عندما ناداها صوت يائس باسمها، فتحت أراسيلا عينيها بتعب وذهول.

برؤية ضبابية قليلاً، رأت داميان ممسكًا بيدها كأنها طوق نجاة، منحنياً برأسه و كأنه يتوسل.

ومن بين خصلات شعره الفضي المنسدل، ظهر أنفه الحاد وعيناه المتجعدتان وكأنه على وشك البكاء.

'داميان، لماذا أنتَ هكذا؟ هل تأذيتَ في مكان ما؟'

كان لديها الكثير لتقوله، لكن شفتيها لم تتحركا.

وبينما لم تستطع مقاومة جفونها الثقيلة التي أصبحت كالرصاص، غفت فاقدةً الوعي ثانيةً.

وفي صباح اليوم التالي، استيقظت أراسيلا تمامًا بذهن صافٍ أكثر من ذي قبل.

وبينما كانت تلف الضمادات حول رأسها وساقها وكتفها وتحرك عينيها اللامعتين بفضول، دخل شخص ما إلى الغرفة.

و لم تكن سوى سالي.

لقد جاءت حاملةً دواء الصباح، وما إن رأت أراسيلا مستيقظة حتى صرخت مندهشة.

“سينباي! هل أنتِ بخير؟ هل استعدتِ وعيكِ؟!”

“سالي، طبلة أذني ستنفجر.”

ردّت أراسيلا مبتسمةً رغم تجعّد حاجبيها قليلاً.

ركضت سالي مسرعة نحو السرير وأمسكت بيدها بإحكام وهي تشهق باكية.

“أوه، من الجيد أنكِ استيقظتِ. لقد كنتِ فاقدة الوعي لثلاثة أيام بسبب قنبلة السحر الأسود، وقلقنا عليكِ كثيرًا.”

“هل كنتُ نائمةً لثلاثة أيام؟”

صُدمت أراسيلا عندما علمت أنها فقدت وعيها طوال هذه المدة.

لا عجب أن الألم كان فظيعًا عندما أغمي عليها.

بدأت سالي تخبرها وهي تبكي بتفصيل عن حالتها. وعندما سمعت أن ذراعها وساقها اليمنى تعرضتا للكسر، بقيت أراسيلا هادئة وكأنه لا شيء.

“لقد تلقيتُ قنبلة السحر الأسود مباشرةً، كان من المستحيل تجنّب ذلك. على الأقل، لم تُبتر أطرافي، و هذا بحد ذاته إنجاز.”

فالأضرار التي لحقت بها اقتصرت على هذا الحد بفضل قوتها الاستثنائية، أما لو كان شخصًا آخر في مكانها، لكان قد أُصيب بجروح خطيرة هو ومن حوله، وانتهى به الأمر طريح الفراش.

“على أي حال، أين داميان؟ هل هو بخير؟”

سألت أراسيلا أخيرًا السؤال الذي أرادت طرحه منذ استيقاظها، وارتسمت على وجهها ملامح القلق.

فمع أنها كانت تتوقع أنه لم يُصب إصابةً خطيرة لأنها وقفت أمامه لتحميه، إلا أن مجرد احتمال حدوث مكروه له جعل قلبها قلقًا.

“إنه بخير. على الأرجح هو مشغولٌ الآن بالتحقيق في الحادث. هل تريدين أن أستدعيه؟”

خرج جواب سالي دون تردد، مما جعل أراسيلا تتنفس الصعداء وهي تضع يدها على صدرها بارتياح، ثم أومأت برأسها ببطء.

“نعم، من فضلكِ.”

ناولت سالي أراسيلا زجاجة الدواء وغادرت الغرفة.

وبأنين خافت، جلست أراسيلا بصعوبة وشربت الجرعة كاملة دفعة واحدة.

ملأ الطعم المرّ فمها، فعبست متألمةً وبدأت تبحث عن الماء.

وفجأة—

دوّى صوتٌ قوي كأن الباب قد خُلع من مكانه، وظهر داميان.

كان شعره مبعثراً بفعل الرياح، وملابسه غير مرتبة، وكأنّه ركض بأقصى سرعة.

“زوجتي..…”

ارتعشت عيناه الذهبيتان وهو يحدق في أراسيلا، واقترب منها بخطوات سريعة بينما يلتقط أنفاسه المضطربة.

“داميان، هل أنت بخير؟”

“لماذا تسألينني أنا؟!”

