“واو، هذه المرة فزتُ أنا!"
أول ما فُتح مع تطاير قصاصات الورق كان صندوق أراسيلا.
نظر داميان إلى صندوقه الذي تأخر في الانفتاح لبضع ثوانٍ بوجه متحسر.
لو كان أسرع بخطوةٍ واحدة، لما احتاج الأمر للوصول إلى الجولة الثالثة، ولكان الرهان قد انتهى بفوزه.
بينما كانت أراسيلا تزيح قصاصات الورق المتناثرة بيدها، هرع المشرف الرئيسي على لعبة تفجير الصناديق نحوها.
“تهانينا! لقد سجلتِ رقمًا قياسيًا في أقل وقت، لذا ستحصلين على هدية!”
قدم لها صندوق الهدية، وشعرت أراسيلا بإحساس مألوف غامض، ففتحت الغطاء لتجد داخله، كما توقعت، شارة.
شارة “ملك الرمي”.
“….…”
حدّقت أراسيلا في الشارة، عاجزةً عن الكلام. فلم تتوقع أبدًا أن تحصل على شيء كهذا، تمامًا مثل داميان.
بينما كانت تمسك بالشارة واقفةً بصمت، قام داميان بلطف بتثبيتها على ياقة ملابسها.
“……هذا غير معقول. أظن أن لقب ملك السهام أفضل. استبدله لي.”
“لا يمكن ذلك. يجب أن تشعرِ بالفخر، ملكة الرمي.”
رفع داميان زاوية شفتيه بابتسامة عريضة.
لم تستطع أراسيلا الرد، بعدما تلقت كلماته التي أعادها عليها كما هي.
بعد أن أصبح كل منهما ملك السهام وملك الرمي، انتقل الاثنان إلى موقع التحدي الأخير. و كان ذلك في جناح البحث عن الكنوز، الذي تديره جدة تبدو لطيفة.
ما إن وصلا، حتى ضحكت الجدة بصوت عالٍ،
“هوهو، ها قد جاء الزوجان حديثا الزواج.”
“كيف عرفتِ؟”
تلمست أراسيلا قناعها بقلق، متسائلة إن كانت الجدة قد تعرفت عليهما. لكن العجوز أجابت بطمأنينة،
“يُعرف الأمر بمجرد النظر. هناك أجواء منعشةٌ لا تصدر إلا عن الأزواج الجدد.”
“آه……”
حكت أراسيلا مؤخرة عنقها بإحراج.
في الواقع، لم يكن هناك مجال لظهور مثل هذه الأجواء، فبينها وبين داميان لم يكن هناك حب، بل كانا زوجين بعقد.
تساءلت كم قد يبدوان قريبين بالفعل، لكنها لم تجد داعيًا لأن تعلق على الأمر بلا داعٍ.
“إذًا، هل أتيتما أيضًا للمشاركة في البحث عن الكنز؟”
“نعم.”
“يا له من توقيت مناسب! كنا بحاجة إلى مشاركين اثنين إضافيين لنتمكن من بدء الجولة.”
ابتهجت الجدة وهي تأخذ كلاً من أراسيلا وداميان إلى حيث تجمع ستة أشخاص آخرين.
بعد التأكد من اكتمال عدد المشاركين، بدأت بشرح قواعد اللعبة،
“نطاق البحث يمتد من الساحة إلى الشارع الثالث، وقد أخفينا دمية أرنب ترتدي تاجًا في أحد تلك الأماكن. من يجدها أولًا يفوز.”
ما إن أنهت كلامها حتى صفقت بيديها، فانطلق الجميع في اتجاهات مختلفة بحثًا عن الدمية.
اتفق أراسيلا وداميان على البحث كلٌّ بمفرده، فالشخص الذي يعثر عليها أولًا سيكون الفائز في الرهان.
عند مفترق الطريق، وقبل أن يفترقا، تحدث داميان،
“هذه المرة، لا استخدام للسحر.”
“تشـه، حسنًا.”
كانت أراسيلا تود استخدام سحر الاستشعار، لكنها تنهدت بخيبة أمل قصيرة قبل أن تنطلق للبحث عن الدمية بسرعة، دون تردد.
في الحقيقة، كان استخدام السحر هنا يُعد غشًا بالفعل.
لكن العثور على الدمية وسط هذا الشارع المزدحم لم يكن أمرًا سهلًا. فلم يكن الأمر مجرد زحام بشري، بل كانت الحيوانات والنفايات وكل شيء متكدسًا، مما جعل التمييز بينها صعبًا.
رغم ذلك، ظلت أراسيلا هادئة، متفحصةً المكان بعينيها الزرقاوين اللامعتين، بحثًا عن دمية الأرنب ذات التاج.
