"آه، داميان."
عندما رأت أراسيلا أنه أتى لاستقبالها، فتحت عينيها قليلًا وأمسكت بيديه.
و في اللحظة التي ازداد فيها إشراق ابتسامة داميان،
"لم أطلب منكَ مغادرة المكتب بعد. عد إليه مجددًا."
"......."
وهكذا، أُعيد داميان إلى المكتب مطرودًا مرة أخرى.
تركته خلفها مذهولًا، وتوجهت أراسيلا إلى غرفتها.
بعد أن طلبت الهدايا وأرسلت الدعوات، لم يتبقَّ سوى شيء واحد.
كتابة الرسالة.
بوجه جاد، أمسكت بالورقة والقلم وجلست أمام الطاولة.
في الحقيقة، لم تكن معتادةً على كتابة الرسائل كثيرًا، لذا كانت تفكر فيما يجب أن تكتبه وكيف تصيغه.
'أنا أيضًا أريد أن أكتب له شيئًا مؤثرًا.'
كما استطاع أن يعيد إليها روحها بمجرد سطر واحد، أرادت أراسيلا أيضًا أن تنقل إليه كلماتٍ صادقة من قلبها.
لكي تركز في مشاعرها، صرفت أودري وبقيت وحدها، ثم بدأت تكتب وتمحو مرارًا وهي تئن من التفكير.
في الخارج، كان الظلام قد حل تمامًا دون أن تشعر.
و بعد أن أدركت ذلك وضعت المصباح بجانبها مباشرةً واستمرت في صراعها مع الرسالة.
"هذا النوع من الكلمات، لو قرأها مكتوبة، قد تبدو وكأنني أتشاجر معه؟ إذاً، يجب أن أحذف هذا الجزء......"
الرسائل التي فشلت في كتابتها كانت تطويها بعنف وتلقي بها بعيدًا. فتراكمت كومة من الأوراق المجعدة تحت الطاولة.
بدأت يد أراسيلا التي كانت تكتب مجددًا تبطئ شيئًا فشيئًا. و ازدادت وتيرة إغماض عينيها، وأخذ رأسها يهتز من النعاس.
وأخيرًا، بينما كانت لا تزال ممسكةً بالقلم، أغلقت عينيها ببطء دون أن تشعر.
ملأ صوت أنفاسها المنتظمة الغرفة، حتى قاطع ذلك صوت طرق على الباب.
"زوجتي، هل أنتِ بالداخل؟"
كان داميـان الذي قد أتى قلقًا بعد أن لاحظ أنها لم تظهر رغم تجاوز وقت العشاء.
طَق-طَق-
"ماذا تفعلين في الداخل؟ هل يمكنني الدخول؟"
انتظر طويلًا، لكن لم يأتِ أي رد. وبعد تردد، فتح داميـان الباب بحذر.
بما أن أودري أكدت أنها في الغرفة، فلا بد أنها هنا بالفعل.
عندما دخل الغرفة، توقف للحظة أمام المشهد الذي انكشف أمامه.
كانت الأوراق متناثرةً على الأرض والطاولة، بينما كانت أراشِلا نائمة بعمق، مستندةً إلى الأريكة أمام الطاولة.
"زوجتي."
ناداها بصوتٍ مسموع، لكنها لم تتحرك على الإطلاق.
اقترب داميـان منها ببطء.
رغم فوضى الطاولة المليئة بالأوراق، لم يستطع منع نفسه من التركيز على وجهها الهادئ وهي نائمة.
عندما رأى خدها مضغوطًا قليلًا على مسند الأريكة، ابتسم بخفة.
رفع رأسها الصغير قليلًا ووضع يده تحته بدلًا من الوسادة. وبمجرد أن شعرت أراسيلا بالدفء الذي لامس بشرتها، فركت وجهها تلقائيًا بكفه.
شعر بدفء أنفاسها يلامس راحة يده فارتعش قليلًا.
ثم تمتم بصوت منخفض،
"حبستِ زوجك في المكتب طوال اليوم، بينما كنتِ تتجولين كما يحلو لكِ."
وأضاف بنبرةٍ أخف،
"إن كنتِ متعبةً هكذا، لما لا تنامين على السرير بدلًا من النوم بشكلٍ غير مريح هكذا؟"
رغم عتابه المليء بالمودة، لم تستيقظ أراسيلا. و ظل داميان يتأمل وجهها الذي، رغم أنها سلبت منه يومه بالكامل، لم يستطع أن يجد فيه أي شيء يجعله يغضب.
'حتى لو حبستني في كهف منعزل بدلًا من المكتب، لا أعتقد أنني سأتمكن من كرهها.'
"تبدو مثل الملاك وهي نائمةٌ هكذا......"