صرخ داميان بانفعال عندما رأى أن أول ما فعلته هو الاطمئنان عليه.

الشخص الذي كان يجب أن يُسأل عن حاله لم يكن هو، بل هي.

لقد كان هو من احتمى بزوجته كدرع، وخرج من الحادث بلا خدش.

بينما أمسَك بكتفيها النحيلين بحذر كي لا يؤلمها، ارتفع صوته مجددًا.

“هل تعرفين كم كنتُ قلقًا؟! لماذا اندفعتِ بتلك الطريقة المتهورة؟!”

“لأنني كنتُ خائفةً من أن تُصاب أنتَ.”

“كنتُ أفضل أن أُصاب بدلاً من أن يحدث لكِ هذا! كان سيكون ذلك أهون عليّ بكثير!"

انحنى داميان برأسه، وملامحه مشوهةٌ بالألم، فيما بقيت أنفاسه غير منتظمةٍ وكأنّه غير قادر على الهدوء.

رمشت أراسيلا بدهشة أمام رد فعله العنيف أكثر مما توقعت، ثم رفعت يدها السليمة لتضعها فوق يده.

“لكنني مازلتُ أعتقد يأنه من الرائع أنكَ بخير.”

“….…”

“أشعر بفخر كبير الآن لأني استطعتُ حمايتكَ.”

قالت ذلك مبتسمة، ثم جذبت داميان لتجلسه بجانبها على السرير، ومدّت يدها البيضاء لتضغط بلطف على جبينه المتجعد.

“هيا، أرح وجهك. لم يمت أحد، فلماذا تبدو هكذا؟”

“أنتِ لا تعرفين ما أشعر به الآن.”

ردّ داميان بصوت مكبوت وهو يدير وجهه بعيدًا.

عندها أمسكت أراسيلا بخده وأعادت وجهه إلى مكانه.

“أعرف ذلك، فكيف لا أعرف؟ لقد كنتَ خائفًا من أن أموت، أليس كذلك؟”

“….…”

“لكنني عنيدة نوعًا ما، وقبل كل شيء، لا أنوي أبدًا الرحيل وترك من أحب.”

حين رأت أراسيلا في حلمها السابق موت آيريس، شعرت بوضوح بمدى الألم الذي يسببه فقدان شخص عزيز.

كان ذلك ألمًا لا يمكن وصفه، و كأن القلب يُمزّق إلى أشلاء.

وداميان أيضًا مرّ بتجربة مشابهة بفقدانه والدته، لذا استطاعت أن تتخيل كم كان قلقًا ومذعورًا أثناء فقدانها وعيها.

نظرت في عينيه المرتجفتين والتقت بنظراته وهي تنطق كلماتها بوضوح.

“لذلك، اطمئن. لن أموت أبدًا، وأنا الآن بخير تمامًا. هل فهمت؟”

قالت ذلك وهي تبتسم وتضغط بإصبعها على وجنته.

عندها هدأ قلبه، الذي كان يضطرب بلا توقف، بسرعة مذهلة. وأومأ برأسه ببطء وقد ارتسم على وجهه تعبير أكثر ارتياحًا.

رأت أراسيلا تعبيره الهادئ وشعرت بالرضا، لكنها تذكرت فجأة وسألته،

“بالمناسبة، ماذا حدث مع كين؟ هل قبضتم عليه وعاقبتموه كما يجب؟”

“للأسف، لم نتمكن من ذلك. فقد انتحر مباشرة بعد الحادث. نحن نحقق حاليًا لمعرفة الجهة التي تقف خلفه.”

كان وجه داميان قاتمًا وهو يتحدث، فأدركت أراسيلا فورًا أن التحقيق يواجه صعوبات.

“يبدو أن تعقّب الجهة التي وراءه ليس بالأمر السهل.”

“على الأرجح أن الشخص الذي حرّض كين ليس من الغرب ولا من هذه البلدة، بل من مكان آخر. فلم نجد هنا أي شخص متورط أو دليل ملموس.”

“إذاً، من الأفضل أن نعود إلى العاصمة في أسرع وقت. أنا بخير، لذا لنغادر بأسرع ما يمكن.”

على أي حال، كان عليها التوجه إلى العاصمة لتلقي العلاج المناسب لجراحها.

مهما كانت رودي بارعاً في صنع الجرعات السحرية، فإن العلاج الطبي السحري له مختصون آخرون.

