عند سماع تلك الكلمات، اتسعت عينا ألبي بدهشة. و هزّ رأسه بجنون وكأنه مصدوم حقًا.

“ماذا؟ ماذا؟! أنا حقًا لست كذلك، يا سيّد فاندرمير! لماذا قد أتلقى أمرًا بقتل شخص ما؟ لست من هذا النوع أبدًا!”

أصرّ ألبي على براءته بشدة، وعرض عليهم تفتيش منزله بالكامل إن أرادوا.

وبعدما عجز داميان عن العثور على أي دليل يدينه، أطلق سراحه.

واصل داميان استدعاء الأشخاص المشاركين في الحملة والتحقيق معهم واحدًا تلو الآخر، لكنه لم يجد أي شخص له صلة خاصة بكين أو بعائلة الدوق فاندرمير.

ومع ذلك، لم يتخلَّ داميان تمامًا عن شكوكه، إذ كان من المحتمل وجود متواطئ بين من لم يشاركوا في الحملة.

وفي أثناء انشغال داميان بالتحقيق، كان ايزيك يتولّى مهمة جمع المعلومات عن كين.

عاد ايزيك من لقائه بوالدة كين التي تعيش في قرية فوشان، وقدم تقريره.

“كان على العائلة في الأصل دين قدره خمسون مليون، تركه والده المتوفى، لكن كين سدّد هذا الدين فجأة دفعةً واحدة قبل بضعة أيام. وعندما سألته والدته عن كيفية حصوله على المال، طلب منها ألا تقلق ورفض إخبارها.”

“إذاً، لا شك في أنه تلقى تعليمات من شخص ما.”

بات من المؤكد أن كين لم يفقد صوابه فجأة ويهاجم داميان، بل فعل ذلك استجابةً لأوامر تلقاها بهدف قتله.

وبعدما صرف داميان ايزيك، بقي وحده في غرفته غارقًا في التفكير العميق.

يُقال إن كين انضم رسميًا إلى فريق التحقيق قبل أسبوع، وبعد ذلك بيوم واحد فقط، تلقى فرسان الصقر الأحمر هذا التكليف.

كان توقيت الأمر متقنًا بشكل مريب. ومهما فكّر في الأمر، بدا من المستحيل أن تكون عائلة الدوق فاندرمير قد حصلت على معلومة بشأن خروج فرقة الفرسان في مهمة التصفية، ثم قامت برشوة كين في وقت قصير إلى هذا الحد.

إذ لم يكن من السهل خلال أقل من أسبوع تحديد كين تحديدًا من بين أعضاء فريق التحقيق، مستغلين ديونه الضخمة، ثم استمالته بالمال.

‘إلا إذا كان قد جُنِّد منذ البداية وأُقحِم عمدًا داخل الفريق.’

وحين خطرت له هذه الفكرة، بدأ يشكّ في عملية التصفية برمّتها.

ربما كانت الخطة كلها، منذ البداية، تهدف إلى قتله.

عندها، تذكّر داميان كلام بِين ديارك.

“بل في الواقع، لقد كان هناك أحد كبار الشخصيات في البلاط الإمبراطوري هو من أصرّ بشدة على ترشيحكَ، مؤكّدًا على جدارة قدراتك.”

هل يمكن أن تكون تلك الشخصية الرفيعة في البلاط الإمبراطوري، التي رفض بين الإفصاح عن اسمها، على صلة بعائلة الدوق فاندرمير؟

كان عليه التفكير في الأمر بحذر، فالبلاط الإمبراطوري خصم لا يمكن الشك فيه باستخفاف. بالإضافة إلى ذلك، لطالما حرصت عائلة الدوق، على مرّ الأجيال، على إبقاء مسافة بينها وبين البلاط.

وكان ذلك نهجًا منفصلًا عن العلاقات الشخصية، كالعلاقة التي جمعت الدوق السابق بالإمبراطور.

فباعتبارها عائلة عريقة تُعدّ أحد أعمدة الإمبراطورية، لم يكن هناك داعٍ لأن تُظهر خضوعًا أو انحناءً أمام البلاط. بل فضّل الطرفان تجنّب التشابك في المصالح، خشية التأثير المتبادل.

