيب ايضا؟

نظرت اليه لم تستطع ان تعبر عن رأيها فيه بكلمات بسيطة . كان يتمشى فى الشرفة تحت اشعة الشمس قويا عصبيا كأنه حيوان فى قفص حديدى

لعله مسجون فى قفص اكبر من شقيقه المسجون فى مقعده ذى الدواليب المتحركة

انه ولا شك برئ ولكنه فى نظر الجميع متهم

ذنبه انه قبل التحدى لتسلّق الصخور الحادة فى سباق مع شقيقه واصر على ربح السباق ولو ادّى ذلك الى مقتل احدهما

هل كان يحسد اخاه لأنه سيرث كل شئ ؟

_______________________________________

قفزت كارا من مكانها وقالت:

- على ان اتركك يا سيدى

آسفة اشد الاسف لما حصل لشقيقك

ولكن ارجوك لا تقس على نفسك باللوم

وقامت ووجهتها الباب , ولكنه وقف يمنعها وهو يقول:

- لا يمكنك ان ترحلى

يجب ان القاك مرة ثانية سنتعشى الليلة سوية

سنتعشى خارج الفندق فى مكان اخر

- لا اظنها فكرة صائبة ان نلتقى ثانية

قالت ذلك ونظرت اليه بعينيها السوداوين . نظرت الى وجهه الاسمر الذى لوّحته الشمس والى عينيه الخضراوين وشعره الاحمر كأنه نار فوق رأسه

توقفت عند ندبة فى خده تزيد من شكله الشيطانى المحبب وقالت:

- اظن من الافضل لنا ان لا نلتقى

- بل علينا ان نلتقى

قال ذلك وهو يمسك برسغها بشدة وعصبية . شعرت انها لا تستطيع الافلات من قبضته الفولاذية

- هل تخافين منى يا كارا ام تخافين من نفسك ؟

- ما هذه السخافة ؟ ارجوك اتركنى يا سيد سافدج لقد استمتعت ببقائى هنا فترة طويلة وقد استمعت الى قصتك المؤلمة وواسيتك بعطفى ...

- العطف! وهل تعتقدين اننى اهتم لشعورك نحوى بالعطف ؟ لقد اخبرتك عن حادث شقيقى برايد لأننى رغبت ان تعرفى اى انسان انا ولأننى لا اريد اسرارا بيننا منذ البداية

سنلتقى مرة ثانية هذا المساء

- كلا ...

حاولت كارا ان تهرب من قبضته بكل قواها دون جدوى.

_______________________________________

- هذا المساء يا كارا سنلتقى

لا تهربى لأنك ان فعلت ستندمين الى الابد

- ولماذا اهتم ؟

قالت ذلك بصوت غاضب شاعرة بخوف كبير وهى قربه

احست بقوة وتصميم لم تعهدهما سابقا مع نيكوس

ثم اكملت:

- وهل تظن اننى مدينة لك بشئ من اجل الليلة الماضية ؟

- ربما نحن مدينون بالليلة الماضية الى قوى خارقة لا نستطيع مخالفتها , الى القدر

هل تخافين الشائعات فى فورت فرناند ؟ هروبك لن يجعلها تصمت

- وكذلك بقائى لن يسكتها !

- هل يهمك كلام الناس؟

رفع لوكان رأسها ببطء ونظر الى عينيها ثم الى شفتيها واكمل:

- لقد تكلم الناس عنى كثيرا . وهل تعرفين كيف حصلت على هذه الندبة فى خدى ؟ لقد ضربتنى والدتى بالسوط على خدى حين اخبرتها بالحادث الذى وقع لشقيقى كانت فى القاعة وما تزال فى ثياب الفروسية

ضربتنى بالسوط الذى كان فى يدها وهى تقول : ان تنين الخليج يهتم بنا نحن آل سافدج!

ضحك لوكان دون اكتراث ثم افلت كارا وهو يقول:

- اذهبى يا فتاتى الصغيرة . اهربى !

ركضت كارا الى غرفتها فدخلتها واغلقت الباب

꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂

2024/07/14 · 44 مشاهدة · 2188 كلمة
cherry jory
نادي الروايات - 2025