أخرج داميان الزجاجة ونظر إليها بعناية.

كانت أوراق الشاي ذات اللون الأحمر الداكن مألوفةً له.

"كانت والدتي تشربه كثيرًا. سمعت أنها حصلت عليه كهدية من صديقة في شبابها، وأعجبها مذاقه فاعتادت على شربه."

"ما اسم أوراق الشاي هذه؟"

"لا أعرف. كل ما أعلمه هو أنها أُحضرت من بلد بعيد."

رأى داميان والدته تشرب ذلك الشاي مرارًا، لكنه لم يكن يعرف أي معلومات تفصيلية عنه.

فجأة، تذكر والدته وهي جالسةٌ بجوار النافذة تحت أشعة الشمس تحتسي الشاي، فنظر إلى الزجاجة بعينين مليئتين بالحنين.

'ترى، هل وضعته هنا لأنه كان نوع الشاي المفضل لديها وأرادت الاحتفاظ به؟'

راح يمسح سطح الزجاجة البارد، ثم وضعها بحذر داخل صندوق المجوهرات.

مدّت أراسيلا، التي كانت تنتظر بصمت، ورقةً مطوية نحوه.

"إذًا، ماذا عن الاسم المكتوب هنا؟"

"همم......"

ضيّق داميان حاجبيه قليلًا وحدق في الاسم المكتوب على الورقة.

سيان موندور. حتى بعد تكراره عدة مرات، ظل اسمًا غريبًا عليه.

"لا أعرف."

"ألم يكن من بين أصدقاء والدتكَ أو أقاربها؟"

"لستُ متأكدًا. ربما لو بحثت لوجدتُ شيئًا، لكنني لم أسمع من قبل باسم عائلة موندور."

لم يسبق له أن سمع عن عائلةٍ تحمل اسم موندور، لا بين الأصدقاء أو الأقارب، ولا حتى بين النبلاء.

بالطبع، لم يكن لا أراسيلا ولا داميان منخرطين كثيرًا في المجتمع الراقي، كما أنهما لم يكونا مهتمين بالآخرين، لذا قد يكون ذلك سبب جهلهم بالأمر.

ربما تكون عائلةً نبيلة صغيرة من الأطراف.

لكن ما الذي قد يربط شخصًا كهذا بدوقة حتى يُذكر اسمه في صندوق مجوهراتها؟ كام أمراً يبعث على الحيرة حقاً.

"هل ينبغي أن نحاول معرفة من هو؟"

"......لست متأكدًا."

أجاب داميان بصراحة.

إلى أي مدى قد يفيده البحث في آثار والدته الراحلة؟

بعيدًا عن مشاعر الاشتياق والحنين إليها، لم يكن لديه الوقت ليشغل نفسه بشيء آخر الآن.

كان عليه العثور على وصية جده والانتقام من عائلة الدوق فاندرمير.

حتى لو كان ذلك الانتقام من أجل والدته، كان على داميان أن يتعامل مع الأمور الأكثر إلحاحًا أولًا.

لكن في الوقت نفسه، لم يكن يحب اضطراره إلى التصرف بتسرع حتى وهو أمام تركة والدته، فانعكس ذلك على وجهه المتجهم.

لاحظت أراسيلا ذلك بنظرة خاطفة، ثم تحدثت.

"إن كان السبب أنكَ مشغول، فسأبحث عن الأمر بنفسي. ربما كان شخصًا مهمًا لوالدتكَ."

"لكن زوجتي مشغولةٌ أيضًا، لا داعي لأن تتكلفي عناء ذلك."

"يمكنني البحث في وقت فراغي. لا يبدو أمرًا صعبًا، مجرد الاستفسار عمّا إذا كان هناك شخص بهذا الاسم."

ابتسمت أراسيلا برفق.

لن يكون الأمر أكثر من سؤال المحيطين بها عما إذا كانوا قد سمعوا من قبل باسم سيان موندور.

ثم إن الشخص الذي كان مهمًا لمونيكا، لا بد أن يكون له معنى أيضًا لابنها داميان، ولهذا أرادت أن تجد ذلك الشخص من أجله.

نظر إليها داميان بزاوية رأس مائلة قليلًا.

في كل مرة كانت تبادر للقيام بشيء من أجله هكذا، كان قلبه يضطرب ويشعر برجفة في صدره.

كان قلبه يخفق لمجرد شعوره بأنه يحظى بمعاملةٍ خاصة. و راوده الأمل في أن تستمر في معاملته بهذه الطريقة دائمًا.

