كان فريدريك يقرأ الصحيفة. و هو يجلس بظهر مستقيم وساقين متقاطعتين، مما أضفى عليه مظهرًا أنيقًا ومهيبًا.
في الصفحة الأولى من المجلة الأسبوعية لإحدى أبرز الصحف في الإمبراطورية، نُشرت مقالة ناقدة عن أراسيلا.
كان الجميع يتسابقون لطرح تكهنات حول أزمة تواجه الساحرة الواعدة، محاصرينها بالاتهامات.
بعد أن أنهى فريدريك قراءة المقالة برويّة، طوى الصحيفة ووضعها جانبًا.
عندها، تحدث الماركيز غرانت، الذي كان جالسًا بانتظار هادئ على مقربة منه.
“يبدو أن اللورد فانديرمير قد عاد، سموك.”
“لقد وصل أبكر مما توقعت. كنت أفضّل لو تأخر قليلًا.”
تمتم فريدريك وهو ينقر بلسانه بانزعاج.
أراد استغلال غياب داميان للاقتراب من أراسيلا والتسلل عبر أي ثغرة، لكنه عاد وكأنه شعر بالأمر.
حقًا، لم يكن رجلًا مفيدًا له طوال حياته، داميان فاندرمير.
“مع ذلك، الأمر ليس سيئًا. على أي حال، خطتنا تتقدم خطوةً بخطوة، ويبدو أن حادثة الانفجار في حفل غلوريا ستكون لصالحنا.”
ابتسم وهو يطرق بإصبعه السبابة على الهوية الموضوعة على الطاولة.
في الأصل، كان يهدف إلى شيء آخر في حفل ميلاد شقيقته، لكن الحادث غير المتوقع جعل الأمور تسير بطريقة أكثر تشويقًا ودرامية.
تحدث الماركيز غرانت بوجه يملؤه القلق،
“لكن إصابة صاحبة السمو الأميرة ليست مهددةً للحياة فحسب، بل إنها خطيرة للغاية……إذا ساءت الأمور، فقد تتعرض السيدة فاندرمير لضربة لا يمكن تعويضها.”
“لا يهم، يا عمي. من الواضح أن أراسيلا هي من ارتكبت الخطأ، أليس كذلك؟”
السبب الوحيد الذي جعل أراسيلا تواجه هذه الأزمة الآن هو أنها أخطأت في صنع المصباح بنفسها.
لذلك لم يكن هناك داعٍ لأن يضعف فريدريك أمامها.
ولا سبب لإلغاء خطته.
“بل على العكس، كلما كانت الضربة أقوى، كان ذلك أفضل. عندها فقط ستدرك أراسيلا الحقيقة.”
ارتسمت ابتسامةٌ جانبية على شفتي فريدريك وهو يعقد ذراعيه.
“ما تحتاجه في حياتها هو أنا، وليس داميان فاندرمير. حينها ستتخلى عن هذه المسرحية السخيفة التي يسمونها زواجًا، وستأتي إليّ.”
تجعد وجه الماركيز غرانت بتعبير معقد وهو ينظر إلى فريدريك الواثق بنفسه.
أتى إليه طالبًا المساعدة قبل عدة أشهر، في الوقت الذي لم يكن قد مضى وقتٌ طويل على زواج أراسيلا وداميان.
“أريد التفريق بين الزوجين فاندرمير. أرجوك، ساعدني يا خالي.”
“ما هذا الكلام المفاجئ يا فريدريك؟ لماذا تريد التفريق بينهما؟”
“أراسيلا هوغو كانت تخصني منذ البداية. لكن داميان فاندرمير، الذي لا يعرف حدوده، انتزعها مني، ومن الطبيعي أن أستعيدها.”
بصراحة، كان المركيز غرانت متفاجئًا للغاية في ذلك الوقت.
كان فريدريك طموحًا، لكنه لم يكن جشعًا بشكل خاص.
لطالما كان لديه رغبةٌ واضحة في وراثة العرش، لكنه لم يطمع في شيء آخر قط.
وكانت هذه أول مرة يظهر فيها رغبةً حقيقية بشيء ما. وذلك أيضًا تجاه شخص قد يكون عقبةً أمام تحقيق رغباته.
“والدتك لن ترحب بذلك. لا، بل إذا وضعت امرأةً لديها سجل طلاق بجانب ولي العهد، فسيُثار النبلاء الدنيا ولن يهدأوا.”
“ببساطة، ما إن أضع يدي على السلطة التي تجعل الجميع يخرسون، فلن يكون للأمر أهمية. في الواقع، أعتقد أنني قد أمسكت بنصفها بالفعل.”