ولهذا السبب، تجنّبت عائلة فاندرمير التدخل في مسألة وراثة العرش، تمامًا كما أحجم البلاط عن التدخل في تعيين وريث الدوقية.

‘لكن أفراد العائلة الحاليين ليسوا بتلك الحكمة، فهم مستعدون لفعل أي شيء لحماية مصالحهم.’

كان من المحتمل تمامًا أن تكون عائلة الدوق قد تعاونت مع أحد أفراد البلاط الإمبراطوري بهدف تنصيب أوسكار دوقًا قادمًا.

إذاً، السؤال هو، من هو الشخص الذي قدّم يد العون لعائلة الدوق فاندرمير؟

‘هناك شخص واحد فقط يخطر في بالي الآن.’

ولي العهد فريدريك.

فمن بين الشخصيات الرفيعة في البلاط، لم يكن هناك شخص يكنّ لداميان عداءً عميقًا مثله.

مرّر داميان يده ببطء على ذقنه، وقد ارتسمت على وجهه ملامح الجدية.

هل يُعقل أن يكون ولي العهد قد تحالف مع عائلة الدوق؟

ربما فعل ذلك مؤقتًا بدافع الضغينة تجاهه. فولعه بأراسيلا كان واضحًا للجميع.

‘عندما أعود إلى العاصمة، سيكون من الحكمة التحقيق في أمر ولي العهد أيضًا.’

مسح داميان وجهه براحتي يديه وأطلق تنهيدةً خافتة.

سواء كان فريدريك متورطًا أم لا، فقد بات من المؤكد أن لديه الآن عقبةٌ أخرى، إلى جانب عائلة الدوق فاندرمير.

***

منذ أن تناولت أراسيلا جرعةً من الإكسير العلاجي، الذي أعدّه رودي من الأعشاب التي جمعها بمبادرة منه، تحسّن لون وجهها بشكل واضح.

ورغم ذلك، استمرت في البقاء غارقةً في غيبوبتها حتى الآن.

كان داميان، وسط انشغاله بالتحقيق، يحرص على زيارتها من حين إلى آخر ليطمئن على حالتها ويعتني بها.

وفي هذا المساء أيضًا، جاء إلى غرفتها متأخرًا، وملأ وعاءً بالماء ثم بلّل منديلًا وبدأ يمسح به وجهها ويديها بعناية.

بدت أراسيلا، وهي مستلقية تحت ضوء القمر الشاحب المتسلّل عبر النافذة، تمامًا كأميرة نائمة من إحدى حكايات الخيال.

رغم أنها لم ترتكب أي خطأ، لُعنت فقط لأنها أبقت بجانبها كيانًا شريرًا.

كان داميان يمسح أصابعها النحيلة واحدًا تلو الآخر برفقٍ وعناية، ثم عضّ شفته وأسند جبينه إلى ظاهر كفّها.

‘أنا السبب في ما حلّ بكِ.’

لم تفارقه مشاعر الذنب التي استقرّت بثقل في صدره.

حتى الكوابيس التي كانت تطارده برؤية والدته الميتة، تحوّلت إلى كوابيس يرى فيها أراسيلا وهي تنهار أمامه غارقةً في دمائها.

“تبًا……”

أغمض عينيه بقوة.

كلما تذكّر كيف هرعت لإنقاذه دون تردّد، اضطرب نبضه بشكل مؤلم.

حتى تخيّل فقدانها كان كافيًا ليشعر بأن هناك من يخنقه.

‘متى أصبح خوفي من فقدانكِ بهذا العمق؟’

فتح داميان عينيه ونظر إليها بنظرة يغمرها الحنين والقلق.

منذ البداية، كان القلق من احتمال تعرّضها للأذى على يد عائلته، والشعور بالمسؤولية تجاه ذلك، حاضرَين دائمًا. فالمسؤولية بالنسبة لداميان ليست مجرّد كلمة يمكنه نزعها من نفسه أو التخلّص منها.

كان يخشى أن تواجه أراسيلا مصيرًا مأساويًا، مثل الآخرين الذين حاولوا مساعدته من قبل وأصابهم الأذى على يد عائلة الدوق.

لم يكن ذلك لأنها مميزة، بل لأنه لم يعد يحتمل أن يتأذى أحد آخر بسببه.

كان هذا ما يشعر به بوضوح…..لكنه تغيّر في لحظة ما دون أن يدرك.

