أشرق يوم مهرجان التأسيس.

و عُلِّقت مصابيح على شكل زهور التوليب في الشوارع وعلى المباني، وحلَّقت المناطيد في السماء تحمل لافتات تهنئة بالمهرجان.

خلال الأيام الثلاثة التي يستمر فيها الاحتفال، يحصل الجميع دون استثناء، بغض النظر عن العمر أو المكانة الاجتماعية، على إجازة للاستمتاع بالطعام والمرح.

لكن كان هناك استثناء، وهما أراسيلا وداميان.

منذ الصباح الباكر، كانا يتجولان بنشاط لفحص المناطيد والتأكد من عدم وجود مشكلات، وكذلك التحقق من تركيب المصابيح بشكل صحيح.

تولى داميان مسؤولية تفقد الساحات والشوارع، بينما كُلِّفت أراسيلا بفحص المباني الرئيسية مثل القصر الإمبراطوري والمعبد.

تفحصت أراسيلا المصابيح المعلقة في القصر الإمبراطوري بعناية، وقررت أنها لا تعاني من أي مشاكل.

في طريقها للخروج للانتقال إلى المعبد، التقت أراسيلا بفريدريك، الذي كان محاطًا بالفرسان.

كان يرتدي زيه الرسمي الأحمر المزخرف بشعار العائلة الإمبراطورية احتفالًا بمهرجان التأسيس.

بدت الدرجة الزاهية من اللون الأحمر متناسقة تمامًا مع لون عينيه.

“مرحبًا، أراسيلا. إلى أين أنت ذاهبة؟”

“آه، فريدريك. لقد تفقدت المصابيح، وكل شيء على ما يرام، لذا كنت متجهةً إلى المعبد الآن.”

“هكذا إذاً.”

ألقى فريدريك نظرةً بطيئة على أراسيلا.

كان وجهها الخالي من مساحيق التجميل وملابسها البسيطة يوحيان بأنها تركز على العمل أكثر من الاحتفال.

على الأقل في الوقت الحالي، لم تبدُ عليها أي نية للخروج مع زوجها، مما جعل الابتسامة ترتسم على شفتيه.

“أنتِ تبذلين جهدًا كبيرًا. سأعوضكِ عن ذلك لاحقًا، لذا أرجو أن تواصلي اهتمامكِ بالأمر قليلًا بعد.”

“لا داعي لذلك، نحن أصدقاء. ثم إن المناطيد والمصابيح جزء من مشروعنا، لذا علينا إدارته بدقة.”

لم ترد أن تفوّت فرصة مهرجان التأسيس بارتكاب خطأ قد يُلحق ضررًا بالمشروع الذي عملت هي وداميان بجد لبنائه.

خاصةً وأن اختراع الأدوات السحرية كان يشمل جهود متدربيها أيضًا.

عندما استخدمت أراسيلا كلمة “مشروعنا” بشكل طبيعي عند الإشارة إلى نفسها وداميان، انحنى طرف شفتي فريدريك قليلًا.

لكن سرعان ما أعاد ضبط تعابيره، محاولًا الحفاظ على ابتسامته المتألقة.

“على أي حال، شكرًا لكِ. إن حدثت أي مشكلة، فلا تترددي في إخباري. سأساعدكِ.”

“حسنًا، إذاً أراك لاحقًا.”

لوّحت أراسيلا بيدها مودّعة، فأومأ فريدريك برأسه بخفة قبل أن يواصل سيره.

تبعه الفرسان، الذين كانوا مصطفين خلفه كتماثيل، وألقوا تحيةً صامتة على أراسيلا أثناء مرورهم بجانبها.

عندما رأتهم يلتزمون بالاحترام الزائد وهم يعبرون بجوارها، خطرت لها فكرة.

'

في

مثل

هذه

اللحظات،

أدرك

حقًا

أن

فريدريك

هو

ولي

العهد

.'

لم يكن من الشائع رؤية فرسان الحرس الإمبراطوري في حالة توتر وانضباط صارم كهذه.

فهم عادة متغطرسون، ولا يُظهرون مثل هذا السلوك إلا أمام كبار الشخصيات في العائلة الإمبراطورية.