لكنه كان يعلم أن ذلك مجرد طمع، لذا لم يستطع سوى أن يكتفي بقول شكرًا.

ثم فجأة، لفت انتباهه خيطٌ أبيض صغير عالق في خصلات شعرها ذات اللون الخزامي.

مدّ يده ليزيله دون أن يخبرها، مفترضًا أن الأمر بسيط، خاصةً أنها كانت تفعل الشيء نفسه معه دائمًا.

لكن على غير العادة، كانت أراسيلا متوترة، وبشكل غريزي، أمسكت بمعصمه فجأة عند اقترابه منها.

"......."

"......آه."

ساد صمتٌ للحظة، قبل أن يسحب داميان يده بوجه مرتبك.

كانت أراسيلا في حالة ارتباك لا تقل عن ارتباكه.

ألم يكن تصرفي أشبه برفض لمسة داميان؟

كان عليها أن تشرح بسرعة أن الأمر لم يكن كذلك، لكنها تلعثمت عندما تداخلت الكلمات في فمها.

و في تلك الأثناء، كان داميان هو من بادر بالاعتذار أولًا.

"أنا آسف."

"آه، لا، لا بأس. فقط تفاجأت، هذا كل شيء. أنا من يجب أن تعتذر."

".....إذاً لقد أفزعتكِ."

تحولت تعابير داميان إلى الكآبة، فأسرعت أراسيلا لتلوّح بيديها نفيًا.

"لا، الأمر ليس كذلك. لم يكن خوفي......بل أنا فقط......"

لكن لم يكن لديها أي عذر مناسب، فانتهت جملتها بتردد غامض.

كان رد فعلها مجرد استجابةٍ غريزية بسبب التوتر والإحراج، لكنها لم تستطع قول ذلك بصراحة.

لم يكن هذا أول تلامس بينهما، ومع ذلك، لم تستطع تذكر كيف كانت تتصرف مع داميان في السابق عندما لامسها.

كان ذلك منذ أيام قليلة فقط، لكنه بدا ضبابيًا في ذاكرتها.

وفي النهاية، لم تجد أراسيلا ما تقوله، فقررت تغيير الموضوع.

".....على أي حال، سأبحث عن شخص يدعى سيان موندور."

"نعم، أرجو منكِ ذلك."

قال داميان ذلك وهو ينحني لها باحترام.

وهكذا، انتهى الحديث وسط أجواء محرجةٍ ومليئة بالارتباك.

***

بعد كشف جرائم ترافيس وفرناندو، بدأ مشروع المصابيح، الذي كان قد دخل مرحلة التدهور، يستعيد عافيته تدريجيًا.

للأسف، لم يتمكن المشروع من العودة إلى مستواه السابق تمامًا، لكنه شهد نموًا مستقرًا بفضل دعم الدوق كيستون وعدد من الشخصيات البارزة الأخرى.

تم حساب الخسائر الناجمة عن حادثة الانفجار وتقديم مطالبةٍ رسمية بتعويضها من ترافيس وفرناندو.

ووفقًا للأخبار، فقد تمت مصادرة كل ممتلكاتهما، لكن أراسيلا لم تكن مهتمةً بذلك.

ففي الفترة الأخيرة، كانت منشغلةً بالتفكير في كيفية إعادة إحياء المختبر الذي أُعيد افتتاحه.

"يا رفاق، لقد بدأنا المرحلة الثانية من المختبر! لننطلق بعزيمة جديدة وننميه مرة أخرى."

"نعم، سينباي!"

أجابها سالي ورودي بحماس، فارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ راضية.

لم يتغير أعضاء المختبر، لكن تسميته بـ"المرحلة الثانية" كانت رمزًا لتجاوز المحن الماضية واستعادة الحيوية داخله.

تحدثت أراسيلا ببطء إلى متدربيها المتحمسين، تمامًا كما فعلت عندما دخلت المختبر لأول مرة.

"في الواقع، فكرت في شيء......ما رأيكم في البحث حول مصل الاعتراف؟"

اتسعت عينا سالي ورودي، اللذين كانا ينصتان إليها بتركيز شديد.

"مصل الاعتراف؟"

"نعم. بعد كل ما مررنا به في هذه القضية، أدركت أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يكذبون بوقاحة، ولا توجد طريقةٌ فعالة لكشفهم."

لم يكن أحد يعترف بكذبه إلا إذا وُضع في فخ أو تم الضغط عليه للاعتراف.

لقد سئمت أراسيلا من هذه العمليات المعقدة.