تنهد بخفة، ثم بحث عن وسادة. و تعامل معها بحذر شديد، كما لو كان يمسك بقطعة زجاجية ثمينة، ثم وضع الوسادة برفق تحت رأسها قبل أن يسحب يده.
وبينما كان يعدل جلسته، توجهت عيناه نحو الطاولة.
كانت الأوراق متناثرة في كل مكان، وكأنها كانت مشغولةً بشيء ما.
"ما الذي كانت تكتبه بهذه الفوضوية......؟"
تمتم مع نفسه وهو يمد يده ليلتقط الأوراق، معتقدًا أنه من الأفضل ترتيبها. لكن فجأة—
أمسكت يدٌ بذراعه بقوة.
ظهرت يدٌ صغيرة امتدت فجأة من جانبه وأحكمت قبضتها عليه.
نظر بجانبه، ليجد أراسيلا تحدق به بثبات.
لم يكن واضحًا متى استيقظت، لكن بسبب الإرهاق، بدت عيناها المتورمتان قليلاً بلون أحمر خفيف، مما منح نظرتها مظهرًا غريبًا يشوبه شيء من الجنون.
"زوجتي، لقد استيقظتِ......"
"ليس من المفترض أن تكون هنا الآن. غادر."
"......ماذا؟"
كان داميـان على وشك أن يلقي عليها تحية لطيفة ويسألها إن كانت قد نامت جيدًا، لكنه تفاجأ برد فعلها وسألها بوجه مرتبك.
إلا أن أراسيلا لم تقدم أي تبرير، وأمسكت به مباشرةً لتقوده نحو الباب.
وبينما كان يتبعها بلا وعي، توقف داميـان فجأة وسأل،
"لحظة، ألن تتناولين العشاء؟"
"لست جائعةً اليوم."
"لكن لا ينبغي أن تفوتي وجبتكِ."
كان وجهه جادًا للغاية وهو يقول ذلك، مما جعل أراسيلا تتردد للحظة قبل أن تومئ برأسها.
"سأطلب من أودري أن تحضر لي شيئًا خفيفًا."
"......ألن تتناولي العشاء معي؟"
"لا، لدي عمل أنا مشغولةٌ به. إذاً، إلى اللقاء."
كانت أراسيلا عازمةً على إنهاء رسالتها، فلم تتردد في قطع الحديث.
أُغلِق الباب أمامه ببرود. و كانت هذه هي المرة الثانية اليوم التي يُطرَد فيها.
نظر داميان إلى الباب المغلق بوجه يملؤه الذهول.
'تُرى، ما الذي كانت منشغلة به وحدها بكل هذا الإصرار؟'
إن كان الأمر متعلقًا بميلادي، فلا حاجة لكل هذا العناء حقًا.
لكن بما أنه يعرف شخصية أراسيلا، التي لا تتراجع عن قرارها بمجرد أن تعقد العزم، لم يكن أمامه خيار سوى العودة إلى مكتبه والانتظار بصبر.
***
متجر مارغولد للمجوهرات أنهى الطلب في الموعد المحدد. و عندما تأكدت أراسيلا من أن البروش وأزرار الأكمام قد وصلا بأناقة، ارتسمت على شفتيها ابتسامةُ رضا.
حاملةً صندوق الهدايا المغلف بعناية، غادرت العمل أبكر من المعتاد. فغدًا هو ميلاد داميـان، وكانت تخطط لتحضير الكعكة مسبقًا.
بمجرد وصولها إلى المنزل، بدّلت ملابسها وارتدت ثيابًا مريحة، ثم نزلت إلى المطبخ.
"سأعتمد عليكَ."
"نعم، سيدتي! سأعلمك بكل إخلاص!"
ردّ الطاهي بحماس، مستعدًا لمساعدتها في صنع الكعكة.
أما أودري، فكانت تقف خلفهما بوجه قلق وهي تراقب الموقف.
'سيدتي بالكاد تستطيع فعل أي شيء بيديها غير السحر......هل ستكون بخير؟'
دون أن تنتبه للقلق الذي يساور خادمتها، رفعت أراسيلا أكمامها وبدأت في تحضير العجين، متبعةً تعليمات الطاهي بحماس.
و هكذا، قامت بخبز العجين، ثم وضعت الكريمة، وأخيرًا زينت الكعكة بالفواكه.
كانت العملية تسير بسلاسة غير متوقعة.
"واو، إنكِ تقومين بعمل رائع!"
"حقًا؟"
"نعم! لا يبدو أن هناك شيئًا لا تجيدينه، سيدتي."
مع وابل المديح من الطاهي، ارتفعت كتفا أراسيلا بفخر، حتى أن قلق أودري بدأ يتلاشى تدريجيًا.
