كان هدف أراسيلا من دفع ترافيس إلى موقع قاتل العائلة الإمبراطورية هو هذا تحديدًا، جعله يُخرج معلمه فيرناندو بنفسه.
في الواقع، عندما سمعت من داميان أن الجاني الحقيقي هو ترافيس، أول ما تبادر إلى ذهنها كان فيرناندو، الذي هاجمها في اجتماع كبار مسؤولي برج السحر وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة.
نظرًا لوجود سحرة يدعمونه بقوة، ولأنه لجأ مباشرةً إلى ورقة الطرد من البرج كخيار متطرف، فمن الواضح أن فيرناندو كان متورطًا في الأمر منذ البداية.
لم يكن هذا أمرًا مفاجئًا، فطالما أن الاثنين في علاقة المعلم والتلميذ، فلا غرابة في أن يكونا قد دبرا الأمر معًا.
لذلك، عند الإطاحة بترافيس، كان لا بد من إسقاط فيرناندو معه أيضًا.
وإلا، فإن نفوذ فيرناندو سيظل قائمًا، ولن يتوقف عن إزعاجها بلا شك.
إن كان فيرناندو، فقد يدفع بتلميذ جديد إلى الواجهة لمراقبة أراسيلا مجددًا، أو قد يستدعي ترافيس إلى برج السحر بعد مرور بعض الوقت.
لذلك، يجب اجتثاثه تمامًا دون ترك أي مجال للشك.
“ماذا تعني، ترافيس! كيف لي أن أتآمر معك!”
صرخ فيرناندو بوجه مرتبك.
تعرقت مؤخر عنقه على الفور، مدفوعًا بشعور الأزمة من احتمال اتهامه بالتورط في اغتيال أحد أفراد العائلة الامبراطورية إن ساءت الأمور.
'بدلًا من الدفاع عن ذلك الوغد ترافيس، قد يكون من الأفضل التخلص منه هنا فحسب!'
بالطبع، كان يعلم جيدًا أن الهدف الحقيقي لترافيس هو أراسيلا، لكنه لم يكن قادرًا على الانحياز له وكشف الحقيقة في حين أن الأميرة قد أصيبت بجروح خطيرة.
بما أن أوضاع العائلة قد كُشفت، فمن المحتمل جدًا أن تُعتبر ادعاءاتهم مجرد أعذار، بل وقد يُتهمون بالتواطؤ.
“سيدي فيرناندو، أهذا ما تنويه؟ أنت تعلم جيدًا أنني من دبر الأمر لاستهداف أراسيلا!”
“لا أعلم! ليس لدي أدنى فكرة عن هذه القضية!”
حدّق ترافيس في معلمه بوجه يملؤه الخذلان، لكن فيرناندو ظل وقحًا وحدّق فيه بحدة بدوره.
وسط التوتر القاتم بينهما، تسلل صوت رنان إلى الأجواء.
“إن كان ما يقوله السيد فيرناندو صحيحًا، فهذا يعني أن ترافيس يكذب فقط ليُخفي حقيقة محاولته قتل سمو الأميرة.”
كانت أراسيلا تهدف إلى تعميق الشرخ بين المعلم وتلميذه، بهدف استفزاز ترافيس إلى أقصى حد أثناء مساندتها لفيرناندو.
فإذا أدرك أنه الوحيد الذي تم التخلي عنه، فلابد أنه سيحاول الكشف عمّا بحوزته من أسرار أو أدلة.
نظرت إليه بابتسامة رقيقة، بينما كان ترافيس يبدو وكأنه على وشك الاختناق.
“هل يجوز الكذب في المحكمة المقدسة؟”
“تحذير إلى برج السحر. إن أدليتم بشهادة زور في المحكمة، فستنالون عقابًا شديدًا.”
قال شنايدر ذلك بصوت صارم، مما جعل جرس الإنذار في عقل ترافيس يدق بعنف أشد من ذي قبل.
إن استمر الوضع على هذا النحو، فسيموت لا محالة.
محاولة قتل أحد أفراد العائلة الإمبراطورية تُعد جريمة جسيمة. وهو ليس منحدرًا من أسرة عريقة، بل مجرد ابن غير شرعي لفيكونت، ولن يكون هناك من يحميه.
نظر ترافيس إلى فيرناندو بعينين دامعتين.
لقد كان يعتقد أن ذلك الرجل سيحميه ولو قليلًا. لكن بعدما سُحقت ثقته تمامًا، لم يعد هناك ما يخسره.
“أيها القاضي، أنا أقول الحقيقة! السيد فيرناندو هو من يكذب!”
اندفع ترافيس من مقعده وركض حتى وقف أمام منصة المحكمة، متوسلًا.
