- احيانا افعل اشياء واندم عليها . هذا طبع آل ستيفانوس والدى تزوج والدتى بعد ان عرفها بعشرة ايام فقط . هى انكليزية وانا فى غالبيتى يونانية الطبع.
- حين يحضر الخادم لنا الشراب سيجلب معه ورق الحظ ليخبرنا عن المستقبل . الصينيون شعب يؤمن بالفأل وقراءة المستقبل . هل يؤمن اليونانيون بذلك ايضا؟
- نعم
ألم تتنبأ لها العرافة السوداء البارحة انها ستقابل رجلا غريبا شعره احمر يشبه النار ؟ لقد تحققت نبوءتها ..
جلب الخادم الصينى ورق الحظ . وخرج السيد بن من خلف الستائر الخرزية هادئا ورزينا فصب لهما الشراب من قنينة صوانية قديمة. قدم كوبا الى كارا واخر الى لوكان . شرباها سوية ثم اخذ كل منهما ورقته ووضعها امام السيد بن ليقرأ طالعهما . عملية تسلية بالنسبة لكارا ليس الا . فهى لا تؤمن بهذه الامور . ومع ذلك شعرت بضربات قلبها تسرع وهى تنظر الى الرجل الشرقى بقفطانه الحريرى ذى الاكمام الواسعة . قال لها:
- ارى حفلة تنيرها المشاعل فى المنزل الكبير فى خليج التنين . اخبرينى يا صغيرتى هل تنتظرين ان تحضرى حفلة عرس قريبة ؟
قالت كارا:
- حفلة عرس ؟ لقد اقيمت الحفلة يا سيد بن . لم احضرها لأنها كانت فى مكان بعيد عن مسكنى
وضع بن البطاقة قربه وأضاف:
- هناك بعض القناديل المطفأة . كأن احدا يبكى.
وبسرعة قلب البطاقة على وجهها وبدأ يقرأ حظ لوكان من بطاقته . كان لوكان يتفرج على عملية التبصير وهو يسخر . قال:
- هل هو عرسى أم مأتمى والناس تبكى على ؟
وتمتم لنفسه:
- العمليتان لا تختلفان ؟ ... حفلة العرس وحفلة المأتم
قال بن:
- اعتقد يا سيد لوكان انك تخترت بطاقة المقامر من بين ورق الحظ . عليك بانتقاء بطاقة غيرها.
- لا اريد . هذا قدرى ولن اجابهه هذه الليلة.
- كما ترغب . اتمنى ان تكون الخدمة والطعام فى مطعمى لم يخيّبا ظنكما ؟
قال لوكان :
- الطعام ممتاز وكذلك الخدمة.
وقالت كارا:
- الطعام لذيذ وفاخر . سأحمل معى ذكريات مدهشة حين اترك جزيرة دى لوك
_______________________________________
وبعد لحظات غادرت كارا هذا المكان الشاعرى . كانت كالمسحورة التى خرجت من هيكل. تمشيا سوية قرب الشلال وسألها لوكان:
- حسنا والان ما رأيك فى البحر الكاريبى ؟
- انه زاهى الألوان , لذيذ وغير اعتيادى
اعطاها يده وتمشيا على الشاطئ الرملى . كانت ليلة مقمرة واشجار النخيل الباسقة تنحنى مع النسيم
- ومع ذلك سترحلين!
انحنى وامسك بصدفة كبيرة وقال :
- وهل لقاؤنا بدون ميعاد سيكون من الذكريات التى ستحملينها معك ؟
قالت بصدق:
- طبعا بالتأكيد . كيف سأنسى هذا الصباح ... أو هذا المساء فى مطعم القنديل الملون ؟ كيف سأنسى رجلا يحمل ذكريات طفولة اليمة ؟
- كلما كانت الندبة اعمق كلما نما الجلد اكثر خشونة.
كان يسخر . وناولها الصدفة الفارغة طالبا اليها ان تضعها على اذنها وسألها:
- ماذا تسمعين؟
- اسمع امواج البحر تتكسر على الشاطئ
تمتم:
- انها امواج البحر فى خليج التنين
سألته:
- لماذا تنزل فى فندق فكتوار اذا كنت تسكن خليج التنين؟
- كنت فى رحلة خارج الجزيرة . سأعود فى الاسبوع المقبل على متن مركب شراعى الى البيت.
_______________________________________
كانت عيناه الخضراوان تلاحقانها بشغف . وأكمل:
- هل تعتقدين ان هذه الطريقة بدائية للتنقل ؟ الرحلة الى خليج التنين تتم دائما بهذه الطريقة . انها جزء من التراث العائلى . حاجة ماسى تسرى فى دمنا هى ان نتمسك بالتقاليد وننكر عصر الآلة.
- افهم ما تقول . كذلك عندنا فى اليونان . انا احب جمع العادات القديمة مثل الصبى الذى يجر خلفه معزاة يجوب بها التلال . مثل موسم الخطبة بعد قطاف الزيتون . مثل السباحة ليلا وسط العتمة , نجمع بأيدينا ظل النجوم المنعكسة فوق سطح الماء.