فذلك الإحساس النابع من ضميره، بوجوب حمايتها من عائلة الدوق، تحوّل تدريجيًا إلى رغبة خالصة في البقاء بجانبها وحمايتها.

أصبحت أراسيلا، من دون أن يلاحظ، شخصًا استثنائيًا احتلّ مكانةً دافئة في أعماق قلبه.

حدث ذلك بسلاسة، حتى إنه لم ينتبه متى بدأ.

همس بصوت خافتٍ وهو ينظر إليها.

“زوجتي، هل تعلمين متى تغيّرتُ إلى هذا الحد؟”

لم يأتِ أي ردّ على سؤاله العابر.

ابتسم داميان ابتسامةً شاحبة كمن يبكي، ثم ألصق وجنته بكفّ أراسيلا.

وحين وقعت عيناه على خصلات شعرها المنسدلة فوق الملاءة البيضاء، تذكّر فجأةً يوم لقائه الأول بها.

لا يزال ذلك اليوم عالقًا في ذاكرته بكل تفاصيله.

كانت هي تلك الساحرة الغريبة التي أرسلت له رسالةً تطلب الزواج منه، رغم أنها لم تره قط، ثم جاءت فجأة دون سابق إنذار.

تمايل شعرها الناعم بلون بتلات الخزامى بانسيابية، وبدت ملامحها ناعمةً وشاحبة.

أما عيناها، الصافيتان كحبات البلّور، فقد كانتا تنضحان بالذكاء والثقة.

صحيح أن كثيرات ادّعين الإعجاب به وسعين إلى التقرب منه، لكن أراسيلا وحدها كانت أول من نظر في عينيه مباشرةً دون أدنى تردّد.

فمعظم الناس كانوا يجدون صعوبة في مواجهة نظراته، لشدة ما كان يُشعرهم به من رهبة دون أن يدرك ذلك.

ربما لهذا السبب، عندما التقت عيناه بعينيها لأول مرة في ساحة تدريب الفرسان، راودته فكرةٌ عابرة دون أن يدرك،

‘يا لها من عينين جميلتين.’

كانت فكرةً عفوية ظهرت في ذهنه بلا أي قصد أو تفكير، ثم تلاشت سريعًا.

وفي لقائه الأول بها، أظهرت أراسيلا جانبًا غير مألوف، تمامًا كما وصفتها الشائعات بأنها شخصية غريبة الأطوار، وكما كان واضحًا في طلبها الجريء للزواج.

وحين بدأت تتحدث عن نفسها بثقة وبموضوعية مدهشة، شعر داميان بالذهول والامتعاض في آنٍ معًا، لكنه لم يجد في نفسه رغبة في تكذيبها.

كل ما خطر في باله حينها هو،

‘تبدو طبيعية الشكل…..لكنها بالتأكيد ليست بكامل قواها العقلية.’

وإلا، فكيف لفتاة أن تقدّم له عرض زواج بهذه الجرأة؟

لكن داميان في النهاية قبِل عرض أراسيلا وتزوجها، وكان هذا قرارًا اتخذه عن إرادته الحرة.

كانت تصرفات أراسيلا وكلامها غير المتوقع مصدر تحفيز جديد له.

وعندما رآى كيف أن حتى عائلة الدوق فاندرمير لم تتمكن من التعامل معها، شعر بالراحة وبنوع من الانتصار.

شعر وكأنّه قد حصل أخيرًا على رفيق قوي يمكنه أن يسير بجانبه في المعركة، بعد أن كان دائمًا يقاتل وحده ضدهم.

بالطبع، بسبب خلفيته المؤلمة، لم يكن قادرًا على منحها كامل ثقته في البداية، مما أدى إلى عدة صراعات بينهما. لكن بمرور الوقت، بدآ يفهمان بعضهما البعض تدريجيًا، واقتربت علاقتهما.

لم يكن الفارق قد تقلص دفعةً واحدة، بل تطور ببطء، لذا لم يكن داميان يعلم بالضبط متى أصبحت أراسيلا جزءًا مهمًا في حياته.

“أنتَ تريدُ إزاحة أخيكَ و وراثة مكان الدوق، أليس كذلك؟ سأساعدكَ في ذلك.”

