شعرت اخيرا بالأمان وسط ثيابها المبعثرة والصورة العائلية السعيدة فى مكانها على الطاولة بين السريرين

تنفست الصعداء . ستترك الجزيرة اليوم .... قبل ان ترتبط بعلاقة مع لوكان

بدأت تستعد للرحيل وفتحت حقائبها لتعيد ترتيب اشيائها عندما سمعت قرعا على الباب

فتحت فرأت ناب واقفا وبيده مظروف مغلق قال:

- هل ترغبين فى دليل سياحى اليوم يا آنسة ؟ واعطاها المظروف

- كلا لا اظن ذلك يا ناب

- على كل حال سأكون هنا اذا غيرت رأيك

واغلق الباب وراءه

فتحت كارا المظروف وقرأت الرسالة كانت كلماتها مكتوبة بقلم اسود ولا مجال للمراجعة كتب يقول ...

دعينى أتعشى معك عشاء وداعيا . وكما يقول الفرنسيون : الوداع هو بعض الموت.

تمنت كارا ان تمزق الرسالة اربا لتوفر على نفسها لقاء جديدا مع هذا الغريب

انطبع وجهه فى عقلها الباطنى بشكل اخذ يزعجها ... وكوّمت الرسالة بين اصابعها

لماذا تهتم؟ ليذهب هذا الغريب الى الجحيم

ما شأنها بما حصل له حين كانت هى طفلة صغيرة على مقاعد الدراسة تتجول مع نيكوس فى تلال جزيرة انديلوس ... لديها جراحها الخاصة وهى حضرت الى هنا لتنساها ...

جلست كارا على حافة السرير فى غرفتها تحدق فى ارضية الغرفة . تذكرت نيكوس بعيدا عنها متزوجا من سيسلى بوجهه الطويل الذى يشع جمالا وحيوية حين يضحك

حاولت ان تستعيد شكل وجهه من الذاكرة

______________________________________

واذا بعينيه العسليتين تتحولان الى عينين خضراوين قاسيتين . حتى تقاطيع وجهه تغيرت لتصبح عينى رجل قاسٍ تبرقان تحت شعره الاحمر انها صورة لوكان.

لوكان سافدج الرجل الذى يتهامس الناس قصصه المخجلة والذى يحمل ندبة فوق خده من تأثير ضربة سوط ...

الشمس تغيب بسرعة فى المناطق الاستوائية يهبط الظلام فجأة وتظهر النجوم فى السماء كأنها حاشية تحف بالقمر

هذه هى ليلتها الثانية فى جزيرة لوك

وصلت العربة الى مدخل مطعم القنديل الملون

ابتسم السائق بعد ان نقده لوكان اجرته

ضرب الحصان بسوطه ومشت العربة مبتعدة بعد ان نزلت كارا برفقة لوكان.

آخر مرة ركبت فيها عربة يجرها حصان كانت فى اثينا وعضت كارا على شفتيها لأن لوكان كان برفقتها بدلا من نيكوس

كان لوكان طويل القامة عريض المنكبين يلبس طقما فاتحا مع قميص وربطة عنق من الحرير البنى اللون

أحست بأصابعه تحت كوعها وهما يدخلان المطعم . وشعرت بانتصاب قامته ورشاقته . قال:

- أعدك بأمسية غير مألوفة

كانت الغرفة قليلة الانارة وتقدم منهما رجل صينى وقور يلبس قفطانا حريريا واسع الاكمام ويداه بأصابعهما الطويلة مشتبكة بعضها ببعض

كانت على شفتيه ابتسامة زائفة . وانحنى لهمل حين اوصلهما الى طاولة منعزلة. قال:

- انه لمن دواعى سرورى ان اراك مرة ثانية فى مطعمى المتواضع يا سيد سافدج

- وهذا يسرنى ايضا يا سيد بن

احب مطعمك وانواره الخافتة وطعامك الممتاز . اتمنى ان يكون لديك لحم البط على لائحة الطعام اليوم

- لدينا كل ما تحب اكله

انحنى بن وصفق بيديه فحضر الخادم على الفور

_______________________________________

تنفست كارا ببطء بعد ان اختفى الرجل الصينى خلف ستارة من الخرز وقالت فى نفسها ... هل حلمت به ؟ هل انا فى حلم ؟ كست ابتسامة صغيرة خجولة وجهها وتعجبت من نفسها ... لماذا وافقت على العشاء مع هذا الرجل الشرس القاسى ؟ انه يبدو اكثر شراسة تحت الاضواء الشرقية الخافتة.

نظر لوكان الى ثوب كارا البسيط والشرائط الحمراء المعقودة على خصرها . انه ثوب فتاة صغيرة وقد لبسته عن قصد . سألها:

- هل ذقت طعاما صينيا من قبل؟

هزت كارا رأسها نفيل

- اذن ستكسبين خبرة جديدة اليوم . وكان يغمز بعينيه كأنه يقول لها ... هذه تجربة جديدة ستشاركه فيها . واسرع قلبها فى ضرباته

ابعدت نظرها عن وجهه بسرعة

خاطبها الخادم وهو يقدم لها لائحة الطعام :

- لائحة الطعام لك يا سيدتى

فتحتها كارا وتفحصت بعينيها الكتابة الصينية المعقدة وسألها لوكان:

- هل تضعين نفسك بين يدى ؟ أحست بالمعنى البعيد لجملته من دفء صوته.

- نعم . اختر لى انت عشائى . ولكن ارجوك لا تطلب لى اى شئ غريب.