كان فريدريك الابن الوحيد للإمبراطورة، وتوج وليًا للعهد منذ طفولته، مما جعله يتمتع بمكانةٍ قوية لا تتزعزع.
في الحقيقة، عاش حياته قادرًا على الحصول على كل ما يريده، ولهذا كانت لديه رغبةٌ شديدة في امتلاك ما لم يستطع الحصول عليه.
لكنه لم يُظهر هذا التعلق لأي شخص من قبل.
“حتى لو كان عليّ تحمل بعض الخسائر، سأدوس داميان فاندرمير بالتأكيد، وسأستعيد أراسيلا.”
ابتسم فريدريك وهو يكشف عن أسنانه.
كان وجهه، الذي يعكس إصرار ووحشية مفترس يترقب فريسته، جميلاً للغاية.
شعر الماركيز غرانت بالحيرة من تصرفات ابن أخته، لكنه في ذات الوقت لم يعتقد أن الأمر سيئ.
فالدافع الأقوى لتحريك الناس هو الحب والطموح.
إذا وصل فريدريك إلى العرش، فسيصل هو أيضًا إلى قمة السلطة.
كان من الأفضل له أن يكون لديه رغبة في التقدم للأمام مهما كانت الأسباب، بدلاً من الوقوع في حالة من الملل والركود.
لذلك، قرر قبول طلب فريدريك للمساعدة.
دبّر الأمر لعرقلة العلاقة بين داميان وأراسيلا نيابةً عن ابن أخته، وأعاد نيرا إلى المجتمع المخملي لاستخدامها في ذلك.
كما أنه هو من خطط لاغتيال داميان أثناء حملة القضاء على الوحوش في الغرب، حيث استأجر كين لتنفيذ ذلك.
في كل تلك العمليات، كانت إرادة فريدريك حاضرةً بوضوح.
“آنسة وايت ورقةٌ رابحة لا مثيل لها، أليس كذلك؟ لديها ضغينة تجاه زوجي فاندرمير، كما أنها في وضع متدهور داخل المجتمع المخملي. حتى لو استُخدمت وتُرِكت كما يحلو لنا، فلن تهتم عائلة الماركيز وايت طالما حصلوا على تعويض مناسب.”
كان الماركيز غرانت مجرد منفذ لرغبات فريدريك.
لكن في مرحلة ما، بدأ يشعر بالقلق من أن فريدريك يخاطر بشكل مفرط ويدفع الأمور بقوة غير مبررة.
حتى في هذه المسألة وحدها، لم تكن الخطة ستلحق الضرر بأراسيلا فحسب، بل ستؤذيه هو أيضًا بشكل كبير، ومع ذلك كان مُصرًا على تنفيذها بأي ثمن.
“……فريدريك، هل تستحق زوجة فاندرمير كل هذا العناء حقًا؟”
سأل الماركيز غرانت بنبرة غير راضية، وكانت كلماته مليئةً بالقلق تجاه ابن أخته.
“لا تحتاج وليّة العهد إلى قوى سحرية أو قدرات خاصة. يكفي أن تكون قادرةً على دعمكَ جيدًا، ومفيدة سياسيًا، وألا تشكل تهديدًا على سلطتك. ألن يكون من الأفضل أن تبقى علاقتك بزوجة فاندرمير كصداقة كما كانت من قبل؟”
عندما قدم خاله هذه النصيحة، ابتسم فريدريك ابتسامةً غامضة وهزّ رأسه.
لم يكن الأمر أنه لم يفكر بنفس الطريقة التي يفكر بها الملركيز غرانت. فلم يبقى إلى جانب أراسيلا كصديق طوال هذا الوقت بدون سبب.
لكن السيطرة على مشاعره التي فاضت لم يكن بالأمر السهل.
“عندما كنت أعتقد أن لا أحد يمكنه الحصول عليها، كنت أكتفي بالطمع باعتدال. فالبقاء كأصدقاء يعني ألا نفترق أبدًا.”
كان فريدريك راضيًا طالما أنه هو الرجل الوحيد بجانب أراسيلا.
كان بإمكانه الاستمرار في تمثيل دور الصديق المخلص كما أرادت، متسترًا برداء الصداقة الزائف.
“لكن عندما أدركت أنها في النهاية شخص يمكن لشخص آخر أن يمتلكه……لم أعد أستطيع الاكتفاء بمكانة أقرب صديق.”
طالما أن أراسيلا لم تكن تواعد أي رجل وأعلنت رغبتها في أن تصبح سيدة برج السحر، لم يتجاوز فريدريك حدوده.