وحين تجاوزت الساحة والشارع الأول ودخلت إلى الحي السكني في الشارع الثاني، رأت ما كانت تبحث عنه.
هناك، فوق صندوق بريد أحمر لامع، كان الأرنب الصغير يجلس بهدوء، متوجًا بتاجه الصغير.
“وجدتُها!”
“……زوجتي؟”
في اللحظة نفسها، ظهر داميان من الجهة المقابلة.
تلاقى نظرهما، وساد بينهما توتر شديد.
'
!'
كانت أراسيلا أول من تحرك، فانطلقت بسرعة نحو الدمية لتمسك بها. لكن داميان لم يتراجع، بل تقدم بدوره ليحصل عليها أولًا.
عندها، لمحت أراسيلا ظلًا مسقطًا على النافذة بجانب صندوق البريد.
كانت هناك امرأة مسنّة، على الأرجح صاحبة المنزل، تسقي أصص النباتات الموضوعة على النافذة.
غير أن الإبريق الكبير الذي كانت تحمله بدا ثقيلًا جدًا مقارنة بجسدها النحيل.
كانت ذراعا العجوز ترتجفان، مما جعل تيار الماء من الإبريق يتمايل في كل اتجاه.
'
…
'
تخيل داميان أسوأ سيناريو ممكن. إذا سقط الإبريق قبل أن تتمكن أراسيلا من استخدام السحر، فلن تكون مجرد مبللة بالماء، بل قد تصاب أيضًا.
شعر بأنه يجب عليه منع ذلك بأي ثمن.
لكن قبل أن يتمكن حتى من إطلاق تحذير، صاحت العجوز: “آه!”، وسقط الإبريق من يدها.
والمصيبة أنه كان يتجه مباشرةً نحو رأس أراسيلا، التي وصلت إلى صندوق البريد بابتسامةٍ واثقة.
“زوجتي!”
اندفع داميان نحوها بسرعة البرق، منادياً إياها بفزع.
رفعت أراسيلا رأسها بوجه حائر عند سماع صوته المفاجئ، لكن قبل أن تستوعب الموقف، كان داميان قد اقترب منها في لحظة، ومدّ يده ليجذبها إليه، محتضنًا إياها بالكامل ليحميها بجسده.
انسكب الماء بغزارة فوق رأسه، قبل أن يصطدم الإبريق بكتف داميان بقوةٍ ثم سقط على الأرض.
تجمدت أراسيلا للحظة، لكنها سرعان ما استوعبت الموقف وتفقدت حالته بقلق.
“داميان! هل أنت بخير؟”
كانت العجوز تصرخ من الأعلى معتذرةً بفزع، لكن أراسيلا وداميان لم يلتفتا إلى ذلك.
“أنا بخير.”
“وكتفك؟ هل يؤلمكَ؟”
“لا شيء خطير. لم يكن حجراً على أي حال.”
كان صوت الاصطدام مرتفعًا فقط، لكن الإبريق لم يتمكن من إلحاق أي ضرر بكتف داميان، حيث استند إلى عضلاته المتينة دون أن يسبب له أي أذى.
ورغم ذلك، لم تستطع أراسيلا الاطمئنان بسهولة، فأخذت تتفحص داميان من كل زاوية.
كانت قطرات الماء تتساقط من أطراف شعره الفضي المبلل، و تنساب على عظام وجهه الأنيقة.
“أنا بخير حقًا، لا تقلقي.”
“هاه……شكرًا لإنقاذي. سأجفف ملابسكَ وشعرك بالسحر.”
“أقدر ذلك.”
أجاب داميان دون تردد، إذ كان أكثر ما يزعجه في اللحظة تلك هو البلل غير المريح.
وبينما كانا منهمكين في تجفيف ملابسهما وتنظيم نفسيهما، تدحرجت دمية الأرنب ذات التاج على الأرض بلا حول.
كانت أراسيلا قد حاولت الإمساك بها عندما كانت على صندوق البريد، لكنها أفلتتها دون قصد.
وفي غمرة انشغالهما، تسلل أحد المشاركين الآخرين إلى الشارع، والتقط الدمية التي كانت مهملةً على الطريق.
لم يدرك داميان وأراسيلا ذلك إلا بعد أن أصبح داميان جافًا تمامًا، وحينها لم يكن أمامهما سوى العودة بخيبة، وأيديهما فارغة.
“في النهاية، انتهت الجولة الأخيرة بفشلنا نحن الاثنين.”
“إذًا، هل يُعتبر هذا تعادلًا؟”
“يبدو ذلك. الشمس أوشكت على الغروب، ولم يعد هناك وقت للعب المزيد من الألعاب.”
رفعت أراسيلا يدها مشيرة إلى السماء. و كان لونها الأزرق، الذي يشبه لون عينيها، قد تحول تدريجيًا إلى درجات غامقة.