- البحر الكاريبى فى الليل يملك سحرا خارقا
وقف لوكان طويلا قرب كارا يحدق فى المياه
امعنت النظر فى وجهه على ضوء القمر . انه شديد البأس قوى فيه ثورة عارمة وشعره كأنه خوذة فولاذية
فجأة شعرت بنفرادهما على الشاطئ . لقد ابتعدا كثيرا عن اضواء المدينة . قالت:
- علينا ان نبدأ مسيرة العودة . الوقت متأخر وفى نيتى أن أغادر غدا صباحا.
- لا تذهبى . لا تهربى من الجزيرة بسبب كلام الناس
كان جادا فى قوله
- انه ليس هربا
- هل تهربين منى ؟ أم تنوين عزل نفسك عن العالم حتى لا يصيبك المزيد من الألم ؟ هل تظنين اننى من الاشخاص الذين يمكن ان يؤلموك؟
- نيكوس لم يقصد ان يؤلمنى . قلبه هو الذى احب فتاة اخرى . هكذا القلوب تنفتح قليلا لبعض الناس وكثيرا لغيرهم.
- وبما ان قلبك فارغ فانك تجوبين الكاريبى للتسلية . الغرف الفارغة تدعو العناكب لتسكنها ! انت مليئة بالحياة ولن تسمحى للفراغ ان يعشّش فى داخلك
ارتجفت وبكى قلبها صارخا ... نيكوس لماذا احببتنى قليلا ثم لفظتنى !
-اينما تذهبين ستلاحقك ذكرياتك . انا واثق من ذلك
نظرت اليه وتساءلت ... ما الذى يبغيه منى هذا الغريب ؟ هل هى مغامرة عاطفية عابرة ؟
_______________________________________
وهذا الرجل الذى يحمل ذكريات اشد الما من ذكرياتها , ذكريات تمتد كالحبال لتخنق الحقيقة . ما هى حقيقته ؟ هل هذا الرجل شرير وقاس أم يحمل بين صلوعه قلبا محطما مثل جسد اخيه ؟
- سأعود الاسبوع المقبل الى منزلى فى خليج التنين . لماذا لا تبقين اسبوعا يا كارا؟ دعينى اريك فورت فرناند.
فى النسيم العليل الذى يهب على الشاطئ كان كلامه قد بدأ يؤثر فيها وفى تصميمها على ترك الجزيرة
قالت:
- ربما لا اظننى سأجد جزيرة اجمل من هذه . شمسها دافئة ونخيلها يميل مع الريح والبحر دافئ يصلح للاغتسال.
- هل تعرفين ان جميع الجزر معلقة فى ايدى ارباب البحر الغاضبين ؟
ابتسمت واخذت تنصت الى الصدفة الفارغة التى اعطاها اياها
كانت الامواج الصاخبة فى داخلها غضبى مثل مياه خايج التنين
ووصلا الى غرفتها فى الفندق . قالت:
- لقد ثبت رقم تسعة على باب غرفتك
اجابها وهو يضحك ضحكة شيطانية:
- لاحظت ذلك ايضا
فتحت كارا باب غرفتها ودخلت
- شكرا انها سهرة لا تنسى
- هل هو الطعام ام قراءة المستقبل ام رفقتى ؟ اخبرينى يا كارا
تمنت لو تسأله ... لماذا يصرّ على رفقتها ؟ أمن أجل التسلية أم هى حاجة لصاقتها ؟ لا يمكنها أن تقرأ على وجهه اى امارات واضحة
_______________________________________
ضحك قائلا:
- لماذا تفكرين كثيرا ؟
فسألته بمكر:
- انت رجل كاللغز . تعامل الجميع كأنهم لعب للتسلية . اى لعبة تتسلى بها معى يا سيد سافدج؟
- لعبة دليل السواح يا آنسة ستيفانوس . ألا ترغبين فى البقاء ؟ هل تخافين منى ؟
هل تخافين علاقتك برجل بدلا من علاقتك بفتى ؟
- أوه أنت شيطان ماكر حقا!
قالت ذلك وقد احمرت وجنتاها
- اننى صادق
لست ممن يعدون ويخلفون وعدهم . اذا بقيت فى الجزيرة لا استطيع ان اعدك بالسعادة لأن ذلك متعلق بك وحدك يا كارا . انها فرصة سانحة . اقتنصيها . ولكننى أحذرك بأنك لن تستطيعى التصدى للقدر.
خيم السكون لحظة وترك يده تلامس كتفها ثم نزل بها الى معصمها حيث امسك وحيد القرن فى اسورتها . قال:
- مخلوق خرافى . مثلك يا كارا
شعرت بلمسته وأبعدت معصمها عن أنامله بصعوبة كأنها تحارب قوة مغناطيسية
- الفندق هادئ . الجميع يغطون فى نومهم . أتمنّى لك ليلة سعيدة يا سيد سافدج
- ليلة سعيدة يا آنسة ستيفانوس.
قال ذلك وهو ينحنى لها بسخرية بالغة مما يؤكد أصله الفرنسى
نعم .... فوالدته فرنسية
_______________________________________
꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