أقامت دوقة ليستر حفلة اجتماعية صغيرة بمناسبة يوم التأسيس، وكانت الحاضرات في الغالب من النبيلات اللواتي يتبعنها.
من بين الحضور، كانت هناك أيضًا الماركيزة وايت وابنتها.
بعد حادثة الاعتراف العلني، توترت العلاقة بين العائلتين بعض الشيء، لكنهما تصالحتا مؤخرًا بشكل درامي.
والجهة التي توسطت بينهما لم تكن سوى عائلة الماركيز غرانت.
في الحقيقة، نيرا لم تكن راغبةً في الحضور، لكنها اضطرت إلى ذلك تحت إلحاح والدتها وضغط والدها.
كان لديها هدف واحد فقط في هذا المكان، وهو إيجاد وسيلة لاستعادة سمعتها التي تدهورت بسبب تورطها مع رجل متزوج.
ولتحقيق ذلك، قامت عائلتها وعائلة الماركيز غرانت بتحديد الكلمات التي ينبغي أن تقولها بدقة.
كان على نيرا أن تتحدث وتتحرك كما لو كانت ممثلةً تؤدي دورًا في مسرحية.
“لقد أحببت اللورد فاندرمير لفترة طويلة. وقعت في غرامه من النظرة الأولى وظللت أكنّ له مشاعر حب من طرف واحد لما يقارب خمس سنوات.”
أول ما كان عليها فعله هو الاعتراف أمام الجميع بمشاعرها تجاه داميان.
تفاجأ الحاضرون من مشاركة نيرا ووالدتها في الحفل منذ البداية، وزادت دهشتهم بكلماتها الصريحة.
“حاولت التوقف عن مشاعري بعد زواج اللورد فاندرمير، لكنني لم أنجح. في نظري، لم تكن زوجته تبدو مخلصةً تمامًا لحياتها الزوجية.”
واصلت نيرا حديثها بهدوء. وبما أن الكلمات لم تكن نابعةً من إرادتها، فقد خرج صوتها بانسيابية بغض النظر عن ردود فعل الآخرين.
بعد أن وجهت ضربةً مبطنة إلى أراسيلا، بدت نيرا وكأنها تغالب دموعها، متظاهرةً بالندم.
“ربما كنت عمياء بسبب الغيرة، ولهذا رأيت الأمور بشكل مشوه. كنت غبيةً حقًا. لقد اتخذت قرارات خاطئة بدافع الشعور بالنقص. والآن، لا أشعر سوى بالأسف تجاه الجميع.”
عندها، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة، تقدمت دوقة ليستر إلى الأمام.
بالأمس فقط كانت قد نبذتها ببرود، لكنها الآن تربت على كتف نسرا بلطف و برقة،
“يمكن أن يحدث هذا في سن صغيرة، آنسة وايت. لا يوجد شخص في هذا العالم لم يرتكب خطأ واحدًا على الأقل في حياته، أليس كذلك؟”
وكما هو متوقع، أيدتها السيدات اللواتي يتبعنها.
“الدوقة محقةٌ تمامًا. جميعنا كنا مندفعين في شبابنا، وارتكبنا قرارات طائشة.”
“ما دمتِ قد أدركتِ خطأك وتبتِ عنه، فهذا هو الأهم. طالما أنكِ لن تكرري نفس الخطأ، فالأمر منتهٍ، أليس كذلك؟”
“نعم، نعم. أشعر بالأسى عندما أرى الآنسة وايت بهذه الحالة الكئيبة. فهي لم ترتكب خيانةً فعلية، فهل كان من الضروري أن يصل الأمر إلى هذا الحد؟”
بعض الحاضرين الأذكياء التقطوا سريعًا ما كانت الدوقة تريده وبدؤوا في توجيه الأجواء لصالح نيرا.
كانت دوقة ليستر ترغب في أن يتقبل الجميع نيرا بشكل إيجابي، ولهذا أظهروا تعاطفهم معها، متظاهرين بتقبل ندمها بصدر رحب.
“أي شخص أحب بصدق سيستطيع فهم ما شعرت به آنذاك، حتى ولو قليلًا.”
“أنا نفسي، عندما كنت صغيرة، كنت أبكي وأغار ليلًا ونهارًا لأن النبيل الذي أحببته كان معجبًا بسيدة أخرى.”
“في الحقيقة، زواج اللورد فاندرمير كان مفاجئًا للغاية. لو علمنا مسبقًا أنه كان على علاقة، لكان الأمر مختلفًا، لكن تلقي خبر زواجه فجأة جعل من الصعب على أي شخص تجاوز الأمر سريعًا. فالمشاعر لا تسير وفق الإرادة دائمًا، أليس كذلك؟”
ردود الفعل هذه كانت تمامًا ما حلمت به نيرا طوال فترة عزلتها.