سخر منها قائلا :

- هل انت خائفة من هذه التجربة ؟ فتاة مثلك قادمة من ارض تكثر فيها الاساطير والحوريات.

- كان هذا فى الزمن الغابر يا سيد سافدج . الاساطير اصبحت داجنة والحوريات تعلمن الحذر

- يا لخيبة الأمل !

_______________________________________

نظر اليها كأن شيطانين خضراوين يسكنان عينيه . ثم نظر الى الخادم وطلب العشاء . كانت كارا متأكدة انه طلب لهما اغرب ما يوجد على لائحة الطعام

سألها : - هل ترغبين فى تجربة أكلة كواى تسو ؟

- وما طعمها ؟

- كواى تسو هما عصوان لأكل الأرز يا سيدتى

واشار الخادم الى طاولة مجاورة حيث جلس اثنان يأكلان بهما طعامهما الصينى

- اجلب لنا زوجين منها وكذلك اجلب لنا شراب الارز فورا .انه يهدئ الاعصاب

قالت كارا:

- كم انت فظيع! اعتقد انه يسرك ان تجعل من المرأة اضحوكة

- انت تبدين فتاة صغيرة ليس الا . كيف يعاملك فارس احلامك ... مثل وردة تنتظر من يقطفها ؟ ألهذا تهربين منه لأنه تردد طويلا ؟

قالت بغضب:

- ليس فى نيتى ان اشاركك خصوصياتى

- لا يمكننا بعد ان نمثل دور الغريبين يا كارا . الليلة الماضية تقاسمنا غرفة نوم واحدة . أتذكرين ؟ ماذا سيقول حبيبك اليونانى عن ذلك ؟

قال ذلك وعيناه تقدحان شررا.

- لن يقول شيئا يا سيد سافدج . نيكوس تزوج امرأة اخرى التقاها فى اميركا ولا يمكننى ان انافسها . هى تملك كل شئ: الشعر الاشقر القوام الرشيق والوجه الجميل

كانت تتكلم بعصبية ظاهرة

قال لها مازحا:

- اذن لو كنت تملكين شعرا ذهبيا كنت تلبسين الان خاتما من ذهب . منذ متى تعرفين هذا الرجل ؟

- كل حياتى!

- وتعتقدين انه كسر قلبك !

- اعتقد انك اكبر رجل ساخر التقيته فى حياتى . ولا اعتقد ان لديك قلبا لينكسر!

- ها قد احضر الخادم الشراب . انه يسمى شو شنج ويقال انه يدفئ أبرد قلب . بالطبع ليس قلبى.

قال ذلك وهو يضحك حتى ظهرت اسنانه البيضاء فى وجهه الاسمر.

_______________________________________

وضع الشراب فى كوبين صغيرين . وطلب لوكان منها ان تشربه على الطريقة الشرقية ببطء كبير . وبعد ان رشفت منه قليلا شعرت باحساس لطيف يسرى فى عروقها وقد هدأ تشنج أعصابها قليلا

كان الطعام مزيجا من البيض والتوابل المختلفة والأرز. وكانت كارا تحمل الصحن قريبا من ذقنها وتدفع بالعصوين بعض حبات الأرز الى فمها . قال لوكان بجفاف:

- الافضل لك ان تستعملى الملعقة بدلا من العصوين

- كلا . لقد بدأت اتعلم طريقة استعمالها . الطعام لذيذ جدا

اكلا لحم البط مع الفطر وبعض الخضروات الاخرى التى لا تعرف كارا اسماءها . كانت الحلوى ممزوجة بالخل . وجلبوا لهما الماء الساخن فوق منشفة صغيرة ليغسلا ايديهما . وبعد الطعام تناولا الشاى اليابانى المعطر.

شعرت كارا براحة بعد الطعام . وتنفست رائحة الياسمين العطرة فى الشاى وهى تستمع الى لوكان يخبرها عن منزله فى خليج التنين.

قال ان المنزل يقع فى منتصف مزرعة قصب السكر وحقول الكاكاو.

زالطريق اليه يمر عبر صفين من اشجار النخيل . ساحته الامامية تحتوى على اعمدة قديمة امام المدخل الرئيسى والمنزل حجرى يتكون من ثلاثة اجنحة . قالت كارا وهى تبتسم :

- ربما هو قصر بابلى

- انه يتحدى زرقة السماء . انه قلعة اقطاعية . وللمنزل شبح . شبح سيدة تلبس الذهب وتخرج من نافذة ملونة فوق السلالم . ماتت حرقا فى طاحونة السكر القديمة . قيل انها كانت تجتمع الى عشيقها هناك.

- ذلك مدهش فعلا!

وحاولت ان لا تنظر اليه . رشفت من فنجان الشاى وقد شعرت بنبضها يسرع وبسحر هذا الرجل وجاذبيته

- انت تحب بيتك كثيرا

قال ساخرا:

- وهل يستطيع رجل بدون قلب ان يحب ؟

- اعتذر . من الخطأ ان نصدر احكامنا على الناس بسرعة . ارجو ان تسامح تهورى فى الحكم عليك . التسرع من طباع اليونانى يا سيد سافدج

- هل انت دائما متهورة وطائشة ؟

قال ذلك واومأ الى الخادم . ظنت ان العشاء انتهى وانه يطلب الفاتورة.

_______________________________________

꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂

2024/07/24 · 24 مشاهدة · 1236 كلمة
cherry jory
نادي الروايات - 2025