وافق داميان على كلام أراسيلا بالمشاركة في مشروع مهرجان التأسيس.
فعلى الرغم من أن اقتراح فريدريك كان يثير استياءه بعض الشيء، لم يكن بوسعه إنكار أنها فرصةٌ جيدة.
علاوةً على ذلك، بما أن الاقتراح لم يُقدم له شخصيًا بل لأراسيلا، فقد رأى أنه لا يمكن أن يكون بدافع سوء النية.
فالشيء الذي يرغب فريدريك في التخلص منه هو داميان نفسه، وليس أراسيلا.
بالطبع، رؤية الاثنين قريبين من بعضهما حتى لو كان ذلك بسبب العمل كانت أمرًا مزعجًا ومثيرًا للغضب.
'عليّ أن أتذكر الثقة التي أظهرتها لي زوجتي.'
لم يرغب في تدمير المشروع الذي خططت له أراسيلا بجدية بسبب مشاعر الغيرة السخيفة.
من ناحية أخرى، لم يكن واضحًا ما الذي يدور في ذهن فريدريك، لكنه، رغم زيارته المتكررة لأراسيلا بحجة التحضير للمهرجان، لم يتعمد التسكع أمام داميان لاستفزازه أو الدخول في صراع معه.
كان فريدريك يلتقي بأراسيلا في مختبر برج السحر أو في الخارج، متجنبًا قصر فاندرمير حيث قد يصادف داميان.
في الواقع، نظرًا لأن داميان هو المسؤول عن المهام الخارجية للمشروع، كان من الأكثر كفاءةً أن يجتمع معه لمناقشة الأمور، لكن فريدريك أصرّ على لقاء أراسيلا تحديدًا.
“أريد تركيب مصابيح في كل الشوارع احتفالًا بمهرجان التأسيس. كما أرغب في وضع مصابيح خاصة في أماكن مثل القصر الإمبراطوري والمعبد.”
“هل لديك تصميم معين في ذهنك؟”
“أعتقد أن شكل الزنبق، كونه الزهرة الوطنية لإمبراطورية سيترون، سيكون مناسبًا.”
“أوه، يبدو رائعًا!”
دونت أراسيلا متطلبات فريدريك في مفكرتها بجدية.
كانت متحمسةً كطالبة تحضر درسًا، خشية أن تفوت أي تفصيل.
وبينما كان فريدريك يراقبها وهي ترسم نجمة بجانب عبارة “التأكد من صنع المصابيح بشكل الزنبق!” تحدث فجأة،
“هذا يذكرني بالماضي. كنا نقضي الكثير من الوقت معًا على هذا النحو في الأكاديمية.”
“آه، صحيح. لم يكن لدي سوى أنت وباولا كصديقين آنذاك.”
لم تكن تملك أصدقاء آخرين تقضي معهم الوقت حتى لو أرادت ذلك.
لذا، كانت تأخذ فريدريك وباولا إلى المكتبة بالتناوب يومًا بعد يوم.
ضحك فريدريك بصوت خافت، ثم تمتم بنظرة شاردة يغمرها الحنين،
“أحيانًا أفتقد تلك الأيام. حينها كنت أريد أن أكبر بأسرع ما يمكن، لكن الآن…..أتمنى لو أعود إلى ذلك الوقت الخالي من الهموم.”
أما أراسيلا، فلم تكن تملك أي رغبة في العودة إلى أيام الأكاديمية، لذا اكتفت بالاستماع بصمت دون أن تجاريه في حديثه.
أسند فريدريك ذقنه إلى يده وحدق في أراسيلا بتمعن قبل أن يسألها،
“ماذا عنكِ، أراسيلا؟ ألا ترغبين أحيانًا في العودة إلى ما قبل زواجكِ؟”
“لا أدري، لم أفكر في الأمر كثيرًا.”
ارتسمت على شفتي فريدريك ابتسامةٌ خبيثة وهو يعلّق،
“يبدو إذاً أن حياتكِ الزوجية مع اللورد فاندرمير ليست سيئة إلى هذا الحد.”
هزّت أراسيلا كتفيها وأشارت إلى نفسها.
“كما ترى، أنا بخير تمامًا.”