في تلك اللحظة، شعرت أن فريدريك لم يكن مجرد صديق أكاديمي عرفته منذ منتصف سنوات مراهقتها، بل شخصًا يجلس في مكانة أعلى من الجميع، ولي العهد الحقيقي.

حسنًا، سواء اعتلى العرش أم لا، لم يكن ذلك يهمها كثيرًا.

سرعان ما صرفت نظرها عنهم وتابعت طريقها.

عند وصولها إلى المعبد، بدأت أراسيلا بفحص المصابيح في كل ممر، كما فعلت في القصر الإمبراطوري، للتأكد من تركيبها بشكل صحيح.

“واو، هذا جميل حقًا!”

“أليس كذلك؟ سمعت أن المصابيح السحرية أصبحت رائجة هذه الأيام. أشعر أنني أريد شراء واحدة.”

“مؤخرًا، تم تركيب مصابيح سحرية في الشوارع، وكانت رائعةً بالفعل. حتى بعد غروب الشمس، لم يكن المكان مظلمًا جدًا.”

حتى في صباح يوم مهرجان التأسيس، كان هناك أُناسٌ جاؤوا للتمنى بإخلاص في المعبد، وتوقفوا أثناء مرورهم للتعبير عن إعجابهم بالمصابيح، وهم يتحدثون بحماس فيما بينهم.

أراسيلا، التي كانت مخفية خلف أحد الأعمدة واستمعت إلى حديثهم دون قصد، شعرت بالفخر، وارتسمت ابتسامةٌ صغيرة على شفتيها.

لقد كان تطوير أحجار الإضاءة وصنع هذه المصابيح أمرًا يستحق العناء.

بملامح يغمرها الحماس، كانت أراسيلا تهمّ بالدخول إلى المعبد لفحص المصابيح المعلقة في الداخل، حينها…..

“السيدة فاندرمير؟”

ناداها كاهن ذو ملامح هادئة، متعرفًا عليها.

حدّقت فيه أراسيلا للحظة بصمت، قبل أن تتسع عيناها قليلًا.

“الكاهن تايلور؟”

“إذًا لا تزالين اتذكرينني.”

ابتسم تايلور بلطف.

بالطبع، كانت تتذكره. فهو الكاهن الذي قام بتوثيق عقد زواجها من داميان.

“ما الذي أتى بكِ إلى المعبد؟”

“جئت لفحص المصابيح. داميان وأنا من صنعنا هذه المصابيح السحرية.”

وأثناء حديثها، أشارت إلى المصابيح على شكل زهور التوليب، مما جعل تعابير الدهشة ترتسم على وجه تايلور.

“يا إلهي، هكذا إذاً. لم أكن أعلم أن من صنعوا هذه المصابيح الرائعة هما أنتما. هذا مذهلٌ حقًا.”

“لقد بذلنا جهدًا كبيرًا في ذلك. كما أن زملائي الصغار قدموا مساعدة كبيرة أيضًا.”

ردّت أراسيلا بصراحة، فضحك تايلور ضحكةً ودودة.

“ههه، يبدو أنكما كنتما بخير طوال هذا الوقت.”

“نعم، وماذا عنك، أيها الكاهن؟”

“بفضل نعمة المعبد، لم أواجه أي مشاكل تُذكر..…”

قال ذلك بنبرة يغمرها المرح، لكنه فجأة توقف عند نهاية جملته، وكأنه تذكر شيئًا يشغل باله.

أدركت أراسيلا على الفور رد فعله الغريب، فسألته بوجه متحير،

“ما الأمر؟”

“آه…..لا، لا شيء.”

“لا يبدو أنه لا شيء. إذا كان لديك ما تقوله، فقلها مباشرة.”

عندها ألقى تايلور نظرةً خاطفة حوله، وبعد أن تأكد من عدم وجود أحد، اقترب من أراسيلا بوجه متردد.

ثم همس بصوت منخفض قدر الإمكان،

“في الحقيقة…..كنت مترددًا جدًا بشأن ما إذا كان يجب أن أخبركِ أم لا، لأن الأمر يبعث على القلق.”

“ما الذي حدث بالضبط؟”

“كان هناك شخص حاول ابتزازي لمعرفة تفاصيل عقد زواجكِ مع اللورد فاندرمير.”