صحيح، لم تكن بارعةً في التطريز، لكن ذلك لا يعني أنها سيئة في كل شيء. ربما لم تجرب الطهي من قبل، لكنها قد تكون موهوبةً فيه بالفعل.
وهكذا، وصلوا أخيرًا إلى المرحلة الأخيرة، تزيين سطح الكعكة بالشراب* وكتابة العبارة عليها.
*زي صوص الهيرشي
"هل تودين أن أقوم بذلك بدلًا منكِ؟"
"لا، لا معنى للأمر إلم أنهِه بنفسي."
رفضت أراسيلا مساعدة الطاهي بشكل قاطع، واستخدمت شراب الشوكولاتة وشراب الفراولة بالتناوب، لتزين الكعكة بحركاتٍ مذهلة.
كان الطاهي وأودري ينتظران بصمت وراءها حتى تكتمل الكعكة.
"هاه، انتهيت."
وضعت أراسيلا زجاجة الشراب بتعبير راضٍ على وجهها.
كانت قد انغمست في العمل لدرجة أن خدها كان محمرًا بخجل خفيف.
تحركت جانباً لتعرض الكعكة المكتملة. فاقترب الطاهي وأودري منها بحماس.
تركيز نظراتهم كان يتجه نحو الأسفل. على سطح الكعكة بالتحديد، كانت هناك مجموعة من الفراولات مرتبةً على الحواف، وكُتبت عبارة "مبروك" بجانب رسم كان من الصعب تحديد ما هو.
ورغم أن الرسم كان غير واضح، وبسبب كتابة الحروف باستخدام شراب الفراولة، بدا وكأنها دماء تنزف من الكعكة، إلا أن الكعكة كانت تحمل نيةً طيبة.
"......."
"......."
صُدم الطاهي وأودري من المنظر الذي كان مختلفًا تمامًا عما كانوا يتوقعونه، ففقدوا القدرة على الكلام.
ثم فتحت أراسيلا فمها بفخر.
"ما رأيكم؟"
"أه، أمم، هل يمكنني أن أسأل عما رسمتِ هنا، سيدتي؟"
"ألم تعرف من النظرة الأولى؟ أودري، أنتِ ستعرفينه، أليس كذلك؟"
"......أنا؟"
لم تستطع أودري أن تجد الكلمات المناسبة، وظلت تنظرُ الى الكعكة بنظرة غير مريحة.
'من وجهة نظري، يبدو وكأنها رسمت شيطانًا شريرًا مغطى بالدماء......'
ابتلعت ما كان في قلبها حتى رقبتها بصعوبة، ثم ابتسمت بتوتر،
"أعتذر، سيدتي......لكنني أيضًا لا أعرف، هل يمكنكِ أن تخبرينا؟"
"لا أحد لديه عين ثاقبةٌ هنا."
هزت أراسيلا رأسها وكأنها استسلمت للأمر، ثم أجابت،
"لقد رسمت داميـان، أليس واضحاً؟ خط ذقنه الحاد يشبهه إلى حد ما، أليس كذلك؟"
"ماذا......؟
'هذا ليس حادًا، بل حادٌ جدًا مثل السكين.'
ظهرت نفس الفكرة في ذهن الطاهي وأودري في نفس اللحظة، لكنهما لم يجرؤا على قول ذلك.
كان من الصعب عليهما أن يعبرا عن ذلك، خاصةً وأن أراسيلا كانت تبدو سعيدةً جدًا وهي ترى الكعكة المكتملة.
ثم وضعت الكعكة في العلبة بعناية، وأعطتها لمسةً سحرية لضمان أمانها.
كانت طريقةً مليئة بالاهتمام والدقة.
"......في النهاية، المهم هو العناية والاهتمام، أليس كذلك؟"
"بالطبع. العناية مهمة. نعم، العناية."
أومأ الطاهي وأودري برؤوسهم بصمت بينما أغلقوا أفواههم.
وكانا يعتقدان أن داميـان سيتعامل مع ردود فعل حفل الميلاد كما ينبغي.
***
جاء يوم الجمعة.
و كان خدم منزل فاندرمير يتحركون بسرعة منذ الفجر.
كانت تحضيراتهم على أشدها لضمان أن يكون حفل ميلاد سيد المنزل في أفضل حالاته.
بعد فترة طويلة، ارتدى داميـان زيًا أنيقًا، وكان يحدق في نفسه في المرآة بشكل غير مريح وهو يرتدي بدلته المرتبة.
نُقشت على ياقة بدلته البيضاء تطريزاتٌ ذهبية دقيقة.
وكان التنسيق بين السترة الرمادية التي ارتداها تحتها، والكرافات الحمراء، تُظهر مظهرًا رائعًا.
تحت خصلات شعره الفضي اللامع، التي كانت قد قسمت بعناية، كان وجهه الوسيم يبدو متجمدًا بشكل غريب وكأنه متوتر.
