الفصل الثاني: الليلة المظلمة
رن الجرس أخيرًا، وبدأ الجميع بالخروج من الفصل بسرعة. سمعت أحد الطلاب يقول بحماس:
"رفاق، لدينا 45 دقيقة فقط للاستراحة!"
خرج الجميع وهم يضحكون ويمرحون، أما أنا، فقد كنت آخر من يغادر الفصل. لم يكن لدي أي أصدقاء. كنت أحب العزلة، وأجد في الغزل والرسم ملاذي الوحيد بعيدًا عن العالم.
بينما كنت أمشي في الممر، مررت بجانب مجموعة من الفتيات. رمقنني بنظرات مليئة بالسخرية، وقالت إحداهن بصوت عالٍ:
"انظروا، إنه التلميذ المتوحد!"
ضحكت أخرى وأضافت:
"أجل، إنه ذلك الذي ليس لديه أي صديق! أتذكرون عندما تعرض للضرب ولم ينطق بكلمة؟"
تابعت السير دون أن أبدي أي اهتمام، رغم أن كلماتهن كانت كالسكاكين التي تخترق قلبي. لم أكن أهتم لما يقوله الناس عني. تعودت على النقد والسخرية، ليس فقط من الطلاب، بل حتى من المعلمين وأفراد عائلتي.
ذهبت إلى ركني المفضل في المدرسة. كان مكانًا هادئًا بعيدًا عن الفوضى. جلست على الأرض، أخرجت لوحتي، وبدأت أتأمل تفاصيل الرسم التي كنت أعمل عليها منذ أيام.
هبت الرياح وحركت شعري. مع كل لمسة فرشاة، كنت أشعر وكأنني أهرب من هذا العالم إلى عالم أبدعه بنفسي. بعد دقائق من العمل، مسحت العرق عن وجهي وابتسمت قائلًا:
"أخيرًا، انتهيت! إنها أفضل بكثير مما كنت أتوقع."
ولكن، لم تدم لحظات السلام طويلًا. وقفت مجموعة من الطلاب أمامي. فور رؤيتهم، أدركت أن يومي الهادئ قد انتهى.
قال أحدهم بنبرة ساخرة:
"هاه، إنه التلميذ المتوحد! ماذا تفعل هنا؟"
أجبت بهدوء:
"هذا ليس من شأنكم."
اقترب آخر وضحك قائلًا:
"ماذا تخفي خلفك؟ دعني أرى!"
حاولت إخفاء اللوحة، لكنهم أمسكوا بها عنوة. قال أحدهم بينما ينظر إلى الرسم:
"ما هذه اللوحة السخيفة؟"
غضبت من الداخل وقلت:
"إذا كانت سخيفة، فاتركها!"
لكنهم لم يتركوا اللوحة. قام أحدهم بتحطيمها على الأرض، وبدأ يدوس عليها ويركلها يمينًا وشمالًا.
كانت تلك اللوحة هي نتاج أسبوع كامل من العمل، والآن تم تدميرها أمام عيني. شعرت بغضب شديد، لكنني كنت عاجزًا عن فعل شيء.
سألني أحدهم بسخرية:
"هل أنت منزعج؟"
أجبت بصوت مرتبك:
"لا... إنها مجرد لوحة."
ضحكوا بصوت عالٍ وقالوا:
"مجرد لوحة؟ ألم تكن مهمة بالنسبة لك؟"
أجبت بتوتر:
"لا بأس، يمكنني رسم واحدة أفضل."
لكني كنت أكذب. كنت أشعر بأن الغضب يملأ صدري. اقترب أحدهم ولكمني في بطني بقوة، شعرت بألم شديد وسقطت على الأرض.
غادروا وهم يضحكون، وتركوني وحدي.
تنفست بعمق وقلت لنفسي:
"ياليتني كنت أملك القوة لأدافع عن نفسي..."
رن الجرس، فنهضت بصعوبة وذهبت إلى الفصل. كعادتي، استقبلني المعلم بالصراخ، وبدأ الطلاب يستهزئون بي. جلست في مكاني دون أن أجيب.
في منتصف الحصة، وبينما كنت غارقًا في أفكاري، رمى المعلم قلمًا أصاب رأسي. صرخ قائلاً:
"لماذا لا تنتبه؟"
أجبته معتذرًا:
"آسف، كنت أفكر في الامتحان القادم."
تنهد المعلم وأكمل شرح الدرس.
عندما انتهى اليوم الدراسي وخرجت من المدرسة، كان الليل قد حل. في طريق عودتي إلى المنزل، بدأ المطر يتساقط. ركضت بسرعة حتى لا أبتل بالكامل.
وصلت إلى المنزل متأخرًا، وفتحت الباب لأجد أمي غاضبة تصرخ:
"أين كنت؟ لماذا تأخرت؟"
تنهدت وقلت:
"المعلم أخرنا بسبب درس مهم."
قالت:
"حسنًا، ادخل وتناول عشاءك."
دخلت إلى المطبخ، وجدت طبقًا من الأرز. سخنته وأكلته بصمت.
مر والدي بجانبي وقال ساخرًا:
"هاه، لقد عدت. ظننت أنك مت في طريق العودة."
لم أجب. أنهيت طعامي وذهبت إلى غرفتي. أغلقت الباب خلفي، واستلقيت على السرير.
بدأت أفكر في كل ما حدث اليوم. الغضب والحزن يملآن قلبي.