تنهد فريدريك قليلًا قبل أن يردّ بنبرة خافتة ووجهه يكتسي ظلًا من الكآبة،
“لكنني ما زلت أتمنى لو أنكِ عدتِ إلى ما قبل زواجك…..لأنكِ الآن، لسبب ما، لم تعودي تشبهين أراسيلا هوغو التي كنت أعرفها.”
توقفت أراسيلا للحظة، ثم التقت نظراتها بعينيه مباشرة.
كانت عينا أراسيلا الزرقاوان تشبهان بحر الصيف البارد، شفافتين لدرجة أنه كان من الصعب أحيانًا قراءة المشاعر المختبئة داخلهما.
كما هو الحال الآن.
حاول أن يقرأ ما يدور في ذهن أراسيلا بعد سماعها كلماته. تُرى…..هل أثرت فيها ولو قليلًا؟
“هذا طبيعي، فأنا الآن أراسيلا فاندرمير. ألا تدرك حتى أن لقبي قد تغير؟”
تنهدت أراسيلا بعمق وهزت رأسها بأسف، وكأنها تتعامل مع شقيقها الصغير المشاغب الذي لا يمكن إصلاحه.
ثم أشارت إلى فريدريك بغطاء القلم الذي تمسك به، قبل أن تكمل كلامها بوضوح،
“ثم إن الحديث عن أمور شخصية أثناء العمل ممنوع. لاحظت أنك كلما سنحت لك الفرصة تبدأ في استرجاع الذكريات القديمة. وكأنك شيخ طاعن في السن! لكن ليس أثناء العمل، احتفظ بهذه الأحاديث لوقت لاحق.”
لوّحت بيدها بلا مبالاة، وكأنها تنهي الحديث وكفى.
مع تقدم العمر، سيظل الناس يكررون الحديث عن الماضي على أي حال. لكن أراسيلا كانت ترى أن التركيز على المستقبل أفضل من التعلق بالماضي، طالما أنها لا تزال شابة.
نظر فريدريك إليها بعينين معقدتين، يجدها محببة إليه رغم أنها لا تسير أبدًا وفق ما يشتهي، وربما كان ذلك يثير استياءه قليلًا أيضًا.
لذلك، تحدث بصوت منخفض بينما كانت أراسيلا ترتب ملاحظاتها في المفكرة.
“لكن تذكري هذا الشيء فقط، أراسيلا.”
“ماذا؟”
“بغض النظر عن مدى تغيّركِ، أنا لن أتغير أبدًا. الوقت الذي قضيناه معًا لن يختفي حتى لو متنا.”
عندها، أغلقت أراسيلا المفكرة بحركة حاسمة، ثم قابلت نظراته بهدوء قبل أن تردّ عليه بلا تردد،
“ما هذا الهراء؟ تقول إنك لم تتغير، لكنك بالفعل تغيرت.”
كان فريدريك في الأصل شخصًا مشرقًا ولطيفًا كأشعة الشمس، لكنه في الآونة الأخيرة أصبح يبعث جوًا كئيبًا ومظلِمًا.
بمجرد ملاحظة هذا التغير، شعرت أراسيلا أن فريدريك قد تغير أكثر منها بكثير.
“إذا كنتُ قد تغيرت، فذلك لأنكِ أنتِ من تغير أولًا.”
“فريدريك، لا تلقي باللوم عليّ.”
ردّت أراسيلا بحزم وهي تدفع خصلات شعرها المنسدلة خلف أذنها.
“ليس من الجيد أن يكون لولي العهد عادة إلقاء اللوم على الآخرين.”
“…..أحقًا كذلك؟”
في تلك اللحظة، أدرك فريدريك أن عليه التراجع قليلًا، فابتسم برقة.
أما أراسيلا، فاكتفت بهز رأسها بلا اهتمام، ثم نهضت من مكانها.
نهض فريدريك متبعًا أراسيلا وهي ترتب المكان، ثم تمتم بصوت خافت بالكاد يُسمع، وكأنه يتحدث إلى نفسه.
“لكنها في الحقيقة ليست غلطتي…..لا يمكنني فعل شيء حيال ذلك.”
***
“آنستي، السيد والسيدة يطلبانكِ.”