علّقت أراسيلا عليه بنبرة تنم عن التوبيخ المتعمد.
“لكن السيد فيرناندو يقول عكس ذلك.”
“أنا من يقول الحقيقة!”
“هل لديكَ دليل؟”
توقف ترافيس للحظة، مفكرًا بعمق، ثم أومأ برأسه بيأس.
“لدي…..لدي رسائل متبادلة بيني وبين السيد فيرناندو ناقشنا فيها هذه المسألة. لم أتلفها بعد، ويمكنني تقديمها كدليل!”
قال كلماته الأخيرة وهو ينظر إلى شنايدر.
“ترافيس، أيها الوغد—!”
في اللحظة نفسها، نهض فيرناندو بغضب، و صوته يشتعل بالحنق.
لم يخطر ببال فيرناندو قط أن ذلك الوغد الدنيء سيحتفظ بكل تلك الرسائل واحدةً تلو الأخرى. فمن المنطقي أن يتم التخلص من مثل هذه الرسائل تلقائيًا، أليس كذلك؟
فكرة أنه لم يدرك سابقًا أن تلميذه لم يكن سوى نمر صغير قد ينقض عليه في أي لحظة جعلت دمه يغلي.
“كيف تجرؤ على إقحامي في جريمتكَ البشعة التي ارتكبتها بضعفك وعجزك؟”
“ألم تكن أنت من حرّضني على ذلك، سيدي فيرناندو؟ كم مرة هددتني بوجوب التخلص من أراسيلا والاستيلاء على مكانها؟”
“متى قلت ذلك، أيها الوغد! لقد انتشلتُك وربّيتُك رغم نقصكَ وعيوبك، وها أنت تردّ الجميل بالخيانة!”
أثار كلامه عقدة النقص لدى ترافيس، فشعر بانقطاع آخر خيط يربطه بعقله.
بصراحة، كان يظن أنه عند هذه المرحلة، سيعترف فيرناندو بالحقيقة أخيرًا ويحاول تبرئة نفسه من تهمة محاولة اغتيال أحد أفراد العائلة الإمبراطورية.
لكن رؤية معلمه وهو يحاول النجاة بمفرده حتى عندما كانت حياة تلميذه على المحك، جعلت ترافيس يعقد العزم على أن يموتا معًا إن لزم الأمر.
“سيدي رئيس البرج، لدي ما أقوله!”
استدار ترافيس فجأةً واتجه نحو فيليب هذه المرة.
كان فيليب يراقبه بصمت، مستندًا إلى عصاه بكلتا يديه.
“السيد فيرناندو كان يرغب منذ زمن طويل في طردكَ أنت وأراسيلا من البرج! لذلك أنشأ فصيلاً خاصًا به، وأمرني بالتخلص من أراسيلا! لأنه لن يتمكن من إقصائكَ إلا بهذه الطريقة!”
كان السبب الحقيقي وراء حرص فيرناندو على مراقبة أراسيلا هو فيليب في النهاية. فقد أراد إزاحته من منصب سيد البرج، بعدما تجاوزه واستولى على المكان الذي كان يطمح إليه.
وحين يتقاعد، ويصبح تلميذه هو سيد البرج الجديد، كان فيرناندو ينوي محو أثر فيليب تمامًا.
بمجرد أن تفجرت هذه الفضيحة داخل المحكمة، بدأ الهمس يعلو بشكل واضح في القاعة.
اتجهت أنظار الجميع إلى السحرة الذين لم يتمكنوا من إخفاء ارتباكهم.
أشار إليهم ترافيس بأصبعه وهو يصرخ،
“كل من يجلس هنا قد اشتراه السيد فيرناندو لإقصاء سيد البرج وأراسيلا!”
“أغلق فمك!”
لم يتمالك فيرناندو نفسه ونهض غاضبًا، وفي اللحظة التي أطلق فيها تعويذة هجومية نحو ترافيس،
بانغ-!
تصدى لها فيليب مستخدمًا سحر الحماية.
“ماذا تظن أنكَ تفعل؟”
كان صوت فيليب، الذي كان دائمًا هادئًا ولطيفًا، باردًا وثقيلًا كالثلج، مما جعل فيرناندو يتجمد في مكانه ويتلعثم مترددًا.
“سـ-سيد البرج..…”
“هل تجرؤ على إفساد نظام البرج بجشعك، وتشويه الأمور، بل وتتخلى عن تعاليمكَ وتحاول مهاجمة تلميذك؟”
“لـ-لست كذلك! أنا مظلوم وأتعرض للتهمة ظلماً..…”
نظر فيليب إلى فيرناندو بنظرة باردة، و كانت أكثر تأثيرًا من مئة كلمة.
تحت الضغط الذي كان يخنقه، فتح فيرناندو فمه ثم أغلقه بشدة.