ومن أجل صحة أراسيلا، وافق داميان على العودة إلى العاصمة، خصوصًا بعد أن أكّد الطبيب أن ركوبها العربة لن يشكّل خطرًا على حالتها.

وهكذا، تقرر عودة فرقة المطاردة في اليوم التالي على وجه السرعة. و كان المكان أمام النزل يعجّ بالناس الذين ينقلون الأمتعة استعدادًا للمغادرة.

خرجت أراسيلا بصعوبة وهي تتكئ على عكاز.

وبما أن ذراعها كانت مصابةً أيضًا، لم يكن من السهل عليها التحكم بالعكاز، وكانت خطواتها المرتبكة تبدو وكأنها على وشك السقوط في أي لحظة.

وفي تلك اللحظة، أنهى داميان حديثه مع ايزيك، وعندما لمحها تمشي بتلك الطريقة المتعثرة من بعيد، اندفع نحوها بخفة وسرعة.

“زوجتي، انتبهي لنفسكِ.”

كانت أراسيلا بحاجة للمساعدة بالفعل، لذلك استقبلته بوجه سعيد.

“آه، داميان. هل يمكنكَ مساعدتي؟ يبدو أنني أصبتُ في ذراعي، ولا أستطيع-”

لم تكمل كلماتها، إذ فجأة أخذها داميان بين ذراعيه دون سابق إنذار.

تفاجأت أراسيلا، وعينيها الزرقاوان اتسعتا بدهشة عندما اقتربت فجأة من وجه داميان.

“ماذا، ماذا تفعل؟”

“سأحملكِ حتى العربة.”

“لكنني أستطيع المشي..…”

“هذا خطر. لا يمكنني السماح بذلك. أمسكِ بي جيدًا.”

قال داميان ذلك بحزم، وبدأ يسير نحو العربة.

وبلا وعي، وضعت أراسيلا ذراعيها حول عنقه.

كان حضن داميان دافئًا وآمنًا، وكانت ذراعه القوية تدعمهما بثبات، محمولةً بيدين قويتين على خصريها وأسفل ركبتيها.

كان حملها ونقلها في أحضان شخص آخر أمرًا جديدًا بالنسبة لأراسيلا، مما جعل أذنيها تحمران قليلًا.

كما أنها شعرت ببعض الإحراج من نظرات الأشخاص الذين كانوا يراقبونهم.

بحذر، وضعها داميان على مقعد العربة كما لو كان يتعامل مع دمية زجاجية.

“سأتحقق من الجميع بعد التأكد من سحرة الفريق، ثم أعود إليكِ. حتى ذلك الحين، استريحي هنا.”

“فهمت. شكرًا لك.”

أغلق داميان الباب بهدوء وخرج.

راقبته أراسيلا من خلال النافذة وهو يوجه الأشخاص حوله، مسرعًا في تجهيز الفريق للمغادرة.

ثم تذكرت أنه ربما سمعت داميان ينادي اسمها بينما كانت في شبه غيبوبة.

“هل كان ذلك مجرد وهم؟”

لم تكن متأكدةً، فقد كان ذهنها مشوشًا في تلك اللحظة، لذا كان من الصعب أن تكون واثقة.

'همم، كان شعورًا جيدًا نوعًا ما……'

كان صوت داميان عميقًا وجميلًا لدرجة أنها شعرت براحة خاصة عندما سمعته.

لكن عندما اعتقدت أن ذلك كان مجرد وهم من خيالها، شعرت أراسيلا بقليلٍ من الأسف. ومع ذلك، لم تكن تفكر في الإصرار على أن يناديها باسمها.

بعد وقت قصير، عاد داميان إلى العربة، وانطلقت فرقة المطاردة نحو العاصمة.

وبسبب إصابتها في ذراعها، كانت أراسيلا تجد صعوبةً في قراءة الكتب، فجلست تراقب المنظر من النافذة، وعبست قليلاً من الملل، ثم فجأة طرحت سؤالاً.

“هل تعتقد أن الدوق فاندرمير هو من حرض كين؟”

“هناك احتمال كبيرٌ لذلك، لكن لا يمكننا استبعاد احتمالية أخرى.”

“ماذا تعني بذلك؟ هل هناك شخص آخر يريد التخلص منك غيرهم؟”

توقف داميان للحظة كما لو كان يفكر في الأمر، ثم تحدث ببطء.