أضاء غروب الشمس الشوارع بلون كهرماني دافئ، تاركةً خلفها ظلالًا طويلة.
عندما عادا إلى جناح البحث عن الكنوز، كان الفائز قد تحدد بالفعل، وكان شخصًا آخر غيرهما، كما هو متوقع.
“يا للأسف، لقد تأخرتما قليلًا. لكن لا بأس، هناك هدية مشاركةٍ لكما.”
قدمت لهما الجدة هدية رمزية، وكانت عبارة عن شارة صفراء زاهية، بلون صيصان صغيرة، تحمل لقب “المحقق المتدرب®” .
نظر كل من ملك السهام و ملك الرمي، اللذان كانا يحملان الشارة تحت ألقابهما، إلى بعضهما البعض وانفجرا ضاحكين.
“في الواقع، هذا ليس سيئًا تمامًا، أليس كذلك؟”
“أعتقد ذلك أيضًا. لو كان هناك شخص واحد فقط يحمل شارتين ملكيتين، لكان ذلك محطًا للخيبة.”
ضحك الاثنان بهدوء أثناء مغادرتهما جناح البحث عن الكنوز، وساروا في الشارع.
مع غروب الشمس واختفائها تمامًا، أصبحت السماء مظلمة، لكن بفضل المصابيح المنتشرة في كل مكان، لم تكن الشوارع مظلمةً كما كان متوقعًا.
على عكس الأيام الماضية عندما كان الناس يعودون إلى منازلهم بمجرد غروب الشمس، كان هناك الكثير من الأشخاص يتجولون في الخارج هذه المرة.
رؤية الشارع النشط في المساء جعلت أراسيلا تبتسم برضا و تحدثت لداميان.
“إذن، ماذا سنفعل الآن؟ هل نعود إلى المنزل؟”
“لا أدري……”
على عكس التوقعات التي كانت تشير إلى إجابةٍ إيجابية، تردد داميان وقال كلمات غير حاسمة مليئة بالتردد.
“لماذا؟ هل هناك شيء آخر تريد فعله؟”
“في الواقع، نعم. إذا كنتِ لا تمانعين، أود أن أفعل شيئًا آخر قبل أن نذهب.”
أومأت أراسيلا برأسها دون تفكير، وسألت بصوت مليء بالفضول،
“ماذا تريد أن تفعل؟”
“إذا اتبعتيني، ستكتشفين.”
ترك داميان التفاصيل جانبًا، وبدأ يسير أمام أراسيلا لأول مرة اليوم.
تابعت أراسيلا خطواته، معبرةً عن فضولها الكبير.
توقف داميان عند ساحة كانت مليئةً بالأكشاك التي لم تكن موجودةً في فترة بعد الظهر.
“اشتروا فوانيس، فوانيس!”
“فوانيس يدوية الصنع، رخيصةٌ ومتينة!”
كان التجار يرفعون أصواتهم لجذب الزبائن.
في الواقع، لم تكن أراسيلا قد شاهدت احتفالات مهرجان التأسيس في الخارج حتى المساء من قبل، لذا كانت تراقبهم بدهشة.
ذهب داميان بلا تردد إلى إحدى الأكشاك القريبة و اشترى فانوسين.
“سمعت أن الناس في الاحتفالات يطلقون الفوانيس ويتمنون الأمنيات.”
“حقًا؟ لم أكن أعلم.”
بعد أن قرر مع أراسيلا الخروج الى المهرجان، قرر داميان أن يبحث قليلاً عن تقاليد الاحتفالات. ومن خلال بحثه، اكتشف أن إطلاق الفوانيس هو أحد الأنشطة التقليدية التي يقوم بها عامة الناس في مهرجان التأسيس.
وقد سمع أن الأمنيات التي يُتمنى بها عند إطلاق الفوانيس تكون غالبًا محققة، ففكر أنه سيكون ممتعًا أن يجرب ذلك مع أراسيلا.
“لم نتمكن من تحقيق الأمنيات من خلال المراهنات، فماذا عن إطلاق الفوانيس؟”
“فكرةٌ جيدة.”
لحسن الحظ، كانت أراسيلا شخصًا لا تهتم كثيرًا بالطبقات الاجتماعية، لذا لم تظهر أي انزعاج من اقتراح داميان، ووافقت بسرور.
شعر داميان بالراحة قليلاً وأعطاها الفانوس الأصفر.
صعد الاثنان بعد ذلك إلى تل صغير خلف الساحة.
كان الناس عادة يذهبون إلى التل الكبير في الأمام، لذا كان هذا المكان خاليًا من البشر.
بعد أن تأكدت أراسيلا من عدم وجود أحد حولها، خلعَت قناعها. و عندما أزيل القناع عن وجهها، شعرت بشعور منعش.