لذلك، كان مخطط نيرا هو العودة إلى المجتمع بسلاسة ومواصلة حياتها بشكل طبيعي.
ولهذا السبب تحديدًا، لم تكن راضيةً عن الموقف الحالي، الذي جرى ترتيبه تحت إشراف عائلة الماركيز غرانت.
لم ترغب أبدًا في أن يتم قبولها بهذه الطريقة. وعندما فقدت كلماتها ولم تتمكن من الرد بشكل مناسب، تدخلت الماركيزة بنفسها.
“أشكركم جميعًا على تفهمكم لابنتي. كنت أعتقد أن نيرا قد انحرفت وأقدمت على أفعال سيئة، لكن رؤية تعاطفكم هذا يطمئنني كأم……”
توقفت المركيزة فجأة عن الكلام، وكأنها متأثرة، وأخفضت رأسها. عندها، بدأ بعض الحاضرين في التربيت على كتفها أو يدها لمواساتها.
لم يكن بين الحضور من يملك الجرأة لانتقاد الأم وابنتها علنًا، خاصةً بعد ما بدا أنه معاناة نفسية كبيرة تعرضتا لها.
وبهذا، نظر الجميع إليهما بقليلً من الشفقة، تمامًا كما خططت دوقة ليستر والماركيزة وايت.
لا يوجد شعور يجعل الإنسان أكثر تسامحًا من الشفقة على شخص ما.
وخلال مهرجان التأسيس، تمكنت نيرا من كسب تعاطف الناس بهذه الطريقة، وبحلول نهاية الاحتفال، عادت إلى المجتمع الراقي بشكل طبيعي.
انتشرت الشائعات بسرعة عن ندمها الصادق، مما هدأ الرأي العام تجاهها بشكل كبير.
كان من المفترض أن يكون ذلك خبرًا سعيدًا، لكن تعابير نيرا لم تكن مشرقةً كما ينبغي.
فلم يكن شعورًا مريحًا أن تتحرك وفق أوامر الآخرين، أو أن تلقي تلميحاتٍ مبطنة مجددًا تجاه أراسيلا.
لم تستطع تجاهل إحساسها بعدم الارتياح، فأمسكت بكم والدتها وسألتها بهدوء،
“أمي، هل علينا حقًا فعل كل هذا؟ لماذا يجب أن تنتقم من السيدة فاندرمير؟ لقد أخطأت بالفعل، ولا داعي لأن أجد نفسي متورطة معها مجددًا……”
عندها، اشتعلت عينا الماركيزة وايت بالغضب، وضربت كتف نيرا بقوة.
“أيتها الحمقاء، ما هذا الهراء الذي تتفوهين به الآن؟! لقد تضررت سمعة عائلتنا بشدة بسبب السيدة فاندرمير! ألا تشعرين بأي غضب أو حتى بذنب تجاه ذلك؟”
“لا……أنا أيضًا أشعر بالأسف، لكن……”
“إذًا، اخرسي فقط ونفذي ما يُطلب منكِ! آه، لقد ربيتكِ بكل هذا العناء، ومع ذلك لا تستطيعين إنجاز شيء واحد بشكل صحيح! لا أصدق أنني أنجبت ابنةً بليدة مثلكِ لتكون الكبرى!”
نقرت الماركيزة بلسانها بضيق، فلطالما شعرت بالإحباط تجاه ابنتها الكبرى التي لم ترقَ لتوقعاتها.
سرعان ما انكمشت نيرا وابتلعت كلماتها، متخذةً تعبيرًا خجولًا. لكن والدتها لم تكترث واستمرت في توبيخها بقسوة.
“لم أنجبكِ لمجرد التسلية، نيرا وايت. لقد أنجبتكِ لتساهمي في ازدهار العائلة وتكوني ذات فائدة! وإن كنتِ بلا قيمة، فعلى الأقل اسمعي الكلام! هل تنفيذ الأوامر صعب عليكِ إلى هذا الحد؟!”
“……آسفة. سأفعل ما بوسعي.”
“بالطبع عليكِ ذلك! لا تجادلي، فقط افعلي ما آمركِ به من الآن فصاعدًا. نحن، إلى جانب الماركيز غرانت، سنتولى كل شيء.”
“نعم.”
أومأت نيرا برأسها بهدوء، لكن في داخلها كانت تشعر بعدم الارتياح.
هل سيكون اتباع أوامر والديها والماركيز غرانت مفيدًا حقًا لمستقبلها؟
لم تستطع التخلص من الشعور الغريب بأنها تُستغل.