“لا أعرف بالضبط. لكن يبدو أن شخصًا من العائلة الإمبراطورية متورط في هذه القضية.”

أخبر داميان أراسيلا بالتفصيل عن المحادثة التي جرت بينه وبين بين ديارك عندما تلقى التكليف من العائلة المالكة.

كانت تلك معلومات لم يشعر أنه بحاجة لإخبارها بها سابقًا.

لكن بعد أن علمت أراسيلا عن الشخص الرفيع المستوى من العائلة الإمبراطورية، أصبح تعبير وجهها أكثر جدية.

“هل هناك احتمال أن تكون قد أغضبت أحدًا من العائلة الإمبراطورية؟”

“……لا أعتقد. لذلك، أفترض أن هناك شخصًا من العائلة الإمبراطورية له صلات مخفية مع عائلة فاندرمير، أو ربما قام بفعل ذلك بعد تلقي رشوة منهم على المدى القصير.”

تردد داميان قليلاً، وقرر عمدًا عدم ذكر أي شيء عن فريدريك. لأنه كان لا يزال يُعتبر صديقًا لأراسيلا، ولم يكن يريد أن يثير شكوكًا بشأنه.

كما أنه لم يكن يريد التحدث عن مشاعر فريدريك تجاهها.

“همم، قد يكون ذلك صحيحًا."

'لكن، لا يوجد سبب وجيه لقيام العائلة الإمبراطورية بمحاولة التخلص منه.'

لم يكن لدى داميان عداوةً شخصية أو علاقات متشابكة مع العائلة الإمبراطورية للحفاظ على قوته، إذاً يجب أن يتم التحقيق في العاصمة لمعرفة الحقيقة.

***

لم تذهب أودري مع أراسيلا إلى الغرب. فقد كانت حملة مكافحة الوحوش خطيرة، وعادةً ما كانت لا ترافقها أثناء مهام برج السحر.

بينما كانت تنتظر عودة أراسيلا وداميان في القصر وتقوم بتنظيفه بهدوء، كادت أن تفقد وعيها عندما رأت سيدتها عائدة برباطات حول جسدها.

عندما كانت أراسيلا في طريقها للنزول من العربة بين يدي داميان، كانت أودري تضحك قائلة “أوه!” لكن عندما رأت حالتها جيداً، اكتشفت أن الأمر كان سيئًا للغاية.

“سيدتي، ما الذي حدث؟ كيف أصبتِ هكذا..…؟”

تراكمت مشاعر الصدمة في سؤال أودري، مما جعل داميان يرتبك.

كان يشعر بالذنب لأن هذا الحادث كان بسببه.

“عندما تلاحق الوحوش، تحدث أمور غريبة دائمًا.”

أجابت أراسيلا بشكل غير مبالٍ. فلم ترغب في شرح التفاصيل أمام أودري.

خافت أن يظن الآخرون أنها تلوم داميان الذي ما زال واقفًا دون أن يغادر.

كانت أودري تحدق بحزن في ذراعيها المصابتين، تراقب الأذى باستمرار.

“لكن في السابق لم تعودي بهذه الطريقة…..”

“الشخص لا يسقط فقط عندما يكون صغيرًا. حتى البالغين الذين تعلموا المشي يمكنهم السقوط في أي وقت.”

ضغطت أراسيلا على كتف أودري مبتسمةً بخفة.

“بالإضافة إلى أن سالي ورودا أخبرا برج السحر وسوف يرسلوا معالجًا متخصصًا في صناعة الأدوية، لذلك لا داعي للقلق.”

كانت هذه الكلمات موجهةً ليس فقط إلى أودري ولكن أيضًا إلى داميان.

نظرت أراسيلا إلى داميان الذي كان يقف خلف الخادمة وكأنه نحت تمثال، دون أن يتحرك، كما لو أنه سيظل واقفًا هناك للأبد إلا إذا طلبت منه المغادرة.

________________________

يجنن يوم جا ركض يفتح الباب والصراحه توقعت يضمها😭

معليه خيرها بغيرها

المهم شكله بيقعد يحس بالذنب ايييين يشوفها تنطنط زي الحصان

وداميان مره ذكي يوم ماطرا فريدريك انفدا الاذكياء ياناس بس بالله ابي اشوف وحه فريدريك بعد ما يدري ان الخطه خربت وأراسيلا هي الي كلتها🌝

Dana

2025/02/18 · 97 مشاهدة · 1736 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025