كان بإمكانه ممارسة الضغط على عائلة الماركيز هوغو لإجبارهم على إتمام خطوبتهما لو أراد، لكنه احترم إرادتها وحماها بطريقته الخاصة.
لكن أراسيلا، دون أن تخبر فريدريك بكلمة واحدة، تزوجت داميان فجأة ذات يوم.
كان ذلك خيانةً واضحة.
بما أن أراسيلا هي من خانت مشاعره أولًا، لم يعد فريدريك يرى أي داعٍ لكبح نفسه.
طالما أنها اختارت أن تنتمي لشخص آخر، فلن يهدأ له بال إلا إن حطمها وأخذها لنفسه بالقوة.
“كل هذا خطأ أراسيلا. لو أنها أوفت بكلمتها، لكنت أنا أيضًا وفيتُ بوعدي وبقيت صديقًا لها.”
تنهد فريدريك بأسف، بينما لم يستطع الماركيز غرانت إخفاء ارتيابه وهو يسأل.
“إذًا، ستستمر بالخطة كما هي؟”
“بالطبع، كل ما عليك هو تنفيذ ما أطلبه منك، لا أريد سماع أي آراء أخرى.”
على الرغم من الابتسامة الخفيفة التي ارتسمت على شفتي فريدريك، إلا أن عينيه الباردتين كانتا تحدقان في الملركيز غرانت بحدة.
“هل هذا واضح، ماركيز غرانت؟”
شعر الماركيز بضغط غير معلن في تلك النظرة، فتصلب جسده.
كانت عيناه القرمزيتان تحذّران بوضوح من أنه قد تجاوز حدوده.
“……نعم، فهمت. سأتواصل مع عائلة الماركيز وايت على الفور.”
وضع الماركيز غرانت مشاعره العائلية جانبًا وانحنى باحترام. فبدت على وجه فريدريك علامات الرضا.
ثم تمتم بلحن مرح وكأنه يتوقع شيئًا ممتعًا.
“آمل فقط أن يحقق مخططي تناغمًا جيدًا مع هذا الحادث.”
***
انطلق داميان بعزيمة لكشف الحقيقة وراء حادث الانفجار، جاداً وكأنه أمر يخصه شخصيًا.
وجدت أراسيلا في ذلك نوعًا من الطمأنينة والقوة التي لم تستطع تفسيرها.
أن يكون هناك من يهتم بأمرها بقدر ما تفعل، كان أمرًا يمنحها شعورًا لا يوصف بالطمأنينة.
“هل هناك موعد يجب أن نكشف فيه الحقيقة لتقليل الضرر الذي قد يلحق بكِ، زوجتي؟”
“يجب أن أثبت أن الخطأ لم يكن مني قبل انتهاء التحقيق الداخلي في برج السحر على الأقل.”
كان من المحتمل جدًا أن تواجه أراسيلا عقوبةً صارمة بسبب هذا الحادث.
حتى لو لم يكن الأمر متعمدًا، فقد تسببت في إصابة أحد أفراد العائلة الإمبراطورية المباشرين، وأثارت ضجةً اجتماعية أضرت بسمعة برج السحر.
كما أن السحرة الذين لم يكونوا ينظرون إليها بعين الرضا كانوا ينتظرون هذه الفرصة بفارغ الصبر، لذا لم يكن من المتوقع أن تكون العقوبة خفيفة.
لذلك، إذا أرادت تجنب العقوبة، كان عليها أن تثبت براءتها في أسرع وقت ممكن.
“فهمت. سأكشف الحقيقة وأثبت براءتكِ بأي ثمن.”
“شكرًا لك، داميان. لكن لا ترهق نفسك أكثر من اللازم.”
“نعم.”
رغم إجابته الهادئة، إلا أن تعابير داميان المشتعلة بالعزيمة لم تكن توحي أبدًا بأنه سيتصرف باعتدال.
بل بدا أكثر جديةً مما كان عليه حين واجه المشاكل بنفسه.
في تلك اللحظة، لفت انتباه أراسيلا رمشٌ عالق على خد داميان. فمالت بجسدها إلى الأمام ومدّت يدها نحوه.
“أولًا، علينا إيجاد طريقةٍ للوصول إلى المصباح الذي انفجر. سأطلب المساعدة من الأمير لوكاس……”
بينما كان داميان يتحدث، تجمد فجأة عندما شعر بملمس دافئ يلامس بشرته.
ثم نظر إلى أراسيلا التي اقتربت منه دون أن يدرك.
لكن الرمش لم يكن يزول بسهولة، مما جعلها تقترب أكثر فأكثر.
يدها التي تلامس خده، ووجهها الذي أصبح قريبًا جدًا……
أخذ داميان نفسًا عميقًا بصمت، وشعر بالحرارة تتصاعد في أذنيه وخديه.