لقد حضر العديد من حفلات ميلاد الآخرين، لكن لم تكن له تجربة في تنظيم حفلة ميلاده الخاصة.
'......لست متأكدًا إن كان هذا ما يجب علي فعله.'
تنهد داميـان تنهدةً خفيفة ومرر يده على شفتيه.
كان لا يزال يتساءل حول ضرورة إقامة حفل ميلاده.
إذا كان الحفل بسبب تعزيز العلاقات أو لأغراض أخرى، ربما كان الأمر منطقيًا، لكن هذا الحفل كان مجرد فعل من أراسيلا بدافع اللطف فقط.
هل سيكون هذا الحفل الفارغ لميلادي ممتعًا حقًا......؟
في تلك اللحظة، سُمع طرق خفيف على الباب مع صوت أراسيلا من وراءه.
"داميـان، هل انتهيت من التحضير؟"
"نعم، سأخرج الآن."
على الفور، استدار داميـان وخرج من الغرفة. وفور خروجه، ظهرت أراسيلا وهي ترتدي فستانًا كريمي اللون مزخرفًا بنقوش فضية ومزينة بشريط أحمر.
ابتسم داميـان تلقائيًا عندما واجه زوجته الجميلة. و فجأة، بدأ يشعر أن لحفل ميلاده معنى.
"أنتِ جميلةٌ كما هو الحال دائمًا."
"بالطبع، هذا أمرٌ بديهي."
ردت أراسيلا بشكل مرح، ثم مدت يدها إلى دانيـان مبتسمة ابتسامةً صغيرة.
"هل نذهب؟"
"نعم."
أمسك يدها الرفيعة بكل طواعية وبدآ في السير.
مع اقترابهما من القاعة التي سيُقام فيها الحفل، بدأ صوت الهمسات والحديث يقترب تدريجيًا.
يبدو أن عدد الحضور أكبر مما كان متوقعاً.
دون أن تكون لديه توقعات، توقف داميـان عند مدخل القاعة.
بينما كان ينظر إلى الباب الذي يُفتح ببطء، قرر داميـان في نفسه.
بما أن أراسيلا قد بذلت جهدًا، يجب عليه أن يظهر ردة فعل جيدة قدر الإمكان.
عند استرجاع ذكرياته من طفولته، كان حفل الميلاد دائمًا صاخبًا ومزعجًا، لكن من أجل أراسيلا، كان بإمكانه أن يُظهر أنه يستمتع بالاحتفال.
'هل يجب أن أكون مبتسمًا منذ دخولي؟'
ربما يكون هذا أفضل.
وفي اللحظة التي خطا فيها قدمه عبر الباب المفتوح، وحاول رفع زاوية فمه بابتسامة، حدث ما لم يتوقعه.
بوووم-!
"يوم ميلادٍ سعيد، سيدي!"
"يوم ميلاد سعيد، لورد فانديرمير!"
تطايرت فوق رأسه ألوانٌ من حبوب اللقاح، وامتلأت الأجواء بالتهاني من كل جانب.
انهار تعبير داميـان بشكل مفاجئ بسبب الوضع غير المتوقع. و كانت عيناه تتنقلان بسرعة عبر قاعة الحفل.
القاعة المزخرفة بالزهور الطازجة والمليئة بالناس.
و أعضاء فرسان الصقر الأحمر، وكولين، والأمير لوكاس، وعائلة الماركيز هوغو، وأصدقاء أراسيلا مثل باولا، وعدد من المعارف الآخرين......
تجمعوا جميعًا ليهنئوا داميـان بميلاده بابتساماتٍ مشرقة.
كان الموقف يشبه تمامًا حفل الميلاد الذي كان يغار منه في طفولته ويغبطه، حفل أوسكار.
عندما أدرك ذلك، شعر داميـان بشيء غريب في نفسه. هو الذي كان في البداية لا يشعر بأي شيء من هذا القبيل.
غير متأكد من كيفية الرد، وقف ساكنًا، حتى أمسكت أراسيلا بيده وهمست له،
"لنذهب، داميـان. هذا الحفل من أجلكَ."
تابعها داميـان كما لو كان في حالة من التنويم المغناطيسي.
هذا المنظر الهادئ والدافئ الذي كان يظن أنه غير مسموح له بالشعور به، أحاط به بشكل طبيعي.
كان هذا هو أول حفلٍ ميلاد من أجل داميـان.
فقط من أجله.
_______________________
يجنن يجننن يجنوووون أراسيلا بعد تجنن تجنننن
دمعت مع الفصل مشاعر داميان نمنم ودي اضمه 😭🫂
لو كل الفصول الباقيه على ذا الرتم انا موافقه خلاص ماعاد ابي خشة فريدريك ولا اوسكار
Dana