***
في اليوم الأخير من مهرجان التأسيس، تلقت أراسيلا رسالةً من فريدريك.
كانت تحتوي على اقتراح لقضاء بعض الوقت معًا كأصدقاء، بعد فترة طويلة من الغياب.
و كتبت أراسيلا ردًا مختصرًا على تلك الرسالة وأرسلته.
<آسفة، لقد استمتعتُ بالفعل بمهرجان هذا العام مع زوجي. أنا مكتفية، لذا اقضِ الوقت مع باولا.>
وهكذا انتهى مهرجان التأسيس.
طوال الاحتفال، كانت المصابيح السحرية التي أضاءت المكان تُباع بسرعة هائلة، وزاد الطلب على المناطيد السحرية أكثر من أي وقت مضى.
كما أبدت العديد من النقابات التجارية من خارج البلاد اهتمامًا كبيرًا، وحاولت التواصل لإبرام صفقات.
بسبب ذلك، كان داميان، المسؤول عن الشؤون الخارجية، مشغولًا للغاية ولم يجد وقتًا للراحة.
أما أراسيلا، فقد كانت غارقةً في العمل على تصنيع المصابيح، دون لحظة استراحة.
وبعد أن أنهت أخيرًا طلبات المصابيح المتراكمة وأخذت نفسًا عميقًا، زارتها باولا في منزلها.
“لن يكون قدومي إزعاجًا لكِ وسط كل هذا الانشغال، صحيح؟”
“لا، في الواقع، كنتُ أنوي أخذ قسط من الراحة أيضًا.”
أحضرت أودري الشاي إلى الاثنتين.
ارتشفت باولا رشفة من الشاي و أدارت عينيها.
كانت أراسيلا تعرف جيدًا أن هذه عادتُها عندما تكون مترددة في قول شيء ما، لذا تعمدت طرح سؤال خفيف لكسر التوتر.
“هل قضيتِ عطلة يوم التأسيس جيدًا؟”
“نعم، وأنتِ؟”
“أنا أيضًا، استمتعتُ بالوقت مع داميان. آه، ماذا فعلتِ مع فريدريك؟”
سألتها أراسيلا بشكل طبيعي، فقد كانت تتوقع أن باولا قضت الوقت معه نظرًا للرسالة التي وصلتها منه.
لكن باولا أمالت رأسها بحيرة وسألت مستغربة.
“ماذا كنت سأفعل مع فريدريك؟”
“ألم تلتقي معه في يوم التأسيس؟”
“لا. أنا كنتُ مع خطيبي وأصدقائي الآخرين.”
ردّت أراسيلا وهي تضع فنجان الشاي بعد أن تفاجأت بالإجابة المختلفة عن توقعاتها.
“كنتُ أظن أن فريدريك دعاك للخروج، فقد دعاني لكنني رفضتُ وقلتُ فقط بأن يخرج معكِ.”
“لم يقل لي ذلك.”
“حقًا……؟”
منذ أيام الأكاديمية، كانوا دائمًا معًا كـ “الثلّاثيّة”، لذا كانت أراسيلا تتوقع أن أي شيء يقوله فريدريك لها، يجب أن يقوله لباولا أيضًا.
ولكن عندما تم دحض ذلك مباشرة، شعرتُ بالدهشة الشديدة ولم تستطع أن تجد كلمات لتقولها.
تحدثت باولا وهي ترفع كتفيها وكأن الأمر ليس مهمًا.
“ما الأمر، منذ زمنٍ و فريدريك يشعر بالراحة معكِ أكثر ويحبكِ.”
“هل كان كذلك؟ كنتُ أظن أننا الثلاثة متساوون في قربنا.”
تحدثت باولا بوجه يحمل نوعًا من التردد، كأنها تريد قول شيء لكنها كانت تتحفظ.
“أراسيلا، لا توجد عدالة في قلوب الناس. أنا أيضًا أحبكِ أكثر من أي شخص آخر بين أصدقائي.”
حتى وإن كان لديها العديد من الأصدقاء، فإن أراسيلا كانت الأقرب والأكثر راحةً لها. ولهذا السبب، كانت باولا قد جاءت إلى قصر فاندرمير لرؤية أراسيلا.
“في الواقع، جئتُ اليوم لأخبركِ بخبر مهم.”
قالت باولا أخيرًا ماتريده وهي تفتح فمها بحزم.
“ما هو الخبر؟”
“الآنسة وايت قد عادت إلى المجتمع الراقي.”
كانت باولا قد قالت ذلك بعد أن اتخذت قرارًا، ولكن عندما سمعت أراسيلا الخبر، لم تشعر بالدهشة أو القلق.