لماذا يتعين عليها أن تبذل كل هذا الجهد المضني لإثبات براءتها، بينما المخطئ هو الذي كذب في المقام الأول؟

"أليس من الرائع لو كان هناك مصل يجعل الشخص ينطق بالحقيقة فور شربه؟"

"هذا صحيح، لكن......ألم يتم تصنيع مصل الاعتراف في الماضي، ثم توقف إنتاجه بعد انقراض زهرة 'ديلاي'، التي كانت مكونه الرئيسي؟"

رفعت سالي يدها وقالت بحذر.

بالطبع، لم تكن أراسيلا هي أول من حاول صنع مصل الاعتراف. فقد جربه أحدهم من قبل ونجح في صنعه.

لكن للأسف، كان المكون الأساسي مكونًا نادرًا، زهرة ديلاي، التي نفذت بسرعة، واختفى البحث عنها بعد سنوات قليلة.

وكان ذلك قد حدث منذ أكثر من 20 عامًا.

"نعم، ولهذا فكرت في شيء. ماذا لو حاولنا إيجاد طريقةٍ لزراعة زهرة ديلاي مرة أخرى؟"

"ماذا تعنين بزراعتها؟"

"منذ ذلك الوقت، فشل البحث في مصل الاعتراف لأنهم لم يجدوا مادةً بنفس فعالية تلك الزهرة. لذا، لماذا لا نزرعها من جديد؟ بما أن فعالية الزهرة قد تم إثباتها من قبل، إذا استطعنا زراعتها بأنفسنا، فسيكون ذلك مفيدًا جدًا في عملية الإنتاج. في الواقع، مصل الاعتراف سيكون من المواد التي سنجد الكثير من الأشخاص الباحثين عنها بمجرد أن ننتجه."

"سيكون هناك الكثير من الأشخاص الذين يحتاجون إليه بغض النظر عن مكانتهم."

أومأ رودي برأسه وأبدى رد فعل إيجابي. كما كانت سالي تبدو راضيةً أيضًا.

"إذاً، سيكون موضوع المرحلة الثانية من مختبرنا هو مصل الاعتراف؟"

"نعم، هذا جيد."

"من الرائع العودة لدراسة الأدوية السحرية معكِ بعد فترة طويلة، أنا أيضًا سعيدٌ بذلك!"

تجمع الثلاثة أيديهم معًا.

"هيا، هيا، لنبذل جهدنا!"

ترددت أصواتهم الحماسية في الممر.

***

استقبل كبير الخدم ألبرت أراسيلا عند وصولها، وتوجه نحو الباب الرئيسي ليرحب بها.

"مرحباً بعودتكِ يا سيدتي."

"نعم، لم يحدث شيء غير عادي، أليس كذلك؟"

"نعم، بالطبع."

أجاب وهو يبتسم ابتسامةً ودية.

و بعد تبادل التحيات التقليدية، كانت أراسيلا على وشك الصعود إلى غرفتها. لكن عندما وضعت قدمها على الدرج، تحدث كبير الخدم بنبرة تبدو وكأنه يتردد قليلًا.

"عذرًا، سيدتي. هناك شيء يجب أن أخبركِ به."

"ما هو؟"

"في الواقع، سيكون ميلاد السيد قريبًا."

حدقت أراسيلا في كبير الخدم بلا تفكير، لكن عينيها اتسعتا بصدمة.

ميلاد داميان؟

لم تتوقع أراسيلا هذه المعلومة، خاصةً بعد كان هو أول ميلادٍ لهم بعد الزواج.

ظهرت على وجهها ملامح الدهشة لأنها لم تكن على علم بهذا. فابتسم كبير الخدم بخجل.

"لم أكن متأكدًا إذا كان السيد قد أخبركِ أم لا، لذلك تأخرت في إبلاغكِ. أعتذر."

"لا بأس. لكن متى بالضبط يوم ميلاد داميان؟"

"يوم الجمعة المقبل."

فتحت أراسيلا فمها دهشة.

بما أن اليوم هو الجمعة، فهذا يعني أن يوم ميلاده سيكون بعد أسبوع بالضبط.

كيف اقترب ميلاد زوجها دون أن تنتبه لذلك؟

أصبح عليها الآن أن تبدأ التحضير بسرعة، مما جعلها تشعر بالدهشة أكثر.

لو كانت قد عرفت مسبقًا، لكان بإمكانها التحضير بشكل تدريجي.

لماذا لم يخبرها داميان بذلك؟

ثم، قررت أن تسأله عن الأمر أثناء العشاء.