في تلك اللحظة، تصلّبت ملامح أراسيلا.

لقد أبقيا أمر العقد في سرية تامة. فمن ذا الذي علم به؟ وكيف؟

بدأت الأسماء المحتملة تتدفق في ذهنها بسرعة. ثم سارعت بفتح فمها لتتحدث.

“وهل أخبرتهم؟”

“بالطبع لا. كخادم مخلص للمعبد، كسر العهد الذي قطعته يُعد خطيئة جسيمة.”

كان تايلور شخصًا متدينًا بشدة، ويتحلى بإحساس عالٍ بالمسؤولية ككاهن.

عندما وثّق عقد الزواج، أقسم أمام المعبد أن يحافظ على سره، ولم يكن ليخالف ذلك أبدًا.

حتى لو جاءه الإمبراطور نفسه، لما نطق بكلمة واحدة عن الأمر.

شعرت أراسيلا بالارتياح لرده الحازم، لكنها عقدت حاجبيها قليلًا،

“من هم الأوغاد الذين قاموا بتهديدك؟ أخبرني بالتفاصيل.”

أومأ تايلور برأسه وبدأ بسرد ما حدث له.

منذ اليوم الذي وثّق فيه عقد زواج أراسيلا وداميان، بدأ يشعر وكأن هناك من يراقبه باستمرار.

ربما كان قد خلط بين الأمور بسبب الضغط الكبير في العمل وكونه حساسًا، لكن سرعان ما اكتشف أن ما كان يشعر به لم يكن مجرد وهم، بل كان حقيقيًا.

اقترب منه رجلان ذوا ملامح أنيقة وبدوا وكأنهم من زوار المعبد، ثم عرضا عليه صفقةً سرية.

“إذا أخبرتَنا بما هو العقد الذي وثّقته للسيد والسيدة فاندرمير، سنكافئك بما يرضيك.”

“وأنت أيضًا، ككاهن، سيكون من الأفضل لك أن يكون لديك مجموعة من الزوار الذين يتبرعون بسخاء. نحن يمكننا أن نكون هؤلاء الزوار.”

لكن تايلور لم ينخدع بتلك المغريات.

ما كان يعنيه أكثر من التبرعات كان الثقة والنزاهة.

لم يكن ليصبح الموثق المفضل للكثيرين من بين الكهنة لو لم يكن معروفًا بصدقه واستقامته.

كان تايلور معروفًا بين الكهنة بكونه متينًا وذو نزاهة لا تضاهى. لقد كان يكتسب احترام الناس لأنه زرع فيهم الثقة بأنه مهما قال أو كشف من أسرار، فإنها لن تتسرب إلى الخارج.

لهذا أصبح واحدًا من الكهنة البارزين الذين يحظون باحترام كبير.

“أنا خادم للمعبد. لا يمكنني أن أتسبب في ضرر لسمعة المعبد أو أن أخيب أملهم من أجل رغبات دنيوية وطمع.”

عندما أظهر تايلور رفضه الواضح، غيّر الرجلان أسلوبهما وبدأا بتهديده.

“التحالف معنا سيكون أفضل لك. إذا أردت أن تحافظ على منصبك ككاهن في المستقبل بشكل مستقر.”

“هل تعتقد أن سمعة المعبد وولائك يمكن أن يحمي حياتك؟ فكر جيدًا.”

“مهما قلتم، لن أتزعزع. هدف حياتي هو أن أكون خادمًا للمعبد حتى اللحظة الأخيرة من حياتي.”

ومع ذلك، بعد أن تمسك تايلور برفضه، استمروا في تهديده عدة مرات، ولكن في الآونة الأخيرة بدأت زياراتهم تقل.

“هل تعرف من الذي كان وراء ذلك؟”

سألت أراسيلا بوجه جاد بعد أن سمعت القصة كاملة، فأجاب تايلور بهز رأسه.

“لا أعرف. لكن ما يثير قلقي هو إصرارهم على رؤية عقد الزواج الخاص بكما.”

لقد عمل لفترة طويلة ككاهن موثق، لكنه لم يرَ من قبل أشخاصًا يتصرفون بهذه الجرأة والتهور.