ظلّت عيناه تنجذب باستمرار إلى شفتيها، وكلما زادت نظرته نحوهما، اشتعلت الحرارة في جسده أكثر.
وبينما كان داميان عالقًا في حيرته، غير قادر على التصرف، تمكنت أراسيلا أخيرًا من إزالة الرمش، ثم ابتسمت وهي تنظر إليه.
“آه، لقد كان هناك رمشٌ عالق……”
لكن قبل أن تكمل كلامها، أدار داميان رأسه بسرعة، مستخدمًا يده الكبيرة ليغطي نصف وجهه، مما جعل تعابيره غير واضحة.
'هل انزعج لأنني لم أستأذن قبل أن ألمس وجهه؟'
نظرت أراسيلا إليه بإحراج بينما كان يشيح بوجهه بإصرار، ثم تحدثت بتردد،
“آه، آسفة……هل أزعجتكَ لأنني لمستكَ فجأة؟”
“……ليس ذلك، فقط……كنتِ قريبةً جدًا.”
“ماذا؟”
“وجهكِ قريبٌ جدًا……هذا محرج.”
فوجئت أراسيلا ورفّت عينيها عدة مرات.
كانت قد انحنت نحو داميان لتزيل الرمش الملتصق على خده، حتى أصبحت قريبًة جدًا منه.
وكانت الوضعية كما لو أن الآخرين قد يظنون أنهما على وشك التقبيل.
“….…آه.”
عندما أدركت ذلك أخيرًا، تراجعت أراسيلا بسرعة إلى الوراء.
كانت أذنا داميان مرئيتين من خلال خصلات شعره، وكان لونهما أحمر واضح. وحتى خديه كانا أحمرين بشدة، كما لو أنهما ملتهبان.
فجأة، شعرت أراسيلا بتعرق على عنقها، و رغم أن الشتاء كان قريبًا، إلا أنها شعرت بحرارة غريبة، مما جعلها تستخدم يدها كالمروحة.
كان الجو غير طبيعي، وكأن هناك نوعًا من التوتر في الهواء.
لم يكن أي منهما قادرًا على النظر في عيني الآخر، وبدلاً من ذلك كانا يحدقان في الفراغ.
رغم أن كلاهما كانا جالسين في صمت، إلا أن التوتر الغريب جعل أصابعهم ترتجف.
بينما كان داميان على وشك أن يتحدث، سمعوا صوت طرق على الباب، بين الخفيف والقوي.
“سيدي، أنا كولن. هل يمكنني الدخول؟”
كان الصوت من كولن. فصحّح داميان جلسته وأصدر سعالًا خفيفًا قبل أن يسمح له بالدخول.
دخل كولن بسرعة، وهو يفتح الباب بشكل مفاجئ. و كان وجهه على غير المعتاد، بدا متوترًا ومرتبكًا، وهو ليس كعادته الهادئة.
“ما الأمر، كولن؟”
“هناك شيء يجب التحقق منه على وجه السرعة.”
“ما هو؟”
“إنه الصحيفة التي تم نشرها منذ ساعة. يرجى الاطلاع عليها.”
تقدم كولن بخطواتٍ سريعة ومد يده المرتجفة وهو يقدم الصحيفة، بينما ألقى نظرةً جانبية على أراسيلا.
شعرت أراسيلا بشعور غريب من القلق دون سبب. فلم يكن كولن قد نظر إليها هكذا من قبل.
تسلّم داميان الصحيفة بصمت، وعندما نظر إلى المقال على الصفحة الأمامية، تجمد وجهه على الفور.
ملأ الصمت الثقيل والغريب الغرفة.
كان وكأنه تم استخدام سحر التجميد عليه، فلم يتحرك وهو ممسك بالصحيفة.
“ما الأمر، داميان؟ ما الذي يحدث؟ هل هناك مقالٌ آخر يهاجمني؟”
“….…”
“داميان.”
على الرغم من أنها نادته مرارًا، إلا أنه لم يرد.
و في حالة من الإحباط، انتزعت أراسيلا الصحيفة من يده.
حاول داميان منعها في اللحظة الأخيرة، لكن أراسيلا كانت قد قرأت عنوان المقال على الصفحة الأولى بالفعل.
___________________________
فريدريك المجنون سواها
الحين ذا الصحيفة اكيد مليانه فضايح عنه وعنها
المؤلفة تضحك وسط كل ذا الحوسه جابت رخص شوي 😭
كولن لايكون شاك في اراسيلا؟ ياويلك من داميان
المهم فريديرك يبي له حجز في اقرب مستشفى مجانين
Dana