في الأساس، لم تكن قد نوت تدمير نيرا تمامًا في المرة السابقة، بل كانت قد فعلت ذلك فقط لتحذيرها حتى لا تجرؤ على الاقتراب منها مجددًا.
كانت تتوقع أن نيرا قد تعود إلى المجتمع الراقي في أي وقت، لذلك لم يكن هناك أي تأثير كبير عليها.
كان كل ما كانت تريده هو أن تستفيق نيرا وتتعلم الدرس.
“يبدو أن الدوقة ليستر قدمت الكثير من المساعدة. و قامت بترتيب مكان لنيرا لكي تشرح علنًا عن اعترافها.”
“حقًا؟ ماذا قالت نيرا في شرحها؟”
“همم……”
ترددت باولا قليلاً ثم أخبرت أراسيلا أن نيرا اعترفت بصراحة بمشاعرها تجاه داميان وبالضيق الذي شعرت به تجاه أراسيلا.
بينما كانت أراسيلا تستمع إلى حديثها، كان هناك شيء واحد يدور في ذهنها.
'الخطة جيدة. إذا كان الأمر حقيقةً لا يمكن إنكارها، فالمواجهة المباشرة قد تكون أفضل.'
وبالإضافة إلى ذلك، إذا كانت نيرا حقًا قد ندمت، فلن يكون الأمر سيئًا بالنسبة لي.
بالطبع، لا أعتقد أن ذلك حقيقي.
لو كان الأمر كذلك، لكانت نيرا قد جاءت للاعتذار لي أولاً.
ولكن بما أنها حاولت العودة إلى المجتمع الراقي، فهذا بالتأكيد من أجل كسب تعاطف الناس.
مهما كان ما تفعله، طالما أنها لن تلمسنا مجددًا……
إذا كان الأمر كذلك، فلم تكن أراسيلا تخطط لجعل عودة نيرا قضيةً كبيرة.
لم تكن تتوقع ندمًا حقيقيًا في الأساس.
فقط كانت تأمل أن تكون قد تعلمت أنها لا يجب أن تزعجها مرة أخرى.
“احذري، أراسيلا. لا أعتقد أن الآنسة وايت ستتحداكِ مرة أخرى، ولكن في هذا العالم يوجد دائمًا شيء يسمى ‘ربما’.”
قالت باولا ذلك بنبرة قلقة، وهي تقدم نصيحة.
رغم أنها كانت قلقةً بشأن ما إذا كانت أخبار نيرا ستسبب لها مشكلة، كانت هذه هي السبب الذي جعلها تزورها.
كانت تحذرها من أجل الاستعداد لأي طارئ.
“فهمت، سأكون حذرة. شكرًا لاهتمامكِ، باولا. أنا أيضًا أحبكِ أكثر.”
ابتسمت أراسيلا ابتسامة مشرقة وهي تشعر بتقديرها لاهتمام صديقتها.
استمرتا في الدردشة قليلاً، حتى لاحظت باولا اقتراب وقت العشاء ففوجئت ووقفت على الفور.
توجهت أراسيلا إلى الباب لتوديعها.
و عندما كانت باولا على وشك أن تصعد إلى العربة بعد عناق خفيف، توقفت فجأة وعادت نحوها.
بدت باولا وكأنها كانت تريد قول شيء أخير.
“أراسيلا، هل تذكرين ما قلته لكِ سابقًا؟ لا يوجد عدالة في قلوب الناس.”
“نعم.”
“احذري من ذلك أيضًا. التفضيل ليس دائمًا مصدرًا للنتائج الجيدة.”
قالت باولا ذلك بنبرة جادة.
لم تستطع أراسيلا فهم تمامًا سبب قول صديقتها ذلك، فمالت رأسها بتردد.
قليلٌ من الناس الذين يمكن أن يحملوا مشاعر غير عادلة تجاهها، فهل كان هناك شخص يجب أن تحذر منه؟
كانت بحاجة إلى مزيد من الشرح، لكن باولا أنهت حديثها وغادرت.
وبقيت أراسيلا وحدها، بتعبير وجهها المشوب بالقلق وهي تضيق حاجبيها.
__________________________
وناسه! حتى باولا ما ارتاحت من حركات فريدريك
ها يا اراسيلا اصحييي افتحي عيونسس
نيرا رحمتها صدق ماودها تسوي شي عسا اراسيلا تلحق عليها او يجي فارس مغوار لنيرا
المهم الماركيز غرانت حمار زي فريدريك عشان مايقولون الناس الماركيز ساعد نيرا ترجع راح استغل الدوقه وصارت هي بالواجهة
تبون فصلن اليوم بعد؟ اتوقع اقدر انزلها آخر الليل
Dana