لقد أدرك أنه لا فائدة من الكلام.
“الرجاء الهدوء جميعًا.”
ضرب شنايدر بمطرقته على المنصة ليعيد النظام إلى القاعة المزعجة. ثم قال بجدية وهو يوجه كلامه إلى ممثلي البرج،
“في المحكمة، أي قتال محظور. ولكن بما أن البرج قد تسبّب في فوضى بسبب صراع داخلي، فسيتم تقييد حقهم في الكلام كعقوبة.”
وبذلك، أصبح البرج عاجزًا عن تقديم أي اعتراض.
عادت أراسيلا إلى مقعدها، وراقبت خصومها في صمت.
أولئك الذين كانوا متفاخرين وسعداء عندما دفعوها إلى هذا الموقف، كانوا الآن يواجهون خيبة أمل واضحةٍ على وجوههم.
بينما كانت ترى هذا المشهد، شعرت بشيء من الرضا، ولكن أيضًا بشعور من الخيبه تجاههم، فواصلت النظر إلى منصة المحكمة بوجه خالٍ من التعبير.
رفع شنايدر المطرقته مرة أخرى ليختتم الحكم.
“سأصدر الحكم الآن. بعد النظر في جميع الشهادات والأدلة، تم الاعتراف بالطرد غير العادل من البرج. يجب على البرج إعادة أراسيلا فاندرمير إلى منصبها على الفور، ودفع تعويض عن الأضرار. كما أطلب إعادة التحقيق في حادثة انفجار المصباح.”
دق صوت المطرقة بقوة، أكبر من المعتاد.
بينما كانت تنظر إلى السحرة المذهولين، رفعَت أراسيلا زاوية فمها مبتسمة.
كانت لإعلان انتصارها الكامل.
***
عندما انتهت المحكمة وخرجوا، استقبلتهم أشعة الشمس الدافئة.
لاحظت أراسيلا شخصين كانا يدوران بالقرب من المدخل، فابتسمت ابتسامةً عريضة.
رفعت يديها بسرعة ونادت عليهما.
“أهلاً، يا رفاق!”
“سينباي!”
ركضا سالي ورودي نحو أراسيلا بلهفة. ففتحت أراسيلا ذراعيها لاستقبالهما.
“هل كنتما تنتظرانني حتى أخرج؟”
“نعم، أردنا تهنئتكِ على نتيجة المحكمة!”
لقد كانا يشاهدان المحاكمة من مقاعد الجمهور. و كانت رؤية أراسيلا وهي تتغلب على الصعاب واحدةً تلو الأخرى أمرًا مثيرًا وممتعًا للغاية.
بينما كانت تنظر إلى هذين المتدربين المفعمين بالحيوية، أمسكَت أراسيلا بيديهما بقوة وبدأت بالكلام.
“سمعت كل شيء من داميان. لقد ساعدتما كثيرًا في كشف حقيقة حادثة المصباح.”
في الحقيقة، عندما تم طردها من البرج، كانت مفاجأة كبيرة لدرجة أنها لم تتمكن من الاهتمام بمتدربيها قبل مغادرتها.
منذ مغادرتها، كان لابد لهما من مواجهة العديد من اللحظات الصعبة.
ومع ذلك، من أجلها، كشفا عن القضية، وكان ذلك يعني لها الكثير.
كانت أراسيلا ممتنةً بصدق لوفاء متدربيها.
“أنا حقًا ممتنةٌ لكما. وأعتذر. لا بد أنكما عانيتم كثيرًا بسببي.”
“لا، سينباي. من الطبيعي أن نساعدكِ بعد أن طردوكِ ظلمًا!”
“وبالمقارنة معكِ، لم نعاني كثيرًا.”
قالت سالي وهي تلوح بيديها بسرعة، وهزَّ رودي رأسه أيضًا.
“ومع ذلك، سمعت أن حتى الموظفين في الأسفل تم فصلهم. ربما كان ينبغي عليكم أن تطلبوا من الآخرين أن يسمحوا لكم بالدخول إلى مختبراتهم.”
قالت أراسيلا ذلك وهي تربت على كتفيهما. لكن سالي ورودي، وبعد أن اختفت الابتسامة عن وجهيهما، هزا رأسيهما بحزم.
“أنتِ مثل المعلمة بالنسبة لنا، كيف يمكننا فعل ذلك؟ لقد قالوا دائمًا أن هناك معلمًا واحدًا يمكن للطالب أن يعتز به.”
“لن ننسى أبدًا كيف مددتِ يدكِ لنا عندما لم يكن لدينا مكانٌ نذهب إليه. لن نخيّب أمل من كان معنا بمثل ذلك.”
لقد تعلم الاثنان الكثير من أراسيلا، لكنهما كانا مدينين لها بالكثير أيضًا.