عند سماع كلمات الخادمة المفاجئة، استدارت نيرا بذهول، بعدما كانت تحدق بشرود في الخارج.
منذ حادثة الاعتراف العلني، لم تخطُ خطوةً واحدة خارج غرفتها، وظلت في عزلة إجبارية طوال هذه الفترة.
بل إنها تجاوزت مرحلة الشعور بالاختناق، وأصبحت مستسلمةً تمامًا، تقضي أيامها في مجرد التحديق عبر النافذة.
لكن الآن، وبعد تلقي استدعاء غير متوقع من والديها، شعرت بالذهول والارتباك.
أسرعت نيرا بترتيب مظهرها بعناية قبل أن تتجه إلى غرفة الاستقبال في الطابق الأول، حيث كان الماركيز و الماركيزة وايت في انتظارها.
“أمي، أبي…..هل استدعيتماني؟”
فتحت الباب بحذر ودخلت، لكنها تفاجأت بالمشهد غير المتوقع في الداخل.
كان هناك شخص غريب يجلس مقابل والديها.
توقفت للحظة عند المدخل مترددة، لكن الماركيزة نهضت بسرعة وأمسكت بمعصمها لتجرها إلى الداخل.
“ما الذي تفعلينه واقفةً هناك؟ إذا كنتِ قد وصلتِ، فادخلي وألقي التحية كما يجب! نعتذر على ذلك، ماركيز غرانت.”
ضحك الرجل بلطف.
“هاها، لا بأس. بما أنني ألتقي الآنسة وايت لأول مرة اليوم، فمن الطبيعي أن تشعر ببعض الحرج.”
رغم أنها جلست بين والديها بناءً على توجيه والدتها، فإن نيرا كانت لا تزال في حيرة مما يجري.
ماركيز غرانت…..أليس هو شقيق الإمبراطورة؟
لم تستطع فهم سبب وجود شخصية كهذه في منزلهم اليوم.
كما كانت نيرا تعلم، لم تكن هناك علاقة خاصة بين عائلة وايت وعائلة غرانت، مما جعل الأمر أكثر غموضًا.
أخذ الماركيز غرانت رشفة من الشاي ببطء، ثم وضع الكوب جانبًا قبل أن يتحدث.
“لقد تأثرت كثيرًا بقصة الآنسة، وأردت أن ألتقي بها لأتمكن من مساعدتها.”
“قصتي…..المؤلمة؟”
تساءلت نيرا بدهشة.
خلال فترة عزلتها، قضت نيرا العديد من الليالي مستيقظة، حتى أنها اعترفت أخيرًا بأن كل المصائب التي حلت بها كانت نتيجةً لأخطائها الشخصية.
لم يكن اللوم يقع على أراسيلا أو داميان أو أي شخص آخر. لقد كانت هي المسؤولة عن كل ما حدث.
لكن الماركيز غرانت رفض أن يعترف بتلك الأخطاء التي قبلتها هي.
“قد يحب الشخص رجلًا متزوجاً دون أن يدرك تمامًا ما الذي يفعله، أليس كذلك؟ الجميع يخطئ وينمو من خلال أخطائه. كما كان يحدث في الأكاديمية، حيث كان بعض الطلاب يحبون معلميهم، أليس هذا مشابه لذلك؟”
“أوه…..لكن اللورد فاندرمير مختلف. أنا كنت المخطئة..…”
أضافت نيرا ذلك، لكن فورًا تلقت طعنةً قوية من والدتها في جنبها، مما جعل فمها ينغلق تلقائيًا.
ومع ذلك، في قلبها، كانت لا تزال تعتقد أن مقارنة غرانت للموقف لم تكن دقيقة.
كان من السخف أن يُقال إنها “مراهقة”، فهي كانت امرأة بالغة. صحيح أنها كانت شابة، لكن لم تكن طفلةً بعد.
وفوق ذلك، لم يكن داميان مجرد معلم، بل كان شابًا في مثل عمرها، والأهم من ذلك أن نيرا لم تكن قد أخطأت بمحض الصدفة، بل فعلت شيئًا تعلم أنه لا يجب عليها فعله.
كانت تدرك أنه لا ينبغي لها التصرف هكذا، لكنها لم تستطع السيطرة على مشاعرها، فانفجرت دون تفكير.