توقف داميان بينما كانت تغلق عينيها مستمتعةً بنسمات الخريف الباردة، وهو ينظر إليها بصمت.
كانت خصلات شعرها المتناثرة، ورموشها الطويلة والكثيفة، وخطوط وجهها الناعمة والدقيقة تبدو كلوحة فنية لا تفارق عينيه.
“إذاً، هل نطلق الفانوس الآن؟”
“……نعم، بالطبع.”
فجأة فتحت أراسيلا عينيها و تحدثت. فتفاجأ داميان وهو يحدق بها بلا وعي، وأدار نظره محرجًا، مُخرجًا سعالًا خفيفًا.
بدأ الاثنان في تجهيز الفانوسين. و أخرج داميان علبة الكبريت من جيبه وأشعل الفانوس.
وقفا على قمة التل وأطلقا الفوانيس، معًا ثم جمعا يديهما وأغمضا عينيهما بينما تمنيا أمنياتهما.
في منتصف هذه اللحظة، فتح داميان عينيه بهدوء ونظر إلى أراسيلا. كان جانب وجهها الجاد الآن يبدو أكثر جاذبية من أي وقت مضى.
‘أمنيتي هي أن أستطيع رؤيتها لأطول فترة ممكنة.’
حتى وإن كانت هذه الرغبة خبيثةً أو جبانة، إلا أنه كان يريد أن يطمع في هذا القدر فقط.
بالطبع، هو أكثر من أي شخص آخر يعلم أنه لا يستطيع امتلاك قلبها.
لأن أراسيلا كان لديها أحلام ترغب في تحقيقها.
إذا حافظ على مسافة بحيث لا يعيق تلك الأحلام، فربما يمكنه البقاء بالقرب منها لفترة أطول دون مشكلة.
كما قالت هي في وقت ما، فهي شخصٌ قوي.
لم تكن بحاجة إلى الحماية لتعيش، بل كانت امرأةً قوية وجبارة بما يكفي لحماية الآخرين.
لذا، كان لديه شعور أن بإمكانه أن يكون أنانيًا قليلاً وأن يطمع في هذا القدر.
بعد أن تمنت أمنيتها، نظرت أراسيلا إلى داميان بعينيها اللامعتين أكثر من النجوم في السماء.
“ماذا تمنيتَ؟”
“سر.”
“ما هو؟ كم كانت الأمنية مهمةً لتكون سراً؟”
ابتسم داميان ابتسامة خفيفة تجاه أراسيلا التي كانت تحدق به بعيون ضيقة. وأغلق شفتيه بإحكام، مما أظهر عزمه على عدم الكشف عن سره.
فهمت أراسيلا عزمه هذا واحترمته، فقررت التوقف عن السؤال أكثر.
رفعت عينيها لتراقب الفوانيس التي تزين السماء،
كانت كل واحدة منها تحمل أمنيةً وتطير في السماء، و كان ضوء هذه الفوانيس أكثر إشراقًا من أي شيء في العالم.
في لحظة من الاندفاع، أمسك داميان بيدها البيضاء والنحيلة. فتوقفت أراسيلا لحظة، ثم التفتت لتنظر إليه.
أحس داميان وكأن نظرتها قد أوقعته، فبرر عن نفسه،
“أليس الجو بارداً؟”
“ما زال الوقت خريفًا.”
“ولكن، بما أنه المساء، أليس من الممكن أن يكون الجو باردًا؟”
رغم أن الليل كان باردًا قليلًا وجميلًا، كان الجو مناسبًا تمامًا لمساء خريفي، ولكن أراسيلا نظرت إلى يده الكبيرة التي كانت تمسك يدها الصغيرة، ثم تجاهلته وعادت إلى النظر أمامها.
كان بإمكانها بسهولة أن ترفض يده إذا أرادت، فلم يكن هناك سبب للاستمرار في الإمساك بها. لكنها لم تشعر برغبة في رفضه.
في تلك الليلة، شعر الاثنان بدفء أيديهما المتبادلة، واستمروا في مشاهدة الفوانيس معًا لفترة طويلة.
__________________________
النهاية.
يعني تخيلوا صح اني ابيها تعترف وكذا بس الفصل كأنه ون شوت نهايته مفتوحه😭
المهم انا مستااااااانسه محد قاطعهم في ذا الثلاث فصول ولا خرب علينا حتى اراسيلا شكل كشاعرها تطورت شوي وداميان مسكين مع حبه الي مايقدر يطلعه
اااااااااااااااا عسا جد داميان ينقلع من العاصمه قبل يشوفه
ايه صح يومه يقول تأبين ابنتي يعني ذكرى وفاة ام داميان؟ دونت اكتئاب 🫂
Dana