منذ ذلك اليوم الذي جاءت فيه بكل جرأة، حاملةً أعظم أمنياته.

“لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. امسك بيدي في أي وقت، سأكون هنا دائمًا.”

أو ربما بدأ في اليوم الذي قرر فيه، لأول مرة، أن يفتح جراح ماضيه أمامها ويمسك بيدها.

“زوجتي، أنتِ الشخص الذي أحبّه أكثر من أي شيء في هذا العالم.”

أو ربما بدأ ذلك عندما خشي أن تتلقى أراسيلا نفس الجرح الذي تلقاه من العجوز الكبرى، فركض ليعترف لها بحب مزيف.

“إنكَ تبدو رائعاً، داميان.”

أو ربما بدأ عندما تعاونا معًا لهزيمة القتلة المأجورين، ثم وضعت هي إكليل الزهور على رأسه مبتسمة.

كانت ابتسامتها في ذلك الحين جميلةً للغاية.

وكان هناك أيضًا حادث جون باتينسون، عندما تخطينا تحيزاتهم الخاصة وواجها بعضهمت البعض بشكل كامل، أو تعاونهم في مشروع المركبة الطائرة السحرية، الذي جعلهما يتشاركان في فضائهما الشخصي.

كما لا يمكن نسيان الموقف الذي تدخل فيه عاجلًا لإنقاذ أراسيلا عندما كانت نيرا على وشك ضرب خدها في الحفل.

وأخيرًا، كانت تلك اللحظة عندما ذهبا إلى الدوقية بسبب حفلة ميلاد الدوقة، وأخرج أمامها جروحه القديمة تمامًا.

تدفقت الذكريات التي قضاها مع أراسيلا كالمدّ العاتي.

وبينما كان داميان يعيد استعراض تلك اللحظات، التي قد تكون قصيرة أو طويلة، اكتشف شيئًا ما.

لم يكن يعلم بالضبط متى حدث ذلك، ولكن كان يعلم الآن لماذا أصبحت أراسيلا شخصًا مميزًا وذات أهمية في حياته.

وكان السبب بسيطًا جدًا.

'ربما لأنني بدأت أكنّ مشاعر خاصة لكِ، أراسيلا……'

مشاعر غير عادية تجاهها، مشاعر لم يتوقعها أبدًا، ومشاعر كان قد مرّ بها في حياته بسبب الشعور الذي دمر حياة والدته.

ضحك داميان ضحكةً هادئة اختلطت فيها مشاعر عدة.

كانت ضحكةً خالية من اليأس وأيضًا مريحة، لأنها كانت ضحكةً المواجهة الحقيقية مع مشاعره أخيرًا.

شعر داميان وكأن دموعه ستنهار، فقبّل ظهر يد أراسيلا بلطف وهمس في تلك اللحظة.

“استيقظي، زوجتي.”

رغم أنه كان يعلم أن إصابتها لم تكن تهدد حياتها، إلا أن رؤيتها مستلقيةً بسبب إصاباتها وبسبب ما حدث لها كان أمرًا مؤلمًا.

إن حدث أي شيء، حتى لو كان الاحتمال ضئيلًا للغاية، وكانت حالة أراسيلا تسوء، لم يكن داميان قادرًا على تحمل ذلك.

كان سيفقد شخصًا عزيزًا عليه مرة أخرى بعد والدته.

أخفض داميان رأسه بشدة وأمسك بيد أراسيلا بإحكام. وخرجت كلمات منخفضةٌ من بين شفتيه المائلتين قليلاً.

“لا أستطيع أن أعيش بشكل طبيعي إذا فقدتكِ، أراسيلا.”

كانت الكلمات مليئةً بالمشاعر الصادقة، واهتزت بحزن في أرجاء الغرفة.

كان داميان يتمنى في قلبه بصدق، يتمنى أن تستيقظ بسرعة.

____________________

ياااوك يمهه يجننننننووووننننننننن

دمعت يوم قال كان بيبكي وباس يدها ياعمري انتم

داميان اذكى بطل على طول عرف انه فريدريك😭😭😭😭😭

المهم ما ادري اسكر فريدريك عشان داميان طلع لما ذا المشاعر ولا اتوعده عشان الي صار لأراسيلا

Dana

2025/02/16 · 68 مشاهدة · 1729 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025