لكن بدا أن الشخص الوحيد الذي كان يفكر هكذا في هذه اللحظة هي نيرا فقط.
“زوجا فاندرمير قاسيان جدًا. كان من الممكن حل الأمر بشكل لطيف، لكنهما قاما بتسليط الضوء عليكِ علنًا، مما دمر حياة شابة نبيلة، كان أمامها مستقبل مشرق.”
قال الماركيز غرانت ذلك مرة أخرى لصالح نورا، فترددت الماركيزة بسرعة مؤيدة له.
“نعم، هذا ما أقوله. لا تعرفُ كم كانت ابنتنا حزينةً بعد ذلك، لدرجة أنها لم تخرج من غرفتها، ورفضت التواصل مع أي شخص.”
كانت تمسح عينيها بمنشفة صغيرة، ثم أمسكت بيد نيرا.
حتى الماركيز وايت كان يحيط كتف ابنته بحزن.
كانت نيرا في غاية الارتباك والاستغراب من كل ما يحدث. فلم تكن هي من اختارت العزلة، بل كان والديها هما من حبساها في الغرفة.
حالما يتم رفع أمر منع الخروج، كانت تنوي أن تبدأ حياتها من جديد، حتى لو كانت متأخرة.
لن تكون مرتبطةً بعد الآن بداميان أو أراسيلا، بل ستسلك طريقها الخاص. لأنها الآن لم تعد تحمل أي كراهية أو غضب.
“يبدو أنكَ تشعر بالكثير من الغضب تجاه هذين الشخصين.”
“بصراحة، نعم. دمروا حياة ابنتنا هكذا، بينما يعيشون هم في سعادة، هذا يثير الغضب في قلبي.”
“أفهم مشاعركِ جيدًا، ماركيز وايت. لهذا جئت هنا لأواسيكم.”
لكن الحوار بين البالغين كان يتجه تمامًا في اتجاه مخالف لرغبات نيرا.
كانت نيرا في حالة من الارتباك التام. و لم تستطع فهم نوايا الماركيز غرانت، ولا ما كان يفكر فيه والداها.
“هل ترغبين في رد الصاع صاعين؟”
طرح الماركيز سؤالًا غير مباشر، دون ذكر فاعل أو مفعول.
ومن خلال السياق، كان من السهل استنتاج الكلمات المفقودة.
هل ترغب في الانتقام من داميان وأراسيلا؟
فكرت نيرا في ذلك ثم هزت رأسها.
“لا، أنا-”
وفي نفس اللحظة، شعرت بقبضة والدها ووالدتها المشدودة على يديها وكتفيها، وأطلقا نظراتٍ حادة نحوها من الجانبين.
شعرت نيرا بعرق بارد يتساقط على ظهرها تحت الضغط.
كان والداها يتوقعان منها أن تقبل اقتراح الماركيز غرانت، وأن تنتقم من زوجي فاندرمير.
“أيتها الحمقاء، يجب أن تردي الدين الذي ألحقته باسم العائلة.”
“ادفعي ثمن الدروس التي تعلمتها، نيرا وايت.”
همس والداها في أذنيها، وكانت كلماتهم كالسوط الذي دمر نيرا تمامًا.
“نعم، أريد…..أريد أن أفعل ذلك.”
في النهاية، لم تستطع نيرا تحمل الضغط ووافقت بهز رأسها.
ظهرت ابتسامةٌ صامتة على شفا الماركيز غرانت.
“فكرةٌ جيدة. إذا استمر الإنسان في تحمل الضربات فقط، سيبدو وكأنه أضحوكة.”
“ماذا يجب أن تفعل ابنتي؟”
سألت والدتها بدلاً من نيرا التي كانت قد انخفض رأسها. فأجاب الماركيز غرانت بكل هدوء.
“أولاً…..يجب أن تعود الأمور كما كانت سابقًا.”
_____________________
صدق فريدريك يخطط لشي الحمار واكيد هو الي موصي غرانت ذاه وجع
الواحد وده يستانس بمونتات داميان واراسيلا وذولا جايين يبعصون
من كثر النرفزه ودي اكتب جريدة شتايم هنا لفريدريك والمؤلفة
Dana