عندما ينضم السحرة الجدد إلى البرج، من المعتاد أن يدخلوا إلى مختبرات الكبار ليتعلموا منها.
لكن ذلك كان ممكنًا فقط إذا اختارهم الآخرون، أما السحرة الذين لم يتم اختيارهم حتى النهاية، فعليهم القيام بالأعمال الصغيرة وانتظار الفرصة التالية.
عندما انضمَّا سالي ورودي إلى البرج، كانا من عائلات فقيرة لا تمتلك أي علاقات، وكان يتم احتقارهما في كثير من الأحيان.
لم يتلقيا تعليم السحر منذ الصغر مثل الآخرين، لذلك لم يظهر أساتذة السحر أي اهتمام كبير بهما.
حتى عندما بدأ زملاؤهم في الانضمام إلى مختبرات السحرة، ظلَّا سالي ورودي في مكانهما، صامدين.
"…..هل نعود إلى المنزل الآن؟"
"نعم، دعنا نذهب."
بينما كانا يلتفتان حولهما في المكان الفارغ بحزن، كانا على وشك المغادرة.
“أنتم الاثنين، إلى أين تذهبون؟”
عندها، سمعا الصوت الصافي الذي كان يشبه صوت الجرس، فالتفتا ليجدا ساحرةً تقف هناك بجمال لدرجة أن عيونهما تكاد تخرج من مكانها.
“هل تم تحديد مختبركما بالفعل؟”
"…..لا، ليس بعد."
“إذاً تعاليا إليَّ. في الواقع، مختبري خالٍ الآن، كنت أبحث عن شخص للمساعدة.”
انجذبت سالي إلى الابتسامة المشرقة وأومأت برأسها أولاً. أما رودي، الذي كان أكثر عقلانية، لم يرد فورًا بل سأل عن هوية الشخص أولًا.
“من أنتِ؟”
“أنا؟ أراسيلا هوغو.”
"…..لماذا تريدين أخذنا معكِ؟"
إذا كان هناك لقب، فهو لقب نبيل، فلماذا تهتمُّ بشخصين من عامة الناس مثلنا؟
كان السؤال يحمل بعض الشكوك بسبب الحذر الذي بدا عليه، فأجابته أراسيلا ببساطة.
“لأنني أعتقد أنه إذا تم العناية بكما وصقلتما سحركما، ستصبحان جواهر تتألق.”
"..…نحن؟ لقد تعلمنا السحر متأخرًا مقارنةً بالآخرين، ولم نتلقَ تعليمًا جيدًا أيضًا."
“لهذا السبب أنتما أكثر تميزًا. لقد دخلتما البرج بفضل موهبتكما الخالصة.”
كانت هذه الكلمات تؤثر في قلبيهما، بعد أن تعرضا للكثير من الانتقادات والتحديات أكثر من المدح.
“أكثر من ذلك، في عيني، أنتما الأكثر تألقًا. لذا، هيا، تعالوا معي. ما رأيكما؟”
ابتسمت أراسيلا ابتسامةً واسعة، كانت تكفي لإزالة الظلال التي خلفها كونهما من عامة الناس.
مع هذا العرض الثاني، لم يرفض رودي وأومأ برأسه بالموافقة.
منذ تلك اللحظة، قرر الاثنان أن يؤمنا بها ويتبعانها بثقة.
بما أنها كانت أول من آمن بإمكاناتهما، فقد عاهدوا أنفسهم على عدم خيانة تلك الثقة أبدًا.
لذا، كانت هذه المرة مجرد رد للثقة التي منحتها لهم أراسيلا في البداية.
“سنظل دائمًا نتبعكِ، سينباي.”
“بالنسبة لي ولسالي، هناك شخص واحد فقط نقدره كأستاذة.”
“أنتما..…”
نظرت أراسيلا إليهما بعينيها المتسعتين قليلاً، متأثرةً مرة أخرى، ومدت يدها لتعبث بشعريهما بشكل فكاهي.
“إذاً، نحن الثلاثة سنظل معًا حتى النهاية.”
“بالطبع، حتى لو كان الجحيم، سنقفز فيه معًا!”
“قولي فقط الى أين سنذهب، وسنتبعكِ إلى أي مكان.”
انفجر ضحكهم معًا، وكانت وجوههم مشعةً كأشعة الشمس الساطعة، دون أي هموم أو مخاوف.
___________________
سالي ورودي ياناااس🤏🏻
دمعت مره يجننون بسرعه كتى اشوف كوبل سالي وايزيك
المهم فيرناندو كلاها وترافيس ودع هاهاعاهععع
المفروض أراسيلا مع ذا المشهد وهواشهم تجيب فشار وتقرمش
Dana