عادة، كان من الصعب حتى على النبلاء رفيعي المستوى أن يتجرؤوا على المساس بكاهن منتمٍ للمعبد، ومع ذلك كانوا يهددونه مرارًا وتكرارًا.

لأنها شعرت بشيء غير طبيعي، كانت أراسيلا تفكر في هذا بينما كانت تتحدث مع تايلور، وقد نصحها بأن تكون حذرة.

“شكرًا لك على اخباري. يبدو أنني وداميان قد التقينا بكاهن مخلص حقًا.”

“لا داعي للشكر. هذا هو ما يجب أن يفعله الكاهن.”

ابتسم تايلور بلطف.

بينما كانت أراسيلا تودع تايلور وتخرج من المعبد، غمرتها أفكارها.

'هل بدأت عائلة فاندرمير يشمون رائحة شيء ما وبدؤوا التحقيق؟ لكن إذا كانوا قد بدأوا في التحقيق منذ اللحظة التي تم فيها توثيق العقد، فهذا يعني أنهم قد اكتشفوا الأمر مبكرًا…..'

ومع ذلك، بدا أن عائلة فاندرمير لم يظهروا أي علامة على الشك في زواجهما، مما جعلها تشعر ببعض الحيرة.

إذا كانوا يعرفون بوجود العقد، حتى لو لم يكونوا على دراية بكل تفاصيله، كان من الممكن أن يضغطوا عليه أو يستفيدوا منه لصالحهم.

لكنهم لم يذكروا العقد أبدًا.

'لا يمكنني ترك الأمر هكذا، يجب أن أكتشف من هما هذان الشخصان وأتعرف على ملامحهم حتى أتمكن من إيجادهم.'

شعرت أراسيلا بقلق شديد و أعادت نفسها بسرعة لتلتقي بتايلور مرة أخرى.

'إذا تابعت الأمور خطوة بخطوة، سأتمكن من معرفة من وكيف علموا وارتكبوا هذه الأفعال.'

عادت إلى المكان الذي قابلت فيه تايلور من قبل، لكن لم يكن هناك أي أثر له.

بدأت أراسيلا تبحث عن تايلور هنا وهناك، بينما كانت عيناها تتفحص المكان حولها.

ثم، من خلف الزاوية، سمعت أصواتًا لشخص يتحدث، فتوجهت في الاتجاه الذي يأتي منه الصوت.

لكن ما وجدته هناك لم يكن تايلور أو أي كاهن آخر.

“من…..يساعدني..…”

كان هناك رجل مسن ملقى على الأرض فاقدًا للوعي.

تفاجأت أراسيلا بشدة من المشهد غير المتوقع، وركضت بسرعة إلى الرجل المسن لترفعه على ظهره وتجعله مستلقيًا بشكل مستقيم.

“أيها المسن، هل أنت بخير؟”

“أوه....”

كان الرجل المسن ذو الشعر الأبيض يرتدي معطفًا فخمًا مزخرفًا بتطريزات معقدة.

فتح عينيه بصعوبة ونظر إلى أراسيلا.

من بين الجفون المتجعدة، كانت عيناه تتألقان بلون ذهبي مشابه لحقول القمح الناضجة.

“أعطني..…”

“ماذا؟”

همس الرجل بلون وجه شاحب، وكان شفتيه تتحركان بصعوبة.

انخفضت أراسيلا برأسها وقرّبت أذنها من فم الرجل المسن.

“دواء..…”

“دواء؟”

هرعت أراسيلا لتفتش في جيب ملابسه، لكنها لم تجد سوى منديل مزخرف برسمة طائر صغير.

بعد لحظة من التفكير، رفعت رأسها فجأة وأخذت تنظر حولها.

“أوه، هناك..…”

ثم رأت زجاجةً ملقاة على بعد قليل منها.

_____________________

وي؟ من ذاه؟ يارب ذا الشايب بعد ماوراه مشاكل

الكاهن كفوووووو ماتوقعت يعلم اراسيلا ✨

اراسيلا اليوم وصحت انها ماتشوف فريدريك الا كولي عهد وصديق 😏

المهم فيه فصلين اليوم بعد😘

Dana

2025/02/24 · 67 مشاهدة · 1630 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025