"داميان، سمعت أن يوم ميلادكَ الأسبوع المقبل."

"ماذا؟ كيف عرفتي ذلك يا زوجتي......؟"

"لماذا لم تخبرني؟"

سألتهُ بطريقة هجومية، فخجل داميان ومسح مؤخرة عنقه ببطء قبل أن يجيب.

"أردتُ فقط أن لا أزعجكِ."

"هل تمزح معي؟ كيف يكون ذلك إزعاجاً؟!"

ردت أراسيلا وهي تعبس بوجهها. فتفاجأ داميان من رد فعلها القوي، و وضع الأطباق جانبًا وأخذ ينظر حوله بتوتر.

"......هل أنتِ غاضبة؟"

"نعم، أنا غاضبة لأنكَ لم تخبرني بتفاصيل بسيطة كهذه وأخفيتها عني."

"أنا آسف، فقط......منذ أن توفيت والدتي، لم أحتفل بميلادي، لذلك لم أفكر في ضرورة إخباركِ."

بسبب اعتذار داميان وشرحه بهدوء، أغلقت أراسيلا فمها لبرهة.

لم تتخيل أبدًا أن هذا هو السبب الذي جعله لا يخبرها.

نعم، إذا فكرت في الأمر، لم يكن هناك أحد في عائلته ليتذكر ميلاده ويحتفل به.

تخيلت داميان وهو يقضي يوم ميلاده وحيدًا لفترة طويلة، فشعرت بشيء مؤلم في قلبها.

لم يكن مجرد شفقة، بل شعورٌ بالحب والتعاطف تجاهه.

الميلاد يجب أن يكون حدثًا مميزًا يُحتفل به، ولكن لا أحد كان يحتفل به معه.

شيء ما تحرك في داخلها. رغبةٌ في إعادة مشاعر الاحتفال بميلاده التي فقدها بعد وفاة والدته.

أخفضت عينيها للحظة، ثم فتحت فمها،

"من الآن فصاعدًا، سأحتفل به من أجلكَ."

"لا داعي لذلك......"

"أوه، لن أقبل الرفض. سأقوم بكل شيء بنفسي، حتى أنني سأنظم حفلة ميلاد، وأنت فقط عليكَ أن تحضر."

تردد داميان للحظة ثم أومأ برأسه. عندها ابتسمت أراسيلا بشكل مشرق.

طوال الوقت المتبقي، كانت أراسيلا تفكر في كيفية تحضير ميلاد داميان في رأسها.

كان الوقت ضيقًا، لكن لحسن الحظ، كان قد تم حل بعض الأمور من الحوادث والمشاكل.

......بما أن هذه ستكون حفلة ميلاد بعد فترة طويلة، ربما يمكنني أن أكون مبالغةً بعض الشيء، أليس كذلك؟

على الرغم من أنني لست من النوع الذي يحب الفوضى، لكن بالنسبة لداميان، هذا هو ميلاده الأول بعد سنواتٍ طويلة.

لذا، فكرت في أنه قد لا يكون سيئًا أن أكون قليلاً مبالغةً في التحضير.

"أودري."

"نعم، سيدتي."

بعد أن انتهت من تناول الطعام وعادت إلى غرفتها، أعلنت أراسيلا بحزم،

"أخبري الطاهي. سأصنع كعكة ميلاد داميان بنفسي."

"......ماذا؟"

نظرت أودري إليها بدهشة وحيرة.

كان من المعروف في عائلة الماركيز هوغو أن سيدتها، أراسيلا، لا تمتلك أي مهاراتٍ يدوية.

لذا، أرسلت لها نظرة تشكك في صدق كلامها، لكن أراسيلا التي اتخذت قرارها كانت حاسمة.

"سأصنعها بنفسي، اذهبي وأخبريه بسرعة."

"......نعم."

لم تستطع أودري أن تعارض سيدتها، فحملت قدميها المترددة وذهبت.

بالنسبة لما كانت تعرفه، كانت سيدتها تفتقر إلى المهارات اليدوية، ولم تطبخ من قبل. و كان كل ما شعرت به هو القلق.

____________________________

داميان قبل يوم ميلاده: بوووووم انفجار في المطبخ الحقونااا

ليت اراسيلا ما ابعدت يده كذا لييييه؟ وش ذا الموقف يع😭

المهم أراسيلا تجنن ابي اشوف تعبير داميان لاشاف حفلته الي مسويتها زوجته🫂 يمكن أصيح بداله

Dana

2025/03/29 · 31 مشاهدة · 1804 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025